موضوع: الإعتزاز بالإسلام الخميس 11 أغسطس 2011, 3:56 am
رضا بن محمد السنوسي
أما بعد:
أحبابنا في الله: الإسلام هو الدين القيم الذي فيه صلاح البلاد والعباد، وهو أعظم المنن التي منّ بها الكريم الوهاب، وقد تكفل الله لمن سلكه بسعادة الدنيا والآخرة، فيه المبادئ السامية، والأخلاق العالية، والنظم العادلة. إنه الدين الذي ينبغي لنا أن نفتخر به، وأن نتشرف بالانتساب إليه، فمن لم يتشرف بهذا الدين ويفخر به ففي قلبه شك وقلة يقين.
إن الحق يخاطب حبيبه قائلاً: وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْـأَلُونَ [الزخرف:44]. أي: شرف لك وشرف لقومك وشرف لأتباعك إلى يوم القيامة.
وممـا زادني شـرفاً وتيهـاً وكدت بإخمصي أطأ الثريا دخولي تحت قولك يا عبادي وأن صيرت أحمد لي نبياً
إن الشرف أن تكون من عباد الله الصالحين، وأن تعمل الصالحات وتجتنب المحرمات.
إن الشرف أن تدعو لهذا الدين، وأن تتبع سنة خير المرسلين ، لقد أدرك سلفنا الأول عظمة هذا الدين، فقدموا أنفسهم وأموالهم رخيصة لهذا الدين.
لقد كان الإسلام هو شرفهم الأول وغاية آمالهم، فهذا عبد الله بن أم مكتوم – رضي الله عنه الذي يقول له النبي : ((مرحباً بالذي عاتبني فيه ربي)) – لما أتى داعي الجهاد في سبيل الله، وارتفعت راية الإسلام، ونادى النفير للجهاد، فيقول له الصحابة: إنك معذور، أنت أعمى، وذلك لقوله تعالى: لَّيْسَ عَلَى الاْعْمَى [الفتح:17]. فيجيبهم: لا والله، والله يقول: انْفِرُواْ خِفَافًا وَثِقَالاً [التوبة:41].
فلما حضرت المعركة أعطوه الراية، وقالوا: إياك أن نؤتى من قبلك فقال رضي الله عنه: بئس حامل القرآن إن أتيتم من قبلي، فوقف مكانه حتى قتل، فكان قبره تحت قدميه رضي الله عنه وأرضاه.
وهذا فارس آخر من فرسان الإسلام العظام، الذين تربوا على يد محمد ، فقدموا للبشرية الشرف العظيم في انتمائهم للإسلام وتشرفهم به، إنه جليبيب رضي الله عنه، ذلك الصحابي الذي لم يكن يملك من الدنيا إلا الإيمان الذي ملأ قلبه، فأضاء له الدنيا.
جاء جليبيب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتبسم عليه الصلاة والسلام لما رآه، وقال: ((يا جليبيب أتريد الزواج))؟ فقال: يا رسول الله، من يزوجني ولا أسرة عندي ولا مال ولا دار ولا شيء من متاع الدنيا؟! فقال عليه الصلاة والسلام: ((اذهب إلى ذلك البيت من بيوت الأنصار، فأقرئهم مني السلام، وقل لهم: إن رسول الله يأمركم أن تزوجوني))، فذهب وطرق عليهم الباب، فخرج رب البيت، ورأى جليبيباً، فقال له: ماذا تريد؟ فأخبره الخبر، فعاد إلى زوجته، فشاورها، ثم قالوا: ليته غير جليبيب، لا نسب ولا مال ولا دار، فشاروا الفتاة، فقالت: وهل نرد رسول رسول الله فتزوج بها.
وحضر النبي غزوة من الغزوات، فلما كتب لهم النصر قال النبي لأصحابه: ((هل تفقدون من أحد))؟ قالوا: نعم، فلاناً وفلاناً وفلاناً، ثم قال : ((لكني أفقد جليبيباً، فاطلبوه))، فطلب في القتلى، فوجدوه إلى جنب سبعة قد قتلهم، ثم قتلوه، فأتى النبي فوقف عليه، فقال: ((قتل سبعة ثم قتلوه، هذا مني وأنا منه))، ثم وضعه على ساعديه، ليس له إلا ساعدا النبي ، ثم حفر له ووضع في قبره. [المسند: 4/422، مسلم: 4/1918].
فانظروا – رحمكم الله – إلى هذا الرجل الذي يفتخر به النبي ، ويضع ساعده الشريف وسادة له حتى يحفر له القبر إكراماً له، مع أنه من الفقراء في المال، لكنه من الأعزاء بالإسلام المتشرفين بالانتساب له.
إنهم عظماء؛ لأنهم عاشوا في كنف محمد .
واستمعوا إلى قصة عظيمة، إنها قصة عمر رضي الله عنه حينما خرج إلى القدس ليتسلم مفاتيح بيت المقدس – أسأل الله أن يعيده إلينا – يخرج عمر على حاله المعروفة، فيستعرض الجيش الإسلامي العظيم، ويقول قولته المشهورة: نحن قوم أعزنا الله بالإسلام، ومهما ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله. ثم يقترب من أبي عبيدة فيعانقه، ويبكي طويلاً، فيقول عمر: يا أبا عبيدة، كيف بنا إذا سألنا الله يوم القيامة ماذا فعلنا بعد رسولنا ؟ فيقول أبو عبيدة: يا أمير المؤمنين، تعالى نتباكى، ولا يرانا الناس، فانحرفا عن الطريق والجيوش تنظر إليهما، فاتجها إلى شجرة، ثم بكيا طويلاً رضوان الله عليهم أجمعين.
ترى هل سأل أحد منا نفسه ماذا فعلنا بعد رسول الله ؟ هل حافظنا على سنته؟ هل اتبعنا ملته؟ ألم نفرط أو نضيع؟ ومع ذلك لا نرى فينا باكياً.
لقد عرف سلفنا – رضوان الله عليهم – أن الحياة إنما تصرف في مرضاة الله وطاعته، وأن عزهم في دينهم وتمسكهم به، وأن ارتباطهم إنما هو بالله الواحد الأحد.
حج هشام بن عبد الملك، فلما كان في الطواف رأى سالم بن عبد الله وهو يطوف وحذاؤه في يديه، وعليه ثياب لا تساوي ثلاثة عشر درهماً، فقال له هشام: يا سالم، أتريد حاجة أقضيها لك؟ قال سالم: أما تستحي من الله، تعرض عليّ الحوائج وأنا في بيت من لا يُعوز إلى غيره؟! فسكت هشام، فلما خرجا من الحرم قال له: هل تريد شيئاً؟ قال سالم: أمن حوائج الدنيا أو الآخرة؟ فقال: من حوائج الدنيا. فقال سالم: والله الذي لا إله إلا هو ما سألت حوائج الدنيا من الذي يملكها تبارك وتعالى، فكيف أسألها منك؟
إنه الإيمان الذي ربى القلوب على التعلق بالله والنزول في حماه والالتجاء إليه والاعتصام به.
إخوة الإسلام: هذه نماذج رائعة أذكرها لكم لكي يكون لنا فيها الأسوة والقدوة في التشرف بالإسلام، والاعتزاز به، والاعتماد على الله، والتوكل عليه، والسير على نهجه، والالتزام بسنة نبيه ، فاتقوا الله عباد الله، واعرفوا الإسلام حق المعرفة، واسلكوا طريقه تفلحوا وتسعدوا.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بالآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً. .. أما بعد:
إخوة الإسلام:
لكي ينشأ أبناؤنا على تعاليم الإسلام وشرائعه، يجب علينا أن نعظم شعائر الله في قلوبهم، يجب أن نربي أبناءنا على تعظيم الله بامتثال أوامره واجتناب نواهيه، وأن نشعرهم بأن الخير من الله، ولا يدفع الشر سواه، وأن أمورنا إنما تكون بأمره سبحانه، فهو المتصرف كيف يشاء، وأن ننزل حاجاتنا به فهو المؤمل سبحانه، يأكل باسم الله، يخرج متوكلاً على الله، يدرس ابتغاء مرضاة الله.
كما يجب أن نعظم في قلوبهم القرآن الكريم حفظاً وتلاوة، ونشعرهم بعظمة هذا القرآن وما فيه من خير وسعادة.
ومما يجب أن يعظم في نفوسهم حب رسول الله ، وذكر سيرته وجهاده ورحمته وشفقته وشفاعته وإحسانه، وأنه الرحمة المهداة، وذلك بكثرة الصلاة والسلام عليه، وتقديم حبه على كل شيء.
إن المسئولية في هذا ملقاة على عواتق أولياء الأمور، فليتقوا الله في ذلك، وليحسنوا التربية حتى تخرج الثمار المباركة. اللهم وفقهم لما تحبه وترضى.
ثم صلوا على الحبيب المصطفى والنبي المجتبى، فقد أمركم بذلك مولانا في محكم التنزيل فقال: إِنَّ اللَّهَ وَمَلَـائِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِىّ ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيماً [الأحزاب:56].
الإعتزاز بالإسلام
يميل الإنسان إلى الاحتماء بقوة عظيمة يستمدّ منها العون، والغلبة، والنصر، فيجعلها مصدر قوة يتقوّى بها، ومبعث فخرٍ يتشرّف بالانتماء إليها أو الاحتماء بها. وهو ما يطلق عليه الاعتزاز. فإذا رأى إنسان ما أنّ تميّزه يكمن في انتمائه إلى بلدٍ ما أو قوميةٍ ما أو جنسيةٍ ما أو طبقةٍ ما، جعل من بلده أو قوميته أو جنسيته أو طبقته مصدر قوّته وغلبته، ومبعث فخره وشرفه، فيعتزّ بها ويباهي بالانتساب إليها.
وقد أبطل الإسلام اعتزاز البشر بالبشر أو بقومياتهم أو بأعراقهم أو بغير ذلك، وجعل الاعتزاز بالله عزّ وجلّ وحده. قال تعالى: «مَن كَانَ يُرِيدُ الْعزّة فَلِلَّهِ الْعزّة جَمِيعًا» (فاطر: 10)، وقال سبحانه: «الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعزّة فَإِنَّ العزّة لِلّهِ جَمِيعًا» (النساء: 139)، وقال سبحانه: «وَلِلهِ الْعزّة وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ» (المنافقون: 8).
هذه النصوص القرآنية الكريمة تحمل توجيهاً للناس جميعاً أن يطلبوا العزّة من الله سبحانه، فمن آمن بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد نبيناً ورسولاً، سما بشخصيته، وأعلن ولاءه لدينه، واعتز بعقيدته، عزّة العلم والإيمان، وليست عزّة الإثم والعدوان. أما النفس الذليلة فلا تصلح لعمل، ولا يرجى منها خير، إلا إذا تخلت عن أسباب هذه الذِلة، وعرفت أن الحياة الكريمة لا تكون إلا بالإقدام على الله وبذل النفس في مرضاته. ولكي يملأ الإسلام حياتنا بمعنى العزّة، تبدأ كلمات الأذان بكلمات يقول فيها المؤذن على ملأ من الناس: «الله أكبر، الله أكبر»، فالله أكبر من كل كبير، وأكبر من كل عظيم، وأكبر من كل قوي، وأكبر من كل غني، فهو وحده الكبير المتعال، فيا من تطلب العزّة أو الحياة أو المال أو الجاه من غني فالله أكبر من الغني، ويا من تطلب العزّة من عظيم، فالله أكبر منه مهما عَظُم. ففي كل أركان الصلاة شرَع الله أن نُردد في حال الانتقال من ركن إلى ركن بقولنا: «الله أكبر»، فإذا ركعت تقول: «سبحان ربي العظيم»، فلا عظيم إلا الله، وإذا سجدت تقول: «سبحان ربي الأعلى»، فلا أعلى على الخلق إلا الله. فهذا يورث كمال العزّة والكرامة التي يعرف الإنسان بها قدره، وأن العظمة لله وحده، وأنه لا استعلاء لأحد من البشر. كل هذا ليوقن المسلم يقيناً لا يهتز ولا يزول، أنّ كل متكبرٍ بعد الله صغير، وأن كل متعاظم بعد الله حقير، فكأن هذا النداء يَرُد الناس إلى الصواب كلما أطاشتهم الدنيا وضللتهم متاهاتها الطامسة « فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ * فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ لِّنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لَا يُنصَرُونَ » (فصلت:15-16).
لذلك فإنّ المسلم لا يعتزّ إلاّ بالله، ولا يستمدّ القوة والغلبة والنصرة إلا منه. فالعزّة بالله هي العزّة الحقيقية الدائمة الباقية، والعزّة بغيره مذلّة. عن طارق بن شهاب قال: «لما قدم عمر بن الخطاب الشام عرضت له مخاضة، فنزل عمر عن بعيره، ونزع خفيه - أو قال موقيه- ثم أخذ بخطام راحلته وخاض المخاضة. فقال له أبو عبيدة بن الجراح: لقد فعلت يا أمير المؤمنين فعلا عظيما عند أهل الأرض، نزعت خفيك وقدت راحلتك وخضت المخاضة. قال: فصك عمر بيده في صدر أبي عبيدة وقال: أوه، لو غيرك يقولها يا أبا عبيدة، أنتم كنتم أقل الناس فأعزكم الله بالإسلام، فمهما تطلبوا العزّة بغيره يذلكم الله عز وجلّ» (رواه الحاكم في المستدرك والبيهقي في الشعب).
لقد بين القرآن الكريم طريق العزّة فقال تعالى: «مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ» (فاطر: 10)، قال ابن كثير ـ رحمه الله ـ : «من كان يحب أن يكون عزيزاً في الدنيا والآخرة فليلزم طاعة الله، فإنه يحصل له مقصوده؛ لأن الله تعالى مالك الدنيا والآخرة وله العزّة جميعاً»، قال تعالى: « قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ » (آل عمران: 26)، يُعَقِب الإمام ابن كثير على هذه الآية فيقول: «أي أنت المعطي، وأنت المانع، وأنت الذي ما شئت كان، وما لم تشأ لم يكن»، وبهذا نعلم أن العز الحقيقي إنما يكون بالقيام بطاعته سبحانه واتباع رسله، والذل الحقيقي إنما يكون بمعصيته. وإن وُجد مع أهل المعاصي عزٌ ظاهر، وانتفاش دنيا، فإن ذلك محشوٌّ بالذل والهوان، قد يشعر به صاحبه، وقد تغلب عليه السكرة، فلا يشعر به.
فمن أطاع الله واجتنب معاصيه أعزه الله تعالى، فمع كل طاعةٍ عز وتكريم، ومع كل معصية ذل ومهانة، وقد ربط الله سبحانه العز بالطاعة، فهي طاعة ونور، وربط الله سبحانه الذل بالمعصية، فهي معصية وذل وظلمة وحجاب بين العاصي وبين الله تعالى.
قد يعتزّ الإنسان بقوة البدن فيأتيه المرض فيهده هداً، وقد يعتزّ بالمال فإذا المال غول قاتل، وقد يعتزّ بالنسب والحسب فيأتيه الضياع من كل مكان، وقد يعتزّ بالعلم فلا يزيده العلم إلا انحرافاً، وقد يعتزّ بالمنصب والجاه والقوة والجبروت، فتدور عليه الدوائر فيصبح أذل الأذلاء. إنّ اعتزاز البشر بأجناسهم وألوانهم ولغاتهم وأنسابهم وأموالهم هي عِزّة جوفاء على شفا جرف هار، تستمد زيفها من تصورات خاطئة، وقيم زائلة زائفة. أما الاعتزاز بالله فباقٍ دائم، لا يحول ولا يزول، ولذلك قال تعالى: « وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ » (المنافقون: 8). هذه العزّة هي الحصن القوي أمام المتعالين بالثروة، أو المفاخرين بالنسب، أو المكاثرين بالعدد، أو المزهوين بالقوة، أو غير ذلك من أعراض الدنيا.
إن أخطر ما يصيب الأمة الإسلامية روح الهزيمة النفسية، وضعف الهمة الذي يولّد الانحطاط والتقهقر والتخلف. إن الأمة الإسلامية ـ وهي تعيش في ظل هزيمة نفسية ـ بحاجة إلى أن تبث في نفوس أبنائها معاني العزّة، تعمقها في شخصياتهم، وتصقل بها فكرهم ورأيهم، وترفع بها ذكرهم، وتدفعهم بها نحو المعالي والسؤدد والشموخ. يشعر المؤمن الذي تعلق قلبه بالله أنه عزيز بتلك القوة المستمدة من العبودية الحقة لله، فهو الإله الخالق الرازق الضار النافع المحيي المميت، المالك للأمر كله بلا شريك، ومن ثم لا يعود يخشى الأشياء ولا الأشخاص المتجبرين، يرفض المساومة على الشرف والكرامة، لأنه يعلم أن الله هو المدبر الحقيقي لكل ما في هذا الكون، وأن أحداً في الكون كله لا يملك شيئاً مع الله، فعلامَ إذاً يَذِلُ لغير الله؟! وعلامَ يبذل من كرامته وعزته لبشر مثله عاجز، ولو كانت في يده مظاهر القوة؟! ولماذا يبذل من كرامته وعزته لبشر مثله ضعيف، وإن كان جباراً في الأرض؟! هذا الضعيف العاجز محتاج لما عند الله، لأن الله هو الحي القيوم، وكل ما عداه صائر إلى زوال.
إنّ المسلم الذي أدرك قيمة الإسلام وتميّزه، ووعى على مصدر عزّته، افتخر بالانتماء إليه، وتَشَرف بذلك. فاعتزّ بهذا الدّين، وبعقيدته، وبنظامه، وبقيمه، وبنمط عيشه، وافتخر بأنه جزء من الأمة الإسلامية. هذه الأمة التي قال فيها الله سبحانه وتعالى: «وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا» (البقرة: 143) وقال فيها: «كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّه» (آل عمران: 110)، وأخرج أحمد عن حكيم بن معاوية عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أنتم توفون سبعين أمة أنتم خيرها وأكرمها على الله تبارك وتعالى». إنّ دينا عقيدته هي الحقّ، ونظامه هو العدل، ورسالته هي الرحمة، حقيق أن يعتزّ به المسلم، ويباهي به ويفاخر، ولا يخجل من الانتساب إليه، فيبيّن أحكامه كما أنزلت، ويصرّح بمفاهيمه كما جاءت. قال تعالى: «كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ فَلاَ يَكُن فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِّنْهُ لِتُنذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ» (الأعراف: 2) وقال: «فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَآئِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَن يَقُولُواْ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ كَنزٌ أَوْ جَاء مَعَهُ مَلَكٌ إِنَّمَا أَنتَ نَذِيرٌ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ» (هود: 12).
عدل سابقا من قبل الاميره سلمي في الأحد 28 أغسطس 2011, 1:58 pm عدل 1 مرات