خطبه الجمعة فى المسجد النبوى

المقدمة

الحمد لله ، نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، خصنا بخير كتاب أنزل وأكرمنا بخير نبي أرسل ، وأتم علينا النعمة بأعظم دين شرع ، وجعلنا بهذا الدين خير أمة أخرجت للناس أمة وسطا لنكون شهداء على الناس ويكون الرسول علينا شهيدا ، وأشهد أنا سيدنا وإمامنا وأسوتنا وحبيبنا ومعلمنا محمداً عبد الله ورسوله ، أدى الرسالة وبلغ الأمانة ونصح للأمة وجاهد في الله حق جهاده وأحيا الله برسالته قلوباً ميتة وأسمع به آذانا صما وبصر به أعين عمياً وأخرج به الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد ، اللهم صلي وسلم وبارك على هذا الرسول الكريم وعلى آله وصحابته وأحينا اللهم على سنته وأمتنا على ملته واحشرنا في زمرته مع الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً .

أما بعد ،،،

إلى أعلى
ظاهرة عامة ومرضية
فيا أيها الأخوة المسلمون ، انتشرت في قطر وفي بلاد الخليج عامة ظاهرة مرضية ، ظاهرة يؤسف لها ، إنها ظاهرة الطلاق ، كثرة الطلاق حتى أن الإحصائيات تقول أن أكثر من 30% من حالات الزواج يتم فيها الطلاق ، وهذا أمر يحتاج إلى علاج وقد أقلق الذين يهتمون بشؤون الأسرة ، دار تنمية الأسرة في قطر ووزارة الأوقاف وكل من يهتمون بهذا الأمر رغبوا إليّ أن أتحدث عن هذه الظاهرة المرضية المقلقة التي تحتاج إلى علاج ، ونحن نعتقد أنه ما من داء إلا له دواء وما من عقدة إلا لهاحل وما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء علمه من علمه وجهله من جهله ، واعتقد أن شيوع هذه الظاهرة لا سبب له إلا بعد الناس عن الإسلام الصحيح وعدم فهمهم لما شرعه الإسلام في أمر الطلاق ، لو أن الناس أحسنوا الفهم لدينهم وأحسنوا الالتزام بأحكامه وآدابه وتوجيهاته ما شاعت هذه الظاهرة ، إن الإسلام شرع الطلاق لسبب ، هذا السبب هو تعذر التفاهم والوفاق واستحالة العشرة بين الزوجين ، فلم يكن يقبل هذا الدين الذي جاء يعالج الواقع ولا يحلق في مثاليات حالمة مجنحة ، لم يكن يقبل أن يعيش اثنان تحت سقف واحد كلاهما يبغض الآخر ولا يطيقه ، ما أراد الله أن يبقى الناس رغم أنوفهم يتعايش بعضهم مع بعض ، وكما قال أبو الطيب قديما

ومن نكد الدنيا على الحر أن يرى

عدواً له ما من صداقته بد

وقال أحد الحكماء (إن من أعظم البلايا مصاحبة من لا يوافقك ولا يفارقك) ، لهذا شرع الإسلام الطلاق ، لم يكن كالمسيحية التي منعت الطلاق ، بعضها منع الطلاق منعاً باتاً لأي علة من العلل أو سبب من الأسباب ، وبعضها أجاز الطلاق لعلة الزنى ، إذا خانت المرأة زوجها وثبت عليها ذلك ، وأحياناً كان بعض المسيحيين يتفق هو وزوجته على أن يقول أنها زنت ليفترقا ليجوز لهما الافتراق ، الإسلام الواقعي لا يفعل ذلك ، إنما أجاز الفراق عند تعذر الوفاق ، كما قال تعالى (وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته وكان الله واسعاً حكيما).

إلى أعلى

أسباب الطلاق

لايجوز للمسلم أن يسارع بالطلاق لأدنى سبب أو لأول وهلة أو لعاطفة تبدو منه يكره منها امرأته أو ينفر منها ، لا ، المسلم مطالب أن يضغط على نفسه ، أن يصادر عاطفته في أول الأمر ، وأن يعيش صابراً على زوجته ، وكذلك المرأة ، يقول الله تبارك وتعالى (وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيرا) ، معناها أنك إذا أحسست بالكراهية من امرأتك لا تبادر بالانفصال واصبر عليها لعل هذه المرأة هي التي تكون عوناً لك في شيخوختك ممرضة لك إذا سقمت ، لعل الله يرزقك منها ذرية صالحة (فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيرا) لا يبيح الإسلام للرجل أن يسارع بالطلاق وإنما يتأنى ويتريث ، عليه أن يتأنى ويتريث قبل أن يبادر بفض هذه الأسرة وهدم هذه المؤسسة ونقض هذا الميثاق الغليظ كما سماه الله تبارك وتعالى، لابد أن يتريث ولا بد أن يلجأ إلى غيره ، إذا كان النشوز من المرأة فلابد من مراحل في التأديب ، الوعظ ثم الهجر في المضجع وعند اللزوم الضرب الغير المبرح وفي غير المقتل وفي غير الوجه إلى آخره ، وإذا كان النزاع والشقاق بين الطرفين فلابد من اللجوء إلى حكم من أهله وحكم من أهلها ، هذا أمر الله تبارك و تعالى (فإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما) ومعنى الحكم هو الإنسان القادر على الحكم ، لابد أن يكون صاحب رأي ، ولابد أن يكون بعيداً عن الهوى ، لابد أن يكون حريصاً على الإصلاح والتوفيق ، ولهذا حينما بعث عمر بن الخطاب رضي الله عنه رجلين ليصلحا بين زوجين ، ثم عادا ، فسألهما ماذا صنعتما ؟ قالا : يا أمير المؤمنين حاولنا أن نصلح بينهما فأخفقنا فقال لهما : اصلحا نياتكما وعودا ، عودا بنية جديدة فعادا الرجلان فوقهما الله ليصلحا بين الزوجين ، فرجعا إلى أمير المؤمنين وقال لهما : ماذا صنعتما ؟ قالا : يا أمير المؤمنين أصلح الله بينهما ، قال : صدق الله العظيم إذ يقول (إن يريدا إصلاحاً يوفق الله بينهما) الإرادة والنية.

إلى أعلى

المؤسسة المقدسة
هكذا أراد الإسلام أن لا يهدم هذه المؤسسة المقدسة بسهولة ، ليست لعب لاعب ، ولا عبث عابث كما نرى بعض الناس ، هذه المؤسسة يجب الحرص عليها ، ولا يجوز للمرأة أن تطالب زوجها بالطلاق من غير ما بأس ولا سبب ، النبي عليه الصلاة والسلام يقول " أيما امرأة سألت زوجها الطلاق من غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة " لا يجوز طلب الطلاق ، ولا يجوز أن يطلق الرجل من غير ما سبب قاهر يضطره إلى الطلاق ، لأنه يعدم هذه الأسرة ويعدم المصالح التي رتبها الله عليها ويفرق بين اثنين جمعهما الله وربما كان هناك ذرية وأولاد فتتشتت بعد ذلك ويكون من وراء ذلك مصائب وكوارث نفسية وأخلاقية واجتماعية ، ولهذا الأصل في الطلاق الحظر ، وإنما يجوز لما يشبه الضرورة ، وهذا معنى الحديث " أبغض الحلال إلى الله الطلاق " هو حلال ولكن بضوابطه وبشروطه ، لا يجوز أن يتسارع الناس في الطلاق ، فإذا طلق الرجل والحالة بينه وبين زوجه مستقيمة فهذا طلاق محرم ، الله تعالى يقول في حالة النشوز (فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا إن الله كان عليّاً كبيرا) إذا تركت المرأة النشوز وعادت إلى رحاب الطاعة فلا تبغ عليها سبيلا لا تكن باغياً ولا تكن ظالماً فتطلقها من غير حاجة ، والقرآن يجعل التطليق بين المرء وزوجه من عمل السحرة الكفرة ، يفرقون به بين المرء وزوجه ، واعتبر إبليس أن من أفضل ما يقوم به جنوده حينما يبعثهم في الأرض هنا وهناك حينما يأتي أحد جنوده إليه فيقول لازلت وراءه حتى شرب الخمر ، فيقول لعله يتوب منها ، لازلت وراءه حتى فعل كذا فيقول لعله يتوب .. وقال له أحد جنوده لازلت وراءه حتى طلق امرأته فيقول له أنت أنت ويضع التاج على رأسه ، أنت تلميذي بحق أنك فرقت وهدمت هذه الأسرة ، لهذا لا يجوز أيها الأخوة أن نبادر بإيقاع الطلاق إلا عند التعذر ،تعذر الوفاق تماماً

إلى أعلى

فلماذا إذن نرى هذه الظاهرة تنتشر بين الناس ؟

نرى هذا الطلاق يقع في كل حين ، ما سر هذا ، سر هذا هو كما قلت عدم الفهم ، متى يقع الطلاق ؟ وفي أي وقت يقع ؟ وبأي صيغة يقع ؟ ولماذا يقع ؟ وأبادر فأقول إن من أسباب كثرة الطلاق في مجتمعاتنا توسع جماعة من أهل الفتوى في إيقاع الطلاق بكل لفظ وبأي صفة وفي أي وقت ومن أي شخص ، فإذا كان الشخص سكران وقع طلاقه ، وإذا كان الشخص غضبان وقع طلاقه ، وإذا كان الشخص معتوها وقع طلاقه وإذا طلق في حالة الحيض وقع طلاقه وإذا طلقها في طهر مسها فيه وقع طلاقه وإذا كان الطلاق يمينا أي أراد بها الحمل على شيء أو المنع من شيء أوقعوا هذا الطلاق ، وإذا كان طلاقا معلقاً وقع الطلاق ، وهذه كلها في الحقيقة لا يقع بها الطلاق ، الطلاق عملية جراحية يلجأ إليها الإنسان مضطراً ، أما أن يوقع الطلاق بهذه السهولة فهذا ما ينبغي أن نرفضه وهذا ما أعيبه على بعض أهل الفتوى في بعض دول الخليج ، يذهب الرجل إلى المحكمة ويقول له تهاوشت مع رجل في المحل أو في الشارع أو في الطريق وحلفت بالطلاق لأفعلن كذا في وقت كذا ولم أفعله أو أن لا أفعل كذا ثم فعلته ، يقول له طلقت امرأتك ، هو طلق بالثلاثة فقد قال (عليّ الطلاق بالثلاثة) فيقول له طلقت امرأتك منك وبانت منك بينونة كبرى ، ولا تحل لك حتى تنكح زوجاً غيرك ، والمرأة لا علاقة لها هو مع امرأته سمن على عسل ، تشاجر مع شخص في الشارع وقال هذا الكلام ، هذه المحاكم توقع هذا وتعطيه صك ثم بعد ذلك يأتي أمثالي من أهل الفتوى ويسأله فيقول له انتهت مادام أنت ذهبت إلى المحكمة انتهت ، انتهت القضية تماماً ، هذه مشكلة الإنسان الذي يحلف بالطلاق ، هذا خروج بالطلاق عن مشروعيته ، الإسلام لم يجعل الطلاق ليكن يميناً ، اليمين في الإسلام لا يكون إلا بالله ، النبي عليه الصلاة والسلام يقول " من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليذر " الحلف إنما يكون بالله لا بالطلاق ولا بشيء من هذا ، إنما الناس اتخذوا الطلاق يميناً فأوقع به الكثيرون الطلاق ، وأنا أقول في هذا ما قاله بعض السلف ورجحه شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم وغيرهم ، أن هذا الطلاق لا يقع وفيه كفارة يمين ، نعامله معاملة اليمين ، كما إذا حرم الرجل الشيء الحلال كأن يقول حرام عليّ أن أدخل هذه الدار أو حرام عليّ أن أكلم فلاناً ثم كلمه أو دخل الدار ، القول الصحيح أن في هذا كفارة يمين ، وكذلك اليمين بالطلاق ، هذا لا يقع إنما فيه كفارة ، ومثل ذلك الطلاق المعلق وبعض الناس يعلق الطلاق على أشياء لا ذنب للمرأة فيها ، يقول لها إن دخلت عليك أختي في داري تكونين طالقاً ثم أن أخته تكره زوجته فتدخل عليها ، ما ذنبها هي ؟ إن كلمتك فلانة فأنت طالق ، فإذا كلمتها فلانة فماذا تفعل هي ؟ ، أحياناً هناك أنواع من الطلاق المعلق غريبة جداً ومع هذا نرى أهل الفتوى يتسارعون في إيقاع هذا الطلاق ، أنا من الذين يميلون إلى التضييق في إيقاع الطلاق وهو مذهب الإمام البخاري وهو ما رجحه ابن تيمية وابن القيم ومدرسة التجديد الإسلامي ، أن الإسلام يريد لهذه المؤسسة الأسرة أن تستقر وأن تستمر لا يريد أن يهدمها بأدنى سبب ولأول وهلة ، أما الذين يريدون هدم هذه الأسرة بغير ما سبب ، يخرج الرجل من بيته ثم يعود فيجد امرأته طلقت وهي لا تدري شيئاً ولا تعرف عن هذا الأمر شيئاً ، أهذا هو الإسلام .

ثم أن الإسلام شرع الطلاق مرتين ، الطلاق التي تجوز فيه الرجعة أو ينبغي فيه الرجعة مرتين ثم الثالثة لا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره ، هؤلاء لم يجعلوا للإنسان مرة أو مرتين ، أوقعوا الطلاق كله في لفظ واحد وفي مجلس واحد مرة واحدة ، هذا ضد ما شرع الله عز وجل ولذلك ينبغي قبل كل شيء إذا أردنا أن نصحح المسيرة ، أن نصححها فقهياً بتبني مذهب أولئك السلف الذين لا يوقعون الطلاق إلا عن وطر كما قال ابن عباس (إنما الطلاق عن وطر) أي عن حاجة وعن غرض مشروع أن الإنسان لم يعد قادراً على التفاهم مع زوجته ، أو هي لم تعد قادرة على التفاهم مع زوجها ، استحالت العشرة ، هنا يشرع الطلاق ، أما التوسع في إيقاع الطلاق فهذا ليس بالأمر المرضي .

إلى أعلى

لكي لا يقع الطلاق

ثم هناك أمر آخر ، لكي لا يقع الطلاق ،يجب أن نحسن الاختيار من أول الأمر ، يجب أن يختار الرجل المرأة الصالحة ، كما قال عليه الصلاة والسلام " الدنيا متاع وخير متاعها المرأة الصالحة " وقال " من رزقه الله امرأة صالحة فقد أعانه على شطر دينه فليتق الله في الشطر الباقي " ، وقال " تزوجوا الودود الولود " المرأة الودود المحبة لزوجها صاحبة الصدر الواسع ، الولود إذا كنتم ترغبون الأولاد ، فإذا كنتم ترغبون الأولاد احرص على أن تكون المرأة ولوداً ويعرف ذلك من أهلها وأقاربها ، لابد أن يحسن الإنسان الاختيار ولذلك قال " تنكح المرأة لأربع : لحسبها ولجمالها ولمالها ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك " أحسن الاختيار أحسن اختيار المرأة ذات الدين والخلق حتى تستطيع أن تعيش معها في حياة طيبة ، وهذا أيضاً مطلوب من المرأة ومن أوليائها أن يحسنوا الاختيار لابنته ، كما قال عليه الصلاة والسلام " إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوه تكن في الأرض وفساد عريض " الدين والخلق ، جمع بينهما النبي عليه الصلاة والسلام ، لا يكفي أن يكون الشخص مصلياً في المسجد وقارئا للقرآن ولكنه سيئ الطباع ضيق الأفق ، بخيل شحيح غضوب ، فمثل هذا لا يصلح زوجاً ، من ترضون دينه وخلقه ، ولابد أن تشاور الفتاة ، لا تزوج برغم أنفها ولا يفرض عليها من يريده الأب أو الأخوة فهذا من أسباب كثرة الطلاق ، الضغط على الفتى أو الفتاة أن يتزوج أحدهما من تريده الأسرة وهو لا رغبة له في تلك الفتاة أو هي لا رغبة لها في ذلك الفتى ، كما يضغط على الفتاة أن تتزوج ابن عمها أو يضغط على الفتى أن يتزوج ابنة عمه ، ولا هو يريدها ولا هي تريده ، ومع هذا يصر الناس على هذا الأمر ، ويترتب عليه أن يدخل كل منهما بالآخر وهو كاره لهذه الحياة الزوجية ، فإما يترتب عليها الطلاق بعد حين وإما تبقى المرأة معلقة لا هي مزوجة ولا هي مطلقة ، ومن حق ابن عمها بعد حين أن يتزوج غيرها وتظل هي قعيدة البيت معلقة مسكينة ، لماذا هذا ؟ الفقهاء قالوا أنه من المستحق في الزوجة أن تكون غريبة عن أهل خاطبها ، زواج الغريبة أفضل من زواج القريبة وخصوصاً لو كانت قريبة جداً كابنة العم ، هذا هو الأفضل وهذا ما يقوله الطب ويقوله العلم الآن وهو ما نبه إليه المسلمون من قديم من عهد عمر أن الولد يخلق ضاويا إذا تزوج الإنسان ابنة عمه أو قريبته يخلق ضاويا أي هزيلاً وخصوصاً إذا تكرر هذا ، إذا ظلت الأسرة يتزوج بعضها من بعض أجيالاً بعد أجيال ، تتركز عيوب الفصيلة ويرثها بعضهم من بعض ، إذا كان عندهم مرض السكر يظل هذا المرض متوارثاً وهكذا ، لماذا يضيق الناس على أنفسهم فيما وسع الله عز وجل عليهم ؟ لماذا نعسر ما يسر الله سبحانه وتعالى ؟ ، النساء كثيرات والشاعر العربي يقول

فتى لم تلده بنت عم قريبة فيضوى

وقد يضوى سليل الغرائب

هو يمدح بعض الفتيان فيقول ، فتى قوي مفتول الذراعين قوي البنية لم تلده بنت عم قريبة ، أي أن بنت العم تلد الفتى الضعيف وضاويا ، هذا عرفه العرب وشعرائهم قديماً ، لماذا ؟ لماذا نضغط على الأبناء والبنات أن يتزوجوا من لا يحبون ؟ ، النبي عليه الصلاة والسلام جاءه جماعة وقالوا يا رسول الله عندنا ابنة تقدم إليها رجلان ، شيخ موسر وشاب معسر ، وهي تهوى الشاب على عسره فقال النبي عليه الصلاة والسلام " لم ير للمتحابين مثل النكاح " أي أن علاج الهوى والمحبة ما دامت تهوى هذا الفتى وتحبه الأولى لهما أن يتزوجا ، فهذا هو هدي محمد عليه الصلاة والسلام .
إلى أعلى

البعد عن تعاليم الإسلام من أهم أسباب الطلاق

إننا لو بحثنا في أسباب الطلاق وهي كثيرة ، وجدنا أن هذه الأسباب إنما جاءت من البعد عن تعاليم الإسلام وعن حسن فهمها ، من هذه الأسباب ، تدخل أهل الزوج أو أهل الزوجة في حياة الزوجين ، الحماة ، حماة الرجل تعكنن عليه وتكدر عليه وتريد أن تتدخل في الصغيرة والكبيرة ، مالك ولابنتك ؟ تركت بيتك وأصبحت صاحبة بيت ، هذا في الحقيقة يفسد العلاقات ويكدر صفاء المودة ويخلق مشاكل لا تنتهي وكذلك أم الزوج ، مالك ولابنك وقد أصبح حراً وسيداً وصاحب بيت ومؤسس أسرة ، إن تدخل الأهل في حياة الزوجين مما يفسد العلاقات وقد يؤدي إلى الطلاق .
إلى أعلى

المثالية والواقع

ومن الأسباب التي تؤدي إلى الطلاق النظرة المثالية عند أحد الزوجين أو كليهما أنه يتطلب الكمال في صاحبه لا يعيش على أرض الواقع إنما يعيش في سماء مجنحة ، النبي عليه الصلاة والسلام يقول " لا يفرك مؤمن مؤمنة – أي لا يبغض مؤمن مؤمنة – إن سخط منها خلقاً رضي منها آخر " يعني خذ الإنسان بمجموع خصاله ، كل إنسان فيه مزايا وفيه عيوب ، فيه محاسن ومساوئ

ومن ذا الذي ترضى سجاياه كلها

كفى المرء نبلاً أن تعد معايبه

الكمال لله والعصمة لرسول الله عليه الصلاة والسلام فلماذا ننشد الكمال ، إن سخط منها خلقاً رضي منها آخر ، يجب على الإنسان الواقعي أن ينظر إلى المزايا والمحاسن ولا يبخس امرأته حقها ، هذا مما يبعد فكرة الطلاق .
إلى أعلى

الرجل طفل صغير
مما يؤدي إلى الطلاق أن تنشغل المرأة عن زوجها وينشغل الرجل عن زوجته ، المرأة تنشغل عن زوجها بنفسها أو بصديقاتها أو بعملها أو حتى بأولادها منه والرجل يحب أن تهتم به امرأته ، يحب أن تلقاه بالكلمة الطيبة وبالبسمة الحلوة وإظهار العواطف مهما كان الرجل ، يكبر هو طفل صغير ، فإذا شغلت المرأة عن زوجها فإنه سرعان ما يفكر في غيرها وسرعان ما يملها ويسأمها ومثل ذلك إذا شغل الرجل عن زوجته بوظيفته أو بتجارته أو بأصدقائه أو بغير ذلك يسهر بالليل فلا يأتي إلا في منتصف الليل ولا يكاد يكلم امرأته ولا يكاد يعطيها ريقاً حلواً ، هذا أيضاً يسبب في أن المرأة مهما صبرت فإنها بعد حين قد تطلب الطلاق ، سيدنا عبدالله بن عباس رضي الله عنه وقف أمام المرآة يأخذ من لحيته ويرجل شعره ويتطيب ويتعطر فسأله نافع مولى عمر ما هذا يابن عم رسول الله وإليك يضرب الناس أكباد الإبل من شرق وغرب يستفتونك ، قال له يا نافع وماذا في هذا ، إني أتجمل لامرأتي كما تتجمل لي امرأتي وإني أجد هذا في كتاب الله ، قال هذا في كتاب الله ؟ قال نعم ، أما قرأت قوله تعالى (ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة) كما أن على المرأة أن تتزين لزوجها فإن على الزوج أن يتزين لزوجته ، هذا مطلوب في الحياة الزوجية.
إلى أعلى

الحسب والنسب

من أسباب الطلاق استعلاء الرجل على امرأته أو المرأة على زوجها ، يعيرها بأن أهلها فقراء أو ضعفاء أو ليست في منزلته من النسب أو في كبر العائلة أو في كبر القبيلة ، أو هي قد تفعل ذلك وهذا لا ينبغي في العلاقة الزوجية ، العلاقة الزوجية أرادها الله تعالى كما وصفها الله في كتابه (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة) وقال (هن لباس لكم وأنتم لباس لهن) العلاقة بين الزوج والزوجة علاقة اللباس بلابسه ، أي أنه يعطيه الوقاية والستر والدفء والزينة واللصوق ، لا ينبغي أن يستعلي الرجل على امرأته أو تستعلي المرأة على زوجها ، بعض الناس يطلق زوجته لأنها لم تنجب ، وربما كان السبب منه ، وربما كان السبب من القدر ، وأحيانا بعضهم يطلقها لأنها تنجب البنات ولا تنجب البنين ، سبحان الله والله تعالى يقول (لله ملك السماوات والأرض يخلق ما يشاء يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور أو يزوجهم ذكراناً وإناثاً ويجعل من يشاء عقيما) هذه هبات من الله عز وجل وقد أثبت العلم أن الرجل هو المسؤول عن هذه القضية ، وليس المرأة وهذا ما أدركته أعرابية قديمة قالت عن زوجها وقد كانت لها ضرة أخرى

ما لأبي حمزة لا يأتينا	يظل في البيت الذي يلينا
غضبان ألا نلد البنينـا	ونحن كالأرض لزارعينا
ننبت ما قد غرسوه فينا