موضوع: لقد انتهى الدرس يا أبي !!!! الأحد 01 فبراير 2009, 11:56 am
لقد انتهى الدرس يا أبي !!!!!
لم أكن اعرف في حياتي سوى اللهو والضحك حتى ولو كان على حاسب الآخرين وكنت معروفا في الشلة بقدرتي الفائقة على المحاكاة والسخرية. ربما كنت أصلي أحيانا ولكن حسب الظروف والمناسبات . ربما كنت أتلقى بعض النصائح من بعض المتدينين ولكن ردي كان إما بعدم المبالاة وعلى أسوء تقدير بشيء من التهكم والسخرية من هؤلاء الناصحين.
لم تكن هناك أي بوادر تغيير تلوح في الأفق حتى بعد الزواج.... نفس الشلة والسهر والعبث وذات مرة رأيت رجل أعمى يحاول أن يلتمس طريقا وسط الزحام وفي المساء اجتمعت مع الشلة لأقلد أمامهم ذلك الأعمى.
بعد أيام شعرت زوجتي بأعراض حملها الأول وذهبنا إلى الطبيب حتى نتأكد وبالفعل اخبرنا بوجود الحمل وأعطنا بعض الإرشادات اللازمة لهذه الفترة.
مرت شهور الحمل وكأنها سنين لشدة شوقي لرؤية المولود الأول. وأخيرا شعرت زوجتي بعلامات الوضع وقمت بأخذها إلى المستشفى ومرت عملية الولاة بسلام وكم هي فرحتي حين تأكد لي أن المولود ذكر, لم استطيع أن أوصف سروري به ولكن هناك شيء لاحظته زوجتي بعد أيام من الولادة ...لم يكن ابني يستجيب للضوء أو الظلام ولا يدرك الأشياء إلا بحاسة اللمس قمنا بأخذه إلى الطبيب ليؤكد لنا الحقيقة المرة ... ابني ولد أعمى. لم استطيع أن اصدق الخبر وكأنني في حلم مزعج أود أن استيقظ منه بسرعة. وعندها تذكرت الأعمي الذي سخرت منه أمام أصدقائي قبل عام.
رزقت بعده بطفلين سالمين وكنت أفضلهما عليه بصورة لا تخفى على احد وكأنه نقمة حلت في حياتي. ولكن كانت له ميزة عجيبة.. ما أن يسمع صوت الأذان حتى يصر على الذهاب للمسجد بالرغم من عدم علاقاتي بالمساجد. كانت زوجتي قد عينت احد أخويه للذهاب والرجوع به إلى البيت من المسجد.
ذات مرة استيقظت على بكاء ابني الأعمى وعندما سألته عن السبب ذكر لي بان وقت إقامة الصلاة قد حان ولا يوجد احد من أخويه بالبيت ليقوده إلى المسجد اضطررت هذه المرة بالتطوع بالذهاب به إلى المسجد ولأول مرة وجدت نفسي أقف في صف من المصلين وهناك شعرت بطمأنينة وارتياح لم أحس بهما من قبل وكان جبلا ثقيلا قد حط عن قلبي وصرت منذ ذلك اليوم اخذ ابني احمد إلى المسجد بنفسي . أحسست بضياع السنين التي أمضيتها في المعاصي والعبث وأدركت أن احمد لم يكن نقمة كما كنت أظن بل هو أجمل هدية ربانية و صار أحب أبنائي بعدما كان ابغضهم إلي في إحدى المرات طلب مني بعض الدعاة أن اخرج معهم في مهمة دعوية في إحدى البلدان .ودعت أبنائي وزوجتي وضممتهم إلى صدري وكم شق علي مفارقة احمد ولو لأيام قلائل.
كنت اتصل هاتفيا بأولادي بشكل شبه يومي وأتحدث معهم فردا فردا ولاسيما احمد.ولكن في الفترة الأخيرة صارت زوجتي تتحدث معي وحدها وتعتذر لعدم تمكن الأولاد بالحديث معي بسبب انشغالهم بتحضير الواجبات المدرسية. وأحسست وكأن هناك شيء قد حدث في البيت ولكنها لا تود أن اعرفه
رجعت بعد قضاء أسبوعين في العمل الدعوي راجيا من الله تعالى أن يتقبل مني هذا المجهود وان يكتبه لي في ميزان حسناتي وكم كانت هي فرحتي باقتراب موعد لقائي بزوجتي وأبنائي وخصوصا احمد الذي كان سببا في هدايتي. عدت إلى البيت لأجد الجميع بانتظاري نعم الجميع إلا شخص واحد انه احمد لم يكن من بين الحاضرين سئلت زوجتي: يا أم احمد أين احمد نظرت إلي وهي تحاول أن تكتم عبراتها قائلة: اصبر واحتسب لقد اخذ الله أمانته. نعم لقد توفي احمد منذ ثلاثة أيام بعد علة مرضية لم تمهله طويلا.
لم أكد اصدق من قوة وقع الخبر على نفسي ولكني تمالكت كياني الحزين رضاء بقضاء الله وقدره وبدأ شريط الذكريات يمر أمامي لأدرك الحقيقة... لقد جاء احمد لأداء رسالة معينة وها الآن قد انقضت ألا وهي هدايتي من الضلال الذي كنت أعيشه من قبل.