[b]وبعد أن وضع القرآن القواعد العامة لنظام الإرث بدأ بتحديد أنصبة كل من ورثة المتوفى سواء كان ذكرا أم أنثى وذلك في ثلاث آيات فقط لا يتجاوز عدد أسطرها العشرة وهي مليئة بالفرائض باستخدام نظام الكسور.
وفي سبب نزول آيات الإرث هذه فقد روى أبو داود والترمذي وابن ماجه عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن جابر قال:[ جاءت امرأة سعد بن الربيع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله هاتان ابنتا سعد بن الربيع قتل أبوهما معك في يوم أحد شهيدا وأن عمهما أخذ مالهما فلم يدع لهما مالا ولا ينكحان إلا ولهما مال . قال: فقال: "يقضي الله في ذلك " فنزلت آية الإرث . فأرسل رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] إلى عمهما فقال: "اعط ابنتي سعد الثلثين وأمهما الثمن وما بقي فهو لك ". فالآية الأولى تحدد أنصبة أصول وفروع المتوفى وهم الأب والأم والأولاد ذكورا وإناثا وهذه الحالة هي الأكثر شيوعا وتعالج معظم حالات التركات فقال عز من قائل "يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ فَإِن كُنَّ نِسَاء فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آبَآؤُكُمْ وَأَبناؤُكُمْ لاَ تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيما حَكِيماً" النساء 11. إن الفرض الرئيسي في هذه الآية أن المتوفى إذا ترك أولادا ذكورا وإناثا فإنهم يتقاسمون التركة بينهم بحيث يكون حصة الذكر ضعف حصة الأنثى وذلك بعد إعطاء بقية الورثة أنصبتهم أما إذا ترك إناثا فقط فإنهن يتقاسمن ثلثي التركة إن كن اثنتين أو أكثر أما إن كانت واحدة فلها نصف التركة.
أما الفرض الثاني فهو ما يتعلق بنصيب الأب والأم حيث يأخذ كل منهما السدس في حالة وجود أولاد ذكور أو في حالة وجود ابنتين أو أكثر أما في حالة وجود بنت واحدة فإن أم المتوفى تأخذ السدس ويأخذ أبوه الثلث. أما في حالة عدم وجود ذرية للمتوفى فإن الأم تأخذ الثلث والأب يأخذ الثلثان في حالة عدم وجود أخوة للمتوفى أما إذا كان له أخوة فإن الأم تأخذ السدس والأب يأخذ بقية التركة.
أما الآية الثانية فهي التي تحدد نصيب الأزواج من بعضهم البعض ونصيب الأخوة والأخوات من الأم وذلك في قوله تعالى "وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّهُنَّ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّكُمْ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُم مِّن بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلاَلَةً أَو امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ فَإِن كَانُوَاْ أَكْثَرَ مِن ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاء فِي الثُّلُثِ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَآرٍّ وَصِيَّةً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ" النساء 12.
وتحدد هذه الآية أن نصيب الرجل من زوجته المتوفية هو النصف إذا لم يكن لها ذرية والربع إذا كان لها ذرية سواء كانت هذه الذرية منه أو من غيره.
أما نصيب المرآة من زوجها المتوفى فهو الربع إذا لم يكن له ذرية والثمن إذا كان له ذرية سواء كانت هذه الذرية منها أو من غيرها وفي حالة وجود أكثر من زوجة فإنهن يشتركن في هذا النصيب إما الربع وإما الثمن.
أما النصف الثاني من الآية السابقة وكذلك الآية الأخيرة من سورة النساء فإنهما تحددان الطريقة التي يتم بها توزيع تركة الكلالة وهو المتوفى ذكرا كان أم أنثى الذي غاب أصله وفروعه أي لا ولد له ولا والد يرثونه ولكن قد يكون له أخوة.
فإذا كان للكلالة أخوة من أم فإن الآية السابقة تحدد نصيب كل منهم فإذا كان للكلالة أخ واحد فله السدس أو أخت واحدة فلها السدس كذلك وإذا كانوا أكثر من واحد ذكورا كانوا أم إناثا فإنهم يشتركون في الثلث يتقاسمونه بينهم بالتساوي للذكر مثل حظ الأنثي. لقد حدد الله سبحانه وتعالى نصيب أخوة الكلالة من أمه لعلمه أن البشر لن يستطيعوا تحديد ذلك ولكنه سبحانه ترك لهم مهمة تحديد أنصبة أخوة الكلالة من الأب بالقياس على الآية الأولى وكان بإمكانهم فعل ذلك ولكن سؤالهم المتكرر لرسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك استلزم أن ينزل الله فيه قرآنا وهي قوله سبحانه وتعالى "يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ" النساء 176.
فكما هو واضح من هذه الآية فإن أخوة وأخوات الكلالة من الأب أو الأب والأم يعاملون معاملة أبناء وبنات المتوفى فإذا كان للكلالة إخوة وأخوات فإنهم يتقاسمون التركة بينهم بحيث يكون حصة الذكر منها ضعف حصة الأنثى وذلك بعد إعطاء بقية الورثة أنصبتهم أما إذا كن إناثا فقط فإنهن يتقاسمن ثلثي التركة إن كن اثنتين أو أكثر أما إن كانت واحدة فلها نصف التركة. إن هذه الآيات الثلاث وضعت القواعد الأساسية لنظام الإرث في الإسلام وهي تعالج ما يزيد عن تسعين بالمائة أو ربما أكثر من حالات التركات وقد أنشأ علماء المسلمين بابا من العلم يسمى علم الفرائض يعالج جميع حالات الإرث كنصيب الجد والجدة والأعمام والعمات وأبناء الأخوة وأبناء الأعمام وذلك بناء على الأصول الواردة في هذه الآيات وما ورد في السنة النبوية وما اجتهد به أصحاب وأتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
إن نظام الإرث الذي جاء به القرآن الكريم نظام مبتكر وفريد لم يسبق للبشر أن تعاملوا بمثله ولن يتمكنوا كذلك من أن يأتوا بنظام مثله أبدا. فهذا النظام قد تم وضعه على أسس واضحة ولأهداف بينة وليس بطريقة اعتباطية راعى فيه المشرع مصالح ورثة الميت الأشد قرابة. إن أشد الناس قرابة للميت هم أباه وأمه وأبنائه وبناته وزوجته بحكم المعاشرة وهم أكثر الناس حزنا عليه عند موته ثم يأتي في الدرجة الثانية أخوته وأخواته ثم أعمامه وعماته.
وعندما حصر الله سبحانه وتعالى تركة الميت على الأب والأم والأبناء والبنات والزوجة ولا تتعدى إلى الأخوة والأخوات والأعمام والعمات إلا في حالات محددة فإنما حصرها لأسباب منطقية لا يمكن لعاقل أن يجادل فيها. فالأب والأم هما السبب في وجود هذا الإبن فأمه قد حملته تسعة أشهر في بطنها ثم أرضعته ثم قامت على خدمته في حال صحته ومرضه لمدة لا تقل عن ثمانية عشر عاما وأبيه صرف عليه من ماله والذي قد يكون حصل عليه بشق النفس فوفر له المسكن والملبس والطعام والشراب والتعليم ومعالجته عند مرضه على مدى أيضا لا يقل عن ثمانية عشر عاما وقد يكون الأب وكذلك الأم قد ساهما في بناء البيت الذي سكنه هذا الإبن وربما المصلحة التي كانت مصدر رزقه.
أما الزوجة فقد ساهمت بشكل مباشر أو غير مباشر في تحصيل هذه الثروة التي تركها زوجها المتوفى فهي التي أنجبت أولاده وقامت على خدمته وخدمة بيته وخدمة أولاده وبذلك وفرت له الوقت لجمع هذا المال الذي تركه وربما عملت بيديها معه في مهنته. أما أبناء الميت وبناته فهم أحوج الناس لهذا المال إذا كانوا صغارا وإما إذا كانوا كبارا فإنهم أحق الناس به فقد يكونوا ساهموا بجهدهم في تحصيل هذا المال مع أبيهم بالإضافة إلى أن هذا هو الاتجاه الصحيح لحركة المال المورث فهو ينتقل من الأباء إلى الأبناء.
وعلى هذا فإنه من الظلم الفادح أن يحرم الأب والأم من تركة إبنهم بمجرد وجود أبناء وبنات لهذا الميت وقد يكونا في أمس الحاجة لمثل هذا المال عند هذه السن الكبيرة التي تقل فيها قدرتهما على جلب الرزق وإذا ما أخذ الأب والأم شيئا من التركة فهو جزء يسير مما أنفقاه على هذا الإبن على مدى ثمانية عشر عاما على الأقل. وكذلك فإنه من الظلم الفادح أن تحرم الزوجة حرمانا كاملا من تركة زوجها سواء ترك أولادا أم لم يترك كما هو الحال في نظام الإرث التوراتي أو في أنظمة الإرث الحالية كنظام الإرث الفرنسي. فهل يعقل أن تذهب تركة زوجها إلى إخوانه وأخواته أو أعمامه وعماته وتحرم هي منه وقد ساهمت بشكل مباشر أو غير مباشر في تحصيل هذه التركة! ولهذا فقد أنصف القرآن الكريم الأب والأم والزوجة في نظام الإرث الذي جاء به وأعطى للأب سدس التركة وللأم السدس كذلك وللزوجة الثمن عند وجود أبناء وبنات للميت وتزداد هذه النسب في حالة غياب الأبناء والبنات.
ولا بد هنا من الرد على الفرية التي يتشدق بها بعض أهل الكتاب والكفار من بقية البشر وهي أن القرآن قد تحيز للرجال على حساب النساء في نظام الإرث الذي جاء به فأعطى الرجل ضعف حصة المرأة.
فنقول لأهل الكتاب أولا أن من بيته من زجاج عليه أن لا يرمي الناس بالحجارة فالنص الوارد في التوراة والذي أعتقد جازما أنه قد تم تحريفه قد حرم الزوجة تماما من الميراث وحرم البنات والأب والأم كذلك بوجود الأولاد الذكور.
ونقول لمن لا دين له ارجع لنظام الإرث الفرنسي أو بقية أنظمة الإرث في العالم غير الإسلامية وستجد مدى الإجحاف الذي يلحق بالزوجة والأب والأم عند تقسيم تركة الميت.
إن القرآن الكريم لم يتحيز للرجال في أنصبة الميراث على حساب النساء إلا بسبب طبيعة النظام الاجتماعي السائد في المجتمعات البشرية والذي يقوم على قوامة الرجال على النساء وكذلك مراعاة الفروق الطبيعة بينهما.
إن قوامة الرجال على النساء نظام قائم منذ أن خلق الله البشر ولا زال قائما إلى يومنا هذا في معظم المجتمعات البشرية وسيبقى كذلك إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها وإن أي محاولات لتغيير مثل هذا الواقع لن تفلح أبدا ما دام أن المجتمعات تقوم على النظام الأسري والذي تكون فيه في الغالب القوامة للرجال بسبب ما ميزهم الله به من قوة الجسم. والدليل على عدم تحيز القرآن الكريم للرجال هو تساوي نصاب الأب والأم في حالة وجود أولاد للمتوفى وكذلك تساوى نصاب الأخ والأخت من الأم في تركة الكلالة. وحين يحدد القرآن الكريم نصاب الإبن بضعف نصاب البنت فهو إنصاف لهذا الإبن وليس تحيزا له وذلك لأسباب كثيرة أولها أن الأعباء المادية المترتبة على الرجال في الأنظمة الاجتماعية السائدة تفوق تلك المترتبة على النساء فهم الذين يقومون ببناء مساكن الزوجية التي لا تشارك النساء فيه بشيء وهم الذين يدفعون المهور ويقيمون حفلات الزواج وهم الذين ينفقون على زوجاتهم وأولادهم وهم أقدر على العمل بشتى أنواعه بسبب تركيبهم الجسمي وهم أقدر على الحفاظ على الأموال التي يرثونها وكذلك تنميتها وهم أقدر كذلك على حمايتها في مجتمعات لا يصمد فيها إلا القوي وهذا هو واقع البشر منذ أن خلقهم الله وسيبقون كذلك.
ولا بد في هذا المقام من الاستشهاد بقول المفكر العظيم الشهيد سيد قطب في تعليقه على سورة النساء وما فيها من أحكام تشريعية كنظام الإرث وذلك في تفسيره القيم (في ظلال القرآن) إذ يقول رحمه الله: "إن الإسلام نظام للإنسان. نظام واقعي إيجابي. يتوافق مع فطرة الإنسان وتكوينه ويتوافق مع واقعه وضروراته, ويتوافق مع ملابسات حياته المتغيرة في شتى البقاع وشتى الأزمان, وشتى الأحوال. إنه نظام واقعي إيجابي, يلتقط الإنسان من واقعه الذي هو فيه, ومن موقفه الذي هو عليه, ليرتفع به في المرتقى الصاعد, إلى القمة السامقة. في غير إنكار لفطرته أو تنكر; وفي غير إغفال لواقعه أو إهمال; وفي غير عنف في دفعه أو اعتساف ! إنه نظام لا يقوم على الحذلقة الجوفاء; ولا على التظرف المائع; ولا على "المثالية " الفارغة; ولا على الأمنيات الحالمة, التي تصطدم بفطرة الإنسان وواقعه وملابسات حياته, ثم تتبخر في الهواء!" ويقول رحمة الله عليه معلقا على نظام الإرث في الإسلام "إن هذا النظام في التوريث هو النظام العادل المتناسق مع الفطرة ابتداء; ومع واقعيات الحياة العائلية والإنسانية في كل حال. يبدو هذا واضحا حين نوازنه بأي نظام آخر, عرفته البشرية في جاهليتها القديمة, أو جاهليتها الحديثة, في أية بقعة من بقاع الأرض على الإطلاق. إنه نظام يراعي معنى التكافل العائلي كاملا, ويوزع الأنصبة على قدر واجب كل فرد في الأسرة في هذا التكافل . فعصبة الميت هم أولى من يرثه - بعد أصحاب الفروض كالوالد والوالدة - لأنهم هم كذلك أقرب من يتكفل به, ومن يؤدي عنه في الديات والمغارم فهو نظام متناسق, ومتكامل.
وهو نظام يراعي أصل تكوين الأسرة البشرية من نفس واحدة. فلا يحرم امرأة ولا صغيرا لمجرد أنه امرأة أو صغير. لأنه مع رعايته للمصالح العملية - كما بينا في الفقرة الأولى - يرعى كذلك مبدأ الوحدة في النفس الواحدة. فلا يميز جنسا على جنس إلا بقدر أعبائه في التكافل العائلي والاجتماعي. وهو نظام يراعي طبيعة الفطرة الحية بصفة عامة , وفطرة الإنسان بصفة خاصة .
فيقدم الذرية في الإرث على الأصول وعلى بقية القرابة . لأن الجيل الناشىء هو أداة الامتداد وحفظ النوع . فهو أولى بالرعاية - من وجهة نظر الفطرة الحية - ومع هذا فلم يحرم الأصول , ولم يحرم بقية القرابات . بل جعل لكل نصيبه . مع مراعاة منطق الفطرة الأصيل . وهو نظام يتمشى مع طبيعة الفطرة كذلك في تلبية رغبة الكائن الحي - وبخاصة الإنسان - في أن لا تنقطع صلته بنسله, وأن يمتد في هذا النسل. ومن ثم هذا النظام الذي يلبي هذه الرغبة, ويطمئن الإنسان الذي بذل جهده في ادخار شيء من ثمرة عمله, إلى أن نسله لن يحرم من ثمرة هذا العمل, وأن جهده سيرثه أهله من بعده. مما يدعوه إلى مضاعفة الجهد, ومما يضمن للأمة النفع والفائدة - في مجموعها - من هذا الجهد المضاعف . مع عدم الإخلال بمبدأ التكافل الاجتماعي العام الصريح القوي في هذا النظام وأخيرا فهو نظام يضمن تفتيت الثروة المتجمعة, على رأس كل جيل, وإعادة توزيعها من جديد. فلا يدع مجالا لتضخم الثروة وتكدسها في أيد قليلة ثابتة - كما يقع في الأنظمة التي تجعل الميراث لأكبر ولد ذكر, أو تحصره في طبقات قليلة - وهو من هذه الناحية أداة متجددة الفاعلية في إعادة التنظيم الاقتصادي في الجماعة, ورده إلى الاعتدال دون تدخل مباشر من السلطات . هذا التدخل الذي لا تستريح إليه النفس البشرية بطبيعة ما ركب فيها من الحرص والشح. فأما هذا التفتيت المستمر والتوزيع المتجدد ; فيتم والنفس به راضية, لأنه يماشي فطرتها وحرصها وشحها ! وهذا هو الفارق الأصيل بين تشريع الله لهذه النفس وتشريع الناس !!! ".
[/b]