موضوع: رمضان شهر التغيير السبت 29 أغسطس 2009, 3:42 am
كلما دار الفلك دورته، وأتى شهر رمضان تتوارد على الذهن خواطر وأفكار حول الغاية والهدف من شهر رمضان، فما وظيفة رمضان؟
كما أنَّ لكل واحد منَّا في حياته وظيفة يقوم بها؛ فإن لرمضان وظيفة يؤديها فما وظيفة رمضان ومهامه؟
وظيفة رمضان أنه يُطهِّر النفس، ويُزكِّي القلب، ويُنقِّي الفؤاد، ويُقوِّم السلوك والأخلاق، فندخل إلى مدرسة رمضان، ونخرج بقلب قد تزكَّى بالإيمان، ونفس قد ارتقت بالقرآن، وسلوك قد قُوِّم بالتقوى، فينظر الناس إلى سلوكك وإلى أخلاقك وإلى تصرفاتك وإلى حياتك، فيقولون هذا مسلم قد تعلَّم في مدرسة رمضان.
وظيفة رمضان قال عنها الحق جلَّ وعلا: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ(183)﴾ (البقرة)، نعم، لعلكم تتقون، والتقوى كما عرَّفها الإمام علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) وأرضاه قال: (التقوى هي الخوف من الجليل، والعمل بالتنزيل، والرضا بالقليل، والاستعداد ليوم الرحيل).
وظيفة رمضان قال عنها النبي صلى الله عليه وسلم، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ (رضي الله عنه) عَنِ النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ وَالْجَهْلَ، فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ" (رواه البخاري).
وظيفة رمضان قال عنها النبي صلى الله عليه وسلم عن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليس الصيام من الأكل والشرب؛ إنما الصيام من اللغو والرفث، فإن سابك أحد، وجهل عليك فقل: إني صائم" (مستدرك الحاكم على الصحيحين، وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه).
ولعل فريضة الصوم وقدوم شهر رمضان يمثل مناسبةً لإثراء الحديث عن طبيعة العبادات ووظائفها، لا سيما وأن نسبة كبيرة من المسلمين يشعرون في هذا الشهر بيقظة في الضمير ونمو للوازع الديني والأخلاقي، ويندفعون للتعبد وتلافي التقصير الذي درجوا عليه في أيامهم العادية؛ ولئن كانت بعض هذه المستجدات في سلوك المسلم الرمضاني ترجع إلى العادات والتقاليد الاجتماعية في هذا الشهر الفضيل، فإن الوازع الأهم ديني بالدرجة الأولى؛ لأن المحور في ذلك هو الصوم، وهو فريضة فردية يمارسها المسلم.
إن المظاهر الإيجابية في سلوك المسلمين في رمضان لا تعكس وعيًا بدور الصوم فيها، لكن الوعي بدور العبادة يعزز تقويمها للسلوك، فالنصوص التي تتحدث عن العبادات مستفيضة بهذه الأبعاد الوظيفية التي ينبغي أن تؤديها ممارسة العبادة.
فقد شرع الإسلام العبادات والأركان لمساعدة المسلم على تغيير سلوكه وأخلاقه، ومن أجل تحقيق الغاية التي من أجلها بُعث رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما أخبر في حديثه لما سُئل عن الغاية التي من أجلها بُعث، فقال كما في الحديث عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّمَا بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الأَخْلاَقِ" (سنن البيهقي).
فالصلاة عند إقامتها كما يجب تنمي لدى المسلم دافعًا للخير ووقاية من الشر، فهو يدخل إليها ليخرج وقد تغيَّر سلوكه؛ لأنه تَعَلَّم في مدرسة القرآن ﴿اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ (45)﴾ (العنكبوت)، وتَعَلَّم أيضًا ﴿الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ (41)﴾ (الحج).
وكذلك الأمر بالنسبة للزكاة والصدقات التي هي علاقة اجتماعية ابتداءً، إذ هي تأدية حق المحتاج في المجتمع من مال الأفراد الذين فضُل المال لديهم عن حاجتهم، فأداء الزكاة إسهام فعَّال في تحقيق معنى إسلام المسلم في بعده الاجتماعي والأسري، وهو يؤديها يرتجي أن يخرج منها بما أخبر عنه الحق جل وعلا ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (103)﴾ (التوبة).
وأما فريضة الحج؛ فهي تتويج لصفاء العلاقة بين الناس ورقيها وتجسيد لسلامة البيئة والناس من أذى المسلم بجميع أشكاله اللفظية والمادية والمعنوية﴿الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ (197)﴾ (البقرة)، فهو يؤدي فريضة الحج وقد وضع نصب عينيه حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي رواه الإمام البخاري بسنده، سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ (رضي الله عنه)، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَنْ حَجَّ لِلَّهِ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ" (رواه البخاري).
وهكذا يرى المتأمل لأمر العبادات في الإسلام هذا المقصد العظيم، ويلمس هذا المفهوم الرائع أن من أجل وأعظم الأهداف التي من أجلها شرعت العبادات؛ هو تغيير السلوك الأخلاقي لدى المسلم.
أما الصيام في شهر رمضان فإنه يأتي ليتجاوز معناه الحرفي الذي عرفه علماؤنا بقولهم (الامتناع عن المفطرات في زمن محدد)؛ ليتعلم الإنسان الصائم التحكم برغباته، والتحلي بالإرادة الجيدة الهادفة إلى تغيير العادات السيئة التي اعتادها الشخص في حياته، فتجده إن كان قد انتصر على نفسه، ومنعها عن الحلال؛ مرضاة لربه، فيخرج وقد عقد العزم أن يمتنع عن الحرام، وذلك من خلال الدور الرقابي الذاتي الذي يرافق أداء الفريضة التي تتميز بسريتها وخصوصيتها بين العبد وربه؛ لكن المطلوب لتؤتي الفريضة ثمارها، أن يتحول هذا الدور الرقابي من إطار الاعتياد واللا وعي إلى إطار الملاحظة والوعي، فالصائم يمتنع لا شعوريًّا عن المفطرات، دون أن يفكر بقدرته تلك على الامتناع، وإمكانية تعديتها إلى ممنوعات أخرى في غير الصيام، فملكة التحكم بالإرادة واحدة لدى الإنسان، ويمكن أن تنمو في بعض المجالات عندما تعزز الإرادة، فالصائم بصومه إنما يُدِين نفسه، ويُقيم الحجة على اعتذاره عن التقصير في شئونه الأخرى الدينية والدنيوية.
وقد نوهت آيات الصوم صراحةً على عدم قصدية الامتناع عن الطعام والشراب في الصوم لذاته، فنصت أن الله يريد اليسر ولا يريد العسر بالناس، فالمُبْتًغَى ليس المشقة إنما امتحان إرادة المسلم، وتنبيهه إلى مراقبة نفسه، واستشعاره بالمسئولية في شئونه، وقد جاءت نصوص السنة تؤكد هذه المقاصد في شريعة الصوم، والتي تتجاوز ترك الطعام والشراب إلى ترك سائر المنهيات لا سيما المتجاوزة في آثارها إلى الغير، فـهو قد تعلَّم في مدرسة الإسلام عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (رضي الله عنه) قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ" (رواه البخاري)، وقد جاءت الأحاديث تترًا لتؤكد دور الصوم في تنمية الرقابة الذاتية للإنسان على نفسه في سلوكه وحديثه، كما في الحديث القدسي الذي رواه الإمام البخاري (أنه سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ (رضي الله عنه)، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "قَالَ اللَّهُ: كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلاَّ الصِّيَامَ، فَإِنَّهُ لِي، وَأَنَا أَجْزِى بِهِ، وَالصِّيَامُ جُنَّةٌ، وَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ، فَلاَ يَرْفُثْ وَلاَ يَصْخَبْ، فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ، أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ، لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا إِذَا أَفْطَرَ فَرِحَ، وَإِذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بِصَوْمِهِ" (صحيح البخاري) وفي رواية الإمام مسلم عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ (رضي الله عنه) قَالَ: "إِذَا أَصْبَحَ أَحَدُكُمْ يَوْمًا صَائِمًا فَلاَ يَرْفُثْ وَلاَ يَجْهَلْ، فَإِنِ امْرُؤٌ شَاتَمَهُ أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ إِنِّي صَائِمٌ إِنِّي صَائِمٌ" (صحيح مسلم).