لهذا كان مما تميزت الجنة به عن الدنيا أنه ليس فيها هم و لا غم ”لا يمسهم فيها نصب و ما هم منها بمخرجين ...“
فاليكم اخواتي في الله بعض الطرق لعلاج هذه الهموم ..
و نتمنى من الله أن يبعد عناا لهموم و ان يغفر لنا و يثبت قلوبنا على دينه و أن يرزقنا الجنة فانه على كل شيء قدير .....
التســـــلح بالايـــمان المــقـرون بالـعمل الصـــالح:قال تعالى :
” (من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى و هو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة و لنجزينهم أجرهم
بأحسن ما كانوا يعملون“.)
و يقول رسولنا الكريم“عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله خير و ليس ذاك لأحد الا للمؤمن
ان اصابته سراء شكر و ان أصابته ضراء صبر فكان خيراً له ”.
النــظـر لفـوائــد الابتــلاء:
قال رسول الله“ما يصيب المسلم من نصب و لا وصب و لا هم و لا حزن و لا أذى و لا غم
حتى الشوكة يشاكها الا كفر الله بها من خطاياه“.
و قال رسول الله“إن الله إذا أراد بعبد خيراً عجل له العقوبة في الدنيا ، و إذا أراد بعبد
شراً أمسك عنه حتى يوافى القيامة بذنبه“....عليه الصلاة والسلام
معرفة حقيقة الدنيا :
المؤمن يعلم أن الدنيا فانية، و متاعها قليل ... ان أضحكت قليلا أبكت طويلا و ان أعطت يسيراً منعت كثيراً و المؤمن فيها محبوس كما قال رسول الله“الدنيا سجن المؤمن و جنة الكافر“.
النفـس تبكـي على الدنيـا و قد علمـت ..... أن السـعادة فيـها ترك ما فيـــها
لا دار للـمرء بعــد المـوت يسكنـها ..... الا التي كان قبل المـوت بانيـــها
فان بنـاها بخـير طـاب مسـكـنه ..... و ان بنـاهـا بشــــر خـــاب بانيـــــها
فهذه هي حقيقة الدنيا فما هي الا ممر لدار مقر !!؟؟
و موت المؤمن راحة له من غموم دار الدنيا و همومها و آلامها كما في الحديث:
“اذا حَتضر المؤمن أتته ملائكة الرحمة بحريرة بيضاء فيقولون: اخرجي راضية
مرضياً عنك إلى روح الله و ريحان و رب غير غضبان فتخرج كأطيب ريح مسك
حتى إنه ليناوله بعضهم بعضاً حتى يأتون به باب السماء فيقولون:ما أطيب هذه الريح
التي جاءتكم من الأرض فيأتون به أرواح المؤمنين، فلهم أشد فرحاً به من أحدكم بغائبه
يقدم عليه فيسألونه ماذا فعل فلان؟ماذا فعل فلان؟فيقولون:دعوه فإه كان في غم الدنيا ..
... و إن الكافر اذا احتضر أتته ملائكة العذاب بمسح فيقولون:اخرجي ساخطة مسخوطاً
عليك الى عذاب الله عز و جل فتخرج كأنتن ريح جيفة حتى يأتون به باب الأرض
فيقولون: ما أنتن هذه الريح حتى يأتون به أرواح الكفار“
إن هذا المعنى الذي يدركه المؤمن لحقيقة الدنيا يهون عليه كثيراً من وقع المصاب و
ألم الغم و نكد الهم لأنه يعلم أنه أمر لابد منه فهو من طبيعة هذه الدنيا ....
ابتغاء الأسوة بالرسل و الصالحين :
و هم أشد الناس في الدنيا ابتلاء و المرء يبتلى على قدر دينه والله اذا أحب عبدا ابتلاه .
أن يجعل العبد الآخرة همه:
هموم الدنيا تشتت النفس و تفرق شملها فاذا جعل العبد الآخرة همه جمع الله له شمله
و قويت عزيمته.
قال بن القيم رحمه الله:إذا أصبح العبد و أمسى و ليس همه إلا الله وحده ، تحمل الله
عنه سبحانه حوائجه كلها ، و حمل عنه كل ما أهمه ، و فرغ قلبه لمحبته ، و لسانه
لذكره ،و جوارحه لطاعته، و إن أصبح و أمسى و الدنيا همه ، حمله الله همومها و
غمومها و أنكادها ووكله الى نفسه فشغل قلبه عن محبته بمحبة الخلق ،و لسانه عن
ذكره بذكرهم و جوارحه عن طاعته بخدمتهم و أشغالهم ، فهو يكدح كدح الوحوش في
خدمة غيره .. فكل من أعرض عن عبودية الله و طاعته و محبته بلي بعبودية المخلوق
و محبته و خدمته .
دعــــاء اللــــه تعالى:
و هذا نافع جداً و منه ما هو وقاية و منه ما هو علاج ، فأما الوقاية فعن أنس بن مالك قال : كنت أخدم رسول الله ، إذا نزل فكنت أسمعه كثيراً يقول:
” اللهم إني أعوذ بك من الهم و الحزن و العجز و الكسل و البخل و الجبن و ضلع الدين و غلبة الرجال“
و هذا الدعاء مفيد لدفع الهم قبل وقوعه .
فإذا وقع الهم و ألم بالمرء ، فباب الدعء مفتوح غير مغلق، و الكريم عز و جل إن طرق لديه الباب و سئل أعطى و أجاب ...
يقول عز و جل:“و إذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي و ليؤمنوا بي لعلهم يؤشدون“
دعـــــاء الــفـــرج
الدعاء العظيم المشهور الذي حث النبي كل من سمعه أن يتعلمه و
يحفظه : قال رسول الله:“ما أصاب أحد قط هم و لا حزن فقال: اللهم إني عبدك ابن عبدك وابن أمتك ناصيتي بيدك ماض في حكمك، عدل في قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك ، أو أنزلته في كتابك ، أو علمته أحد من خلقك، أ و استأثرت به في علم الغيب عندك ، أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي و نور صدري و جلاء حزني ، و ذهاب همي إلا أذهب الله همه و حزنه أبدله مكانه فرجاً“
قال:فقيل:يا رسول الله ، أفلا نتعلمها ؟ فقال : بل ينبغي لمن سمعها أن يتعلمها“.
دعاء الكرب
عن ابن عباس أن رسول الله كان يقول عند الكرب“لا إله إلا الله العظيم الحليم ، لا اله الا الله رب العرش العظيم ، لا اله الا الله رب السموات و رب الأرض و رب العرش الكريم.
”دعوات المكروب:اللهم رحمتك أرجو فلا تكلني الى نفسي طرفة عين و أصلح لي شأني كله لا اله الا أنت“.
و لا تزال هناك العديد من الأشياء لعلاج الهموم مثل:
التوكل على الله عز و جل.
ترك الحزن على ما مضى و الخوف مما يأتي.
الاكثار من ذكر الله.
اللجوء الى الصلاة.
قصر الدنيا و غلاء العمر.
حـســن الظن بالله.
التحدث بنعم الله.
العلم النافع و العمل الصالح.
النظر الى محاسن ما يكره.
عدم السماح بتراكم الأعمال و الواجبات.
التوقع المستمر و الاستعداد النفسي.
مشاورة أهل العلم و طلب نصيحتهم.
تذكرة
وأخيراً نذكر أنفسنا بأن هموم الدنيا - و ان كانت عظيمة و كثيرة- فان هموم الآخرة أعظم و غمومها و كروبها أشد و من ذلك ما يصيب الناس في أرض المحشر ...
فيقول رسول الله“.... أنا سيد الناس يوم القيامة و هل تدرون مم ذلك ؟ يجمع الله الناس الأولين و الآخرين في صعيد واحد يسمعهم الداعي و ينفذهم البصر و تدنو الشمس فيبلغ الناس من الغم و الكرب ما لا يطيقون و لا يحتملون فيقول الناس: ألا ترون ما قد بلغكم ، ألا تنظرون من يشفع لكم الى ربكم فيقول بعض الناس لبعض: عليكم بآدم ....... ”
و لا علاج لغموم و كروب ذلك اليوم الا بالاقبال على الله في هذا اليوم ....
و أخيراً فلنذكر دائما ان الدنيا و الله زائلة و أنها ليست الا ممر لدار مقر و تذكروا دوماً قول الشاعر
تزود من التقوى فانك لا تدري .... اذا جن ليل هل تعيش إلى الفجر؟؟
فكم من صحيح مات من غير علة .... و كم من عليل عاش حيناً من الدهر ؟
و كم من صبي يرتجى طول عمره .... و قد نسجت أكفانه و هو لا يدري ؟!!!