تحليل سياسي
بقلم: هشام حمادة
انفجر الشارع وثار الشعب المصري الذي راهن الكثيرون على مواته واليأس من أن يتحرك نحو حقوقه أو يستفزَّ من مدى الاستخفاف به كما حدث في الانتخابات الأخيرة.
والآن عشرات الآلاف من المتظاهرين في الشارع، ليس في القاهرة وحدها، بل في كثير من المحافظات، ولكن قد يكون أشدُّها في الإسكندرية والمحلة وطنطا والسويس والمنصورة، وذلك في يومها الأول الذي يبدو حتى الآن أن من ورائه أيامًا، لكن ما الذي دفع الشارع إلى الغضبة الجريئة في مطالبها وهتافاتها بهذ الشكل؟!
هناك عدة أسباب مؤكدة تقف خلف المشهد:
أولاً: بالتأكيد أن ما حدث في تونس واحد من هذه، لكنه ليس وحده، فثورة الشارع المصري متوقعةٌ منذ فترة، لكنْ لا أحد كان يتوقع متى تكون وما هي لحظة الضغط المناسبة التي يندفع بها الانفجار، فربما عجلت ثورة الشعب التونسي في إنضاج مشاعر الثورة في مصر لتتحول إلى سلوك وانفعالات.
ثانيًا: كتبت من قبل وكتب عديدون قبيل انتخابات مجلس الشعب سيئة السمعة الأخيرة؛ أن تزوير الانتخابات في ظل الظروف التي سردتها حينها سيؤدي بالشارع إلى فوضى أو ثورة نتيجة الاستفزاز الشديد للعائلات والعصبيات والجماهير بكتلها المختلفة، في ظل إقبال كان واضحًا من الجميع لحماية مصالحهم في ظل غياب الدولة، وبالفعل كان تزوير الانتخابات سببًا لحبس كثير من البخار تحت الغطاء.
ثالثًا: قرارات وإعلانات عديدة في الصحف تكلَّمت في الفترة الأخيرة عن غلاء متوقع لمشتقات البترول والغاز، وكذلك عن إلغاء جزء من حصة الأرز في بطاقات التموين، والتصميم على إصدار قانون ضرائبي جديد، جاء ذلك ما بين ارتفاعات متكررة ومستمرة للسلع التموينية كالسكر والزيت والأرز، بالإضافة إلى ارتفاع أسعار الخضراوات واللحم والدجاج؛ ما دفع الناس إلى حالة من عدم الاستقرار النفسي أو الذهني.
رابعًا: دفع النظام الحاكم كل طوائف المعارضة إلى التوحُّد والتكتُّل؛ وذلك بسبب استخفافه المعهود واحتقاره لكل أصناف المعارضة، بدايةً من الأحزاب الرسمية التي لم يملَّ من خداعها، أو الأحزاب الممنوعة كالإخوان المسلمين والكرامة والجبهة الوطنية للتغيير وحركة كفاية والوسط والحزب الشيوعي، إلى فئات المجتمع المدني المختلفة؛ كالنقابات وجمعيات حقوق الإنسان ومنظمات المجتمع المدني، إلى الفئة العريضة للمدونين ونشطاء "فيس بوك" و"تويتر"، والذين وجدوا في الأحزاب والجماعات التي تلقَّفت دعواتهم على شبكة الإنترنت وعاءً يضمُّهم ويجمعهم ويوفِّر لهم نوعًا من التنظيم والقيادة، وهنا كانت المنافع متبادلة، فالأحزاب والجماعات السياسية استفادت من حماسة هؤلاء الشباب وجرَّأتهم على التقدم نحو الشارع، وهي أفادتهم بتنظيم الحركة وتوفير الغطاء السياسي لحركتهم الغاضبة، إلى توفير المتحدثين عنهم لوسائل الإعلام ومراكز توجيه الخطاب السياسي للعالم ولوسائل الإعلام.
وهكذا احتشدت السياسة والشعارات الأيديولوجية الكبيرة مع حماسة الشباب وحيويتهم مع تأزم الشارع واحتقان المواطنين المستفزين، فكانت حركة الشارع بسبب رئيسي هو ضيق أفق النظام واستبداده وغباؤه السياسي الذي تبدَّى بوضوح في الانتخابات الأخيرة.
دروس مما يحدث الآن:
وهنا عدة دروس لمن يريد أن يستفيد مما يحدث، سواء النظام أو الأحزاب والقوى السياسية أو جموع الشعب.
- أن الشعوب في النهاية هي مجموع كائنات بشرية، لها نفوس إنسانية كريمة، يجب ألا يُستخفَّ بها أو تُحتقَر أو تُهان بأي حال.
- أن الشعوب لها حاسة سادسة نحو الكذب والخداع، وأنها لا تهضمه طويلاً.
- الرهان على قوة الشعب وطاقاته هو الرهان الأهم، ومن ثم تأتي أهمية تبنِّي خطاب الجماهير المعبِّر عن حاجاتهم.
- أن الشباب هم عماد الأمم، ولا تقدم أو نهضة لأية أمة بدون استغلال طاقاته، واستيعاب حماسته، عن طريق القضايا النهضوية الكبرى، وليس عن طريق الاستخفاف بهم بالرهان على إلهائهم بسفاسف الأمور.
- أن الشباب هم المستقبل والروح لأي حزب أو جماعة تريد أن تجعل لنفسها مكانًا على الخريطة السياسية.
- أن السلطة والنظم لا تصنع لفريق من الساسة مجدًا إذا انحاز لها بعيدًا عن متطلَّبات الشعوب، بل المجد لمن يقترب أكثر من الناس، وربما يكون هذا أكبر درس يستفيده بعض زعماء أحزاب المعارضة الذين انحازوا إلى السلطة.
- أن التعليم والثقافة هما أهم أدوات الشعوب لتنهض؛ فإنَّ جل المتظاهرين وضح أنهم من المثقفين والمهنيين والمتعلمين والطلاب، وهو ما يشبه الحالة التونسية، وحيث لم يثبت قيام أي عمليات تخريب حتى الآن، بسبب هذه النوعية من المتظاهرين.
- أن السياسة الجيدة والديمقراطية الحقيقية هي الضامن للحفاظ على أي نظام.
- أن اليأٍس لا محلَّ له لكل من يرجو الإصلاح، وأن الله مع الحق والعدل، وأنه يدافع عن الذين آمنوا.