أسرار ربانية فى عيون الكائنات الحية
إذا تأملت مخلوقات الله على اختلاف أشكالها وأنواعها ، وجدت أن الخالق المبدع قد هيأها لما قدر لها من شأنها ، فأودع فيها من القدرات ما تتم به مصلحة معاشها.
ومن عجائب الخلق أن جهز الخالق المبدع الحيوانات تجهيزاً محكماً يحفظ حياتها ويحقق مآربها. ففي مجال النظر مثلاً أمد الله سبحانه مخلوقاته بعيون توافق الحاجة الدقيقة لكل صنف منها. فجعل فى الطائر ما لم يجعل فى السابح وفى الزاحف ما ليس فى الماشي وفى الليلي غير ما فى النهاري فكانت الأعين مختلفة أشكالها وأعدادها ومواضعها وألوانها وأحجامها وحركاتها. أغرب العيون ولا أحسنها .... بل فى الكائنات الحية عيوناً أقدر من عين الإنسان.
• فمنها ما حباها الله تعالى بنظارات شمسية كالطيور والجمال.
• ومنها ما حباها الخالق سبحانه بتلسكوب مركب على عينيها.
• ومنها ما زوده جلت حكمته بفرشاة لإزالة ما يهبط عليها من غبار، كما حباها بعيون مركبة مشكلة من مئات الوحدات المتشابهة المتراصة بحيث ترى كل واحدة نقطة من الشئ المرئي وتجتمع النقط فيجتمع الشئ المرئي كما هو الحال فى الذباب المنزلي.
• ومنها ما يرى الأشعة فوق البنفسجية ولو غابت الشمس كالنحل.
• ويرى البوم الفأر فى الظلام الدامس بواسطة الأشعة الحرارية التى تشع من جسمه الدافئ.
• كما أن عيون بعض الحشرات فى أرجلها.
• ويرى دود الأرض تحت التراب بحلد مبصر.
• وهناك بعض الحيوانات تنظر فى اتجاه واحد إلى الأمام ولكنها مزودة بعينين إحداهما أمامية والأخرى خلفيه فتستطيع أن ترى الاتجاهين فى وقت واحد.
• وعين الضفدع محددة فى عالم ذي حركات معينة لا تستجيب لغيرها وفقاً لمتطلبات حياتها.
كما أن الإنسان أكثر ما تكون حساسية في وسط الشبكية ، لذا فإن الإنسان ينظر مباشرة إلى الشئ الذي يود رؤيته ، أما حساسية عين الحيوان فهي موزعة بطريقة أكثر توازناً فهي ترى بطريقة أكثر توازناً فهي ترى جيداً كل شئ يقع في حقل رؤيتها.
وهكذا فإن عين الإنسان ترى مدركات ... فى البر والبحر والفضاء لكنها لا ترى مدركات كالذرة وجسيماتها والضوء وأمواجه والصوت وأمواجه والكهرباء .... الخ.
فالبوم يرى عالماً مشعاً والنحل يرى عالماً كله أمواج قصيرة الضفدع يرى عالماً كله قفزات لأن عيونه لا تستجيب لشئ ساكن أو متحرك حركة متواصلة ... ولا يصيد إلا أشياء تقفز.
إنها عوالم حاضرة تستغرب تبيانها .... عوالم ترى وعوالم لا ترى ... لغاية وهدف وضرورة واحتياج وإكمال دور.
"فتبارك الله أحسن الخالقين. وسبحان من خلق فسوي وقدر فهدى"نظر ... فى النظرتعد العين ُتعد بحق من أعجب الأعضاء وأدقها فى جسم الإنسان وجميع الكائنات الحية ، وتختلف أوضاع العيون فى الأجسام باختلاف أجناس المخلوقات وطبقاً للغرض منها والتى جعلها البارئ لتتم بها مصلحة المخلوقات وكيفها حسب حاجة كل مخلوق منها.
فعيون الإنسان جعلت فى وضعها المعروف ليبصر بها ما أمامه.
وعيون بعض الزواحف مركبة فى رؤسها على ساق متحركة تستطيع رفعها وخفضها بما يتناسب مع وضع المرئيات.
وهناك أنواع من الحيوانات تتخذ عيونها أوضاعاً تمكنها من رؤية ما يحيط بها من جميع الجهات دون أن تضطر إلى الالتفات إلى الوراء.
ولعل أعجب الأوضاع بالنسبة للعيون هو الوضع الذي تتخذه عيون نوع من السمك يعيش فى المناطق الاستوائية ، حيث تسبح السمكة فى الماء والنصف العلوي من عينيها فوق سطحه في حين أن النصف الأدنى فى الماء.
وقد أوجد الخالق الكائنات بقدرته ، وأتقنها بحكمته ، وأمدها على كثرة أجناسها واختلاف أشكالها بما فيه قوامها ، فخلق لذلك مالا يحصى من الأدوات والآلات العجيبة ودبر لكل كائن ما يناسبه.
والبصر من هذه الأدوات العجيبة التى جعلها البارئ لتتم به مصلحة المخلوقات وكيفها حسب حاجة كل مخلوق منها ، ولنلق نظرة على عيون بعض الأسماك لنرى ما تنطوي عليه من الآيات المحكمة والأسرار المدهشة.
عيون الأسماك :- هناك أسماك ترى فى اتجاهين فى وقت واحد.
- وبالنسبة لنا فإن أعيننا لا ترى فى الظلام ولكن الأسماك فى البحار المظلمة مزودة بمصابيح (مرآة مرعبة) تضئ لها ما تريد ، وذلك لأنها تحمل أعيناً متوهجة سطحها الداخلي مبطن بطبقة لامعة تشبه المرآة تسمى (الطراز المتألق) تعكس الضوء الذي يسقط عليها جيداً، وهى قادرة حتى على تركيز نور النجوم الخافت أو القمر أو النيران البعيدة، ولهذا السبب أيضاً تضئ أعين القطط والنمور ليلاً.
ووجود مثل هذه المرآة يجعل العين قادرة على الاستخدام التام ولأقصى حد بأي قدر من الضوء لرؤية الأشياء، ويحاول الإنسان تقليد هذه الأعين لتطوير أجهزة الرؤية فى الظلام.
وتلجأ أسماك الأعماق إلى كشافات ضوئية تضعها فوق رأسها ، ووسيلتها فى هذا السبيل أن تحمل بعض الطفيليات المضيئة من نباتات أو حيوانات ، كما أن بعضها مزود بقوة كهربائية غريبة لم يكشف عن سرها بعد.
وما دمنا نتجول فى عالم البحار وجب علينا أن نتعرف على أكبر الأعين على الإطلاق ، وهى أعين رخويات المياه العميقة التي يصل قطرها إلى 40 سم.
وهذه واحدة من عجائب الله تعالى فى كائنات المياه العميقة فكثير منها تمتلك أعيناً تلسكوبية الشكل وحدقة كبيرة جداً ، وجميع هذه التحورات موجهة لتجميع أكبر كمية من الأشعة الضوئية داخل العين وتركيزها على الخلايا المستقبلة للضوء التي تتميز بالحساسية الشديدة له.
ذوات الأربع عيون :هناك نوع من السمك أيضاً يسمى ذوات الأربع عيون فإذا عام فوق سطح الماء شاهد ما فوقها، فى حين تبحث عيونه السفلى فى الماء عن فريسة يلتهمها.
عيون الحيتان :نلاحظ أن وضع العين فى جسم الحيوان يوسع نطاق الرؤية أو يجده ، فأنت ترى الأمام والجانبين، ولكن موقع (عين الحوت) يسمح له برؤية ما يجرى خلفه أيضاً بعين كما يرى ما هو أمامه بالعين الأخرى.
ولكن ما تراه عين لا تراه الأخرى ، فكل منهما ثابتة فى موضعها واتجاهها. فإذا أراد الحوت مهاجمة فريسة له اتجه إليها من الأمام مباشرة وإذا أراد استطلاع ما حوله وقف فى الماء ودار بكل جسمه.
وللعيون فى الأحياء المائية تطورات غريبة فتولد بعض أسماكها بعيون عادية على الجانبين ولكنها لا تلبث أن تنمو حتى تزحف العينان وتستقر فى ناحية واحدة وعندئذ تتحول السمكة كلها وتسبح فى الماء وعيناها إلى فوق. ويشاركها فى اتجاه العيون أسماك فى أعماق البحار فهي غالباً ما تجد غذاءها فى العالم العلوي.
قال تعالى:" فَانظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ " (الروم – 50)تختلف الرؤية فى الماء عن الرؤية فى الهواء لأن الماء أقل شفافية من الهواء وكلما زاد عمق الماء نقصت شفافيته تدريجياً حتى يصبح معتماً ، لذلك تستطيع عين البشر أن ترى فى النور على بعد كيلو مترات أما عيون الأسماك فليس بمقدورها أن ترى أبعد من 15 متراً ، هذا إذا كان الماء صافياً والأشياء المنظورة فى نفس مستواها.
وإذا كان الماء عكراً فلا تزيد رؤيتها على مترين. بيد أن عيون الأسماك تفوق عين البشر فى حدة الرؤية فى الماء لأنها أبدعت على غاية الكمال لتناسب الرؤية فى الوسط الذي تسكنه.
ومع هذه القدرة الفذة على الرؤية فى الماء لا تزيد عيون الأسماك فى تركيبها عما فى عيون سائر الفقاريات من ثدييات وزواحف وطيور. لكن الخالق ببالغ حكمته وعظيم قدرته تصرف فى بعض أجزائها لتستطيع الرؤية فى الماء : فلم يجعل بلورة عينها مثل حبة العدس كما عند الإنسان ، بل جعلها على شكل كرة، ولم يجعلها خلف الحدقة كما عند الإنسان ، بل جعلها تدخل إلى الحدقة وتبرز من خلالها فوق سطح الرأس ، وتلك طرق يشهد علماء المرئيات بحسن ملاءمتها للرؤية الواضحة فى الماء وجعل العين كلها بارزة على سطح الرأس كهيئة فص الخاتم ليتمكن السمك من سبر مجال للرؤية أوسع لأنه عدم الرقبة.
ومما يميز عين السمك أن تكيف الإبصار مع المسافات (ويسمى التبئير)(1) يتم لديها بإبعاد أو تقريب البلورة من الشبكية ، بينما يكون فى سائر العيون بزيادة أو إنقاص تحدب البلورة ، ولو تأملنا فى سر هذه الخاصية لأخذنا العجب كل مأخذ.
فالإبقاء على الشكل الكروي للبلورة ضروري للرؤية الواضحة فى الماء ، سواء أكانت العين تنظر إلى شئ قريب أم بعيد ، ولو قامت البلورة بتغيير تحدبها كما يتم ذلك فى عيون سائر الحيوانات ، لفقدت شكلها الكروي ولتشوشت الرؤية فى الماء ، ولذا فإن الخالق جعل بلورة عين السمك مشدودة بعضلات تتحكم فى تحريكها بحيث يكون التبئير لديها بزيادة أو إنقاص المسافة بين البلورة والشبكية ، من غير أن يتبدل شكل البلورة الكروي فتبارك الله الذي أحسن كل شئ خلقه.
" مَّنْ إِلَـهٌ غَيْرُ اللّهِ يَأْتِيكُم بِهِ " (الأنعام – 46)ومن أشد الأمور إثارة للدهشة أن من السمك ما عدم البصر لكن ليس فيه ما هو أصم ، لأن السمع أعظم الحواس وأنسبها لمن كان يعيش فى الماء ، ذلك أن السمع يتم بواسطة الصوت ، والصوت ينتقل فى الماء أسرع وأبعد وأفضل منه فى الهواء بعكس الضوء فكان الاعتماد على السمع فى إدراك المحسوسات أساسياً لدى الأسماك.
وإنه ليأخذك العجب فى قدرة آذان الأسماك على التقاط أخفت صوت وأدنى حركة فى الماء، حتى إن بعضاً منها، كالدلفين والبال، يستعمل الأذن لتحديد مواقع الفرائس وليهتدي سواء السبيل بواسطة جهاز "سونار" (2)يفوق فى دقته أقوى "سونار" اصطناعي.
ومن حكمة الباري أن جعل فى السمك خاصية تعينه على الاهتداء لأن الرؤية محدودة فى الماء فجهزه بحاسة سادسة حيرت الإنسان طويلاً ولم يفهمها إلا أخيراً، وهى حاسة اللمس عن بعد، وهذا الإحساس يحصل عن طريق عضو دقيق جداً يظهر على شكل خط فى جنبي السمك ويلتقط كل حركة اهتزازية فى الماء وتبلغ حساسيته درجة كبيرة بحيث تمكن السمك من التوجه إلى ما يريد حتى لو فقئت عيناه.
ومما يسترعى النظر أن عيون الأسماك عاطلة من الأجفان، وما ذلك إلا من حسن التدبير.
لأن الخالق لما أسكنها الماء أغناها عن عملية ترطيب العين، فتظل مفتوحة العين حتى وهى نائمة.
"يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاء" (فاطر – 1)ومن الغريب أن هناك سمكاً فريداً فى نوعه يعيش فى المستنقعات الاستوائية المالحة فى غرب افريفيا وفى أقصى الشرق ويقضى نصف حياته فى الماء والنص*9" له عينان جاحظتان جحوظاً كبيراً ، وهما عاطلتان من الأجفان لكنهما رطبتان على الدوام وإن لم يكن السمك فى الماء فقد جعل الله فيه خاصية عجيبة إذ تغور عيناه داخل رأسه فى تجاويف ندية تحفظهما من الجفاف.
ولعل أشد العيون غرابة هي عيون سمك "الأنبلابس" الذى يعيش فى أنهار أمريكا الوسطي والجنوبية فإن هذا السمك يرى على السواء ما يجرى فى الماء والهواء فى الوقت نفسه بعينين تنقسم كل واحدة منهما إلى جزئين : جزء سفلى فيه عدسة سميكة تجعل السمك يرى فى الماء كسائر الحيتان ، وجزء علوي رقيق يجعله يرى فى الهواء لاختلاف الكثافة الضوئية للماء عن كثافة الهواء، وهذا من بديع الصنع لأن الضوء ينكسر مساره عند انتقاله من الماء إلى الهواء لاختلاف الكثافة الضوئية للماء عن كثافة الهواء الضوئية فيتطلب الإبصار فى الماء عدسة ذات بعد بؤري طويل بينما يتطلب الإبصار فى الهواء عدسة ذات بعد بؤري قصير ، ولذلك فإنه لما يطفو هذا السمك على سطح الماء يستعمل الحدقة العليا لرصد ما يجرى فوق الماء لاقتناص ما يقتات به من الحشرات ولاجتناب آكلات الأسماك من الطيور ، ويستعمل الحدقة السفلى لمراقبة أعدائه من الأسماك.
وبهذه العطية الغريبة يضاعف سمك "الأنبلابس" من حظه فى العثور على قوته ، وفى الهروب من أعدائه وليس بإمكان أي عين بشرية أو أي عين حيوان آخر أن تفعل مثل ذلك.(3)
" الَّذِي خَلَقَ فسوي " (الأعلى – 2)ومما يبعث على العجب أن نوعاً آخر من السمك يتغذى على الحشرات الجوية له قدرة مدهشة على تسديد نظره إلى ما يراه فى الهواء عبر الماء ، ذلك أن الضوء كما ذكرت آنفا ينحرف عند انتقاله من وسط شفاف إلى وسط آخر شفاف مختلف عنه ، فعندما تنظر أيها القارئ إلى ملعقة فى كأس ماء يخيل إليك أنها انكسرت ، وإذا نظرت إلى شئ ما تحت الماء بدا لك مرتفعاً عن موضعه الحقيقي ، لذلك إذا أردت أن ترمى هدفاً تحت الماء فإن عليك القيام بحساب معقد لتصويب نظرك وسمك "النبال" تعترضه نفس المشكلة لكن فى اتجاه مضاد فحين يرى حشرة على غصن متدل يقترب من سطح الماء ويرمى الحشرة بقذفة مائية دقيقة قلما تخطئها.
وبوسع سمك (النبال) أن يصيب هدفه على بعد يقارب المترين ولا أحد يدرى كيف اهتدى هذا السمك إلى معرفة قانون انكسار الضوء ولا كيف استطاع أن يصوب رميته تصويباً يعجز الإنسان عنه .. إنما هي قدرة الله الذي أعطى كل شئ خلقه ثم هدى.
وقضت حكمة الخلاق العليم إعطاء الأحياء على اختلاف أصنافها وأجناسها كل ما تحتاج إليه من أعضاء ، وما يناسبها ويلائم بيئتها من المؤهلات اللازمة للحياة. فأنشأ لها ما لا يحصى من الأعضاء وأبدع من العضو الواحد ضروباً مختلفة تبعاً لظروف حياة كل موجود.
والعين من هذه الأعضاء التي ابتدعها الخالق وعدلها تعديلاً يناسب صاحب العين فكانت آية فى الصنع والإتقان وقد رأينا بعض ما أبدع الخالق من أعاجيب فى عيون الزواحف وبعض الأسماك ، ونتابع الآن النظر فى أسرار عيون أصناف أخرى من أحياء عالم البحار.
" ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ " (فصلت – 12)من حكمة الخالق أن أسماك القاع، كسمك موسى والشفنين، لها عيون يختلف موقعها من الرأس عن عيون الأسماك، فإنه سبحانه لما جعلها لا تجيد السباحة خلقها على صورة فريدة ، فجعل لها جسماً مفلطحاً بحيث تستطيع ملازمة قعر البحر والانبطاح فيه ، وجعل عينيها فى ظهرها حفظاً لبصرها، وجعلهما بارزتين لتستطيع الرؤية وهى مختبئة فى الرمل.