صورتنا في الغرب.. مسؤولية من؟
عندما نشرع في الحديث عن صورتنا في الغرب، قد يتبادر إلى بعض الأذهان سؤالٌ: ما أهمية تلك الصورة؟ وهو سؤال – على بساطته – يتضمّن موقفاً من الغرب، وتصوراً عن أهمية أو عدم أهمية الآخر. لكن الإجابة التي تتسق مع الهدف، من حديثي هنا، والآن، تتعلق أوّلاً بالذات، ذاتنا العربية الإسلامية، من جوانب أخلاقية، وعملية معاشية، وثقافية، ولا أريد أن أقول سياسية وإقتصادية، لفرط ما لحق بهاتين الكلمتين من أدرانٍ ومراوغات، برغم أنهما قد تتضمنان كل الأنشطة الإنسانية، إذا نهجتا منهاج الشرف الإنساني، وهو حلمٌ لا يزال بعيداً. فلنعد إلى موضوعنا، ونشرع في محاولة الإجابة عن سؤالنا عن أهمية "صورتنا في الغرب".
أخلاقياً، لم يعد مُمكناً أن نتجاهل وجود عشرات الملايين من العرب والمسلمين يعيشون في البلدان الغربية، في أوروبا وأمريكا وأستراليا، التي لا يمكن فصلها عن الجسم الغربي. هؤلاء الملايين من العرب والمسلمين خارج الأراضي العربية والإسلامية، ؤثر فيهم أي إضافة – بالسلب أو بالإيجاب – لصورة العربي والمسلم لدى الإنسان الغربي، الذي يعايشونه، ويعيشون على أرضه، ويشاركونه لقمة العيش.
علمياً، لا يُمكن أن نتصور أي تبادل صحي في المنافع – الإقتصادية والمعرفية والحضارية عموماً – بين فرقاء يسود بينهم الكره المؤسس على إنطباعات سيِّئة. ونحن – العرب والمسلمين – لا يمكننا أن نعيش في عالم مغلق علينا، فهذا غير ممكن، وغير مطلوب، وغير مرغوب فيه من أي عاقل، مهما كانت توجساته تجاه هذا الغرب.
ثقافياً، يصعب أن نتصوّر أي نمو ثقافي لدى أي كيان وطني، في عالم اليوم، من دون إنفتاح على العالم الواسع، الذي بات – في ظل ثورة حقيقية في وسائل الإتصال والوسائط الرقيمة – مجرد قرية صغيرة بالفعل، وفي هذه القرية، تبذل الثقافة النوعية لأي جماعة بشرية إذا دمغ أصحابها بأنّهم أبناء ثقافة معادية لبقية البشر.
- الصورة تتغير والصيحات تتوالى:
قطعاً هناك تغيّرات لحقت وتلحق بصورة العرب والمسلمين في الغرب في الفترة الأخيرة، ولنترك مناقشة مبرراتها وآليات حدوثها الآن، ملتقطين ملامح هذه التغيرات من واقع صيحات لعربٍ ومسلمين يعيشون في الغرب، أو يتابعون ما يحدث في الغرب، وتثقل عليهم هذه التغيرات.
في أكتوبر الماضي، قال د. محمود المسيري، إمام ومدير المركز الإسلامي في مدريد: "تشهد وسائل الإعلام الغربية، منذ عدة سنوات، حملات واسعة لتشويه صورتنا الثقافية والدينية أمام الرأي العام في بلدانها، وفي العالم كله، مستخدمة وسائل متعددة لتزييف الحقيقة من التحيز والمبالغة، إلى السطحية والتكرار، لتحفر في الأذهان صورةً مشوهةً عن الثقافة العربية والإسلامية. وتكون النتيجة شحذ مشاعر الكراهية والخوف بدرجة تحجب أي صوتٍ عاقل، أو خطابٍ منطقي يهدف إلى بيان الحقيقة المجرّدة".
ومن موقع "الوحدة الإسلامية" يقول د. جمال شقرة، أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر: "امتلأت وسائل إعلام أمريكية وأوروبية عدّة، خلال السنوات القليلة الماضية، بعناوين مثيرة مثل: "القنبلة الإسلامية قادمة، الحرب الإسلامية ضد الحداثة، الحروب الصليبية ما زالت مستمرة، الهلال الجديد في أزمة". ولاحظ جون أسبوسيتو – مدير مركز التفاهم الإسلامي/ المسيحي بجامعة جورج تاون بالولايات المتحدة الأمريكية – إنّ هذه العناوين جذبت الإهتمام، وشوّهت الحقائق حول العالم الإسلامي وعلاقاته المتنوعة مع الغرب، من ناحية، ومن ناحية أخرى، كرست تلك العناوين "درجة الجهل المذهل بالعرب والإسلام.. لدرجة أن عديداً من الناس في دولِ الغرب، لديهم مسلّمة بديهية، وهي أنّ العرب ما هُم إلا بدو، أو أثرياء نفط يسكنون الصحراء، أو الحرملك، وأنّ العربي إنفعاليٌ، مقاتلٌ، ولا يُخضع تصرفاته للعقل".
"صناعة الخرافات لإثارة الرعب من المسلمين حرفة قديمة"، من ذلك ما ذكره الرئيس الأمريكي الأسبق ريتشارد نيكسون في كتابه "اقبض على اللحظة"، من أنّ الإسلام قوةٌ هائلةٌ، وأن تزايد عدد سكانه والقوة المالية التي يتمتع بها تشكلان تحدياً رئيسياً للغرب، وأنّ الغرب مضطرٌ إلى تشكيل حلفٍ جديد مع موسكو، بعد سقوط الإتحاد السوفياتي، لمواجهة عالم إسلامي معادٍ ومعتدٍ. فالإسلام والغرب، حسب تصوره، متناقضان ومتباينان. وورد في هذا الكتاب أنّ المسلمين ينظرون إلى العالم على أنّه منقسم إلى معسكرين، لا يمكن التوفيق بينهما: معسكر أو دار الإسلام، ومدار الحرب. وأكّد نيكسون في هذا الكتاب على ضرورة أن يستعد الغرب للمواجهة الحاسمة مع العالم الإسلامي، الذي يُشكل واحداً من أعظم التحديات السياسية الخارجية للولايات المتحدة في القرن الواحد والعشرين. والشيء نفسه فعله شارلز كروثامر، عندما كتب في الـ"واشنطن بوست" في 6 فبراير 1990 حول: "هلال الأزمة الجديد".
- محاولة للتفسير:
لقد مثلت هذه العينات من الجهر بالشكوى، مما يراه أصحابها إعتداءً على العرب والمسلمين ودينهم عبر الإعلام الغربي، وبعض النشاطات الفكرية والأكاديمية الغربية، لكن المتابع – في حدود المتاح – لما ينتجه الغرب من عطاءات فكرية وبثٍ إعلامي، لا يمكن أن يستنتج تكريس الغرب مجمل هذه النشاطات لهذه الغاية وحدها، فثمة إجتهادات غربية منصفة، تُقدِّم خطاباً مختلفاً ملؤه العقلانية والمنطق والعدل المعرفي والتاريخي عن العرب والمسلمين، وأوضح مثال على ذلك هو جون اسبوسيتو، الذي وردت الإشارة إليه كأحد المدافعين الغربيين عن حقيقة الثقافة الإسلامية في مواجهة موجات التشويه، التي أشارت إليها العينات السابقة.
لا شك في وجود التحامل من بعض الجهات في الغرب لتشويه الحقيقة الإسلامية والعربية من زاوية المعتقد والثقافة، لكن يظل هذا عمل تيار محدد، وربّما محدود، وليس توجهاً للكل الغربي إزاء العرب والمسلمين. وقد يكون لهذا التيار تأثيرٌ أكبر من حجمه الحقيقي في الحياة الغربية، لأسباب نحن مسؤولون عن بعضها، وسيأتي وقتٌ للحديث عنها، لكنه يظل جزءاً من الغرب وليس كلا، ويبقى أن نتساءل عن دوافع هذا التيار ومبرراته، ثمّ نتساءل بالضرورة عن دورنا نحن في كل ذلك.
لا شكّ أن صورة العربي والمسلم في الإعلام الغربي، وبعض التقارير البحثية، قد لحق بها الكثير من التشويه. ولنسلم بأن وراء الكثير من هذا التشويه أقلاماً وعقولاً معادية للعروبة والإسلام لأسباب عديدة، سياسية وعنصرية، بل بعضها يعمل بمنطق الثأر التاريخي. لكن الوقوف عن هذا الحد لا يكفي لإبراء الذات، ولا لإسقاط المسؤولية. فتراكم العمليات البشعة التي نسبت لعربٍ ومسلمين، سواء بالحق أو بالباطل، وسواء كان هؤلاء العربُ والمسلمون عقولاً مدبرةً، أو مجرّد أدوات فيما حدث ويحدث، فإن دورنا المضاد للتشويه يتطلّب جلاءً أدوات فيما حدث ويحدث، فإن دورنا المضاد للتشويه يتطلّب جلاءً ساطعاً لنفورنا من العمليات التي يُذبح فيها البشر، وتُقطع الرؤوس أمام عدسات الفيديو. كما ينبغي أن يقوم العرب والمسلمون أنفسهم بحملات مضادةٍ لمحو التشويه عبر نوافذ الإعلام العربي والغربي على السواء، لنبذ هذا التمثيل البشع بالكيان البشري، خاصة عندما يتعلق الأمر بمدنيين عُزّل، ونساء، وأطفال، ليس لهم عيرٌ ولا نفير فيما يحدث للعرب والمسلمين، سواء ضحايا قطار مدريد، أو أطفال مدرسة أوسيتيا الروسية، أو خطف موظفي الإغاثة والعمل الإنساني والصحفيين. لابدّ من حملات مضادة لمحو هذا التشويه، ليس عن الإنسان العربي والمسلم فقط، بل أيضاً عن العقيدة الإسلامية السمحة، والتقاليد والقيم العربية. فهي جميعاً لا تقرّ إهانة الإنسان، حياً كان أو ميتاً، ولا تقبل ترويع الآمنين العُزل. إنها قضية أخلاقية، ومعاشية، وثقافية، ودينية، ودنيوية، تتطلّب رأياً عاماً عربياً وإسلامياً واضحاً وكاسحاً، ينبع من الداخل، ويشع على الخارج.
المصدر: كتاب الإعلام التضليلي