موضوع: العرش والقلم الأعلى واللوح المحفوظ السبت 04 أبريل 2009, 1:15 am
العرش:
قال الله تعالى {وهوَ ربُّ العرشِ العظيم} (سورة التوبة/129) وهو سرير له أربع قوائم ومكانه فوق السموات السبع وهو سقف الجنة منفصل عنها ويدل على ذلك ما رواه البخاري في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا سألتم الله الجنة فاسألوه الفردوس فإنه أعلى الجنة وأوسطها وسقفه عرش الرحمن". ثم إن حول العرش ملائكة لا يعلم عددهم إلا الله سبحانه وتعالى، وهو أكبر مخلوقات الله حجمًا ومساحة وامتدادًا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما السموات السبعُ معَ الكرسي إلا كحلقة ملقاةٍ بأرضٍ فلاة، وفضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على الحلقة" رواه ابن حبان وغيره. والعرش يحمله أربعة من أعظم الملائكة ويوم القيامة يكونون ثمانية قال الله تعالى: {ويحمِل عرشَ ربّك فوقهم يومئذ ثمانية} (سورة الحاقة/17)، وقد وصف الرسول صلى الله عليه وسلم أحدَ حملة العرش بأن ما بين شحمة أذنه إلى عاتقه مسيرة سبعمائة عام بخفقان الطير المسرع رواه أبو داود.
= = = = = =
الحكمة من خلق العرش:
يستحيل عقلاً أن يكون العرش مقعدًا لله فكيف يكون الرب الذي هو خالق للعرش وغيره محمولاً على سرير يحمله الملائكة على أكتافهم، ولا يصح تفسير قول الله تعالى {الرحمن على العرش استوى} (سورة طه/5) بجلس لأن الجلوس من صفات البشر والجن والملائكة والدواب بل معنى قول الله تعالى {استوى} قهر لأن القهر صفة كمال لائق بالله تعالى لذلك وصف الله نفسه فقال: {وهو الواحد القهار} فهذا العرش العظيم خلقه الله إظهارًا لعظيم قدرته ولم يتخذه مكانًا لذاته، لأن المكان من صفات الخلق والله سبحانه تنزه عن المكان والزمان، قال الإمام الطحاوي رضي الله عنه :"لا تحويه (أي الله) الجهاتُ الستّ كسائر المبتدعات"، وقال سيدنا عليّ رضي الله عنه: "إن الله خلق العرش إظهارًا لقدرتهِ ولم يتخذه مكانًا لذاته"، رواه عنه الإمام أبو منصور البغدادي. فالملائكة الكرام الحافون حول العرش والذين لا يعلم عددهم إلا الله يسبحون الله تعالى ويقدسونه ويزدادون علمًا بكمال قدرة الله سبحانه وتعالى عندما يرون هذا العرش العظيم.
القلم الأعلى واللوح المحفوظ:
خلق الله تعالى القلم الأعلى بعد خلق الماء والعرش وهو ثالث المخلوقات، وهو جِرم عظيم جدًّا على شكل نور، ثم خلق الله تعالى بعد القلم الأعلى اللوح المحفوظ وهو رابع المخلوقات، قال بعض العلماء إنه فوق العرش، وقال بعضهم إنه تحت العرش. وجرمه عظيم جدًّا مقداره ومساحته مسيرة خمسمائة عام، طوله ما بين السماء والأرض وعرضه ما بين المشرق والمغرب.
وقد أمر الله القلم أن يجري على اللوح المحفوظ فجرى بقدرة الله ومن غير أن يمسّهُ أحد من الخلق وسطر في اللوح المحفوظ كل ما سيكون في العالم حتى نهاية الدنيا، وهذا معنى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي رواه الإمام أحمد والترمذيّ عن عُبادة بن الصامت عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أوَّلُ ما خلق الله القلم ثم قال اكتب فجرى بما هو كائن إلى يوم القيامة".
والدليل من القرءان الكريم على أن كل شىء كائن في هذا العالم حتى يوم القيامة مسجل في اللوح المحفوظ هو قوله تعالى: {وكلُّ شىء أحصيناه في إمامٍ مبين} (سورة يس/12)، ومن الحديث قوله صلى الله عليه وسلم: "كتبَ اللهُ مقاديرَ الخلائقِ قبل أن يخلقَ السمواتِ والأرضَ بخمسين ألف سنة وكان عرشُه على الماء" رواه مسلم.
أم الكتاب، والكتاب المكنون، والإمام المبين، قال تعالى: وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ [يس]، الإمام المبين هو اللوح المحفوظ.
= = = = = =
أوصاف اللوح المحفوظ
أما صفة اللوح المحفوظ "روى الحافظ أبو القاسم الطبراني بسنده إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: [إن الله خلق لوحاً محفوظاً من درة بيضاء، صفحاتها ياقوتة حمراء، قلمه نور، وكتابه نور، لله فيه كل يوم ستون وثلاثمائة لحظة، وعرضه ما بين السماء والأرض، ينظر فيه كل يوم ستين وثلاثمائة نظرة- يخلق ويرزق، ويميت ويحيي، ويعز ويذل، ويفعل ما يشاؤه ]". رواه الإمام الطبراني مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم، لكن ما حكم رفع هذا الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال الشيخ ناصر : " ضعيف.. رواه الطبراني في المعجم الكبير ، وفيه زياد بن عبد الله وهو البكائي ، عن ليث وهو ابن أبي سليم ، وكلاهما ضعيف، وقد رواه من طريق أخرى نحوه عن ابن عباس موقوفاً عليه، وإسناده يحتمل التحسين، فإن رجاله كلهم ثقات غير بكير بن شهاب وهو الكوفي، قال فيه أبو حاتم : شيخ، وذكره ابن حبان من الثقات".
إذاً: هو ضعيف إذا كان مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم، أما إذا كان من كلام ابن عباس رضي الله تعالى عنه، فهو قابل للتحسين كما يقول الشيخ ناصر ، أو كما قال الأرنؤوط ، والذي حكم بأن سنده حسن، ولعله اعتمد على كلام الشيخ ناصر رحمه الله.
وهناك طريق أخرى عن الإمام البغوي ذكرها الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسير هذه الآية من سورة البروج عند قوله تعالى: بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ * فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ [البروج-22]، فقد ذكر الإمام البغوي رحمه الله الحديث ولفظه قريب من لفظ الحديث، وأن من صفة العرش واللوح أنه من درة، وأن فيه ياقوتاً، وأن قلمه النور، لكن في رواية البغوي بدلاً من قوله: {لله فيه كل يوم ستون وثلاثمائة لحظة } قال: {كلامه معقود بالعرش وأصله في حجر ملك }، فهي صفة أخرى، أما من حيث وصفه بأنه من الياقوت، وبأنه من درة بيضاء، وقلمه نور، فهو متشابه، فهي طريق أخرى في صفة اللوح.
وهذه الطريق التي رواها الطبراني الموجودة هنا مروية من طريق عبد الملك بن سعيد بن جبير عن أبيه عن ابن عباس ، والطريق التي ذكرها البغوي رحمه الله رواها من طريق مجاهد عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما.
إذاً: نستطيع بمجموع الطريقين -وبما أن الطريق الأولى حسنة أو قابلة للتحسين- أن نعرف أن صفة اللوح هذه من كلام حبر الأمة عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنه، وإذا قلنا: إن هذا من كلام ابن عباس رضي الله تعالى عنه، فإن له حكم المرفوع؛ لأنه لا يحتمل الرأي ولا يقوله باجتهاد؛ لأنه من أمور الغيب التي لا يقول فيها ابن عباس ولا غيره برأيه، إلا في حالة واحدة؛ وهي إذا كان الصحابي أو التابعي ممن يعلم أنه ينقل عن أهل الكتاب، لكن الذي يظهر من هذا الوصف أنه ليس منقولاً عن أهل الكتاب، بل إن عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنه لم يقله برأيه؛ لأن هذا مما لا مجال للرأي فيه، فهو ليس مجرد رأي أو تفسير، وإنما هو وصف لأمر غيبي لا يعلمه إلا الله، أو من أطلعه الله سبحانه وتعالى عليه من أنبيائه، وبهذا يتبين أن له حكم الرفع.
إذاً: نستطيع أن نقول مطمئنين: إن صفة اللوح هي كما وردت في هذا الحديث.
مراتب القدر
أن الله عز وجل لا تخفى عليه خافية، فهو يعلم كل شي وكل ما كان وما سيكون، وكتب سبحانه وتعالى ذلك في اللوح المحفوظ وفق علمه، وهذا اللوح مشتمل على مقادير الخلائق؛ آجالهم وأرزاقهم، فكل ما كان وما سيكون قد كتبه الله سبحانه وتعالى في ذلك اللوح وفق علمه السابق: وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ [يس]، فهذا الإمام المبين أو اللوح المحفوظ هو الذي يجب علينا أن نؤمن به.
والقرآن الكريم نفسه مكتوب في اللوح المحفوظ، ووحي الله سبحانه وتعالى الذي يوحيه إلى الملائكة وهم يكتبونه، مكتوب في اللوح المحفوظ -كما سيأتي- وحين رفع النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء صعد حتى سمع صريف الأقلام، والملائكة تكتب ما يوحي به الله سبحانه وتعالى إليها، وكل ما يقدره الله سبحانه وتعالى هو -أصلاً- مكتوب في اللوح المحفوظ، وأعمال بني آدم كلها مكتوبة في ذلك اللوح، ولهذا قال ابن عباس في قوله تعالى: {إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [الجاثية] [وهل يكون النسخ إلا من أصل؟! ]، وفق المعلوم لدى أي عربي أن النسخ إنما يكون من أصل.
إذاً: الملائكة تستنسخ ما يعمله بنو آدم من اللوح المحفوظ؛ لأن بني آدم لا يعملون إلا وفق ما قد كتبه الله سبحانه وتعالى في ذلك اللوح المحفوظ، فقد كتب لكل إنسان رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد، وكل ما يمكن أن يكون في حياته فهو موجود في ذلك اللوح، تستنسخه الملائكة، وتقرر عليه العبد يوم القيامة: اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا [الإسراء].
ونسختك من اللوح المحفوظ هي نسخة طبق الأصل من حياتك التي عشتها في هذه الحياة الدنيا، وهي تشمل الحسنات والسيئات، وكذلك يكتب في اللوح المحفوظ من غير أعمال بني آدم ما يمر بهم؛ كالأقدار والمصائب، والموت والحياة، والفقر والغنى، والضحك والبكاء، والسعادة والشقاء، كل ذلك أيضاً مكتوب في ذلك اللوح، فكل ما يقع فقد كتبه الله سبحانه وتعالى، قال تعالى: مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا [الحديد]، إذاً: هذا اللوح فيه كل ما يقضيه الله سبحانه وتعالى ويقدره لبني آدم.
= = = = = =
الايمان بالقد ر
اهو علم الله المثبت في كتابه واجب لا يكمل ايمان المؤمن الا بالتسليم به وقال رسول الله ( احرص علي ما ينفعك ، واستعن بالله ولا تعجز ، وان أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت كذا لكان كذا فإن لو تفتح عمل الشيطان )
وقال السلف الايمان بالقضاء والقدر وأن الله خالق كل شيء وأنه مالم يشأ لم يكن وأن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء
وفي حديث قدسي قال الله ( عبدى : إذا رضيت بما قسمته لك أرحت بدنك وعقلك ، وكنت عندي محمودا ، وان لم ترضي بما قسمته لك فوعزتي وجلالي ، لأجعلنك تركض كالوحوش في البرية ولن تنال الا ما كتبته لك وكنت عندي مذموما
( ومن لم يرضي بقضائي ، فليرحل من تحت سمائي ، وليبتغي ربا سواى )