موضوع: الانبياء في القرآن الثلاثاء 01 سبتمبر 2009, 2:30 pm
ما معنى كلمة قصة؟
إن كلمة قصة أصلها من "اقتص الأثر" في الصحراء حتى وصل إليه.. ومن هنا جاءت كلمة "قصاص" أي تتبَّع أثر الجاني حتى وجده، ولذلك مادة "قصص" تعني تتبَّعَ الشيء إلى أن وصل لنهايته؛ ولذلك نجد أم سيدنا موسى عليه السلام عندما أخذت ابنها وتم إلقاؤه في البحر أرسلت أخته إليه وهي تقول كما جاء في كتاب الله {وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَن جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ}، وعلاقة ذلك بقصص الأنبياء أننا سنقتص -نتتبع- أثر الأنبياء، وسنفعل ذلك في قصة كل نبي حتى نصل إلى نهايتها لنستفيد منها، ولهذا أرجوك أن تكون معي بقلبك حتى تستطيع استخراج العبرة منها..
هل قصص الأنبياء كل تفاصيلها وأحداثها حقيقية؟
نعم حقيقية فالذي يرويها هو الله تبارك وتعالى، وليس كاتبا قد يدمج بين أحداث حصلت بالفعل وأحداث أخرى خيالية؛ واستمع في هذا إلى قول الله تبارك وتعالى {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُم بِالْحَقِّ..}، ويقول {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُوْلِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}.. بمعنى أنك ستسمع يونس في بطن الحوت وهو يُسبِّح، وسترى سكينا على رقبة إسماعيل لا تذبح، وستبصر بحرا ينشق وصواعق تسقط.. وجبالا تُدك، ومطلوب منك أن تصدق، فهل هناك شك في قلبك؟ لا أظن ولا يجب أن يكون؛ فإن تصديقك لقصص الأنبياء وإيمانك بمصداقيتها وحقيقة أحداثها جزء لا يتجزأ من عقيدتك..
ما معنى تكرار قصص الأنبياء في القرآن؟
بالنسبة لتكرار نفس القصة مرات عديدة؛ فأحيانا تتكرر القصة حتى يثبت الله معنى في قلبك.. فقصة إبراهيم تتكرر مرات عديدة حتى تتعلم الطاعة، ونوح يصبر على قومه 950 عاما وهو يقول {رَبِّي إِنِّي دَعَوْت قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا}.. فتتعلم الصبر، وهكذا في القصص المكررة الأخرى، وأحيانا تتكرر القصة لأن نفس القصة ستتكرر في حياتك أنت مئات المرات، مثل قصة آدم وإبليس، لأن الشيطان إن كان قد ضحك على أبيك آدم مرة فستسقط أنت مئات المرات.
ما الفرق بين النبي والرسول؟ هناك فرق بين النبي والرسول، فاسمع قول الله تبارك وتعالى {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ...}؛ إذن فقد فرق الله بينهما فعلا، ولكن ما الفرق؟ هناك مفهوم شائع أن الرسول هو الذي أُوحِي إليه بشرع ثم جاءه الأمر بالبلاغ، لكن النبي أوحي إليه بشرع ولم يؤمر بالبلاغ، أي أن الرسول نزلت له رسالة ولديه أمر بتبليغها وإيصالها للناس، لكن النبي هو الذي أرسل إليه بالرسالة ولم يأتِه أمر بتبليغها، وهذا رأي مشكوك فيه!! فكيف تأتي رسالة ولا تكون مصحوبة بضرورة التبليغ؛ فإذا كان العلماء مأمورين بالتبليغ فما بالك بمن أرسلت له الرسالة! وأكيد ليس هذا هو المعنى؛ ولذلك يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "عرضت علي الأمم فرأيت النبي ومعه الرهيط والنبي ومعه الرجل والرجلان والنبي.." وبهذا نفهم أن النبي يبلغ ولكن الفرق الصحيح هو أن الرسول هو الذي أوحي إليه بشرع جديد وأُمِر أن يبلغه –مثل موسى عليه السلام- أما النبي فهو مَن أوحي إليه بتقرير شرع نبي قبله وأمر أن يبلغه، والاثنان مأموران بالتبليغ، ولهذا كان سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم هو آخر الأنبياء والمرسلين.
ما عدد الأنبياء والرسل؟
عن أبي ذر الغفاري قال: "قلت يا رسول الله كم المرسلون فقال النبي ثلاثمائة وبضعة عشر". هذا الحديث رواه الإمام أحمد بن حنبل في مسنده، وقال: كم الأنبياء يا رسول الله؟ فأجاب: مائة ألف وعشرون ألفا منهم ثلاثمائة وخمسة عشر رسولا" فكل الأنبياء الذين جاءوا إلى الأرض 120 ألفا وكل الرسل 315 رسولا.. والفائدة التي أريد أن أخرج بها هي قول الله تعالى {وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلا خلا فِيهَا نَذِيرٌ}، {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً }.. بمعنى أنه لا توجد أمة إلا وأرسل الله إليها رسولا من عنده..
ولكنك ستسأل لماذا لم يرسل الله نبيا بعد سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم؟ سأقول لك لقرب يوم القيامة فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول: "بعثت أنا والساعة كهذه من هذه; أو كهاتين، وقرن بين السبابة والوسطى"، والأمر الثاني أننا كلنا مأمورون بالبلاغ وإيصال رسالة النبي صلى الله عليه وسلم..
لماذا قص الله علينا قصص بعض الأنبياء ولم يقص البعض الآخر؟
يقول الله تبارك وتعالى {وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ...} فإجمالي الرسل الذين ذكروا في القرآن هم 25 رسولا من 300 رسول أرسلوا، وجمعت سورة الأنعام منهم 18.. يقول الله تبارك وتعالى:
والله لا يسرد قصة إلا إذا كانت تحمل العبرة والعظة؛ فبالتالي لم يقص علينا قصص بعض الأنبياء والرسل لأنها من الممكن أن تكون قصصا مفيدة في وقتها لكنها لا تحمل إفادة لمن يعيشون في آخر الزمان مثلما كانت فترة وجودها..
هل يجوز أن نفضل نبيا على نبي آخر؟
يسمع أحدنا قول الله تبارك وتعالى {لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ}.. فيظن أنها تعني أننا لا نستطيع أن نفضل النبي محمد صلى الله عليه وسلم على بقية الأنبياء، والمعنى غير ذلك، فـ"نفرق" هنا ليس تفريقا في الحب أو في المقام ولكن "نفرق" هنا معناها أن تؤمن ببعض الرسل ولا تؤمن بالبعض الآخر.. لكن الحب أكثر للنبي صلى الله عليه وسلم هذا لا شيء فيه، ويؤكد لنا هذا المعنى قول الله تبارك وتعالى -ويقصد اليهود { إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا.}؛ هذا هو معنى أنه لا تفريق بين نبي وآخر.
ومع ذلك فإن الله سبحانه فضل بعض الأنبياء على البعض الآخر فاستمع إلى قوله تعالى {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ..}؛ فمسألة التفضيل واردة، ولكن أفضل الأنبياء هو سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وهناك حديث للرسول صلى الله عليه وسلم يقول: "أنا حامل لواء الحمد يوم القيامة، ولا فخر، وأنا أول شافع، وأنا أول مشفع، ولا فخر، وأنا أول من يحرك حلق الجنة، فيفتح لي فأدخلها، ومعي فقراء المؤمنين، ولا فخر، وأنا أكرم الأولين، والآخرين، ولا فخر."..
وهناك آية تشعرك بقيمة النبي صلى الله عليه وسلم تقول {وإذ أخذ اللّهُ ميثاق النَّبيّينَ لما آتيتُكُم من كتابٍ وحكمةٍ ثُمَّ جاءكُم رسُولٌ مُصدِّقٌ لِما معكُم لتُؤمنُنَّ به ولتنصُرُنَّهُ قال ءأقررتُم وأخذتُم على ذلكُم إصري قالُوا أقررنا قال فاشهدُوا وأنا معكُم من الشَّاهدين}.. ومعنى هذه الآية أن الله لم يرسل رسولا ولا نبيا إلا وأمره أن يتبع محمدا وينصره..
من هم أولو العزم من الرسل؟.. ولماذا سُمُّوا بذلك؟
أولو العزم من الرسل خمسة وهم: نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلى الله عليهم وسلم أجمعين، وقد جمعتهم هذه الآية {وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْك وَمِنْ نُوح وَإِبْرَاهِيم وَمُوسَى وَعِيسَى ابْن مَرْيَم وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا}، وسموا بأولي العزم لشدة صبرهم وعزيمتهم ونحن أتباع آخر نبي من أنبياء العزائم..
هل الأنبياء معصومون؟.. وهل ذلك قبل النبوة أم بعدها؟
أود أن أذكر أولا أن معنى العصمة هي "المنع والعصمة من المعاصي". أي أن يمنعك الله منعا باتا من الوقوع في معصية؛ فلا يوجد نبي أرسله الله إلا وعصمه الله من الكبائر ومن الصغائر، أما عن فترة ما قبل النبوة فهناك رأيان، الأول يقول بأنهم معصومون قبل النبوة من الكبائر والصغائر، والآخر يقول بأنهم قبل النبوة قد يقعون في هفوات لكنهم لا يقعون في أخطاء تمس الشرف.. أي أن معصية الأنبياء قبل النبوة تصبح هفوة ولكن الغالب عند العلماء أنهم معصومون قبل النبوة وبعدها إلا من الهفوات الصغيرة.
فإذا تساءل أحدنا، وهل هناك عصمة لغير الأنبياء؟ فالإجابة هي لا، فلم تثبت العصمة إلا للأنبياء، ولكن قد يُنقِّي الله أولياءه من الصغائر ويحميهم؛ ليس من باب العصمة ولكن من باب حب الله لأوليائه لدرجة أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول لعمر: "والله يا عمر لو سلكتَ فجّا لسلك الشيطان فجا غير الفج الذي سلكته".
وعصمتنا نحن أن يحمينا من الكبائر، وأن يعيش الواحد منا ولم يشرب الخمر ولم يغضب والديه غضبا شديدا، ولم يفرط في الصلاة.. ولذلك أوصي الشباب بأن يدعو الله أن ينجيهم من الكبائر ومن الإصرار على الصغائر..
وبهذا نكون قد أشرفنا على الوقوف على باب روضة قصص أنبياء الله، ونستأذن في دخولنا باسمه تعالى في رحاب قصة آدم عليه السلام في حديثنا القادم بإذن الله..
والله أسأل لنا الهدى والرشاد وحسن الأدب مع الله ومع أنبيائه ورسله.. وما توفيقي إلا بالله.