موضوع: هود عليه السلام الأحد 06 سبتمبر 2009, 2:02 pm
أُرسل سيدنا هود إلى قبيلة تدعى قبيلة "عاد"، وسميت بذلك لأنه يقال إنهم عادوا بعدما غرق الجنس البشري
في طوفان نوح عليه السلام، ولذلك سميت قبيلة عاد أي عودة للحياة مرة أخرى..
وقوم عاد من أبناء سيدنا سام بن سيدنا نوح.. وأُرسل إليهم سيدنا هود، الذي يعد أول نبي عربي.. كما جاء في الحديث الصحيح
الذي رواه ابن حبان عن أبي ذر: "ذكر لي النبي الأنبياء والمرسلين.. ثم قال لي: منهم أربعة من العرب؛
هود وصالح وشعيب ونبيك يا أبا ذر"..
وسيدنا هود بينه وبين سيدنا نوح أربعة أجيال؛ فجده الثالث سام، وجده الرابع سيدنا نوح.. فالأنبياء كلهم ذريتهم من عائلة واحدة..
نجا المؤمنون في السفينة، وكان إيمانهم بربهم متزايدا بعدما رأوا كيف أغرق اله الكافرين أمام أعينهم.. فجاء الجيل الأول بعد الطوفان عابدًا جدًا، والجيل الذي يليه كان الأجداد يوصون الأحفاد بضرورة الإيمان والتذكير بالطوفان الذي قضى على الكافرين.. ومع الجيل الثالث بدأ إبليس يفعل نفس الشيء الذي فعله مع أبناء آدم والأجيال التالية عليه ما بين سيدنا إدريس وسيدنا نوح من تزيين عبادة الأصنام وترك عبادة الله.. فعُبدت الأصنام مرة أخرى، وكان أول من عبد الأصنام قوم عاد؛ قوم سيدنا هود، وكان بينهم وبين الطوفان مائة سنة فقط، ولكن الشيطان كما يقول العلماء لحوح، وقليل اليأس، وغرضه هو وضعك في الدرك الأسفل من النار، حتى لو أنك من أهل الجنة، ولكنه يعمل على تقليل مكانتك دائما.. من أجل ذلك يقولون إن الشيطان له معنا سبع محطات:
في الأولى يقول لك اكفر.. فإذا نجوت من هذه العقبة تكون المحطة الثانية وهي الإشراك بالله، فيجعلك تضع أشياء في مقام الله، ويجعلك عبدا للمال أو اللهو أو عبدا لشهوة النساء، لكن إذا التزمت بسنة النبي صلى الله عليه وسلم، لن ييأس وسينتقل بك إلى المحطة الثالثة ليدعوك فيها إلى ارتكاب الكبائر كشرب الخمر والزنا.. وعندما تنجو منها بالتوبة والتمسك بالله يزين لك الصغائر حتى تكثر الصغائر وتصبح كبيرة، ويقول لك إنك رغم ذلك أفضل من فلان وفلان وهذه هي المحطة الرابعة، التي إن تغلبت عليه فيها ولم تفعل هذه المعاصي يحاول أن يدخل بك إلى المحطة الخامسة وهي إثناؤك عن القيام بالطاعات؛ فيضيع وقتك في لا شيء.. وإذا تماسكت سينتقل بك إلى المرحلة السادسة ويشغلك بالأقل أهمية في الدين عن الأكثر أهمية وتتوه الأولويات، وتنشغل بالجدل في القضايا الفرعية من الدين، وإذا لم تستجب يسلط عليك الناس ليشككوا فيما تعتقد وكل ما يخص دينك، وهذه هي المرحلة السابعة..
نعود إلى سيدنا هود، والذي ورد ذكره في القرآن أكثر من مرة.. ولم يرد ذكر قصة قوم عاد إلا في القرآن فقط، ولم يرد ذكرها في أي من الكتب السماوية الأخرى..
قوم عاد لم تكن قبيلة عادية؛ بل كانت شديدة القوة؛ يقول الله تبارك وتعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ (6)إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ (7) الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ (8)..} فلم تكن مجرد قبيلة عادية ولكنهم قوم في منتهى القوة، وأقوى من الفراعنة، وغيرهم من الأمم بشهادة القرآن الكريم في الآيات السابقة.. {إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ} تعني المبالغة في بناء الأعمدة الضخمة جدا، وكأن القرآن يتحدث عن ناطحات سحاب، وليس هذا فقط بل إن تكوينهم كان غير طبيعي، فانظر ما يقوله لهم سيدنا هود: {وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِن بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً، فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (69) الأعراف، يقصد أنهم ضخام الأجسام بل أقصرهم طولا 60 ذراعا، وأطولهم 100 ذراع، فكانوا أشبه بالعمالقة، وكانت أطوالهم كالنخل، فكان أحدهم إذا أراد أن يبني بيتا يدس يده في الجبل فينتزع الصخرة من الجبل بيديه..
فهذا سيدنا هود يقول لهم: {أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ} (128) الشعراء.. وريع أي الجبال العالية، يعني أنكم تبنون قلاعا ضخمة جدا تعد آية في البناء وتشييد المنازل.. ولكنهم للأسف اعتدوا وكفروا.. يقول الله تعالى في سورة الأعراف: {وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا، قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ، أَفَلَا تَتَّقُونَ (65) قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (66) قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ (67)}.. واستخدم القرآن كلمة "أخاهم" من كثرة حنوه عليهم وحبه لهم وهو يدعوهم، فقال الله عليه "أخاهم".. وسمي هود من التأني والهدوء، وهذا يعني أنه كان يدعو قومه بتأن وهدوء ورحمة..
وانظر إلى قوله تعالى: {قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ} فهذه الجملة استخدمها كل الأنبياء في دعوة أقوامهم إلى عبادة الله منذ نوح عليه السلام. {أَفَلَا تَتَّقُونَ} يقصد بها تذكيرهم بما جرى لقوم نوح عليه السلام.. فماذا كان ردهم؟ قالوا: {إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ}.. انظر ماذا قالوا لهود الهادئ والمتأني في دعوته إليهم: {قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ (67) أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ (68)}.. لم يتخل هود عن أدبه وهدوئه في دعوتهم وهم من اتهموه بالكذب والسفاهة..
وانظر إلى تلك الآية: {أَوَعَجِبْتُمْ أَن جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِّنكُمْ لِيُنذِرَكُمْ، وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِن بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً، فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (69)}. فمازال يذكرهم بقوم نوح لعلهم يعودون ويتخلون عن عنادهم الذي بدأ معه منذ البداية.. ولكنه مع ذلك لم يعدهم بالعذاب واختار أن يذكرهم بالنعم التي أنعم الله بها عليهم فقال: {وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِن بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}..
وهو تكرار لنفس الكلام السابق، ولكن هنا يشير القرآن الكريم إلى أنهم لم يبنوا البنايات الضخمة والقصور الفخمة إلا للعبث ومن أجل المظاهر والتفاخر بين العائلات وبعضها.. نفس الذي يحدث الآن في أغلب أفعالنا ومظاهر الإسراف والبذخ في المناسبات، والأكل والسفر والإنفاق المبالغ فيه؛ رغبة في التفاخر، ومن باب المظاهر.
ولكن انظروا كيف كانت عاقبة قوم عاد؟ كانت نهاية بشعة، ومن أهم أسباب هلاكهم التفاخر والحرص على المظاهر.. والمشكلة الثانية هي أنهم كما يقول القرآن: {وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ} أي أنهم كانوا يبنون البيوت رغبة في نسيان الدنيا وتصور الخلود فيها والنسيان التام للآخرة، وهذا أيضا يتكرر هذه الأيام عندما يتصور البعض أن ماله أو جماله -خاصة النساء- سيبقى وسيخلد ولن يفنى أبدا..
أما المشكلة الثالثة فكانت كما يقول الله تعالى: {وَإِذَا بَطَشْتُم بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ} أي عندما يغضبون يظلمون ويتجبرون في الظلم، وهذه الخصلة أيضا تتكرر هذه الأيام بأشكال وألوان مختلفة..