موضوع: قصة سيدنا ادم وحواء مع ابليس الرجيم الخميس 10 سبتمبر 2009, 4:06 pm
هل إبليس من الجن أم من الملائكة؟
يقول الله تبارك وتعالى: {وإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إلا إبليس أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ}.. وإن كان ظاهر الآية يوحي بأن إبليس من الملائكة؛ لكن الحقيقة أن العلماء أجمعوا على أن إبليس من الجن، وهناك آية واضحة جدا في سورة الكهف تقول: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إلا إبليس كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ},.. وهي إشارة واضحة إلى أن إبليس كان من الجن، وليس من الملائكة، ولكن الذي حدث أن الجن كانوا موجودين على الأرض قبل خلق الله لآدم ففسدوا فسادا كبيرا، فأمر الله تبارك وتعالى الملائكة أن تزيح الجن عن الأرض إلى الجحور –كما ذكرنا سابقا- وكان من الجن من هو عابد طائع لا يفعل مثلما يفعل الآخرون، وكان منهم إبليس الذي كان لم يترك موضعا في السماء إلا وسجد لله فيه، ولكن كان هناك مشكلة في نفس إبليس لم يكن يعلمها إلا الله سبحانه وتعالى وتركه لحكمة لا يعلمها إلا هو..
والسؤال الثاني، إذا كان إبليس من الجن فلماذا يؤمر أن يسجد مع الملائكة؟ وقد كان الأمر موجها للملائكة؟
نعم لقد كان الأمر موجها للملائكة ولكن نظرا لوجود إبليس بين الملائكة فترات طويلة أصبح الأمر الذي يأتي للملائكة يشمل إبليس أيضا، ودليل ذلك أنه عندما قال الله تعالى لإبليس: {قَالَ يَا إبليس مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ}. لم يعترض أو يدافع عن نفسه من منطلق أن الأمر كان يخص الملائكة وحدهم؛ ولكنه أراد أن يبرر عدم طاعته للأمر بأنه خير من آدم، وفي هذا يقول الله تبارك وتعالى: {قَالَ مَا مَنَعَكَ ألا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ، قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ}.
والسؤال الثالث، أحيانا يسميه الله إبليس، وأحيانا يسميه شيطانا، فهل هو إبليس أم شيطان؟
اسمه الحقيقي إبليس قبل أن يعصي الله تبارك وتعالى ويرفض السجود لآدم، لكن كلمة شيطان هذه أصلها من شطط أي شديد البعد؛ فإبليس شديد البعد عن التوبة وعن طاعة الله، ومن شدة ابتعاده سُمِّي شيطانا. فالاسم إبليس والصفة شيطان.
فما الفرق إذن بين الشيطان والجن؟
الشياطين هم العصاة من الجن، فكل شيطان من الجن، لكن ليس كل جن شيطان..
ولماذا رفض إبليس السجود؟
يقول الله تبارك وتعالى في سورة الأعراف: {قَالَ مَا مَنَعَكَ ألاّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ}، وقال تعالى: {قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ} فالسبب هو الكِبر، فاستمع إلى الآية الأخرى: {قَالَ يَا إبليس مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ، أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ}.. وهو سؤال من الله لإبليس الذي كانت إجابته: {قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ}.
وهذه الآية تدل على أن السبب الأساسي الذي منعه من السجود هو الكبر والغرور، وكانت هذه الصفة مشتركة بين إبليس وفرعون فالثاني قال كما جاء في القرآن الكريم: {فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى}.
ونستفيد أن أول ذنب ارتكب في الوجود هو الكبر؛ فانظر ماذا قال الله تبارك وتعالى للمتكبر الأول وهو إبليس: {قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ}، ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر".
وبذلك يكون إبليس قد طلب من الله أن يعطيه عمرا لا يساوي عمر آدم وحده ولكنه يساوي أعمار كل ذرية آدم، فقد اعتبر أن آدم وذريته أعداؤه إلى يوم القيامة، وكأنه يقول لله عز وجل سوف أجعلهم يكفرون بنعمتك وأنسيهم أنك أنت المنعم فيكفرون بها، فكان الكفر بالنعمة هو المدخل لمعصية الله عز وجل.
ويتحدث إبليس كذلك في سورة النساء فيقول: {وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا، وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِّن دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُّبِينًا}، وقال {..يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إلا غُرُورًا، أُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَلَا يَجِدُونَ عَنْهَا مَحِيصًا}..وفي سورة الإسراء: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إلا إبليس قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا، قَالَ أَرَأَيْتَكَ هذا الَّذِي كرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إالى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إلا قَلِيلًا}، وهنا نلاحظ أن كلمة {لَأَحْتَنِكَنّ} (تعني وضع اللجام في فم الإنسان).. ولهذا رد الله سبحانه وتعالى عليه قوله: {قَالَ اذْهَبْ فَمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاءً مَّوْفُورًا، وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُم بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إلا غُرُورًا، إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلًا}.
وكأن القرآن يصور معركة إبليس مع بني البشر والتي تبدأ بأن ينادي إبليس جنوده ويرسل إليهم السرايا ويقوم عليهم بالغزوات. يقول الله تبارك وتعالى: {وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إبليس ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إلا فَرِيقًا مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ}.. ولتصل في النهاية أن تسمع خطبة إبليس يوم القيامة والتي أوردها القرآن في سورة إبراهيم فيقول الله تبارك وتعالى: {وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ، وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إلا أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي، فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنفُسَكُم، ما أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُم بِمُصْرِخِيَّ، إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}..
فتخيل ندم وضيق من يسمع هذه الخطبة يوم القيامة.. هل صدقت الآن أن الشيطان عدوك، ولكن الله أعطاك جنودا أقوى بكثير من جنوده في معركة الدنيا فالله أعطاك أحد عشر جنديا وهم:
5. سورة البقرة يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة لا يدخله الشيطان".
6. لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير.. يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "من قالها في يوم مائة مرة كانت له حرزا من الشيطان".
7. الوضوء، لأن الشيطان من نار ولا يطفئ النار إلا الماء.
8. غض البصر، لأنه من أكبر مداخل الشيطان إلى الشرور.
9. صحبة المؤمنين، لأن الشيطان يتملك من الشخص ويستولي عليه، وهو وحيد شريد بعيد عن الصحبة الطيبة.
10. الصلاة.
11.التوبة
والآن أسألك من الأقوى جنودك أم جنود الشيطان؟
الآن إبليس طرد من الجنة وترك آدم في الجنة وحيدا ثم خلقت حواء، ولكن قبل أن تخلق حواء استوحش فخلقت حواء من ضلعه وهو نائم فلما استيقظ رآها إلى جواره سألها من أنت؟
فقالت: امرأة
فقال: وما اسمك؟
فقالت: حواء
فقال: ولِم خلقتِ؟
فقالت: لتسكن إليّ
وقد قيل في سبب تسمية المرأة بحواء إن ذلك يرجع إلى أنها أم كل إنسان حي، وقيل لأنها خلقت من شيء حي وهو ضلع آدم، ومن الجدير بالذكر في هذا الشأن أن نذكر أنها خلقت منه وهو نائم حتى لا يشعر بألم خَلقِها فلا يتغير قلبه عليها لأن العاطفة فيه ليست الغالبة، عكس المرأة وهي تلد مثلا فكلما زاد الألم زاد الحب للجنين.
وكما أسلفنا هي تقول خلقت لك.. وفي هذا يقول الله تبارك وتعالى: {ومِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذلكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}.
وهناك ملاحظة جميلة جدا تقول إن كلا من آدم وحواء خلق من الجزء الذي سيتعامل معه في الدنيا؛ فآدم خلق من تراب الأرض لأنه سيعيش حياته متعاملا مع الأرض مزارعا أو صانعا أو تاجرا، وحواء خلقت من الضلع بجوار القلب لأنها ستتعامل كأم وزوجة، وحواء خلقت من ضلع أعوج.. يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "... وَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ، فَإِنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ أعوج، وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلاهُ، إِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ، وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ، اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا ".
ومعنى الحديث أن حواء خلقت من الضلع الأيسر الذي يحمي القلب من الصدمات، ولكي يحمي القلب لابد من اعوجاجه.
تأمل هذ الآيات: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إلا إبليس أَبَى، فَقُلْنَا يَا آدم إِنَّ هذا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى، إِنَّ لَكَ ألا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى، وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى، فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدم هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَى، فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ، وَعَصَى آدم رَبَّهُ فَغَوَى} وذلك لنعلم أن آدم وحواء لم يخلقا عرايا أبدا، وأن الإنسان لم يعرف العري منذ لحظته الأولى.
والله نسأل أن ينفعنا بما علمنا، وأن يجعله الوارث منا، وأن ينصرنا على مكائد الشيطان، وأن يبلغنا رضاه.. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.