امل وتحديات ورأى سامي شرف
(وزير الدولة وسكرتير الرئيس جمال عبد الناصر): "... ان الوحدة مع سوريا،
نجحت في تحقيق الاستقرار الذي لم تنعم به من قبل منذ بدأ تاريخها الحديث
بعد الحرب العالمية الأولى،
ووفرت لها كل المقومات لتقوم بدورها العربي... واستطاعت سوريا في ظل
الوحدة ان تحقق تغييرات اجتماعية عميقة كانت تتطلع اليها منذ الاستقلال،
ووقف الاقطاع السوري ضدها فقد كانت قوانين تموز 1961 تحقيقاً لمطالب
متراكمة منذ زمن طويل لم يستطع اي حزب سياسي ان يحققها... واثبتت هذه
التجربة ان الوحدة العربية حقيقية، وان اسسها صحيحة، وجسدت حلم الامة
العربية والثورة العربية."
[1] وفي لقاء مع النائب سامي الخطيب
الذي عايش تلك الفترة من موقعه كضابط امني في الشعبة الثانية (الاستخبارات
اللبنانية)، اعتبر ان "الوحدة المصرية السورية كانت نتيجة لتطلعات الشعوب
العربية وامانيها في التوحد، وكانت جزءاً من احلامنا وتطلعاتنا". وفي رأي غالب ياغي ان الوحدة بين مصر وسوريا "اعطت الامل للمواطن
العربي بامكان السعي الى الوحدة الشاملة، وكانت في تلك الفترة الرد الحاسم
على المؤامرات التي كانت تستهدف سوريا ومصر ولبنان وبقية الدول
العربية...". في المقابل فان المعارضين لمشروع الوحدة والمتابعين لهذه الفترة
التاريخية، اكدوا انه منذ قيام الجمهورية العربية المتحدة، بدأت الممارسات
"الديكتاتورية" من جانب الرئيس عبد الناصر، الذي عمد الى اقتلاع احشاء
السياسة السورية، وكان قد وضع شرطين لقيام هذه الوحدة، اولهما ان يمتنع
الضباط عن ممارسة العمل السياسي، وحلّّ الاحزاب في سوريا ومن بينها حزب
البعث، وهذا ما اثار نقمة عدد كبير من البعثيين الذين لم يتوقعوا
استبعادهم من الوحدة وهم من صانعيها. وفي رأي باتريك سيل، ان قادة حزب
البعث كانوا يتوقعون ان يصبحوا المعلمين العقائديين للجمهورية العربية
المتحدة، وان يزودوا عبد الناصر بعقيدة متكاملة، ويعلموا العروبة لمصر
نفسها. ولكن كل ذلك لم يكن سوى احلام يقظة. فبدلاً من الحياة الحزبية
الجاهزة التي كانت قائمة في سوريا انشأ عبد الناصر تركيباً كان في الوقت
نفسه سلطوياً وكسيحاً مخلع الاوصال. فكل القرارات كانت تتخذ عنده في
القاهرة، حيث كان يعمل بواسطة مجموعة صغيرة من الضباط ورجال الامن. اما في
دمشق فكان اعتماده على رجل امن صموت هو العقيد عبد الحميد السراج الذي رفعه وجعله وزيراً للداخلية.
السياسة المتبعة تجاه سوريا افقدتها سيطرتها على شؤونها الداخلية
والخارجية، وانعدمت الحياة السياسية فيها، لتنحصر في ايدي المسؤولين
المصريين، ولم تعد دمشق سوى مركز محافظة، وانشأ عبد الناصر حكومة مركزية
ضمت: أكرم الحوراني، وصلاح الدين البيطار،
وكانت الشؤون المصرية والسورية، من اختصاص مجلسين تنفيذيين محليين. وفي
تشرين الثاني عام 1959 ارسل الرئيس جمال عبد الناصر ابرز مساعديه المشير عبد الحكيم عامر ليتولى حكم سوريا التي اطلق عليها اسم الاقليم الشمالي، اما مصر فكانت الاقليم الجنوبي.
ولأن الوحدة لم تأت وفق ما تمناه السوريون، بدأ عدد منهم التعبير
عن رفضه ومشاعره وخصوصاً بسبب التدخلات المصرية في الشاردة والواردة،
وبسبب تهميش دور الزعماء والقادة السوريين، حتى اولئك الذين كانوا في
المناصب الحكومية، ومنهم اكرم الحوراني الذي اعرب عن خيبة امله "... وغادر
الحوراني القاهرة بعدما نفض يديه منها عائداً الى بلدة حماه وسط خيبة امل
كاملة من تجربة الوحدة مع مصر...". وكما ذكر باتريك سيل انه "كانت لدى الحوراني اسباب شخصية وراء
مرارته، نظراً الى أن وضعه السياسي قد تضرر تحت حكم عبد الناصر، فقبل
الوحدة كان هو صانع الحكام في سوريا، كان قوياً في اوساط الجيش، محبوباً
من الفلاحين... ثم جاء عبد الناصر وانتزع منه كل ذلك واعطاه في المقابل
منصباً شكلياً فارغاً في حكومة الجمهورية العربية المتحدة، الى ان رمى
بهذا المنصب باشمئزاز." واشار المحامي غالب ياغي الى ان اكرم الحوراني ابلغه في بيروت ان
الاختلاف بينه وبين عبد الناصر كان سببه الرئيسي، موضوع تحويل
الاسرائيليين لنهر الاردن، وهذا ما دفعه الى تقديم استقالته من منصب نيابة
الرئاسة ومن وزارة العدل في الحكومة المركزية، وأصدر الحوراني بياناً في 13 حزيران 1963 بعد انفصال سوريا عن مصر تحدث فيه عما جرى في جلسة الوزارة المركزية في القاهرة بتاريخ 29 نوفمبر 1959 (وقد ذكر الحوراني ذلك في مذكراته الصادرة عن مكتبة مدبولي في القاهرة عام 2000).
ويذكر الذين عايشوا تلك الفترة كيف بدأت عملية ضرب المعارضين من
الشيوعيين بالدرجة الاولى لتطول بعدها البعثيين، ولعب المقدم عبد الحميد
السراج دور الجلاد، فزجّ عدداً من المعارضين في غياهب السجون وفي الاقبية
السود، وتعرض الكثير من هؤلاء لابشع انواع التعذيب الجسدي والنفسي
وبأساليب وحشية. ورأى غسان زكريا (عديل عبد الحميد السراج):
"... ان السراج حوّل سوريا في زمانه الى سجن كبير، اختفت فيه كل مظاهر
الديموقراطية وشكلياتها، وضرب فيه وعذب وزراء ونواباً واطباء ومحامين
وصحافيين ورجال اعمال ومهندسين ونساء ورجال دين، وهو ما لم يجرؤ الاستعمار
الفرنسي على مدى ربع قرن على فعله وهو يحتل الشام ولبنان بمئة الف جندي."
[1]
الانفصال...و انهيار الوحدة كان للأجواء السياسية المشحونة دورها الاول في حصول الانفصال، اضافة الى التدخلات العربية والاجنبية. ولا ينفي النائب سامي الخطيب
"ان تكون الاسباب الداخلية قد لعبت دورها في حصول الانفصال، اضافة الى
الدور الذي لعبته السفارات الغربية التي كانت منذ الاساس ضد هذه الوحدة."
[1]واعتبر سامي شرف انه كان هناك قضايا داخلية تمس الاوضاع وآليات
الحكم في كل من سوريا و مصر هيأت ارضية صالحة لنجاح الانفصاليين. "...كانت
هناك اصابع اجنبية تلعب لفصم هذه الوحدة خوفاً من المدى الوحدوي الذي كان
سيحدث تأثيراً في المنطقة العربية كلها، ويؤدي الى تغييرات فيها، و يحول
دون قيام اسرائيل بتحقيق اهدافها التوسعية."
[1]و يذكر شرف عدة اسباب ادت الى وقوع الانفصال وانهيار الوحدة و منها:
- عدم وجود اتصال جغرافي بين سوريا و مصر مما يجعل سيطرة الحكومة المركزية محدودة
- ابعاد الجيش عن التدخل في السياسة، و هو موضوع شائك و معقد في
سوريا بالذات، فقد كان الضباط السوريون يتدخلون في السياسة للنخاع، منذ
عام 1949.
- التنظيم السياسي الواحد و هو الإتحاد القومي الذي كان مطبقاً في مصر لم يكن مقبولاً من حزب البعث السوري على وجه التحديد... و قد اعتبرت نتيجة انتخابات الاتحاد القومي في سوريا هزيمة للبعثيين و انتصاراً لعبد الحميد السراج.
- كان صعباً اتمام توحيد القوانين بين مصر وسوريا، و خصوصاً التي تحكم تنقل الافراد والتجارة و ازالة الحواجز بين الاقليمين.
- الحديث عن تهجير مليون فلاح مصري الى منطقة الجزيرة.
- الهيمنة على الجيش السوري بضباط مصريين.
ففي 28 سبتمبر 1961، قامت مجموعة من الضباط السوريين بقيادة المقدم عبد الكريم النحلاوي (مدير مكتب عبد الحكيم عامر)،
و بدعم أردني - سعودي، و بمؤازرة من رجال الاعمال السوريين الساخطين بسبب
قرارات التأميم، بانقلاب عسكري في اجواء متأزمة من كافة النواحي. و فوجىء
الرئيس عبد الناصر بأنباء التمرد السوري فأمر بارسال قوة من ألفي مظلي
مصري الى سوريا لسحق هذا التمرد. ولكن مواقف قيادات الجيش في اللاذقية وحلب
المؤيدة للمتمردين دفعت عبد الناصر الى نقض أوامره علماً بأن الطليعة
المصرية المؤلفة من 120 مظلياً كانوا قد اعلنوا الاستسلام بعد هبوطهم. و
كان عبد الحكيم عامر قد غادر دمشق حوالي الساعة الثالثة بعد ظهر يوم الانقلاب الى القاهرة، وكان صلاح البيطار و أكرم الحوراني قد ايدا الانفصال و كانا من بين السياسيين السوريين الموقعين على الوثيقة الانفصالية في 2 تشرين الأول/أكتوبر 1961.
انقلابات ما بعد الإنفصال يبدو أن الندم حل بضباط دمشق وأدركوا بعد شهور قليلة فداحة ما صنعوه
ووجدوا أن الديمقراطية التي بشروا بها أقامت دولة «انفصالية» يتربع في
برلمانها وحكوماتها غلاة اهل اليمين من بورجوازيين واقطاعيين وعشائريين وإخوان أصوليين.
وفي لحظة نادرة من لحظات صحوة الضمير، ركب الانقلابيون جناح الليل، فاودعوا رئيس الجمهورية ناظم القدسي سجن المزة
الرهيب وذهبوا الى القاهرة باكين أمام جمال عبد الناصر طالبين اعادة
الوحدة، وواضعين أنفسهم في تصرفه يفعل بهم ما يشاء. رفضهم عبد الناصر وقال
لهم ان "الوحدة التي ذهبت بانقلاب لا تعود بانقلاب".
[2]
محاولات عسكرية مؤيدة للوحدةغادر النحلاوي مع عدد من رفاقه سوريا الي المنفي اجبارا وبمغادرته بدأ
في سوريا عهد الانفصال الحقيقي الأخطر الذي استبدل في 8 آذار (مارس) عام
1963 رجاله برجال آخرين في مقدمتهم ميشيل عفلق وصلاح البيطار وأمين الحافظ وصلاح جديد وكان أعتاهم وأشرسهم سليم حاطوم وعبد الكريم الجندي خاصة.
أولى محاولات عبد الناصر للقضاء علي الانفصالحسب عبد الكريم النحلاوي، في حوار عام 2001
[3]، فقد حاول عبد الناصر بالفعل القضاء علي الانفصال وقام بالفعل بمحاولات عدة وقد سمع من علي صبري
رئيس الوزراء المصري الأسبق قبل وفاته حديثاً مثيراً للغاية قال فيه ان
عبد الناصر كان جاداً في مقاومة الانفصال عسكرياً عقب وقوعه في 28 أيلول
(سبتمبر) عام 1961 بقيادة النحلاوي وانه لم يرسل قوات عسكرية محمولة جوا
من مصر الي اللاذقية إلا علي هذا الأساس. كانت الطائرات الحربية المصرية
السبع قد أقلعت من قواعدها في الاراضي المصرية في اتجاه الاجواء السورية
حيث سارع سفير الاتحاد السوفييتي في مصر الي الاتصال الهاتفي بعبد الناصر
وابلاغه رسالة شفهية عاجلة من الكرملين
تقول للرئيس الراحل دع سوريا وشأنها . وقد كان ذلك السبب الخفي الذي جعل
عبد الناصر يأمر باعادة بقية أسراب الطائرات الي قواعدها في مصر ويأمر
قائد السرب جلال هريدي بتسليم نفسه وعناصره من المظليين الي السوريين من
دون مقاومة.
المحاولة الثانيةثم كانت العملية الثانية في 18 تموز (يوليو) عام 1963 عندما تسلل
العقيد جاسم علوان من سوريا سرا الي لبنان ومن لبنان قام بزيارة سرية لمصر
قابل خلالها جمال عبد الناصر واضعاً بين يديه خطة القيام بانقلاب عسكري في
سوريا الا انه أكد ان نسبة نجاحها لا يتعدي 30% ومع ذلك طلب جمال عبد
الناصر منه تنفيذها وكان عبد الناصر ينوي اعلان وحدة مصر وسوريا مرة أخري
في خطاب عيد الثورة يوم 23 تموز (يوليو) عام 1963 في حالة نجاحها أما في
حالة الفشل فانه سيعلن انسحابه من اتفاقية الوحدة الثلاثية التي وقعها مع
كل من العراق وسوريا بعد ان أدرك عبد الناصر ان حزب البعث في كل من سوريا
والعراق يحاول كسب مزيد من الوقت لاقصاء الناصريين في كلا البلدين من أية
مناصب قيادية. وبالفعل فشلت تلك العملية وأعلن عبد الناصر انسحابه من
الوحدة وزج بمئات الناصريين ومن بينهم أنا في سجن المزة بدمشق.
المحاولة الثالثةالمحاولة الثالثة فكانت يوم 27/7/1964 عندما طلب عبد الناصر من الضابط
السوري جادو عز الدين الاستعداد لأداء عملية عسكرية داخل سوريا انطلاقا من
الأراضي العراقية وكانت تلك العملية تتكون من ثلاث مراحل:
- العملية الأولي تستهدف المنطقة الشرقية من الاراضي السورية (دير الزور ومنطقة الجزيرة اضافة الي المنطقة الشمالية حلب وتوابعها).
- العملية الثانية تستهدف دمشق مباشرة.
- العملية الثالثة تستهدف المنطقة الوسطي (تدمر، حماة، حمص وتوابعهم).
وقد تم وضع هذا التخطيط علي افتراض ان وضع القوات الجوية السورية يومئذ
لا يؤهلها للتعامل بنجاح مع القوات الجوية المخصصة لتغطية الهجوم الا ان
عبد الناصر استدعي فجأة جادو عز الدين ليخبره بأنه صرف النظر عن تلك
العملية ولم يعرف أحد أسرار تلك العملية الا بعد مرور خمسة وعشرين عاما من
موعدها الافتراضي، كما رواها بالوثائق جادو عز الدين حينما أذاع ان اللواء
فؤاد شهاب رئيس الجمهورية اللبنانية يومذاك المتعاطف مع عبد الناصر نقل
اليه معلومات بتسرب خبر تلك العملية الي الولايات المتحدة وان الاخيرة تعد
فخاً للجيش المصري شبيها لما حدث له في حرب اليمن وبناء علي ذلك ألغي عبد
الناصر تلك العملية.
معرض الصور
الرئيسان جمال عبد الناصر وشكري القوتلي يتقبلون تهنئة المواطنين بقيام الجمهورية العربية المتحدة.
|
عبد الحميد السراج وجمال عبد الناصر وعبد الحكيم عامر وياسين فرجاني.
|
الرئيس جمال عبد الناصر في زيارة خاصة لمنزل محافظ حماة ياسين فرجاني حيث نام بمنزله مرتين وكان معه المشير عبد الحكيم عامر.
|
محافظ حماة ياسين فرجاني والرئيس جمال عبد الناصر والمشير عبد الحكيم عامر.
|
الرئيس جمال عبد الناصر-عبد الحميد السراج-ياسين فرجاني-حماة.
|
محافظ حماة ياسين فرجاني في استقبال الرئيس جمال عبد الناصر في مطار حماة العسكري.
|
اجتماع لقيادات الإتحاد القومي من وزراء و محافظين في الإقليم الشمالي مع المشير عبد الحكيم عامر.
|
الرئيس جمال عبد الناصر و المشير عبد الحكيم عامر يقرأون فاتحة الوحدة مع ضباط مجلس القيادة العسكرية الأعلى للجيش و القوات المسلحةالسوري.
|
استقبال حافل للرئيس جمال عبد الناصر خلال زيارته للمدن السورية
|
الجرائد السورية خلال زيارة الرئيس جمال لدمش
|
استقبال الرئيس جمال
|
جولة الرئيس جمال بلسيارة خلال زيارتة لسوريا
|
comment
|
comment
|
comment
|
الرئيس جمال عبد الناصر خلال زيارتة لسوريا واستقبال رجال الدين لسيادتة
|
comment
|
comment
|
الجرائد تكتب عن استقبال الرئيس جمال في مدينة حلب السورية
|
comment
|
comment
|
comment
|
comment
|
comment
|
comment
|
comment
|
comment
|
comment
|
|