بقلم - د. محمد حبيب :الشعب والجيش ساقان لجسد واحد، كل مُكمل
لصاحبه، ولا يستطيع أحدهما أن يستغني عن الآخر، بل لا أكون مُبالغاً إذا
قلت إن الثورة لن تتمكن من المضي قدماً نحو تحقيق أهدافها الكبرى إلا بهما
معاً، وأي تعكير لصفو العلاقة بينهما لابد وأن يؤثر سلباً على الثورة
ذاتها.. ومن ثم تصبح المحافظة على هذه العلاقة من الثوابت الاستراتيجية
للثورة وللوطن، والتي يجب أن ننأى بها عن أي تذبذب أو اهتزاز.. ولاشك أن
هذا كله يستلزم بالضرورة قدراً كبيراً من المكاشفة والصراحة والوضوح بين
المجلس الأعلى للقوات المسلحة من ناحية والشعب من ناحية أخرى.هذه
مقدمة ضرورية ومهمة، بل لازمة، خاصة في هذه المرحلة حتى لا يزايد أحد على
أحد.. فكثيراً تلك الأصوات التي تحاول إضفاء قدسية على أداء رجال المجلس
الأعلى للقوات المسلحة، بعضها من باب الحماس والتقدير والعرفان بالجميل
للدور الذي قاموا به في حماية الثورة، وهو أمر محمود، وبعضها الثاني راجع
إلى نوع من التزلف المرفوض والذي يجب أن ينتهي من حياتنا في هذه المرحلة
الفارقة من تاريخ مصر.لقد اغتصب النظام البائد إرادة الشعب المصري،
وسلبه حقه في حياة حرة كريمة خلال عقود طويلة، مُستخدماً في ذلك كل صنوف
القهر والإهانة والإذلال.. ولم يكن غريباً أن نلحظ حالة العصيان المدني غير
المعلن التي كان يبديها الشعب والتي كانت تنعكس على سلبيته ولامبالاته،
ورفضه لكل ما يصدر عن الطغاة وأذنابهم، بل والاستهزاء والسخرية بما كانوا
يفعلون.. لذا فإن الشعب بعد أن قام بثورته الكبرى واسترد حريته، لم يعد
سلبياً كما كان.. لقد أصبح إيجابياً، يقظاً، واعياً، وناقداً لكل ما يجري
حوله، وتولد لديه إحساس بالثقة، وعدم الرضا بالقليل المُتاح، فحلمه تجاوز
وتعدى كل الآفاق.. ولم لا؟ لقد قام بثورة أذهلت وأدهشت العالم.من
ناحية أخرى، يقوم المجلس الأعلى للقوات المسلحة بدور سياسي وتشريعي،
وتنفيذي أيضاً، وقد يجانبه الصواب في بعض المواقف، وهذا لا يقلل من مكانته
ومنزلته ودوره، ومن حق الشعب بل من واجبه أن يصوب ويوجه وينصح، أملاً في
بلوغ الرشد والكمال لأجل المصلحة العليا للوطن الذي يسعى الجميع ـ شعباً
وجيشاً ـ لإعلاء شأنه ورفع رايته.. ومن هنا مطلوب من المجلس الأعلى للقوات
المسلحة أن يتسع صدره لأي نقد يوجه إليه، وألا يضيق به طالما كان نقداً
بناءاً.. بل مطلوب منه أيضاً أن يكون حاسماً، وبالقانون، إزاء كل من يريد
العبث بأمن واستقرار الوطن.نحن نتفهم جيداً حجم التحديات الكبيرة
التي تواجهها مصر ـ الشعب والوطن ـ داخلياً وخارجياً.. نتفهم جيداً أن جذور
وأوتاد وأركان النظام البائد تحارب معركة البقاء، وأنها في سبيل ذلك لن
تدخر وسعاً في إيقاظ الفتن والأحقاد، وإثارة الفوضى وعدم الاستقرار، وإشعال
نار الكراهية والبغضاء بين أبناء الوطن.. يهمها بالدرجة الأولى أن تتصدع
العلاقة بين المجلس الأعلى للقوات المسلحة والشعب، وأن الأول غير قادر على
تحقيق الأمن والأمان، وأنه متباطئ في تقديم رموز النظام البائد إلى التحقيق
والمثول أمام النيابة (خاصة مبارك وأسرته، إضافة إلى فتحي سرور وصفوت
الشريف وزكريا عزمي) وذلك عن الجرائم التي ارتكبوها في حق مصر.. ولعل
الخطوات والإجراءات التي تمت في الأيام القليلة الماضية بددت قدراً كبيراً
من الضبابية والغموض، وبالتالي فوتت الفرصة على فلول النظام البائد أن يصيد
في الماء العكر..إن صدور قرار النائب العام
بحبس مبارك وولديه 15 يوماً، وترحيلهما إلى سجن مزرعة طره، فوق أنه
استجابة للثورة وتطمين للشعب المصري على عودة دولة سيادة القانون، هو آية
من آيات الله.. فما كان أحد يتصور، ولو في الخيال، إمكانية حدوث ذلك.نحن
نتفهم أيضا مدى التحديات الخارجية التي تواجهها مصر.. فليس هناك من شك في
أن الإدارة الأمريكية أو الكيان الصهيوني حريصان كل الحرص على عدم نجاح الثورة المصرية،
إذ إن تحقيق إقامة نظام حكم ديمقراطي سليم مرتكز على التعددية السياسية
الحقيقية والتداول السلمي للسلطة واعتبار الأمة مصدر السلطات، سوف يؤثر
بالسلب على المشروع الأمريكي الصهيوني في المنطقة، وسوف يؤدي بالضرورة إلى
بزوغ العملاق المصري الذي يقود العالم العربي والإسلامي، سياسياً
واقتصادياً واجتماعياً، وبالتالي يتمكن من ممارسة دوره المحوري
والاستراتيجي على المستوى الإقليمي والدولي.. ونتفهم كذلك أن بعض الأنظمة
العربية حريصة هي الأخرى على أن تتوقف الثورة، على الأقل عند هذا الحد،
بهدف عدم انتقال رياح التغيير إليها.. ومن ثم على الجميع أن يرتقي بوعيه
وفعالياته إلى مستوى هذه التحديات، ونسأل الله تعالى أن يبارك ثورتنا
ويحفظها من كل سوء، حتى تحقق ما تصبوا إليه نفوسنا من آمال وأحلام.