هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 كل شي عن البوذيين .. مميز.

اذهب الى الأسفل 
5 مشترك
انتقل الى الصفحة : 1, 2  الصفحة التالية
كاتب الموضوعرسالة
بقايا جروح
مشرف المنتدي الأدبيمشرف المنتدي الأدبي
بقايا جروح


انثى
ســآعـتي :
التسجيل : 10/01/2010
المساهمات : 7226
عدد النقاط : 11523
المزاج : كل شي عن البوذيين  .. مميز. Qatary22
المهنة : كل شي عن البوذيين  .. مميز. Studen10
الهوايه : كل شي عن البوذيين  .. مميز. Travel10
الدولة : كل شي عن البوذيين  .. مميز. Female16
الأوسمة : كل شي عن البوذيين  .. مميز. 3h210
التميز : كل شي عن البوذيين  .. مميز. 1510

كل شي عن البوذيين  .. مميز. Empty
مُساهمةموضوع: كل شي عن البوذيين .. مميز.   كل شي عن البوذيين  .. مميز. I_icon_minitimeالسبت 28 يناير 2012, 3:40 pm

كل شي عن البوذيين  .. مميز. Rur60921


تاريخ تمهيديٌّ للتقاليد التبتية الخمسة للبوذيَّة والبونيَّة

التقاليد البوذية الأربعة، وهي: نيينغما وكاغيو وساكيا وغيلوغ. والخامس هو التقليد التبتي للبونية، السابق للبوذية. وكثيرًا ما نسمع المقطع الصوتي "با" في نهاية هذه الأسماء، وهو يعني: "تابعٌ لهذا التقليد"؛ فعلى سبيل المثال، "غيلوغ با" تعني: شخصًا يتبع تقليد الغيلوغ.

الإمبراطور سونغتسين-غامبو وتقديمه للبوذية

إذا أردنا قراءة تاريخ البوذية فعلينا أن نستقصيه من بداياته، من القرن السابع الميلادي، ففي بداية ذلك القرن غزا ملكٌ من التبت الوُسطى يُدعى سونغتسين-غامبو المملكة التبتية الغربية لشانغ-شُنغ، وأنشأَ أوَّل إمبراطورية تبتية مُوحَّدة، وكان توحيد أية إمبراطوريةٍ في تلك الأيام يكون من خلال زواج الملك بأميرات الممالك القريبة؛ وكان ذلك ليأمن الملك الغازي جانب ملوك هذه الدول لوجود بناتهم في قصور الإمبراطورية. وقد تزوج الإمبراطور سونغتسين-غامبو أميراتٍ من الصين ونيبال وشانغ-شُنغ. وقد جلبَت الأميرتان الصينية والنيبالية نصوصًا بوذية، في حين أحضرت الأميرة الشانغ-شُنغية معها مُعتقداتها البونية، وكانت البونية حينذاك هي الديانة الأصلية لشانغ-شُنغ.

إذا اعتمدنا على وجهة النظر التاريخية الغربية لوجدنا أنه لم يكن للبوذية تأثير كبير في هذه الفترة المبكرة، وإنما كان التطور الرئيس الذي أصابها هو تلك المعابد البوذية الثلاثة عشر التي بناها هذا الإمبراطورِ الأول في منطقة حُكمه. كانت مملكة التبت تظهر على الخريطة كأنها شيطانة أنثى تستلقي على الأرض، فاختار الإمبراطور ثلاثة عشر موقعًا على ذلك الجسد الشيطاني، كأنها نقاط وخزٍ للإبر، وأمر ببناء المعابد على كلٍّ منها لتطويع طاقة شيطانة التبت والسيطرة عليها. وهكذا وصلت البوذية إلى أرض الثلوج.

وعندما رغب سونغتسين-غامبو في زيادة الوحدة والترابط في إمبراطوريته فكر في جلب أبجدية لكتابة اللغة التبتية. فأرسل وزيره تونمي-سامبوتا للحصول على تلك الأبجدية من خوتان، وليس من الهند، كما يُفسره التاريخ التبتي التقليدي في مواطن كثيرة. فقد كانت خوتان مملكة بوذية تقع شمال التبت الغربية في آسيا الوسطى، وكانت الطريق التي اتخذها الوزير إلى خوتان تمر عبر كشمير، وعندما وصل إلى كشمير اكتشف أن الوزير الذي سيقابله في خوتان كان موجودًا في كشمير مُصادفةً في ذلك الوقت. وهكذا ظن الكثيرون أن الأبجدية التبتية جاءت من كشمير. ولكن التحليل الإملائي للهجات يُوضِّح أن الأبجدية التبتية تحمل في الحقيقة ملامحَ خاصة بالنصِّ الخوتاني فقط. وبعد ذلك كان هناك تواصلٌ مع البوذية في الصين وخوتان، أكثر منه مع البوذية الهندية. غير أن الديانة البونية بقيَت قوية في التبت أكثر من البوذية خلال هذه الفترة المبكرة، فهي مَن أوجدت المراسم المُستخدَمة في طقوس الدولة.

فترة الانتقال القديمة (نيينغما)

في منتصف القرن الثامن الميلادي تبوَّأ العرشَ إمبراطورٌ عظيمٌ آخر وهو تري سونغديتسين، وكان قد تلقى نبوءةً عن تعاليم بوذية مستقبلية في التبت، وتجاوبًا مع هذه النبوءة دعا معلمًا بوذيًّا عظيمًا من الهند وهو شانتاراكشيتا. وبعد فترة وجيزةٍ من وصول رئيس الدير الهندي انتشر وباءُ الجدري، فأرجع وزراءُ البلاط - الذين كانوا يعادون كل ما هو أجنبي في التبت - سبب الوباء إلى شانتاراكشيتا، وطردوه من التبت. ولكن قبل مغادرته نصحَ شانتاراكشيتا الإمبراطورَ بدعوة غورو رينبوتشي بادمسامبافا إلى القدوم لحل المشاكل وإنهاء التوتُّرات في البلاد، فاستجاب له تري سونغديتسين، وجاء بادمسامبافا وخلَّصَ التبت من مشكلاتها. وبعد ذلك دعا الإمبراطورُ شانتاراكشيتا إلى العودة. كان هناك عدة معابد بوذية في البلاد من قبل، ولكنهم الآن بَنُوا أوَّلَ ديرٍ في التبت في سمياي، جنوب لاسا. وأجرى رئيس الدير الهندي سيامة الرهبان الأوائل.

وقد مارس غورو رينبوتشي ذلك التعليم وقتًا قصيرًا، وهذا التعليم لم ينتشر في التبت كثيرًا، فدفن في الغالب النصوص البوذية، بعدما اعتقدَ أن التبتيين في ذلك الوقت لم يتقبلوها بعدُ، وكانت هذه النصوص تحتوي على أعلى تعاليم التانترا، التي تُدعى دزوغتشين، أي الكَمالُ العظيم.

بعد ذلك عمل العديد من الباحثين الصينيين والهنود والشانغ-شُنغيون بانسجامٍ معًا في دير سمياي؛ حيث جمعوا في الغالب نصوصًا من تقاليدهم الخاصة وترجموها. وأصبحت البوذيةُ الديانةَ الرسمية للدولة، وكان للصينيين التأثير الأكبر في ذلك الوقت، ثم أصبح الإمبراطور الصيني يرسل راهبيْن إلى سمياي مرة كل عامينِ. وكان نموذج البوذية الذي اتبعه الرهبان الصينيون هو تشان، وهو النموذج السابق لزن الياباني.

وقد تنبَّأ شانتاراكشيتا بنشوء نزاعٍ ما مع الصينيين، تذكروا رجاءً أن التاريخ الديني لم يحدث في فراغ؛ بل حدث في علاقةٍ مع التاريخ السياسي، حيث نشبت هناك حروبٌ كثيرة بين الصين والتبت في ذلك الوقت. قال شانتاراكشيتا: إن عليهم دعوة تلميذه كامالاشيلا، لتسوية أية مشكلة تنشأ هناك.

في هذه الأثناء أرسلَ الإمبراطور تري سنوغديتسين المزيد من التبتيين إلى الهند لإرجاع التعاليم، ودعوة المزيد من الهنود إلى بلاده. وقد دُفِن نصوص أخرى بسبب الحروب مع الصين وآسيا الوسطى، وخوفًا من الوزراء الذين كانوا معادين لأي تأثيرٍ أجنبي في التبت، ويبدو من المعقول وجود اضطهاد ضد البونيين في سمياي وفي البلاط. وكانت طائفة البونيين أساسًا من شانغ-شُنغ.

كانت هناك كذلك مناظرة دارما بين كامالاشيلا الذي يمثل الهنود، وبين الممثل الصيني. وبالطبع خسر الصيني المناظرة. ولم يكن هناك مجالٌ لمعلِّم تشان أن يهزم معلمًا في المنطق من الهند في مناظرةٍ منطقية. لم تكن هناك منافسة، فليس لممارسي التشان تدريبٌ في المنطق. ولأسبابٍ عدة، يمكن للمرءٍ أن يفترض جدلاً أن المناظرة لم تكن إلا حركة سياسية ليتعللوا بها في طرد الصيني وتبني البوذية الهندية بصفتها النموذج الرئيس للبوذية في التبت. ومن بين كل الممالك والإمبراطوريات المجاورة للتبت كان للهنود أقلُّ تهديدٍ عسكري.

بداية أود أن أعرض التاريخ من وجهة النظر الغربية، وليس من وجهة النظر التبتية التعبدية العادية؛ لأنني قد تدربت على هذا الأمر، وأعتقدُ أنها تشير إلى ما حدث بدرجة أكثر وضوحًا، وتفسيراتها معقولة إلى حد كبير.

كثرت الترجمة بعد ذلك في بداية القرن التاسع الميلادي في ظل الرعاية الملكية، وقد جمع الباحثون قاموسًا سنسكريتيًّا-تبتيًّا، ووضعوا مصطلحات الترجمة وأسلوبها ضمن معايير، وما يثير الاهتمام هو أن الباحثين لم يشملوا أية مصطلحات للتانترا في القاموس؛ فقد كانت التانترا حينئذ موضع جدالٍ أساسًا.

وفي منتصف القرن التاسع الميلادي اضطهد الإمبراطور لانغدارما البوذية، وهو الاضطهاد الذي ذاع صيته بصورة سيئة، فتحوَّل لانغدارما إلى شيطان، كما تشير إلى ذلك المصادر التاريخية الدينية. قد يكون من الموضوعية رؤية هذه الاضطهاد ردَّ فِعلٍ على رؤساء الأديرة والرهبان في سمياي الذين كانوا يحاولون فرض تأثيرهم الشديد على الحكومة، وذهب كثير من الضرائب التي جمعتها الدولة إلى دعم الأديرة، وأصبح عبئا اقتصاديا لا يُحتمَل.

في الحقيقة، إن كلَّ ما فعله لانغدارما هو إغلاق الأديرة فقط، ولا يعني ذلك أنه دمر البوذية؛ فلم يدمر المكتبات البوذية، فقد عثر أتيشا عليها عندما قَدِمَ إلى التبت بعد قرنٍ من الزمان. واستمرت البوذية خارج الأديرة. وتعرف المرحلة التي سبقت "فترة الانتقال القديمة" (فترة الترجمة القديمة) واستمرت خلالها باسم "التقليد القديم"، أو تقليد نيينغما.

فترة الانتقال الجديدة

كما ذُكرَ سابقًا، فقد حدث اضطهاد البون قبل سنواتٍ من اضطهاد البوذية، ومثلما فعل غورو رينبوتشي ومعلمون بوذيون آخرون في ذلك الوقت دفن العديد من معلمي البون أيضًا نصوصًا لتكون في مأمن. وفي بداية القرن العاشر الميلادي بدأ البونيون في إحياء نصوصهم، التي لم تكن حول التانترا فحسب، بل حول السوترا كذلك. إن تعاليم البون شديدة الشبه بتلك الموجودة في البوذية. وما يثير الاهتمام حقًّا هو أن البون بدأت تقليد الكشف عن النصوص المخفِيَّة مثل الكنز قبل البوذيين.

حدث في القرن العاشر الميلادي بعد ذلك سوء فهم كبير للتانترا في التبت - كان ذلك في تقليد النيينغما الذي نجا خارج الأديرة، وكان الناس ينفذون التعاليم حَرفيًّا - خاصة الأجزاء التي بدت أنها تتحدث عن الجنس والعنف، ولم يكن الانجذاب إلى الجنس والعنف شيئًا جديدًا في المجتمع، فلا شك أنهم اختبروا ذلك في تلك الأيام.

وكما كان الحال سابقًا أرسل الملك حينئذٍ باحثين إلى الهند لإرجاع التعاليم مرةً أخرى، ومحاولة تصحيح سوء الفهم. ويرجع سوء الفهم في البداية إلى عدم وجود أديرة، كما كان من قبلُ، لتضع الدراسة والتدريب ضمن معايير محددة. أما الآن فقد ظهر ما يُدعى بـ"فترة الانتقال الجديدة" (سارما، فترة الترجمة الجديدة). وكان هذا الوقت بداية التقاليد التي تُدعى كادام وساكيا وكاغيو. ولم تكن هذه الأسماء موجودة في الهند، فقد نشأت بسبب ذهاب الكثير من المترجِمين المختلفين إلى الهند ونيبال، والعودة بمجموعاتٍ مختلفة من النصوص والتعاليم والتمكين التانتري (الابتداءات). كما أن العديد من المعلمين الهنود والنيباليين والكشميريين قد استقروا في التبت، ومنهم خرجت السلالات التبتية المختلفة.

وتُشبه هذه الظاهرة اليومَ قدوم عددٍ كبير من اللامات التبتيين إلى الغرب، وهم - كما يبدو - نادرا ما يتعاونون مع بعضهم البعض، ومعظمهم يُنشئ مركز دارما خاص به وحده، ويذهب الكثير من الغربيين إلى الهند ونيبال للدراسة مع التبتيين في غُربتهم هناك، كما أن الكثير منهم يُنشئون مراكز دارما خاصة بهم عند عودتهم إلى أوطانهم. ولدينا الآن سلالات كثيرة، مثل: سلالة كالو رينبوتشي، وسلالة شامار رينبوتشي، وسلالة سوغيال رينبوتشي، وسلالة نامكاي نوربو رينبوتشي، وسلالة لاما يِشي، وسلالة غيشي توبتين نغاوانغ، وسلالة غيشي رابتين، وسلالة ترونغبا رينبوتشي، إلى آخره. لم يكن أي منها موجودةً في التبت. فنجد أشخاصًا من الغرب يقولون: "أنا تابع لكالو رينبوتشي". "أنا تابع لنامكاي نوربو". "نُعرف عن أنفسنا بأسماء المعلمين". وقد تكوَّنت السلالات في التبت بالأسلوب نفسه، كما يبدو أنها تتكوَّن الآن في الغرب. كانت جديدةً تمامًا، ولم تكن موجودةً قبلاً.

وكما يدرس الناسُ اليوم مع معلمين كثيرين، كذلك كانت الحال آنذاك، فقد التقت السلالات، ودرسَ الناسُ سلالاتٍ متعددة، وخلطوا فيما بينها بشكلٍ ما، وقد أنشئوا الأديرة بدلاً من مراكز الدارما. ويرجع ما حدث إلى أن العديد من هذه السلالات اندمجت مع بعضها البعض، بتعاليمها ومعلميها المتباينين، حتى تكوَّن بعد ذلك عددٌ ثابتٌ من المدارس، ونأمل أن يحدث ذلك في الغرب، فقد كان من المستحيل لمئتي صورة مختلفة للبوذية أن تستمر منفصلة عن بعضها البعض. فخطوط الانتقال الخاصة بمختلف الممارسات والنصوص والتمكينات التانترية اجتمعت معًا لينتجَ عنها مدارس كادام وكاغيو وساكيا خلال هذه الفترة الجديدة. ونتجت السلالات المتعددة التي كانت في التبت قبل هذه المرحلة الجديدة عن مدرستي النيينغما والبونيين. وقبل هذه الفترة لم يكن هناك إلا أديرة متفرقة، لا تجمعها أي مدارس مُنظَّمة.

ليس للتقاليد التبتية الخمسة هوياتٌ متوارَثة، وليس لها إلا اتفاقات تجمع خطوطًا مختلفةً ومعلمين مختلفين؛ خطوط تعاليم وتمكينات نقلها المعلمون الزائرون في التبت. وهكذا نشأت التقاليد التبتية الخمسة للبوذية والبون بدءًا من نهاية القرن العاشر الميلادي.

كادام وغيلوغ

أنشأ سلالة كادام المعلمُ الهندي أتيشا، وأجمل ملامح هذا التقليد كانت تعاليم لوجونغ. وعادةً ما تُترجم لوجونغ إلى "تدريب العقل"، ولكنِّي أفضِّلُ ترجمتها بـ"تنقية السلوكيات." وقد انقسمت هذه السلالة إلى ثلاث وحدات، ثم دمجها تسونغخابا وأصلحها في أواخر القرن الرابع عشر وأوائل القرن الخامس عشر الميلادي، لتتحول إلى: تقليد الغيلوغ.

كان أكثر إنجازات تسونغخابا إثارةً للإعجاب هو أنه قرأ تقريبًا كل الأدبيات البوذية الموجودة في أيامه. وكان لكثير من النصوص نُسَخٌ متعددة في التبت، وقد ترجم معظمها ثلاث مراتٍ أو أربع، وكان لها مجموعة كبيرة من التفاسير، وقد قرأها تسونغخابا كلها تقريبًا - أي السوترا والتانترا - وقارنَ كل شيء، استمر في مسعاه، وكان يقول: "بالنسبة لهذه الفقرة فهذه الترجمة تضعها بهذه الصورة، وتلك الترجمة تضعها بتلك الصورة، وهذا التفسير يشرحها بهذه الصورة، وذاك التفسير يضعها بتلك الصورة. ولكن هذه الترجمة أو هذا التفسير ليس منطقيًّا، ولا معنى له؛ لأنه يناقض هذا وذاك...".

وبهذه الطريقة توصَّل تسونغخابا إلى تصحيح الترجمة وفهم النصوص الرئيسة كلها، ولم يُصرح باستنتاجاته فحسب، على نحو: "هذا ما تعنيه هذه الفقرة؛ لأني أقول ذلك."، بل دعم كل شيءٍ بالمنطق والسبب. بالإضافة إلى ذلك ركَّز خاصة على أكثر الفقرات صعوبةً في كل نصٍّ، تلك الفقرات التي كان أيُّ شخصٍ آخر يتجاوزها، فأصبحت أعماله حجرَ الأساس لمدرسة الغيلوغ.

وكان لتسونغخابا الكثير من التلاميذ، أحدُهم أصبح بعد "الدالاي لاما الأول"، ورغم أن اسمه "دلاي لاما" فإنه لم ينضم إلى ذلك الخط إلى مع الحلول الثالث. وكان المنغول هم مَن أطلقوا اسم "الدالاي لاما الثالث" عليه، وكان "الدالاي لاما الخامس" في منتصف القرن السابع عشر الميلادي قد ولاه المنغول الحكم على التبت. وقد فعل المنغول ذلك في البداية لإنهاء حربٍ أهلية تبتية استمرت 150 (مئة وخمسين) عامًا، ولرعاية الوحدة والاستقرار في البلاد. حيئذِ أصبح الدالاي لامات حُماةَ كل التقاليد في التبت، وليس الغيلوغ فحسب، رغم أن خط الدالاي لاما نشأ أصلاً من داخل مدرسة الغيلوغ. أمَّا المعلم الرئيس للدلاي لاما الخامس فأصبح يُعرَف باسم: "البانتشين لاما الأول".

ساكيا

المعلم الهندي فيروبا هو الذي أنشأ سلالة الساكيا، وهو الذي جاء بالتعاليم المعروفة باسم لامدراي "الدروب ونتائجُها"، وهو تعليم الساكيا الرئيس الذي يجمع بين السوترا والتانترا. وقد طَوَّر مدرست الساكيا خمسة معلمين أوائل، كلهم ينتمون إلى الأسرة النبيلة نفسها. وقد مَنَح الإمبراطور المنغولي قوبلاي خان أحدهم، وهو تشوغيال باغبا، وِصايةً سياسية على التبت في القرن الثالث عشر الميلادي، وقد أعادت هذه الخطوة ترسيخ الوحدة السياسية في التبت أول مرة خلال فترة الترجمة الجديدة.

كاغيو

كان لتقليد الكاغيو خطَّان رئيسان، أحدهما: هو شانغبا كاغيو، وهي السلالة التي كان يرْأَسُها الراحل كالو رينبوتشي، وقد جاء بها المعلم التبتي كيونغبو نيلجور، الذي ذهب إلى الهند في بداية القرن الحادي عشر، وعاد ومعه التعاليم من ناروبا والمعلمتين العظيمتين اليوغينيات نيغوما وسوكاسيدي.

ثانيهما: هو داغبو كاغيو، وهو الخط الذي عبر من تيلوبا إلى ناروبا، وبعدها إلى ماربا وميلاريبا وغامبوبا التبتية. وبعد غامبوبا انقسم الخط إلى اثنتي عشرة سلالة، بداية من تلاميذه حتى الجيل التالي من التلاميذ. من بين السلالات الاثنتي عشرة ثلاثةٌ فقط مُنتشرة اليوم ومعروفة في الغرب: الكارمابا الأول الذي أنشأ مدرسة الكارما كاغيو، وهو تلميذٌ مباشر لغامبوبا، والآخران هما: دروغبا ودريكونغ كاغيو.

تقليديًّا كانت كل مدرسة كاغيو مستقلة، دون الحاجة إلى وجود رئيسٍ عامٍّ لكل خطوط الكاغيو. وعندما فرَّت جالية اللاجئين التبتيين الحالية إلى الهند في وقت تمرد لاسا عام 1959 م، كان أشهر رؤساء سلالات الكاغيو الذين هربوا هو الكارمابا السادس عشر، وقد اختير مؤقتا قائدا لكل سلالات الكاغيو؛ وذلك ليساعد في عملية إعادة التوطين. وفي الوقت الحالي استعادت تقاليد الكاغيو المتعددة دروبَها الفردية.

خلال أوائل القرن الحادي عشر الميلادي - عندما كانت مدارس الترجمة الجديدة قد بدأت في الظهور - بدأ معلمو النيينغما في الكشف عن النصوص التي دُفِنَت من قبل، فوضعها لونغتشينبا مع بعضها البعض في القرن الثالث عشر لِيُكوِّنَ قاعدة نصية لمدرسة النيينغما، ويُرجح أن تقليد النيينغما هو الأقل توحُّدًا بين المدارس التبتية المتعددة؛ فكل ديرٍ من أديرتها مستقلٌّ إلى حدٍّ كبير.

حركة ريمي اللاطائفية

هناك حركة واحدة لا بد من ذِكرها، وهي: الريمي أو: "الحركة اللاطائفية." فقد بدأ الأمر في أوائل القرن التاسع عشر الميلادي في خام جنوب شرق التبت. وقد قدِمَ المعلمون المؤسِّسون جميعًا من سلالات الكاغيو والساكيا والنيينغما. وكان من بينهم - ولعلهما أكثرهم شهرة - كونغترول رينبوتشي الأول وجامغون كونغترول. ويعود السبب الرئيس لإنشاء حركة ريمي إلى حِفظ السلالات والنصوص من كل التقاليد، بما في ذلك الغيلوغ، التي أصبحت نادرة الوجود في ذلك الوقت.

ويُخمِّن بعض الباحثين الغربيين وجود أهداف سياسية مَخفيَّة وراء تأسيس حركة ريمي، فقد أصبحت مدرسة غيلوغ في ذلك الوقت قوية جدًّا، وكانت التقليد الرئيس في التبت الوسطى وفي شمال شرق التبت (أمدو)، بالإضافة إلى أنَّ أتباع تلك المدرسة بسطوا سيطرتهم على حكومة التبت الوسطى، وربما شعرت التقاليد الأخرى بالتهديد، فأحست أنهم يستطيعون الحافظ على هوياتهم من خلال اتحادهم معا، وربما استطاعوا إيجاد قوة موحدة بديلة للتبت، وهكذا ظهرت حركة ريمي.

ولعل تلك المقدمة عن تاريخ التقاليد التبتية الخمسة تكون كافية. ورغم أن هناك كثيرًا من الأسماء، إلا أنه من المفيد تكوين فكرة عن التاريخ وهوية شخصياته الرئيسة، مثل: الدالاي لامات والبانتشين لامات والكارامبا. وهذا بدوره يمكن أن يُساعد في تفادي مآزق الطائفية، حتى نتمكن من إيجاد احترامٍ لكل التقاليد في التبت.

كل شي عن البوذيين  .. مميز. FKU60921

انتشار البوذيَّة في آسيا

لمحة تاريخية موجَزة

رغم أن البوذيَّة لم تنشئ أيَّة حركة تبشيريَّة أبدًا، إلا أنَّ تعاليم بوذا انتشرت في طول الأرض وعرضها، وفي شبه القارَّة الهنديَّة، ومن هناك عبرت لآسيا. وفي كلِّ حضارة وصلتها عُدِّلت الطرق والأساليب البوذيَّة لتلائم العقليَّة المحليَّة، دون التنازل عن النقاط الجوهريَّة الخاصَّة بالحِكمة والشفقة. لكن البوذيّة لم تصنع أبدًا هرمًا شاملاً للسلطة الدينيَّة برئاسة عُليا، بل طوَّرت كلُّ دولة وصلت إليها البوذيَّة نُظُمها وبنيتها الدينيَّة ورئاستها الروحيَّة الخاصة بها. وإحدى هذه السُّلطات المعروفة جدًّا، وهي التي تحظى باحترامٍ دوليٍّ حاليًّا، هي قداسة الدالاي لاما في التبيت.

هناك قسمان رئيسان للبوذيَّة :

•الهينايانا ، أو الواسطة المتواضعة، التي تؤكِّد على التحرُّر الشخصيِّ،

•في حين أنَّ الماهايانا أو الواسطة العظيمة تؤكِّد على العمل للوصول إلى أن يصير المرء بوذا مستنيرًا على نحوٍ كامل، من أجل أن يكون المرء قادرًا بشكلٍ أفضل على مساعدة الآخرين.

لكلِّ جزء أقسام فرعيَّة، لكن في الوقت الحاليِّ لم يتبقَّ سوى ثلاثة نماذج مهمَّة: أحدها الهينايانا، التي تُعرف بالثيرافادا، في جنوب شرق آسيا. واثنان من ماهايانا، وهما التقليدان: الصينيُّ والتبيتيُّ.

انتشر تقليد الثيرافادا من الهند إلى سريلانكا وبورما في القرن الثالث ق.م، ومن هناك إلى ينان جنوب غرب الصين وتايلاند ولاوس وكامبوديا وجنوب فيتنام وإندونيسيا. وقد عُثِر لاحقًا على أكياس للنقود تابعة للتجار الهنود البوذيين على ساحل شبه الجزيرة العربيَّة حتى الإسكندريَّة بمصر. وقد انتشرت نماذج أخرى من الهينايانا منذ ذلك الوقت في باكستان وكشمير وأفغانستان وإيران الشرقيَّة والساحليَّة وأوزبكستان وتركمانستان وطاجيكستان الحاليَّة. وكانت تلك الولايات القديمة غندهارا وباكتريا وبارثيا وسغديا في آسيا الصغرى هي القاعدة التي انطلقت منها تعاليم البوذية وانتشرت في القرن الثاني الميلادي، ووصلت إلى تركستان الشرقية (شينجيانغ) وتوغلت داخل الصين، وفي نهاية القرن السابع استمرَّ انتشارها حتى قرغيزستان وكازاخستان. وقد دُمِجت تلك النماذج من الهينايانا لاحقًا مع فروع الماهاياما التي قدِمَت من الهند؛ لتُصبح الماهايانا في النهاية النموذجَ السائد للبوذيَّة في معظم بلاد آسيا الوسطى.

وقد انتشر النموذج الصيني للماهيانا حتى وصل إلى كوريا واليابان وشمال فيتنام، وانتشرت كذلك موجة مبكِّرة من الماهايانا المختلطة بالنماذج الشافيتية من الهندوسية، ومن الهند إلى نيبال وإندونيسيا وماليزيا وبعض المناطق من جنوب شرق آسيا، وبدءًا من القرن الخامس تقريبًا انتشرت التقاليد الماهايانية التبتية، التي بدأت في القرن السابع، والتي ورثَت التطوُّر التاريخي الكامل للبوذيَّة الهنديَّة عبر مناطق الهيمالايا، وحتى منغوليا وتركستان الشرقية وقرغيزستان وكازاخستان، وشمال الصين الداخليَّة ومنشوريا وسيبيريا ومنطقة منغوليا الكالميكيَّة قرب بحر قزوين في روسيا الأوربية.

الأسلوب الذي انتشرت من خلاله البوذيَّة

كان انتشار البوذيَّة في آسيا يحدث بطرق سلمية ومتنوعة، وحدَّد شاكياموني بوذا سابقة تاريخية لانتشار البوذية، وبحكم كونه معلِّمًا أساسيًّا فقد ارتحل إلى البلاد القريبة ليشرك معه المثقفون والمهتمون في البصيرة الروحية التي فُتح عليه بها. كما أرشد رهبانه إلى الانطلاق في العالم وشرح تعاليمه، فهو لم يطلب من الآخرين ترك دينهم والابتعاد عنه والتحوُّل إلى دينٍ جديد؛ لأنه لم يكن يسعى إلى تأسيس ديانته الخاصَّة، بل كان يحاول فقط مساعدة الآخرين في التغلب على البؤس والمعاناة التي تسببوا فيها نتيجة جهلهم. أما الأجيال اللاحقة من التابعين فوجدوا أسوة في بوذا أسوة ملهمة، فشاركوا الآخرين في استخدام أساليبه التي وجدوها مفيدة في حياتهم. هكذا انتقلت ما يُعرَف اليوم بـ"البوذيَّة" إلى جميع الأرجاء.

وتطوَّرت العملية في بعض الأحيان على نحو طبيعيٍّ، فعلى سبيل المثال عندما زار التجار البوذيُّون الأراضي المختلفة واستقرُّوا فيها، فنشأ بالطبع لدى بعض السكان اهتمام بمعتقدات هؤلاء الأجانب، كما حدث ذلك في مطلع الإسلام مع قدومه إلى إندونيسيا وماليزيا، حدث ذلك مع البوذيَّة في ولايات الواحات على طول طريق الحرير في آسيا الوسطى خلال القرنينِ السابقين واللاحقين للميلاد. وعندما عرف الحكَّام وأهل البلاد المزيد عن هذه الديانة الهنديَّة دعوا الرهبان من مناطق التجار الأصليَّة ليكونوا مستشارين أو معلِّمين، وهكذا اعتنقوا العقيدة البوذيَّة في نهاية المطاف، أمَّا الأسلوب الطبيعيُّ الآخر فكان من خلال الاستيعاب الثقافيِّ البطيء للشعب المحتلِّ، مثل اليونانيِّين داخل المجتمع البوذيِّ في جاندارا في باكستان الوسطى حاليًّا، وذلك خلال القرون اللاحقة للقرن الثاني ق.م.

ولكن الانتشار، في كثيرٍ من الأحيان، كان في الأصل نتيجةً لتأثير الملك القويِّ الذي اعتنق البوذيَّة ودعمَها بنفسه. ففي منتصف القرن الثالث ق.م. مثلاً انتشرت البوذيَّة عبر الهند الشمالية نتيجةً للتأييد الشخصيِّ من قبل الملك أشوكا، فهذا المؤسس العظيم للإمبراطوريَّة لم يُكرِه رعيَّته على اعتناق البوذيَّة، ولكنه دعا شعبه لاعتناق تعاليم بوذا بتعليق مرسومات منقوشة على أعمدة حديدية على امتداد مملكته، وفيها تعاليم تحثُّ الناسَ على ممارسة حياتهم اليومية ممارسة أخلاقية، واتبع هو نفسه هذه المبادئ.

كما دعا الملك أشوكا بنشاط بالغ إلى الديانة الجديدة خارج مملكته؛ وذلك من خلال إرسال البعثات إلى البلاد البعيدة، وأحيانًا دعوة الحكَّام الأجانب، مثل تيشيا ملك سيرلانكا، وفي أحيان أخرى يبادر بإرسال الرهبان مندوبين عنه، إلا أن هؤلاء الرهبان الزائرين لم يجبروا الآخرين على اعتناق ديانتهم، بل نشروا تعاليم بوذا فقط، تاركين الخيار للناس، والدليل على ذلك هو أنَّ البوذيَّة رسخت مبكرًا في مناطق مثل جنوب الهند وبورما الجنوبيَّة، بينما لا يوجد تسجيل تاريخيٌّ لأيِّ تأثيرٍ فوريٍّ في بلادٍ أخرى، مثل المستعمرات اليونانيَّة في آسيا الوسطى.

دعا الملوك المتديِّنون الآخرون مثل ألتان خان المنغولي في القرن السادس عشر معلِّمين بوذيِّين إلى مملكته، وجعل البوذيَّة الديانة الرسمية للبلد؛ حتى تؤدي إلى توحيد شعوبهم وتعزيز حُكمهم، وأثناء ذلك ربما حظروا تقاليد معيَّنة غير بوذيَّة تابعة لديانات محليَّة، بل إنهم اضطهدوا أتباعها، غير أنَّ هذه الخطوات القهرية كانت ذات دوافع سياسيَّة في المقام الأول، فلم يُرغِم الحكَّام الطموحون رعاياهم على اعتناق البوذية عقيدةً وعبادةً، فليس ذلك جزءًا من العقيدة الدينيَّة.

إذا كان شاكياموني بوذا قد طلب من الناسِ ألاَّ يقلدوا تعاليمه، بل يجب أن يتفكروا هم فيها جيِّدًا قبل قبولها، فإن عدد الناس الذين سيقبلون التعاليم البوذيَّة مُكرَهين من دعاةٍ متعصِّبين أو تحت مطارق الملوك المتعصبين لها سيكون قليلاً بالطبع. فمثلاً عندما حاول تويين نيجي في بداية القرن السادس عشر الميلاديِّ رشوة المغول الشرقيين الرُّحَّل لاعتناق البوذيَّة، من خلال تقديم قطيع ماشية لهم مقابل كلِّ آية يحفظونها، اشتكى الناس إلى السلطات العليا، ولكن هذا المعلم المتغطرس عُوقِب ونُفِيَ بعيدًا في نهاية الأمر


كل شي عن البوذيين  .. مميز. FKU60921


شاهدوا هذا التقرير المصور , وهو فيلم وثائقي عن الديانة البوذية , بهذا الفيلم الوثائقي عن الديانة البوذية يتم الشرح بالتفصيل عن تاريخ الديانة البوذية وتعاليم الديانة البوذية الرائعة الفياضة بالحكمة .

هذا الفيلم من انتاج قناة الجزيرة الوثائقية


https://www.youtube.com/watch?v=luYdN7SLJ8c&feature=player_embedded

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://elswesry22.yoo7.com/
بقايا جروح
مشرف المنتدي الأدبيمشرف المنتدي الأدبي
بقايا جروح


انثى
ســآعـتي :
التسجيل : 10/01/2010
المساهمات : 7226
عدد النقاط : 11523
المزاج : كل شي عن البوذيين  .. مميز. Qatary22
المهنة : كل شي عن البوذيين  .. مميز. Studen10
الهوايه : كل شي عن البوذيين  .. مميز. Travel10
الدولة : كل شي عن البوذيين  .. مميز. Female16
الأوسمة : كل شي عن البوذيين  .. مميز. 3h210
التميز : كل شي عن البوذيين  .. مميز. 1510

كل شي عن البوذيين  .. مميز. Empty
مُساهمةموضوع: رد: كل شي عن البوذيين .. مميز.   كل شي عن البوذيين  .. مميز. I_icon_minitimeالسبت 28 يناير 2012, 3:56 pm

المجتمع الهندي وفِكرُه قبل عهد بوذا وخلالَه


هارابا-موهينجودارو


ازدهرت حضارة الهارابا-موهينجودارو في وادي نهر السند خلال الألفيتيْن الثالثة والثانية قبل الميلاد؛ إذ تمتعت بعلاقات تجارية مع السومريين قبل ظهور البابليين، الذين سكنوا منطقة ما بين النهريْنِ، التي تُعرف اليوم بالعراق، لكن ذلك لم يترك إلا أثرًا حضاريًّا ضئيلاً. وأغلب الظن أن شعب تلك المنطقة كان من السلالة الدرفيدية الأصلية، وكان ينتمي إلى ديانةٍ تؤمن بإلهٍ أعلى يمثل الخصوبة والخلق، وكائنات اليوغي المعبودة التي تتمتع بقوى خارقة للطبيعة، وهو سيد القطيع، كما أنه كان يشبه إلى حد ما النموذج البدائي للإله الهندوسي اللاحق شيفا. ضمَّت الاعتقادات الدينية كذلك إلهةً أمًّا، وضوءًا طقسيًّا، وعبادة القضيب الذكري، وتبجيل شجرة البيبال المقدسة، والحيوانات المقدسة مثل البقرة. والبيبال عبارة عن شجرة تين بنغالية، تُعرَف في البوذية باسم شجرة بوذي.

وبدءًا من النصف الثاني من الألفية الثانية قبل الميلاد غزت القبائل الهندية-الإيرانية وادي نهر السند واحتلته، وبالتالي سكنوا تلك المنطقة، وخارج حدودها إلى الشرق في شمال الهند. وأغلب الظن أن هذه القبائل تعود أصلاً إلى منطقة أفغانستان شرقَ إيران وجنوبَ تركستان الغربية، وكانوا يُعرَفون بـ"الآريين" أي "النبلاء". وفي الحقيقة إن كلمة إيران مُشتقَّة من المصدر نفسه للكلمة آري. وتشترك الحضارات الإيرانية والهندية المبكرة في بعض الملامح اللغوية والدينية عبر هذه القبائل.

ومع الغزو الآري تحوَّل الكثير من أبناء شعب الهارابا-موهينجودارو الأصليين ذوي البشرة الداكنة إلى عبيد، في حين انتقل آخرون إلى الهند الجنوبية. إن التقسيم الطبقي للآريين إلى نبلاء وأبناء قبائل اتَّخذ حيزًا أوسع ليصبح هو النظام الطبقي في الهند، فالكلمة السنسكريتية التي تعني طبقة، وهي فارنا، تعني أيضًا لونًا.

الفيدا

في القرن الثالث عشر قبل الميلاد أسَّس الآريون إمبراطورية بورافا في شمال الهند، ومع حلول القرن التاسع قبل الميلاد تكوَّنت الديانة في شكل فيدا.

الآلهة الفيدية بَشَريَّةٌ بصورةٍ أقل من نظيراتها اليونانية القديمة. فهي المشرفة على النظام الكوني، والمؤيدة للصلاح الأخلاقي. وخلال فترتها المبكرة كانت ممارسة الديانة الفيدية تحتوي غالبًا على إنشاد ترانيم للتمجيد، وطلب أشياء من آلهتها. ولكن مع وضع الديانة في نظام الفيدا عَهِد المجتمع إلى طائفةٍ من الكهنة لإحراق الذبائح والقرابين المقدمة إلى الآلهة بنارٍ مقدسة. وكان الكهنة يُعرَفون باسم "البرهميين"، وكانت القرابين مطلوبةً حتى تحافظ الآلهة على النظام، وإلا فإنها لن تفعل ذلك، وكانت القرابين الطَقسيَّة التي تُلقى في النار المقدسة تتألف من الحليب والسمن والحبوب، وخاصةً "السوما"، وهو عصير مُسكِر ربما كان من نبات يُنشط نفسيًّا.

الطقوس المقامة للقرابين كانت مُبجلةً أكثر من الآلهة نفسها، وبالتالي كان لكهنة البراهمة دور أساسي في المجتمع. وبتعبير آخر فإن المجتمع قد اعتقد أن رفاهيته ليس مصدرها الآلهة بشكل كبير، بل بفضل الأداء الصحيح الذي يقوم به كهنة البراهمة في طقس تقديم القربان. ولذا فعادةً ما يُشار إلى الهندوسية الأولى بـ" البرهمية". بالإضافة إلى ذلك رأى المجتمع في تقديم القرابين دَيْنًا يُوفَّى إلى الآلهة، وأدَّى هذا الاعتقاد إلى رفع مستوى المفهوم البرهمي للأعمال الإيجابية بصفتها ممارسات تنبع من واجب المرء نفسه.

كانت "المنترات" في الأصل ترانيم موزونة للفيدا، خاصةً الرغ فيدا، وكانت تُنشَد في طقس تقديم القرابين للآلهة، وكان صوت الترانيم يحمل قوةً خاصة في اعتقادهم، وكانت الترانيم مُبجَّلةً بصفتها أبدية لا تتغير.

بالإضافة إلى ذلك، وحسَب التعاليم البرهمية، فإنَّ هذا الكون قد خُلقَ من خلال تضحية براهما، الذي يشبه نوعًا ما عملاقًا أوَّليًّا. وبكلماتٍ أخرى كان براهما الكائن الأصلي الذي تطوَّر منه الكون، والذي يُدِيم الكون والحياة كلَّها، وقد تحوَّلت أعضاء جسمه إلى جوانب مختلفة من الكوْنِ وطوائف المجتمع، وبذلك رأى المجتمع في الكوْن كُلاًّ عضويًّا يعكسه الجسد البشري. وبعد الموت ترحل الأرواح البشرية عبر طريق مُعدٍّ لحرق جثث الموتى، وصولاً إلى سماءٍ عُليا من الضوء الأبدي، أما السلبيون فيغرقون في ظُلمةٍ تحتَ الأرض.

تطور أدبٌ نثري كثيرٌ من الفيدا يسمى البراهمانات، وهو يشرح الطقوس الفيدية، ويساعد في ممارستها. وهناك البورانات التي تقدم رواياتٍ تاريخية. وإحدى هذه الملاحم التاريخية على وجه الخصوص، وهي الماهاباراتا، قد فرضت تأثيرها على التطور اللاحق للهندوسية الشعبية، وقد كُتِبت في القرن التاسع قبل الميلاد، وقد تطوَّرت خلال هذه الفترة أيضًا أفكارٌ مبكرة حول إلهٍ عظيمٍ آخر، وهو فيشنو.

الأوبانيشادات

بدأت إمبراطورية بورافا في الانحسار في القرن الثامن قبل الميلاد، بعد أن تسبَّب طوفان عظيم في نقل عاصمتها. وشيئًا فشيئًا تفكَّكت الإمبراطورية إلى ولاياتٍ صغيرةٍ، بعضها كان ممالك، وبعضها الآخرُ جمهوريات. هذه التغيرات الرئيسة التي شهدها المجتمع الهندي كانت علامةً لبداية فترة التكهنات الفلسفية والدينية.

كان القسم الأخير من البراهمانات يُدعى الأوبانيشادات، وهو نصٌّ أدبي طَوَّرَ القاعدة الفلسفية للبرهمية بشكلٍ أكثر كمالاً، وقد كُتبَ على مدار مئات السنين، بدايةً من نهاية القرن السابع قبل الميلاد تقريبًا، وكان هناك اثنا عشر نَصًّا من الأوبانيشادات سبقت عهد بوذا، ورغم أن كلَّ نَصٍّ من هذه النصوص يعرض تعاليم تختلف عن الآخر بنحوٍ بسيط، إلا أنها اشتركت في الكثير من الموضوعات العامة.

وقد طورت الأوبانيشادات حقيقة هوية الأتمان – الذات الفردية أو "الروح" – مع براهما من خلال الفكرة البرهمية حول التوازي بين الكائنات البشرية والعملاق الأولي، بالإضافة إلى ذلك فَسَّرت تلك النصوص أن براهما، بصفته العِلَّة الأولى للكوْن، خَلَق العالَم على نحوٍ دوري، أي من نفسه وأرجعه إليه. واعتمادًا على الأوبانيشاد الخاص تَجري هذه العملية بطريقةٍ من اثنتيْن: إما أن يكون براهما قد تحوَّل إلى هذا الكوْن وما فيه من كائنات حية، وإما أن يكون الكَوْنُ وكائناته الحية كلها مجرد صور له. وفي كِلتا الحاليْنِ فإن الواقع الحقيقي هو اتحاد الأشياء والأشخاص كلها ببراهما، وعالم ظهور الشخصيات المنفصلة والكائنات الفردية هو وَهم، فالأتمانات أو الأرواح الفردية كلها في الحقيقة مُتحِدة مع براهما.

وأكَّدت الأوبانيشادات أيضًا على الكارما والولادة الجديدة، وتتوافق هذه التأكيدات مع التفسير القائل بأن الكوْن يمر في حلقاتٍ متكررة من الخَلْق والدمار على مدار فتراتٍ زمنية طويلةٍ جدًّا، وعلى نحوٍ مشابه، تعيش الأرواح الفردية حالاتٍ متكررة من الولادة والموت على مدار حيواتٍ مختلفةٍ لا حصر لها، وتحدث حلقة الولادة الجديدة المتكررة هذه بسبب عدم وعيهم لهوية أنفسهم وهوية براهما. بالإضافة إلى ذلك فإن هذه العملية تحدث مدفوعةً بقوة "الكارما" الخاصة بهم، وتعتمد أعمالهم على وعيهم بأن كل ذلك ما هو إلا وهم. فإن المرء يبلغ درجة التحرر عندما يُدرك أن الاتحاد الأساسي بين المرء نفسه وبين براهما، مع الانفصال بين الكائنيْن، عبارة عن وهمٍ كامل. وينطوي الطريق إلى بلوغ التحرر على تطوير انفصال وخَلْق فهمٍ صحيح للواقع من خلال السمع والتفكير والتأمل حول وحدة الكَوْن، لكن المجرى الطبيعي لتطور الإنسان الروحي يمر عبر أربع مراحل في الحياة:
•حياة العزوبة لطالب.
•التحول إلى راعي أسرةٍ متزوج وإنشاء عائلة.
•تقاعد في الغابة والعيش ناسكًا.

وهكذا تؤكد الأوبانيشادات على أنَّ الكَوْن قابل للفهم، وأنه من أجل بلوغ التحرر من حالات المعاناة المتعلقة بالولادات الجديدة، بسبب عدم الوعي والكارما، على المرء أن يرى الطبيعة الحقيقية للواقع، وأن يمارسها لنفسه. وتقبل البوذية والكثير من الأنظمة الفلسفية والدينية الهندية اللاحقة الأخرى هذه الفرضيات الأساسية.

الوضع السياسي في الهند في عهد شاكياموني بوذا

استمر انقسام شمال الهند إلى جمهورياتٍ وممالك حتى عهد شاكياموني بوذا (566 – 485 ق.م)، وكانت أكبر ولايتيْن هما جمهورية فرجي التي تمتعت بمجالس شعبية ومؤسسات ديمقراطية، ومملكتا كوسالا وماغادا الأوتوقراطيتان. غير أن كِلتا الولايتيْن كانتا تابعتين لبنية طقسية براهمية؛ وذلك لأن البراهمية حدَّدت واجبات الحاكم، بالإضافة إلى سلطات الحكومة وهيئتها. وقد وُلدَ بوذا في شاكيا، وهي الجمهورية السابقة التي اندمجت في مملكة كوسالا، وتلقَّى تعليمه في كل من كوسالا وماغادا وجمهورية فرجي كذلك.

شهدَ عهد بوذا صعود طبقة التجار وتكاثر الثروات الكبيرة، التي كانت تُقاس بالقطيع بدلاً من المال اليوم، وأصبح التجار أكثر غنًى من الملوك، وبالتالي حاربَهم الملوك مستخدمين وسائل أوتوقراطية للسيطرة على التجارة والمجتمع بشكلٍ عامٍّ. وهكذا في ظل وجود الممالك كان الشغل الشاغل هو اكتساب سلطة اقتصادية واجتماعية. وعليه، ومع تأكيدها على المال واستخدام القوة الشديدة، أصبحت المملك أكثر قوة من الجمهوريات اقتصاديًّا وسياسيًّا وعسكريًّا. ونتيجةً لذلك عانى الناس من فرض قيودٍ متزايدة على حريتهم، وتزايد معاناتهم بشكلٍ أكثر تأثيرًا. وسعى كثير من فلاسفة ذلك الزمان - بمن فيهم بوذا - إلى التحرر من خلال اللجوء إلى الوسائل الروحية.

كانت هناك مجموعتان روحيتان رئيستان تقدمان طُرقًا للتحرر ردًّا على هذه الحالة الصعبة، وهما:
•البراهمة: كانوا هم الحريصين على اتباع الطريق القويمة، الذين تمسكوا بالتقاليد البرهمية القديمة، واتبعوا الأوبانيشادات لكوْنها قاعدتهم الفلسفية، ولكن في سياق حياة مليئة بالواجبات في إطار المجتمع والتحوُّل إلى زُهَّاد عُزَّاب بعد التقاعد. وكانوا ينتمون حَصرًا إلى الطائفة البرهمية، وكانوا يسعون في طريقهم إلى التحرر من الرهبنة والعيش في الغابات.
•الشرامانان: وكانوا باحثين روحيين متسولين متجولين، وقد قدِموا من طوائف غير برهمية، وسعوا إلى التحرر من خلال ترك المجتمع في بداية الأمر، وقد عاشوا معًا في الغابات - بصرف النظر عن الاختلافات الطائفية - مجتمعًا روحيًّا، عوضًا عن اللجوء إلى الرهبنة. وقد استطاعوا تنظيم مجتمعاتهم المستقلة على نمط الجمهوريات، مع اتخاذ القرارات عن طريق مجالس شعبية. بالإضافة إلى ذلك فقد نبذ جميعُهم الإله الأعلى، مثل براهما، أو أي خالِق آخر. رغم أن مجتمعات الشرامانان لم تتخللها اختلافات طائفية إلا أنَّ العوامَّ الذين تبعوا تعاليمهم، ودعموهم بما يستطيعون، كانوا يعيشون ضمن بنية النظام الطائفي.

مذاهب الشرامانان الخمسة الرئيسة

عندما نبذ شاكياموني بوذا حياةَ الأمير انضم إلى أتباع الشرامانان، وبعد بلوغه التنوير وضع الباحثين الروحيين الذين تبعوه في مجتمعاتٍ مستقلةٍ على النهج نفسه الذي تبعته مجموعات الشرامانان. وهكذا أصبحت البوذية المدرسةَ الخامسة من مدارس الشرامانان الخمسة في ذلك الوقت.

ed]انظر: حياة شاكياموني بوذا .]

كانت مذاهب الشرامانان الخمسة ووجهات نظرها على النحو التالي:
•كان مذهب أجيفيكا الذي أسسه غوسالا يؤمن بالحتمية، وبالتالي رفض العملية السببية للكارما. وأكد أتباعه على أن العناصر المركبة للكون – وهي التراب والماء والنار والريح والسعادة وعدم السعادة والأرواح الحية – عبارة عن ذرات، أو كائنات أُحادية الخلية، غير مخلوقة، ولا يمكن تقسيمها، ولا تتفاعل مع بعضها البعض. ولأن كلَّ شيء مُحدَّد من قبلُ، ورغم أن الأعمال تحدث عبر ذرات من هذه المركبات، إلا أن الأعمال نفسها والذرات لا تكونُ سببًا فعلاً في حدوث أي شيء. وتمر الأرواح الحية عبر عددٍ ضخمٍ من الولادات الجديدة، بعد تجربة كل حياةٍ مُمكنة، تدخل آليًّا في حالةٍ من السلام، لتتحرر بذلك من الولادة الجديدة. لذلك لا يعتمد التحرر على ما يفعله أي شخصٍ.
•كما أن مذهب اللوكاياتا أو التشارفاكا - الذي علَّمَه أجيتا – كذلك يرفض الكارما، وليس ذلك فحسب، بل إنه يرفض الولادة الجديدة وأيَّ شيءٍ من قبيل الروح الحية. كان يدافع عن مذهب اللَّذة، ويخبر أن كل الأعمال يجب أن تكون عفوية، وأن تنبع من طبيعة المرء نفسها. وبتعبير آخر يجب أن تكون الأعمال طبيعية. كان الهدف من الحياة هو اختبار السعادة الحسية ما أمكن، ورفض هذا المذهبُ كلَّ أشكال المنطق والعقل بصفتها طرقًا صحيحة لمعرفة أي شيء.
•مذهب الجاينية أو النيرغرانتا - الذي أسَّسه ماهافيرا - كان ردَّ فعل قويًّا ضد مذهب اللوكاياتا فانفصل عنه، لذلك يؤكد هذا المذهب على مرور الأرواح الحية بولادة جديدة عبر قوة الكارما، ولا تزال الجاينية قائمةً اليوم بصفتها إحدى الأنظمة الدينية الهندية الكُبرى، وتُعلِّم السلوك الأخلاقي الشديد الصرامة، وفي الحقيقة الزهد الشديد بوصفه وسيلةً لبلوغ التحرر.
•أكَّدَ مذهب الأجنانا الخاص باللا-أدريين - الذي يقوده سانجاين - على أنه لا يمكن اكتساب المعرفة الحاسمة حول كل شيء، وذلك عبر التفكُّر والمناظرات الفلسفية اعتمادًا على المنطق. ودافِعُ المذهب هو العيش في جماعات من العُزَّاب، التي حرصت وشدَّدت على الصداقة فقط.
•نشأت البوذية مذهبًا من مذاهب الشرامانان، التي قبلت بالولادة الجديدة تحت قوة الكارما، ولكنها رفضت وجود نوعٍ من الروح التي أكدت عليها المذاهب الأخرى. بالإضافة إلى ذلك قَبِلَ بوذا استخدام المنطق والعقل ليكون جزءًا من الطريق إلى التحرُّر، إضافةً إلى السلوك الأخلاقي، ولكن ليس إلى درجة الزُّهْد الجايني. وبهذه الطريقة تفادت البوذية حالات التطرف التي مارستها المذاهب الشرامانانوية الأربعة السابقة


كل شي عن البوذيين  .. مميز. FKU60921


حياة شاكياموني بوذا


مقدِّمة


كما ذكرت المصادر التاريخية عاش شاكياموني بوذا، المعروف أيضًا باسم غاوتاما بوذا، من 566 حتى 485 ق.م، في وسط شمال الهند. وتحتوي المصادر البوذيَّة على عددٍ كبير ومتنوِّع من الروايات عن حياته، مع تفاصيل إضافيَّة تظهر تدريجيًّا مع مرور الوقت. وبما أنَّ الأدبيَّات البوذيَّة الأولى كُتبَت بعد ثلاثة قرون فقط من وفاة بوذا، فإنَّه من الصعب تأكيد دقّة هذه التفاصيل الواردة في تلك الروايات. بالإضافة إلى ذلك، فإنَّ مجرَّد ظهور تفاصيل معيَّنة في التاريخ المكتوب في وقتٍ لاحقٍ لتفاصيل أخرى لا يُعدُّ سببًا كافيًا لنبذ صحتها، فكان من الممكن تناقل تفاصيل شفهية كثيرة بعد تدوين التفاصيل الأخرى.

فقد كانت السِّيَر الذاتية التقليدية للمعلمين البوذيين العِظام - بمن فيهم بوذا نفسه - تُجمَع عامَّةً لأهداف تعليمية، ولا تجمع لأغراض تاريخية. وعلى نحوٍ أكثر تحديدًا، فقد كانت سيَر المعلمين العِظام الذاتية مُعدة بطريقةٍ خاصة لغرض تعليم الأتباع البوذيين وإلهامهم السعيَ على الطريق الروحي للتحرر والتنوير. فعلينا من أجل الاستفادة من قصة حياة بوذا أن نفهمها في هذا السياق، وأن نُحلِّل الدروس التي نستخلصها منها.

المصادر

تضم أقدم المصادر عن حياة بوذا، في نصوص الثيرافادا المقدسة العديد من البالي أوتا من "مجموعة الخطابات متوسطة الطول"، ومن المدارس الهيناياناوية المختلفة، عدةَ نصوص فينايا تتعلق بالقوانين الرهبانية لنظام التأديب، غير أن كلاًّ من هذه النصوص يعطي تفاصيل جزئية عن حياة بوذا.

وقد ظهرت أول رواية موسَّعة في الأعمال الشعرية البوذية في أواخر القرن الثاني قبل الميلاد، مثل "المسائل العظيمة" من مدرسة ماهاسانغيكا في هينايانا. وهذا النص الذي لم يكن جزءًا من "المجموعات الثلاث الشبيهة بالسِّلال"، قد أضافَ - على سبيل المثال - الجزئية التي تذكر أن بوذا وُلدَ أميرًا في عائلةٍ ملكية. وهناك عملٌ آخر مثل هذا العمل الشعري ظهر في أدبيات مدرسة السارفاستيفادا في هينايانا، وهو: "سوترا الرياضة الواسعة"، وقد استعارت نُسَخ ماهيانا لاحقة تفاصيل من هذا النص، فقد أضافت إلى هذه النسخة الأقدم - على سبيل المثال - أن شاكياموني أصبح متنوِّرًا قبل عصور، وأن إطلاق لقب الأمير سيدارتا لم يكن إلا تمثيلاً لطريقة اكتساب التنوير، وذلك لإرشاد الآخرين.

وفي نهاية المطاف جمعت بعض هذه السير الذاتية في "المجموعات الثلاث الشبيهة بالسلال"، وأكثرها شهرةً هي: "أعمال بوذا" التي كتبها الشاعر أشفاغوشا، والتي دُوِّنَت في القرن الأول الميلادي. وظهرت نُسَخ أخرى في أوقات لاحقةٍ حتى في التانترات، مثل "أدبيات التشاكراسامفارا"؛ حيث نجد هناك الرواية القائلة بأنه أثناء ظهور شاكياموني وهو يعلم السوترا على مستوى وعيٍ بعيد الإدراك، "كمال حكمة السوترات")، ظهر بوذا - وعلى نحوٍ متزامن - بصورة الفاجرادارا وعلَّم التانترات.

ومن كل رواية نستطيع أن نتعلم شيئًا ما ونحظى بالإلهام، ولكن دعونا نُلقِ نظرةً أولية على النسَخ التي تصور بوذا في التاريخ.



الولادة والحياة المبكرة والإنكار

حسَب أقدم الروايات فقد وُلدَ شاكياموني لعائلةٍ أرستقراطية غنية ومُحارِبة، في ولاية شاكيا، مع عاصمتها في كابيلافاستو، على الحدود الواقعة بين ما يُعرف اليوم بالهند ونيبال. وليس هناك أي ذِكرٍ لكونه أميرًا من عائلةٍ ملكية، ولا تظهر الروايات التي تتناول ولادته الأميرية واسمه، وهو سيدارثا، إلا في وقتٍ لاحق، وكان والده يُسمَّى شودودانا. وفي نُسَخٍ لاحقة يظهر اسم والدته، وهو مايا-ديفي، إلى جانب الرواية التي تتحدث عن الحمْل العجيب ببوذا، بعد حلمها الذي رأت فيه فيلاً أبيضَ بستة أنياب يلِجُ جنبَها، إضافةً إلى نبوءة أسيتا بأن الطفل سيكون ملكًا عظيمًا أو مُفكِّرًا عظيمًا، ثم تصف الروايات اللاحقة ولادة بوذا الطاهرة على مسافةٍ قصيرة من كابيلافاستو في بستان لومبيني من جنبِ أمه، ومشيه سبع خطواتٍ عند الولادة قائلاً: (لقد وصلت). ثم وفاة أمهِ عند الولادة.

عاش بوذا في شبابه حياةً تمْلؤها السعادة؛ إذ تزوج ثم أنجب ابنًا أسماهُ راهولا. وهناك روايات أخرى تذكر اسم زوجته، وهو ياشودارا. ولكنه في التاسعة والعشرين من عمره أنكر بوذا حياة عائلته وميراثه الأميري، فأصبح باحثًا رُوحيًّا متسولاً متجولاً.

من المهم النظر إلى إنكار بوذا لعائلته في سياق مجتمعه والوقت الذي عاش فيه، فبعد تحوله إلى باحثٍ روحي متسولٍ متجول لم يترك بوذا زوجته وطفله يعيشان وحيديْنِ في الفقر، فلا بد أن عائلته الكبيرة الثرية قد اعتنت بهما. كذلك فإن بوذا كان ينتمي إلى عائلةٍ محاربة، مما يعني أنه في يوم ما سيذهب ليحارب، وعائلة أي محارب تقبل ذلك لأنه واجب عليه، فلم يكن المحاربون يصحبون عائلاتهم إلى معسكرات الجيش.

ورغم أننا نستطيع خوض معاركَ ضد أعداء في الخارج، إلا أن المعركة الحقيقية تكون ضد أعدائنا بداخلنا، وهذه هي المعركة التي ترك بوذا عائلته ليخوضها، ويُشير ذلك إلى أن من واجب الباحث الروحي المتسول المتجول أن يُكرِّس حياتَهُ كاملةً لذلك النوع من السعي، لكننا في عالمنا العصري، إذا تركنا عائلاتنا لندخل سلك الرهبنة كي ندخل هذه المعركة الداخلية، فعلينا أن نتأكد من أنهم يلقوْنَ العناية اللازمة، ولا يعني ذلك تلبية احتياجات أزواجنا وأطفالنا فقط، بل آبائنا كذلك. ولكن على الباحث الروحي البوذي - سواء ترك عائلاته أم لا - أن يقلل من المعاناة من خلال التغلب على إدمان السعادة، كما قال بوذا.

ولنتغلَّب على المعاناة أراد بوذا أن يفهم طبيعة الولادة والتقدم في السن والمرض والموت والولادة الثانية والحزن والارتباك. وتذكر الروايات أن بوذا أدرك ذلك من خلال شخص تشانا، سائق العربة الذي أخذ بوذا خارجًا إلى رحلةٍ عبر المدينة، وعندما رأى بوذا أشخاصًا مرضى وآخرين كِبارًا في السن وآخرين زُهادًا وآخرين أمواتًا، بيَّن له تشانا ما كانوا عليه. وهكذا أدركَ بوذا بوضوح المعاناة الحقيقية التي يعيشها كل شخص، وعرف الطرق المحتملة للخروج من تلك المعاناة.

وهذه القصة التي تتناول تلقيه المساعدة على الطريق الروحية من سائق العربة موازيةٌ لرواية البهاغافاد غيتا حول أرجونا، الذي أخبره سائق عربته كريشنا عن ضرورة اتباع واجبه بوصفه محارِبًا، وضرورة خوض معركةٍ ضد أقربائه. وفي هذين النموذجين: البوذي والهندوسي، نستطيع أن نعرف ضرورة تجاوز جدران حياتنا المريحة مع ما هو معروف، وألاَّ نتخلى عن واجبنا في اكتشاف الحقيقة. وفي كل نموذج قد يُمثل سائق العربة مركبةً عقلية تقود إلى التحرُّر، وعندها تُمثل كلمات سائق العربة القوة المحرِّكة التي تدفع بهذه العربة - أي الحقيقة - عن الواقع.

الدراسات والتنوير

وبعد أن أصبح بوذا باحثًا روحيًّا متحولاً عزبًا درَسَ مع معلِّميْنِ أساليب بلوغ المستويات المختلفة من الاستقرار الذهني والاستيعاب اللا-شكلي، ورغم أنه استطاع بلوغ هذه الوضعيات العميقة من التركيز الكامل، الذي لم يعد يعيشه من خلاله المعاناة الجسيمة أو حتى السعادة الدنيوية العادية، إلا أنه لم يكن راضيًا عن ذلك، فلم تعطِ هذه الوضعيات العُليا إلا اكتفاءً مؤقتًا وليس دائمًا من هذه المشاعر التالفة، كما أنها لم تُذهِب المعاناة العميقة الكونية التي كان يسعى للتغلب عليها. حينئذٍ عاش حياة من الزهد الشديد مع خمسة رِفاق، ولكن ذلك أيضًا لم يقضي على تلك المشاكل الكبيرة التي تنطوي عليها الولادة الثانية المُتكررة التي لا سيطرة لنا عليها. ثم تذكر الروايات اللاحقة أنَّ بوذا قطع صومه الذي دام ستَّ سنوات على ضفاف نهر النايرنجانا، مع البتول سوجاتا التي قدمت له وعاءً فيه أرز ممزوج باللبن.

وبالنسبة لنا فبوذا يعطينا مثالاً للمرء الذي لا يرضى أن يصبح ساكنًا تمامًا، أو أن "ينتشي" بالتأمل فقط، ناهيك عن الوسائل الاصطناعية مثل المخدرات، فالسعي إلى نشوةٍ مؤقتة، أو تعذيب النفس أو معاقبتها، ليس حلاًّ، فعلينا أن نسلك كل الطرق حتى نصل إلى الحرية والتنوير، وألاَّ تُرضينا الوسائل الروحية التي لا تساعدنا في بلوغ هذه الأهداف.

وبعد أن ترك بوذا الزهد عاش وحده في الأدغال متأمِّلاً، ليتغلَّب على خوفه. فالمخاوف الكامنة هي موقف الاعتزاز بالنفس والاستيعاب على مستوى "الأنا" المُستحيلة القائمة، وهي أقوى من تلك المخاوف الكامنة عند البحث القهري عن السعادة والمتعة. ولذلك استخدم المعلم الهندي دارماراكشيتا في "عجلة الأسلحة الحادة" في القرن العاشر الميلادي، صورة طواويسَ تتجول في أدغالٍ من نباتات سامة، لتمثل البوذيساتفا باستخدام تحويل المشاعر السامة إلى رغبة وغضب وسذاجة، لمساعدتها في التغلب على موقف اعتزازها بنفسها، واستيعاب "الأنا" المستحيلة.

وبعد تأمُّل كثير بلغَ بوذا التنوير الكامل في الخامسة والثلاثين من عمره، وتعطينا الروايات اللاحقة تفاصيلَ بلوغه تلك المرحلة تحت شجرة بوذي، فيما يُعرَف اليوم بـ بوذ غايا. وبعد النجاح في دحر هجوم مارا حاول الإله الغيور مارا أن يمنع بوذا من بلوغ التنوير، من خلال إصدار المزيد من الظهورات المخيفة والمُغرية؛ ليُقلق تأمل بوذا تحت شجرة بوذي.

وتذكر الروايات القديمة أن بوذا بلغ التنور من خلال حصوله على ثلاثة أنواع من المعرفة: المعرفة الكاملة عن كل حيواته السابقة، والمعرفة الكاملة عن الكارما والولادات الجديدة لجميع الآخرين، والمعرفة الكاملة عن الحقائق الأربع النبيلة. وتُشير الروايات اللاحقة إلى أن بوذا قد حقق المعرفة الكلية من خلال التنوير.

التعليم وتأسيس مُجتمعٍ رَهباني

بعد أن بلغ بوذا التحرر والتنوير تردَّد في تعليم الآخرين الطريقة التي تُحقِّق لهم الشيءَ نفسه، فقد شعر بأن أحدًا لن يكون قادرًا على الفهم. لكنَّ الإلهيْنِ الهندييْن: براهما وإيندرا طلبا منه أن يفعل. وحسَب التعاليم البراهمية التي أصبحت فيما بعد هندوسية فبراهما هو خالق الكون، وإيندرا هو ملك الآلهة، وبعد أن طلب منه براهما ذلك أخبره أن العالَم سيعاني بصورةٍ أبدية إذا فشل في التعليم، وعلى الأقل سيكون هناك بعض الأشخاص الذين سيفهمون كلماته.

قد تكون هذه القصة تمثل عُنصرًا ساخرًا، يُشير إلى تفوق تعاليم بوذا، التي تجاوزت الأساليب التي قدمتها التقاليد الروحية الهندية في ذلك الوقت. فإذا اعترفت الآلهة العُليا أن العالَم يحتاج إلى تعاليم بوذا؛ لأنها هي نفسها تفتقر إلى الأساليب اللازمة لإنهاء معاناة الجميع إلى الأبد، فنحن - الأتباع العاديين - نحتاج هذه التعاليم بصورة كبيرة. بالإضافة إلى ذلك، فبراهما رمز للفخر والكبر في التصور البوذي، فاعتقاده الزائف بأنه خالق قادرٌ على كل شيء يُمثل نموذجًا عن الاعتقاد الزائف للمرء بأنه موجود بصفة "الأنا" المستحيلة، أي بصفة "الأنا" التي يمكن أن تتحكم في كل شيءٍ في الحياة، وهذا الاعتقاد المُربِك يقود حتمًا إلى الإحباط والمعاناة. وتعاليم بوذا حول كيفية وجود كل واحدٍ منا هي الوحيدة التي تُقدِّم سبب هذه المعاناة والسبيل الحقيقي لإيقافها.

وبعد قَبول طلب براهما وإيندارا توجَّه بوذا إلى سارنات، وهناك في مُتنزَّه الغزلان، عَلَّم الحقائق الأربع النبيلة لرفاقه الخمسة السابقين، وتُمثِّل الغزلان في التصور البوذي الرِّقَّة، وذلك اتبع بوذا أسلوبًا رقيقًا في التعليم ليخالف تطرفات مذهب المتعة والزهد.

وبعد فترةٍ وجيزة انضمَّ عددٌ من الشباب من فاراناسي القريبة إلى بوذا ليكونوا باحثين روحيين متسولين متجولين، يعيشون عزوبة شديدة، وتحول آباؤهم إلى تلاميذ علمانيين وبدءوا يدعمونهم بالصدقات، وفور بلوغ أحد الأعضاء التدريب الكافي والمؤهِّل يُرسله بوذا خارجًا لتعليم الآخرين، وهكذا نمت مجموعة أتباع بوذا المتسولين سريعًا، وسرعان ما أرسوا وشكلوا تفاسير "رهبانية" فردية في أماكن متنوعة.

نَظَّم بوذا هذه المجتمعات الرهبانية حَسَب إرشادات عملية، و كان الرهبان - لو أمكننا استخدام هذا المصطلح في هذا الوقت المبكر - يسمحون للمرشحين بالانضمام إلى المجتمعات، ولكن كان عليهم أن يلتزموا بقيودٍ معينة حتى لا يقعوا في صدام مع السلطة العلمانية. ولذلك لم يسمح بوذا لكلٍّ من المجرمين، وأولئك الذين يعملون في الخدمة الملكية مثل الجيش، والعبيد غير المُحررين من العبودية، وأولئك الذين يعانون من أمراض معدية مثل الجذام، بالانضمام إلى المجتمعات الرهبانية. ولم يُسمَح بانضمام أي شخصٍ دون سن العشرين. فقد أراد بوذا أن يتفادى أية مشاكل مع الآخرين، ويضمن الاحترام الشعبي لمُجتمعاته وتعاليم الدارما. وهذا يوضح لنا - نحن أتباع بوذا - أنه يجب علينا أن نحترم العادات المحلية، وأن نتصرف باحترامٍ؛ كي نترك انطباعًا جيدًا لدى الناس عن البوذية واحترامها بالمقابل.

وبعد فترةٍ وجيزة عاد بوذا إلى ماغادا، وهي المملكة التي رقدَ فيها بوذ غايا، ثم دعاه الملك بيمبيسارا إلى العاصمة راجارغا - راجغير الحالية - ثم أصبح راعيه وتلميذه، وهناك انضمَّ الصديقان شاريبوترا وماودغاليايانا إلى تنظيم بوذا المتزايد، ليصبحَا من ضمن تلاميذه المقربين.

وخلال سنةٍ واحدة من بلوغه التنوير عاد بوذا إلى مدينته الأصلية في كابيلافاستو؛ حيث انضم ابنه راهولا إلى تنظيمه، وكان أخ بوذا غير الشقيق، وهو الوسيم ناندا، قد ترك البيت وانضمَّ إليه في وقتٍ سابق، أما والد بوذا، وهو الملك سودودانا، فقد كان شديد الحُزن؛ لأن سلالة العائلة قد انقطعت، ولذلك طلب من بوذا أن يحصل الابن مستقبلاً على موافقة والديه للانضمام إلى التنظيم الرهباني، وقد رحب بوذا بذلك كثيرًا، وما تعلمنا إياه هذه القصة هو رغبته في عدم تكوين شعور سيئ تجاه البوذية، خاصة في نطاق العائلة، وليس قسوته على والده، كما يبدو من الظاهر.

وهناك رواية أخرى عن مواجهة بوذا لعائلته باستخدامه قواه الخارقة للطبيعة، فقد صعد إلى جنة الآلهة الثلاثة والثلاثين، أو جنة توشيتا كما في روايات أخرى؛ ليعلم والدته التي وُلدَت من جديدٍ هناك، وهذا يُشير إلى أهمية تقدير العطف الأمومي ومكافأته.

نمو التنظيم الرهباني

كانت مجتمعات الرهبان الأولى التي أنشأها بوذا صغيرة ولا تضم أكثر من عشرين رجلاً، كان كل مجتمع يتمتع بحُكمٍ ذاتي، ويتبع منظومة من الثوابت لجولات الرهبان الذين يطلبون الصدقات، وكانت أعمال وقرارات كل مُجتمع تُقرَّر بالتصويت بين أعضائه لتفادي النزاع، ولم يكن هناك شخص معين تكون له السلطة وحده، بل إن بوذا أرشدهم لأخذ تعاليم الدارما بأنفسهم بصفتها السلطة، حتى نظام التأديب الرهباني نفسه كان قابلاً للتغيير إذا اقتضت الضرورة، لكن أي تغييرٍ لا يحدث إلا إذا كان مُعتمِدًا على إجماع المُجتمَع كله.

اقترح الملك بيمبيسارا أن يتبنَّى بوذا عادةَ المجموعات الروحية المتسولة الأخرى، مثل الجاينيين، الذين يعقدون مجلسًا أسبوعيًّا. وحسَب هذه العادة يجتمع أعضاء المُجتمع الروحي مع بداية كل مرحلةٍ أسبوعية من مراحل القمر لمناقشة التعاليم. وموافقة بوذا على ذلك تُوضِّح أنه كان فاهما لتلك الدعوات التي تنادي باتباع العادات والتقاليد الموجودة حينذاك. وحقيقة فقد بنى بوذا نماذج الكثير من جوانب مجتمعاته الروحية وبنية تعاليمه متأثِّرًا بالجاينيين، وكان ماهافيرا مؤسس الجاينية قد عاش حوالي نصف قرن قبل بوذا.

وبعد فترة وجيزة طلب شاريبوترا من بوذا أن يقوم بصياغة قوانين خاصة بنظام التأديب الرهباني، لكن بوذا قرَّر أن ينتظر حتى تظهر مشاكل فعلاً، فيقوم بإيجاد الحلول لها، مما يمنع تكرار هذه المشاكل في المستقبل، وقد اتبع بوذا هذه السياسة بالنسبة للأعمال المُدمرة للطبيعية، التي كانت ضارَّة لكل مَن يرتكبها، والأعمال الحيادية الأخلاقية المحظورة على أشخاص معينين في حالات معينة ولأسباب معينة. وهكذا أصبحت قوانين التأديب نفعية، وصِيغَت بصورةٍ خاصة، مع الاعتبارات التي اتخذها بوذا لتفادي المشاكل وليس لتوجيه الإساءة.

وقد أسَّس بوذا نظام تلاوة النذور في المجلس الرهباني الأسبوعي، اعتمادًا على قوانين التأديب هذه، مع اعتراف الرهبان بأية مخالفات، وإذا كانت المخالفات كبيرة فهذا يعرضهم للطرد من المجتمع، وإلاَّ كان العقاب مجرد تحقير وإدانة مع عقوبة. وبعد ذلك أصبحت هذه اللقاءات تُعقد مرتيْنِ في الشهر فقط.

كانت العادة التالية التي أسسها بوذا هي التأمُّل الانفرادي في موسم أشهر الشتاء الثلاثة الممطرة، التي يبقى الرهبان خلالها في مكانٍ واحدٍ ويمتنعون عن السفر، وكان الهدف من وراء ذلك منع الرهبان من الإضرار بأية محاصيل زراعية، عند اضطرارهم إلى المشي عبر الحقول وقت حدوث فيضانات في الطرقات. وقد أدَّى الاحتفاظ بممارسة التأمل الانفرادي في الموسم الممطر إلى تأسيس أديرة ثابتة. ومرةً أخرى نبع هذا التطور لتفادي إلحاق الضرر بالمجتمع العلماني وكسب احترامه، وكان سبب الاعتماد على بناء الأديرة الثابتة كونها عملية.

وبدءًا من التأمل الانفرادي في الموسم الممطر وما بعده أمضى بوذا خمسة وعشرين تأمُّلاً فرديًّا في المواسم الممطرة، وذلك في حديقة جيتافانا خارج شرافاستي، المدينة العاصمة لمملكة كوشالا. وفي هذا المكان بنَى التاجر أناتابيندادا ديرًا لبوذا ورهبانه، كما أن الملك براسيناجيت يهتم بالمُجتمع بشكل أكبر. وقد شهدَ هذا الدير في جيتافانا كثيرًا من الأحداث العظيمة في حياة بوذا، وأشهر تلك الأحداث كان هزيمته لقادة المدارس غير البوذية الست آنذاك ضمن منافسات بالقوى العجيبة.

ونحن الآن لا نستطيع أن نعمل أعمالا بطولية عجيبة، ولكن استخدام بوذا لها بدل المنطق لهزيمة منافسيه يدل على أنه إذا كانت عقول الآخرين مُغلقة في وجه المنطق، تكون الطريقة المُثلَى هي إقناعهم بصحة فهمنا، من خلال إظهار مستوى معرفتنا عبر أعمالنا وتصرفاتنا، وتوضح ذلك هذه المقولة الإنجليزية: "للأعمال صوتٌ يفوقُ صوتَ الكلمات."

تأسيس التنظيم الرهباني للراهبات

أسَّس بوذا بعد ذلك في إطار التعليم مُجتمعَ راهباتٍ في فايشالي، استجابة لطلب عمته ماهابراجاباتي. ففي بداية الأمر رفض بوذا بدء مثل هذا التنظيم، إلا أنه أشار إلى إمكانية ذلك إذا وصفَ نذورًا للراهبات تفوق نذور الرهبان عددًا. ولا يعني هذا أن بوذا كان يرى النساء أقلَّ أدبًا من الرجال، أو أنهنَّ كُنَّ يحتجْنَ للترويض من خلال رفض المزيد من النذور، وإنما يعني أنه كان يخافُ من تأسيس التنظيم النسائي، كي لا يتصف بسمعة سيئة أو يقضي مُبكِّرًا على تعاليمه، فقد أرادَ بوذا دائمًا تفاديَ عدم احترام المجتمع بشكلٍ كبير، ولذلك كان يجب على مجتمع الراهبات أن يكون فوق أي شُبهةٍ بالتصرف اللاأخلاقي.

ولكن كان بوذا عامَّةً رافضًا لصياغة القوانين، وكان يرغب في إزالة أية قوانين غير ضرورية. وتُظهر سياسته ديناميكية الحقيقتيْنِ: الحقيقة العميقة، ولكن مع احترام الحقيقة التقليدية، بما يتوافق مع العادات المحلية. ورغم أنه في الحقيقة العميقة ليس هناك مشكلة مع وجود تنظيم راهبات، وإنما لتفادي أن ينظر عوامُّ الناس إلى التعاليم البوذية نظرةً دُونية، فقد كان هناك حاجةٌ إلى مزيدٍ من قوانين التأديب المتعلقة بالراهبات. وفي الحقيقة العميقة لا يهم ما يقوله المجتمع، ومع ذلك فإن الحقيقة التقليدية مهمة بالنسبة للمجتمع البوذي لكسب احترام العامَّةِ وثقتها. وهكذا، في الأوقات والمجتمعات العصرية التي قد تجلب عدم الاحترام للبوذية، لو كان هناك أي إخلال يُمارَس تجاه الراهبات أو النساء بشكلٍ عام، أو تجاه مجموعة أقلية من قبَل العادات البوذية، فإن روح بوذا تُصلح من شأنهم، بما يتوافق مع عادات العصور المختلفة.

كان التسامح والتعاطف دائمًا سِمَتيْنِ رئيستيْنِ من سِمات تعاليم بوذا، فعلى سبيل المثال شَجَّع بوذا التلاميذ الجُدد الذين سبق أن دعموا مُجتمعًا دينيًّا آخر على متابعة دعمهم لذلك المجتمع. وداخل التنظيم البوذي أرشد الأعضاء أن يعتني كلٌّ منهم بالآخر، فإذا مرضَ أحد الرهبان - على سبيل المثال - وجب على الرهبان الآخرين أن يعتنوا به؛ لأنهم جميعًا ينتمون إلى العائلة البوذية، ويُعدُّ هذا مَبدأً مُهمًّا بالنسبة للبوذيين العلمانيين كذلك.

أسلوب بوذا التوجيهي

علَّمَ بوذا الآخرين من خلال أفعاله وأقواله؛ فبالنسبة لأقواله فقد اتبع أسلوبيْنِ، معتمدًا في ذلك على نوعية المخاطَبين، مجموعة كانوا أم أفرادًا، فأمام المجموعات كان بوذا يشرح تعاليمه على هيئة خطاب، وكثيرًا ما يُكرر فيه كل مسألةٍ بكلماتٍ مختلفة؛ كي يتذكرها السامعون بشكلٍ أفضل، ولكنه عندما كان يقدم تعليماته بصورة شخصية، وكثيرًا ما كان يحدث ذلك بعد تناول غداء قد دعته أسرةٌ لتناوله هو ورهبانه، وكان بوذا يعتمد توجُّهًا مختلفًا، فلم يكن أبدًا يعارض وجهة نظر السامع أو يتحدَّاها، بل كان يتبنَّى موقف الشخص، ويطرح أسئلةً يساعد السامع بها على توضيح فِكره. وبهذه الطريقة كان بوذا يقود الشخص إلى تحسين موقفه، ويجعله تدريجيًّا يكسب فَهمًا أعمق للواقع. وخير مثال على ذلك هو قيادة بوذا لكاهن مغرور من طبقة الكهنة البراهمة إلى إدراك أن التفوق لا ينبع من الطبقة التي يُولَدُ فيها المرء، بل من تطوير الشخص لصفاته الحسنة.

ومثال آخر هو إرشادات بوذا التي منحها لأم ثكلى جاءت بطفلها الميت إليه، ورجَت بوذا أن يُعيد طفلها إلى الحياة، فقال لها بوذا أن تُحضر له حبة خردل من بيتٍ لم يزره الموت يومًا، ثم ينظر ما سيفعله، فذهبت المرأة تبحث ولكن دون جدوى، من بيتٍ إلى بيت، وأهل كل بيت يخبرونها أن الموت أخذ منهم واحدًا أو أكثر مِن قِبَل. وشيئًا فشيئًا أدركت أن الجميع سوف يموت يومًا ما، وبهذه الطريقة استطاعت حرق جثة طفلها بسلام وهدوء.

وتُبين لنا أساليب تعليم بوذا أنه من أجل مساعدة الناس في المواجهات الفردية، فمن الأفضل ألا نحمل روح المواجهة. والأكثر تأثيرًا هو مساعدتهم على التفكير بأنفسهم. ولكن ضمن مجموعةٍ من الأشخاص الذين يرغبون في دراسة التعاليم، وعلينا أن نشرح لهم ذلك بشكلٍ مباشر وصريح.

مؤامرات ضد بوذا وظهور انشقاقات

قبل سبع سنوات من وفاة بوذا، دبَّر قريبه ديفاداتا مؤامرةً ليحل محلَّ بوذا رئيسًا للتنظيم، وكذلك دبَّر الأمير أجاتاشاترو مؤامرةً أخرى ليحل محلَّ والده الملك بيمبيسارا حاكمًا على ماغادا. ولذلك اتفق الاثنان معًا، فحاول أجاتاشاترو اغتيال بيمبيسارا، فتنازل الملك عن عرشه لصالح ابنه، فطلب ديفاداتا من أجاتاشاترو - بعد أن رأى نجاحه - أن يغتالَ بوذا، غير أن كل محاولات قتل بوذا باءَت بالفشل.

فحاول ديفاداتا عندها إغراء الرهبان بالابتعاد عن بوذا، مُدعيًا أنه "أقدَس" من بوذا، وبالتالي اقترح مجموعة قوانين تأديبية أكثر صرامةً، وحسَب "طريق التطهير" مع حلول القرن الرابع الميلادي، ضمَّت قوانين معلم الثيرافادا بوذاغوسا ديفاداتا للرهبان ما يلي:
•ارتداء أثوابٍ ترقعها الخرَق.
•ارتداء ثلاثة أثوابٍ فقط.
•الذهاب لاستجداء الصدقات وعدم قبول الدعوات لتناول وجبات الطعام.
•عدم تجاوز أي بيت في استجداء الصدقات.
•تناول الطعام في جلسةٍ واحدة، مهما كان حجم الصدقات التي جمعها المرء.
•التناول من وعاء صدقات المرء فقط.
•رفض كل الأطعمة الأخرى.
•العيش في الغابة فقط.
•العيش تحت الأشجار.
•العيش في الهواء الطلق، لا في البيوت.
•عدم الانقطاع معظم الوقت عن الأساسات الجسدية.
•أن يكون المرءُ راضيًا بأي مكانٍ يجده ويمكث فيه، في الوقت الذي يتنقل فيه باستمرار من مكانٍ إلى آخر.
•النوم جلوسًا، وعدم النوم بالاستلقاء.

سمح بوذا لرهبانه أن يتبعوا هذه القوانين لو أرادوا ذلك، ولكنه لم يُلزمهم بذلك، لكنَّ عددًا من رهبانه اختاروا اتباع ديفاداتا، تاركين مُجتمعَ بوذا، ومُكوِّنين تنظيمهم الخاص.

في مدرسة الثيرافادا تُدعى قوانين التأديب الإضافية التي وضعها ديفاداتا بالفروع الثلاثة عشر للمُمارسَة الرقابية، وتقليد رهبان الغابة على سبيل المثال - وهو لا يزال موجودًا في تايلاند الحالية - يبدو أنه ناتج من هذه الممارسات. وكان تلميذ بوذا ماهاكاشيابا هو أشهر مُمارِسٍ يتبع هذا النظام الأشدَّ صرامة، ولُحِظَ أن الكثير من أنواع هذا النظام من خلال رجالٍ مُقدَّسين متجولين في التقليد الهندوسي، ويبدو أن ممارَستهم هي استمرارٌ لتقليد الباحثين الروحيين المتسولين المتجولين في زمن بوذا.

ولدى مدارس الماهايانا قائمةٌ مشابهةٌ تضمُّ اثنتيْ عشرة خاصية للمُمارَسات الرقابية، غير أنَّ هذه القائمة تحذف بند: " عدم تجاوز أي بيت في استجداء الصدقات"، وتضيف: "ارتداء أثوابٍ أُلقِيَ بها في القمامة"، وتَعُدُّ: "الذهاب لاستجداء الصدقات" و" التناول من وعاء صدقات المرء فقط" بندًا واحدًا. ولاحقًا اتبع التقليدُ الهندي، الذي يضم ممارِسين تانتريين ذوي إنجازاتٍ عظيمة، جزءًا كبيرًا من هذا النظامِ، وهو التقليد الموجود في البوذية الماهاياناوية والهندوسية.

إذًا، الانفصال عن التقليد البوذي المُؤسَّس وتشكيل تنظيمٍ آخر - وبتعبير عصري تشكيل مركز دارما منفصل - لم يكن هو المشكلة، فهذا الفعل ذاته لا يخلق "انشقاقًا في المجتمع الرهباني"، وهي أحدى الجرائم الشنيعة الخمس، غير أن ديفاداتا خلق مثل هذا الانشقاق، وارتكب هذه الجريمة؛ لأن المجموعة التي انفصلت وتابعته حملت في داخلها رغبة سيئة تجاه مجتمع بوذا الرهباني بعد انتقاده بشدة، وكما ذكرت بعض الروايات فالرغبة السيئة التي ميزت هذا الانشقاق دامت عدة قرون.

تُبيِّن رواية هذا الانشقاق أن بوذا كان مُتسامحًا لأقصى حد ولم يكن مُتشدِّدًا، فإذا رغب أتباعه في تبنِّي منظومة تأديب أخرى هي أشد صرامة من منظومته فلا بأس، وإذا لم يرغبوا فلا بأس بذلك أيضًا، ولم يُلزَم أي شخصٍ بممارسة ما علَّمه بوذا، حتى لو رغبَ راهبٌ أو راهبةٌ في ترك التنظيم الرهباني - خاصَّةً المجتمع الرهباني - إلى مجموعتيْنِ أو أكثر تحمل أي منها رغبات سيئة تجاه الأخرى، محاولةً لتشويه سمعتها أو إلحاق الضرر بها. حتى الانضمام إلى إحدى هذه الطوائف المتناحرة بعد ذلك، والمشاركة في حملة كراهيتها تجاه الآخر، يُعدُّ أمرًا شديد الضرر. ولكن إذا انخرطت إحدى المجموعات في أعمال تدمير وإضرار، أو اتبعت نظام تأديبٍ مُضِرٍّ، فإن الواجب يدعو إلى تحذير الناس من مخاطر الانضمام إلى تلك المجموعة، غير أن دافع المرء لفعل هذا يجب ألاَّ يختلط أبدًا بالغضب والكراهية، أو الرغبة في الانتقام.

وفاة بوذا

رغم تحقيقه للتحرُّر المنشود إلا أن بوذا تجاوز اضطراره خوض تجربة عادية للموت بشكلٍ خارج عن إطار السيطرة، ورغم ذلك قرَّر بوذا في سن الواحدة والثمانين أنه من المفيد أن يُعلِّم تلاميذه عدم الدوام وأن يترك جسده. وقبل ذلك منح تلميذه المقرب أناندا فرصةً ليطلب منه أن يعيش ويعلم مدةَ أطول، لكن أناندا لم يفهم ما أعطاه بوذا، وهذا يَدُلُّ على أن بوذا لا يُعلِّم إلا إذا طُلِبَ منه ذلك، وإذا لم يطلب منه أحدٌ ذلك، أو لم تبدُ عليه علامات الإثارة الفِكرية يتركه بوذا ليذهب إلى مكانٍ آخر؛ حيث يمكنه أن يكونَ أكثرَ نفعًا، فحضورَ المعلِّم وتعاليمه يعتمد على الطلاب.

حينئذٍ أصبح بوذا في بيت تشوندا بكوشيناغارا مريضًا على فراش الموت، بعد أن تناول وجبةً قدمها له راعيه ومجموعةٌ من رهبانه، وعلى فراش موته أخبر بوذا رهبانه أنه لو راودتهم أية شكوك أو أسئلة لا تحمل إجابات فعليهم أن يرجعوا إلى تعاليم الدارما ونظامها التأديبي الأخلاقي، وستكون الدارما ونظام التأديب الأخلاقي الآن هما مُعلِّميهما. وبذلك كان بوذا يُشير إلى أنه يجب على الإنسان أن يكتشف الأمور بنفسه (بنفسها) من التعاليم، فلم تكن هناك سُلطة مُطلَقة لتعطي الإجابات. وبعد ذلك تُوفِّيَ بوذا.

أصيب تشوندا بالذهول التامِّ، معتقدًا أنه قد دَسَّ السُّمَّ في طعام بوذا، لكن أناندا طمأنه قائلاً له: إنك في الحقيقة قد بنيت طاقةً إيجابية عظيمة أو "فائدةً" عبر تقديم الوجبة الأخيرة لبوذا قبل وفاته.

ثم أُحرقت جثة بوذا، ووضع رماده في قِباب (ستوبات) - مَعالِم الذخائر المقدسة - خاصة في المواضع التي أصبحت من أماكن الحج البوذية الرئيسة الأربعة:
•لومبيني: مكان ولادة بوذا.
•بوذ غايا: مكان بلوغ بوذا التنوير.
•سارناث: المكان الذي شهدَ تعليمه الأول للدارما.
•كوشينانغارا: المكان الذي تُوفِّيَ فيه.

الخاتمة

تُعطِينا التقاليد البوذية المتنوعة رواياتٍ مختلفة عن حياة بوذا، وتُرجع الاختلافات بينها إلى نظرة كل تقليد إلى بوذا وتعاليمه.
•نُسَخ الهينايانا تتحدث عن بوذا التاريخي، من خلال حديثها عن مجاهدة بوذا نفسَه ليبلغ التنوير، وهذا يعلمنا أن نبذل مجهودًا كبيرًا بأنفسنا.
•وحسَب نُسَخ الماهايانا العامة كان بوذا قد بلغ التنوير قبل دهورٍ مضت، وذلك من خلال تجسيد حياةٍ تحمل اثنيْ عشر عملاً خَيِّرًا مُستنيرًا، ويُعلمنا بوذا أن التنوير ينطوي على العمل إلى الأبد لصالح الجميع.
•وفي روايات الأنوتارايوغا تانترا يتجسَّد بوذا في وقتٍ واحد بهيئة شاكياموني الذي يُعلِّم السوترا على مستوى وعيٍ بعيد الإدراك (براجناباراميتا سوترات)، وبهيئة فاجرادارا يُعلِّم التانترات. ويُشير ذلك إلى أن ممارسة التانترا تعتمد بشكلٍ كاملٍ على تعاليم مادياماكا حول الفراغ.

وهكذا، يمكننا تعلم الكثير من الأشياء المفيدة من كل مصدر تاريخي يَتحدَّث عن حياة بوذا، وأن نكتسب الإلهام عن الكثير من المستويات المختلفة
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://elswesry22.yoo7.com/
بقايا جروح
مشرف المنتدي الأدبيمشرف المنتدي الأدبي
بقايا جروح


انثى
ســآعـتي :
التسجيل : 10/01/2010
المساهمات : 7226
عدد النقاط : 11523
المزاج : كل شي عن البوذيين  .. مميز. Qatary22
المهنة : كل شي عن البوذيين  .. مميز. Studen10
الهوايه : كل شي عن البوذيين  .. مميز. Travel10
الدولة : كل شي عن البوذيين  .. مميز. Female16
الأوسمة : كل شي عن البوذيين  .. مميز. 3h210
التميز : كل شي عن البوذيين  .. مميز. 1510

كل شي عن البوذيين  .. مميز. Empty
مُساهمةموضوع: رد: كل شي عن البوذيين .. مميز.   كل شي عن البوذيين  .. مميز. I_icon_minitimeالسبت 28 يناير 2012, 4:02 pm

قصة حياة بوذا كما رُوِيَتْ في قانون بالي (التيبيتاكا)

تظهر قصة حياة بوذا التاريخي في عدة طبقات من الأدب البوذي الكلاسيكي، وأول رواية لا تظهر في أي نصٍّ بمفرده، لكن يمكن تجميعها فقط من حوادث مُسجَّلة في السوتَّا البالية (بالسنسكريتية سوترا) وأدب الفينايا لتقليد الثيرافادا. والنصوص المتأخرة لتقاليد الماهاسانغيكا والسَّارفاستيفادا والماهايانا تُنَمِّق الإطار المجرد الذي ينشأ من هذه النصوص المبكِّرة، مع العديد من المعالم فوق البشرية أحيانًا.

ومع هذا، فالصورة الأصلية التي تنشأ من الأدب البالي (باللغة البالية) تكشف عن شخصٍ بشري قد عاش في عصورٍ مضطربةٍ غير آمنة، فواجه العديدَ من الصعوباتِ والتحدياتِ، على المستوى الشخصي، وفي مجتمعه الرهباني على السواء. وسوف نستعرض هنا أول رواية لحياة بوذا، اعتمادًا على البحث العلمي لستيفن باتشيلور، الذي قدَّمهُ في بحثه: "اعتراف ملحد بوذي". وستُعرَض الأسماءُ كلها باللغة البالية.

ولد بوذا عام 566 ق.م. في مُتَنَزَّه لومبيني، فيما يعرف اليوم بجنوب نيبال، وهو لا يبعد كثيرًا عن كابيلافاتو عاصمة ساكييا. ورغم أن اسمه الشخصي سيداتا لا يظهر في شريعة بالي فسوف نستخدم هنا مراعاةً للتناسب فقط اسم: غوتاما، وهو اسمٌ آخَر يُستخدم للإشارة إلى بوذا، بينما هو في الواقع اسمُ عشيرته.

سودودانا والد سيداتا لم يكن مَلِكًا، كما يوصف في الأدب البوذي المتأخِّر، بل كان على الأصح من النبلاء من عشيرة غوتاما، وقد يكون حاكمًا إقليميًّا في ساكييا. شريعة بالي لا تُسجِّل اسم أمه، لكن مصادر سنسكريتية متأخرة تُعَيِّنُها على أنها مايا-ديفي، وقد تُوفِّيت والدة سيداتا بعد ولادته بفترة قصيرة، ولذا فقد ربَّتهُ أختُها باجاباتي، التي تزوجها والده كما كانت العادة في تلك العصور.

كانت ساكييا جمهوريةً قديمةَ، لكن بحلول الوقت الذي وُلِد فيه سيداتا كانت جزءًا من مملكة كوسالا القوية، وقد امتدت مملكةُ كوسالا من الضفة الشمالية لنهر الغانغ الذي يمتدُّ فيمَا يُعرفُ اليومَ ببيهار إلى سفوح الهيمالايا، وكانت عاصمتها سافاتي.

ولأن الوصفَ المختصر لجغرافية الأماكن الرئيسة في حياة بوذا قد تجعل سيرتَهُ الذاتية أيسرَ في المتابعة، فلنستعرضْها هنا. تقع ساكييا في الجزء الشرقي من كوسالا، مع إقليم مالا في الجنوب الشرقي من ساكييا. وكان توجد جمهورية فاجي شرق مالا، وعاصمتها فيسالي، وكان يحكم جمهورية فاجي اتحاد عشائر؛ أَشْهرُها عشيرة ليتشافي. وفي جنوب فاجي وكوسالا عبر نهر الغانغ تقع مملكة ماغادا الكبرى، وعاصمتها راجاغاها. وفي غرب كوسالا، في بنغاب بالباكستان اليوم، وُجِدت غاندارا، التي كانت المرزبانية (الولاية الفارسية) إبان الإمبراطورية الأخمينية الفارسية، وكانت توجد في عاصمتها تاكاسيلا أشهر جامعة في ذلك الوقت، وهناك اختلطت الثقافات والأفكار الفارسية والإغريقية بنظرائها الهندية المعاصرة.

كانت كابيلافاتو - حيث ترعرع سيداتا - مدينةً كبيرةً على الطريق الشمالي، وهي الشريان التجاري الرئيس في ذلك الوقت. وصل الطريق الشمالي كوسالا بغاندارا غربًا، مارًّا عبر ساكييا ومالا وجمهورية فاجي إلى ماغادا جنوبًا. وهكذا، وعلى الرغم من أن شريعة بالي لا تذكر كثيرًا عن سيداتا غوتاما قبل بلوغه سن التاسعة والعشرين، فعلى الأرجح تمامًا أنه اكتسب ثقافاتٍ متعددة، وربما درس في جامعة تاكاسيلا، رغم عدم إمكانية تأكيد هذا.

تزوج سيداتا باداكاتشانا، وهي معروفة في الأدب السانسكريتي باسم يوشودارا، وكانت ابنة عم سيداتا، وأختًا لديفاداتا - وقد أصبح ديفاداتا فيما بعدُ منافسَ بوذا الرئيس - وأنجبا ولدًا واحدًا اسمه راهولا، وبعد ميلاده بفترةٍ قصيرةٍ غادر بوذا كابيلافاتو في سن التاسعة والعشرين، وتوجَّه إلى ماغادا بحثًا عن الطريق الروحي، وقد سافر عبر الطريق الشمالي وعبر نهر الغانغ ليصل إلى راجاغاها.

وفي ذلك الوقت كان يحكم ماغادا الملك بيمبيسارا، ويحكم كوسالا الملك باسينادي. ولصُنْعِ تحالُف بين كوسالا وماغادا تزوَّج كلٌّ من الملِكَينِ أختَ الآخر جزءًا من هذا التحالُف، وكان اسم أخت الملك باسينادي ديفي.

في ماغادا درس سيداتا في مجموعات لمعلمَينِ، هما: آلارا كالاما وأوداكا رامابوتا. ولكَوْنهما أتيا من التقليد البرهمني فقد علَّماه كيف يحقق التركيزَ المستغرق في اللاشيء ، وليس على تمييز أي شيء، أو عدم تمييزه. ومع ذلك فلم يكن سيداتا راضيًا عن تلك المكاسب، ولذا ترك هذينِ المعلمين، وعندئذٍ اتَّبع نظامًا غذائيًّا صارمًا جدًّا، لا يكاد يأكلُ شيئًا. ومرة أخرى شعر أن هذه الممارسة لا تؤدي إلى التحرر، فأفطر وذهبَ إلى يوروفيلا القريبة، وهي اليوم بود غايا؛ حيث نال التنويرَ تحت شجرة البودي في سن الخامسة والثلاثين، وكان هذا بعد وصوله إلى ماغادا بستِّ سنواتٍ.

وبعد نيل التنوير اتجه غربًا إلى ميغادايا، إلى متنزه الغزلان عند إيساباتانا، أو ما يُعرف اليوم بسارنات، وهي خارج فارناسي. ورغم وقوعها شمال نهر الغانغ فإن الملك باسينادي تنازل عن هذه المنطقة لماغادا جزءًا من المهر حينما زوَّج أختَه ديفي للملك بيمبيسارا. وأمضى بوذا الموسمَ المطيرَ هناك في مُتنزَّه الغزلان مع أصحابه الخمسة، وسَرعان ما جذب عددًا قليلاً من الأتباع، الذين كوَّنوا مجموعة عُزَّاب احتاج إلى العنايةِ بهم.

سمع النبيل الليتشافي ماهالي من فيسالي عن البوذا، واقترح على الملك بيمبيسارا أن يدعوه إلى ماغادا، لذا، وبعد الرياح الموسمية عاد بوذا ومجموعته المتنامية شرقًا إلى راجاغاها عاصمة ماغادا، وقد تأثر الملك بيمبيسارا بتعاليم بوذا، وقدم له مُتنزَّهًا مهجورًا يُطلقُ عليه "فيلوفانا"، أو "بُستان الخيزران"؛ حيث يمكن أن يجعله قاعدةً لمجموعته خلال الموسم المطير.

وسرعان ما التحق بمجموعة بوذا ساريبوتا وموغالانا، وهما أكبر تلاميذ غورو، وهو (معلم) محلي بارز، وأصبحا فيما بعد أقرب تلاميذ بوذا إليه. ثم طلب ساريبوتا من بوذا أن يصوغَ عهودًا للمجموعة الرهبانية المتنامية، واقترح الملك بيمبيسارا أن تتبنَّى بعض عادات المجموعات الروحية المتسولة الأخرى، مثل الغاينز. وأوصى الملك تحديدًا بعقد اجتماعاتٍ أسبوعيةٍ لمناقشة التعاليم، فوافق بوذا.

وذات يومٍ أتى أناتابينديكا، وهو صاحب بنك ثري من كوسالا عاصمة سافاتي، إلى راجاغاها في عملٍ، وقد تأثر كثيرًا ببوذا، فعرض عليه مكانًا لقضاء المواسم المطيرة في سافاتي حاضرة الملك باسينادي، وعقب ذلك بفترة قصيرة تحرَّك بوذا ومجموعة الرهبان التي معه إلى كوسالا؛ لكن الأمر استغرق عدة سنوات قبل أن يستطيع أناتابينديكا تقديم مكان مناسب لإقامتهم.

وفي الوقت نفسه عاد بوذا ليزورَ أسرتَهُ في كابيلافاتو وسرعان ما أصبح والدُهُ سودودانا أحدَ أتباعه، والتحق ابنه راهولا ذو الثمانية أعوامٍ بسلك الرهبنة مبتدئًا. وخلال السنوات التالية التحق العديد من نبلاء ساكييا، بما فيهم أبناء عم بوذا: أناندا وأنورودا وديفاداتا، إضافةً إلى أخي بوذا غير الشقيق، واسمه ناندا، ويُعرفُ أيضًا بـ"سونداراناندا"، أو "ناندا الوسيم"، وقد تزوج ناندا زوجة بوذا بعد مغادرة بوذا للقصر في رحلته الروحية.

باجاباتي، وهي خالة بوذا وزوجة أبيه، طلبت الالتحاق بالمجموعة المتنامية، فرفض بوذا في البداية، لكنها لم تيأس، فحلقت رأسها، وارتدت ثيابًا صفراء، وتبعتْ بوذا بصحبة مجموعةٍ كبيرةٍ من النساء على أية حالٍ، واستمرت باجاباتي في طلب الرسامة من بوذا، لكنه رفض مرةً ثانيةً وثالثة، وأخيرا، وقبل بضع سنواتٍ من وفاة بوذا، شفع لها أناندا، وطلب رسامتها مرة أخرى نيابةً عنها، فوافق بوذا أخيرًا على رسامة النساء. وحدث هذا في فيسالي، في جمهورية فاجي، وكانت أول سلك الراهبات في البوذية.

كان أناتابينديكا مشهورًا بالكرم البالغ، وبعد عودة بوذا إلى كوسالا ببضع سنواتٍ دفع كمًّا كبيرًا من الذهب لشراء متنزَّه في سافاتي اسمه "جيتافانا"، أو "بستان جيتا". وهناك بنى مَقرًّا لإقامة بوذا ورهبانه غاية في الفخامة، وبعد عشرين عامًا من نواله التنوير بدأ بوذا عادة الخلوة الرسمية في الموسم المطير لمجموعته الرهبانية، وخلالها يبقى الرهبان في مكانٍ واحد طيلة الشهور الثلاثة للرياح الموسمية كلَّ عام، ولا يتجولون من مكانٍ لآخر، كما كانوا يفعلون بقية العام. وعلى العموم فقد أمضى بوذا تسع عشرة خَلوةً في المواسم المطيرة في بستان جيتا، وألقى خلالها 844 من خطاباته، واستمر أناتابينديكا في كونه الراعي الرئيسَ لمجتمع بوذا الرهباني، رغم أنه أصبح مُفلِسًا قبيل وفاته.

أول مرة التقى فيها الملك باسينادي ملك كوسالا بوذا غوتاما كان في بستان جيتا، حينما كان البوذا يبلغ من العمر قرابةَ الأربعين، وقد ترك البوذا أثرًا كبيرًا في الملك، وبالتالي أصبح باسينادي أيضًا واحدًا من أتباعه والراعين له. ومع هذا فقد كانت علاقة بوذا بالملك باسينادي دومًا بالغة الرقة. فعلى الرغم من أن الملك كان راعيًا فكريًّا للمعرفةِ؛ لكنه كان شهوانيًّا وقاسيًا جدًّا في معظم الأحيان.

فعلى سبيل المثال، وبسبب جنون العظمة والبارانويا عند الملك باسينادي، فقد أمر بقتل باندولا صديقه من مالا وقائد جيشه؛ رغم أنه شعر بالحزن عليه، ثم عيَّن ابن أخي باندولا، واسمه كارايانا، ليقود الجيش. وبعد ذلك بعدة سنواتٍ خلع الجنرال كارايانا باسينادي انتقامًا لمقتل عمه. ومع هذا فقد تحمَّل بوذا أساليب الملك الخاطئة وأمزجته المتقلبة، وكان ذلك بالتأكيد لاحتياجه في حماية مجموعته من اللصوص والحيوانات المفترسة، إضافةً إلى كونه مَنْفَذًا للراعين الأثرياء الذين سيساعدونهم.

وقد احتاج الملك باسينادي لتأمين الخلافة في أسرته الحاكمة أن يكون له ولد، وزوجته الأولى أخت الملك بيمبيسارا ملك ماغادا لا تلد، فاتخذ الملك زوجةً ثانيةً وهي ماليكا، وهي امرأة جميلة من الطبقة الدُّنيا من أتباع بوذا، فشعر الكهنة البراهمن في القصر الملكي بالخزي بسبب ولادتها المتواضعة، ثم أنجبت ماليكا للملك ابنةً اسمها فاجيري.

شعر الملك عندئذٍ أنه بحاجةٍ إلى زوجةٍ ثالثةٍ لكي تنجبَ له ولدًا، لذا فقد تزوَّج آنئذٍ فاسابا ابنة ماهاناما ابن عم بوذا، الذي أصبح حاكمًا لساكييا بعد وفاة والد بوذا. وكان ماهاناما أخًا لتلميذيِ بوذا المقربَينِ أناندا وأنورودا، وبالرغم من أن ماهاناما سجَّلَ فاسابا نبيلةً، إلا أنها في الحقيقة ابنة غير شرعية من أَمَةٍ.

وبالرغم من أن فاسابا أنجبت ولدًا للملك باسينادي، واسمه فيدادابا، فإنَّ وَضْعه بصفته وريثًا لعرش كوسالا كان مضطربًا بسبب الخداع الخفي فيما يتعلق بأصل أمه، وقد وضع هذا الخداعُ بوذا في وضعٍ صعبٍ؛ بسبب قرابته لفاسابا.

وزار فيدادابا ساكييا مع جده ماهاناما جاهلاً بعدم شرعيته، وذلك أولَّ مرةٍ حينما كان في السادسة عشرة من عمره. وأثناء وجوده هناك علم كارايانا قائد جيش باسينادي حقيقية أمه، وحينما أخبر قائد الجيش باسينادي أن ابنه كان الحفيد غير الشرعي لأمَةٍ صبَّ الملكُ جامَ غضبه على الساكيين (أهل ساكييا)، ونزع من زوجته وابنه أوضاعهما الملكية، وحولهما إلى عبيدٍ، فشفع بوذا لهما، فأعادهما الملك مرة أخرى.

ومع هذا، فقد أصبح موقف بوذا بعد ذلك في كوسالا غيرَ آمنٍ، وفي سن السبعين تقريبًا عاد أول مرة إلى ماغادا وعاصمتها راجاغاها، وهناك بقي في بستان المانجو الذي يمتلكه الطبيب الملكي جيفاكا، بدلاً من بستان الخيزران الخاص بالملك، ويشير هذا إلى أنَّ بوذا كان مريضًا بالفعل في ذلك الوقت.

وحينما بلغ بوذا الثانيةَ والسبعين أُجبر راعيه الأول الملك بيمبيسارا ملك ماغادا على التنحِّي لصالح ولده آجاتاساتو، وسجن آجاتاساتو والدَه، ومنع عنه الطعام حتى مات. ثم ماتت ديفي أرملة بيمبيسارا وأخت باسينادي حُزنًا على زوجها. وبعد موتها شن الملك باسينادي انتقامًا لموتها حربًا على ابن أخته آجاتاساتو؛ ليحاول استرجاع القرى حول فاراناسي في شمال نهر الغانغ، التي كان قد قدَّمها لبيمبيسارا جزءًا من مَهْر ديفي، ولكن الحرب لم تحسم لمصلحة طرف منهما، فاضطر أن يزوج ابنته فاجيري لآجاتاساتو لتحقيق السلام بينهما.

وفي الوقت نفسه تقريبًا حاول ديفاداتا ابن عم بوذا، الذي أصبح معلمًا لآجاتاساتو، السيطرةَ على نظام بوذا الرهباني، فحاول ديفاداتا إقناع بوذا بفرض قواعد إضافية جديدة لنظام الرهبان؛ مثل إجبارهم على العيش في الغابات، والنوم تحت الأشجار، وعدم دلا إله إلا الله محمد رسول الله بيوت العامة، ولُبْس الخِرَق، وعدم قبول هدايا الملابس منهم، وألَّا يأكلوا إلى نبات الأرض.

لكن بوذا رفض هذا؛ لأنه شعر أن هذه القواعد ستجعل من نظامه نظامًا مُتقشِّفًا جدًّا وتعزله عن المجتمع. فتحدَّى ديفاداتا سلطة بوذا، وجذب العديد من رهبان بوذا الشباب إلى أفكاره، وأحدث انشقاقًا بتشكيل مجموعته الرهبانية المنافسة. وقد حاول ديفاداتا اغتيال بوذا مرارًا لكنه فشل، وأخيرًا أقنع ساريبوتا وموغالانا الرهبانَ الذين غادروا مجموعة بوذا بالعودة.

ويبدو أن ديفاداتا ندم على أفعاله، لكنه مات قبل أن يتمكن من طلب الصفح من بوذا. وعلى أي حال فلم يحمل بوذا نحوه أي حقدٍ أو ضغينةٍ أبدًا، ثم ندم الملك آجاتاساتو أيضًا على قتل أبيه، فاعترف صراحةً لبوذا بأنه قتل أباه، وطلب التوبةَ؛ عملاً بنصيحة الطبيب الملكي جيفاكا.

وبعد ذلك بعامٍ تقريبًا سافر بوذا إلى موطنه ساكييا مرة ثانية، وأثناء زيارة الملك باسينادي لبوذا ليرحب به قاد الجنرال كارايانا انقلابًا عسكريًّا، ووضع الأمير فيدادابا على عرش كوسالا، ففرَّ الملك المخلوع باسينادي إلى ماغادا؛ إذ لم يجد ملاذًا، طالبًا الحماية من ابن أخته وصِهْره الملك آجاتاساتو في راجاغاها. ومع هذا فلم يُسمح لباسينادي بدلا إله إلا الله محمد رسول الله المدينة، ثم وُجِدَ ميتًا في اليوم التالي.

وفي الوقت نفسه شنَّ الملك الجديد لكوسالا الملك فيدودابها حربًا ضد ساكييا؛ انتقامًا لخداع جده ماهاناما بشأن سلالته. وماهاناما - كما ذكرتُ - كان ابن عم بوذا، والحاكم الحالي لساكييا. ورغم أن بوذا حاول ثلاث مراتٍ إقناعَ الملك بعدم الهجوم، لكنه فشل في النهاية. وكان لدى قوات كوسالا أوامر بذبح كل سكان كابيلافاتو حاضرة ساكييا، ولما عجز عن منع المجزرة فرَّ بوذا إلى راجاغاها عاصمة ماغادا، طالبًا حماية الملك آجاتاساتو، كما فعل باسينادي من قبلُ ولم ينجح.

وكان الطريق إلى ماغادا يمر عبر جمهورية فاجي؛ حيث كان ساريبوتا تلميذَ بوذا المقرَّب في انتظاره في العاصمة فيسالي، ومع هذا فقد كان هناك أحد مصاحبي بوذا في السابق، واسمه سوناكاتا، الذي ترك الرهبنة في السابق، وترك المجموعة البوذية، قد شوَّه سمعةَ بوذا لدى برلمان فاجي، فأخبرهم أن بوذا لا يمتلك أي قوى فوق بشرية، وأنه يدرس بالمنطق فقط كيف تُوقَف الشهوة، لكن ليس نوال الحالات المتسامية، وقد اعتبر بوذا ذلك مجاملةً.

ورغم ذلك فهذا الإنكار إضافة إلى تأسيسه نظام الراهبات في الوقت نفسه تقريبًا جعل بوذا يفقد التأييد والمكانة الجيدة في فاجي، ونتيجةً لذلك عَبَر بوذا نهر الغانغ، وتقدَّم إلى راجاغاها؛ حيث أقام بالكهوف في غيجاكوتو ( ومعناها نسر في الذروة) القريبة.

ثم جاء فاساكارا رئيس وزراء آجاتاساتو لزيارة بوذا، وأخبره بخطة آجاتاساتو في توسيع مملكته، ونيته العاجلة في غزو جمهورية فاجي، ورغم أن بوذا نصحهم بأن الفاجيين لا يمكن التغلب عليهم بالقوة، وأنهم سيحافظون على طرائقهم الشريفة التقليدية، لكنه كان غير قادرٍ على منع الاندلاع الوشيك للحرب، كما كان الحال في غزو كوسالا لساكييا. وكانت هناك خسارة إضافية لبوذا؛ فقد تُوفِّي تلميذَاه المقرَّبانِ: ساريبوتا وموغالانا، في هذا الوقت تقريبًا، فساريبوتا العجوز مات بسبب المرض، وموغالانا ضربه قُطَّاعُ الطرق حتى الموت، وهو في خَلوةٍ بمفرده.

ثم قرر بوذا العودة إلى الشمال مرة أخرى عندما لم ينل تعاطفًا أو تأييدًا في ماغادا، وعلى الأرجح إلى موطنه ساكييا، ربما ليرى ما خلَّفَه هجوم كوسالا. وقبل الرحيل طلب بوذا من آناندا أن يجمع له كل الرهبان في غيجاكوتو؛ حيث سيُلقِي عليهم آخر نصائحه، فنصحهم أن يصوغوا مجتمعهم الرهباني على نمط النظام الديمقراطي في البرلمان الفاجي، وينبغي عليهم أن يعقدوا جلساتٍ دوريةً، وأن يحيوا في سلام، ويتشاركوا في صدقاتهم، ويحترموا الكبار.

وسَرعان ما غادر بوذا غيجاكوتو وماغادا، وإثر وصوله فيسالي في جمهورية فاجي توقَّف لقضاء خلوة الموسم المطير، ولكنه وجد المجتمع هناك منغمسًا في الانحلال رغم نُذُرِ الحرب التي تلوح في الأفق، ولأنه فَقَد تأييد البرلمان الفاجي فقد قضى بوذا فترةَ الرياح الموسمية بمفرده، وأخبر رهبانه أن يجدوا ملاذًا بين أصدقائهم ومُؤيِّديهم.

وإبَّان الأمطار الموسمية أصبح بوذا ذو الثمانين عامًا مريضًا جدًّا، وأشرف على الموت، فطلب منه آناندا أن يُلقِي علي الرهبان نصائحه الأخيرة، فأخبرهم بوذا بأنه علَّمهم كلَّ ما يعرفه، وأنه في المستقبل ينبغي أن تكون التعاليمُ ذاتها هي ملجأهم الأساسي، ومصدرَ توجيههم. ولاكتساب التحرر من المعاناة فلا بد أن يدمجوا بين التعاليم وبين أنفسهم، وألَّا يعتمدوا على قائدٍ أو مجموعة في حمايتهم، وبعدها أعلن بوذا أنه سيُتوفَّى قريبًا.

ومع تلميذيه وابنَي عمه آناندا وأنورودا ارتحل بوذا مرة ثانيةً بعد الأمطار، وفي الطريق إلى ساكييا توقَّفوا عند بافا، وهي إحدى المدينتين الرئيستينِ في مالا. وهناك قدَّم لهم حدَّادٌ اسمه تشوندا لحمَ خنزيرٍ مسمومًا. ولكن بوذا أحسَّ بوجود أمر يدعو للريبة، فنهى ابني عمه عن أكل لحم الخنزير، وأكل هو، وأَمَرَهما بدفن الباقي. كانت مالا موطن الجنرال كارايانا الذي قاد المذابح في ساكييا، ومن المحتمل تمامًا أن السُّمَّ كان يُستهْدَفُ به آناندا، الذي كان مشهورا بحفظ كل تعاليم بوذا، فلو قُتِل آناندا فلن تتحمَّل تعاليم بوذا ومجموعته ذلك أبدًا.

ونتيجةَ معاناته من إسهال دموي حاد طلب بوذا من آناندا أن يأخذَه إلى كوسينارا القريبة، وهناك في سريرٍ منصوبٍ بين شجرتين سأل بوذا الرهبانَ القليلين الذين كانوا معه: هل لديهم أي أسئلةٍ أو شكوك أخرى؟ فظل أناندا والآخرون صامتين، وقد طغى عليهم الحزن، وساعتها أسلم بوذا الروح في سن الحادية والثمانين، وذلك عام 485 ق. م.

وقبيل حَرْق جثمان بوذا وصلت مجموعة من الرهبان قادمةً من بافا، وكان على رأسها ماهاكاسابا، الذي أصر على تأجيل الحرق حتى يُودِّعوه الوداعَ الأخير. وكان ماهاكاسابا راهبًا من طبقة البراهمن من ماغادا، وقد أصبح راهبًا في سِنِّه المتقدِّم منذ بضعة سنواتٍ، وحينما لقيه بوذا أول مرة أعطى ماهاكاسابا ثوبَه القديم المتهالِك في مقابل ثوب البراهمن الجديد. وفيما بعد اتُّخِذ تقديم ثوب بوذا ليمثل نقلَ السلطة، وبدء صفٍّ جديد من البطاركة البوذيين.

ومع ذلك فقد قال بوذا لأتباعه بوضوحٍ في مناسباتٍ عديدةٍ: إنه بعد وفاته ستكون الدارما نفسُها هي معلمَهم. وتمنى أن تستمرَّ المجموعة على نهج النظام البرلماني في فاجي، ولم يُرِدْ لهم أن يحذُوا حَذْوَ مملكة كوسالا وماغادا، ويكون هناك راهب رئيس بمفرده يَرْأَسُها.

ورغم ذلك، ظهر صراع قوي بين ماهاكاسابا وآناندا بعد وفاة بوذا، وبعبارةٍ أخرى: صراع بين النظام الهندي التقليدي لنقل سلطة أوتوكراتية فردية من الغورو (المعلم) إلى التلميذ، ونظام أكثر ديمقراطيةً ومساواةً للرهبان المتسوِّلين الذين يحيَوْنَ في مجتمعاتٍ صغيرة، ويتبعون مجموعة مشتركة من الممارسات والمبادئ. ولكن ماهاكاسابا انتصر على غريمه.

وبعد حرق جثة بوذا وتوزيع رفاته وافق الرهبان على اقتراح ماهاكاسابا بعقد مجمعٍ في راجاغاها الموسم المطير المقبل؛ لسرد ما علَّمه بوذا وتأكيده وتقنينه. وكان لماهاكاسابا حق اختيار الكُبَراء الذين لهم حق الحضور، فاختار فقط الآرهاتات ، أي هؤلاء الذين نالوا التحرُّر، وكان عددهم 499.

في البداية لم يشمل ماهاكاسابا آناندا بسبب أنه لم ينل بعد هذه الدرجة، وقد استبعده ماهاكاسابا رغم أنه يتمتع بأفضل ذاكرةٍ، وأفضل حِفْظٍ لخطاب بوذا. إضافة إلى ذلك فإن آناندا كان مُؤيِّدًا قويًّا، ومدافعًا مُفَوَّهًا عن رغبة بوذا في ألَّا يستحوذ على نظامه قائدٌ بمفرده.

وربما يكون هناك عامل آخر ساهم في كراهية ماهاكاسابا لآناندا؛ وهو أن آناندا هو الذي أقنع بوذا برسامة النساء، وهذا يُسيءُ إلى خلفية ماهاكاسابا البراهمانية المحافظة. ومع ذلك ففي النهاية احتجَّ كبار الرهبان على إقصاء آناندا، وقد أذعن ماهاكاسابا، وسمح له بالحضور. وطبقًا لرواية الثيرافادا فقد نال آناندا الآرهاتية الليلة السابقة على المجمع.

ومع ذلك، وإبَّان انتظار عقد المجمع التقى آناندا فاساكارا رئيس وزراء الملك آجاتاساتو، وعلم آناندا منه أن قوات ماغاداها تستعد للهجوم على فاجي، وكذلك تنتظر فاجي هجومًا متوقَّعًا من الملك باجوتا ملك أفانتي، وهي المملكة التي تقع غرب ماغادا. وهكذا، وبالرغم من أن بوذا لم يقصد أن يكون هناك صفٌّ من البطاركة يقودون مجموعته، فإنَّ تَولِّي ماهاكاسابا القيادة أسهم بلا شكٍّ في بقاء تعاليم بوذا ومجتمع الرهبنة خلال هذه العصور المضطربة والمحفوفة بالمخاطر.

حضر خمس مئة من الأرهاتات المَجْمَع البوذي الأول، الذي عُقِد في ساتيبانيغوها، في الكهف ذي السبع ورقات، بالقرب من راجاغاها. ورَأَس المجمع ماهاكاسابا، وقد تلا آناندا من الذاكرة معظم السوتَّات والأوبالي، كما تلا قواعد الفينايا للنظام الرهباني. وطبقًا لرواية الثيرافادا لهذا المجمع لم تُتْلَ في ذلك الوقت تعاليمُ الأبيدارما، وهي تعاليم عن موضوعات معرفية خاصة، وفي نطاق تقليد السارفاستيفادا تذكر رواية الفايباشيكا أن ماهاكاسابا تلا بعض تعاليم الأبيدارما، وليس كلها، ولكن طبقًا لتأكيدات الساوترانتيكا فإن تعاليم الأبيدارما هذه لم تكن في الحقيقة كلماتِ بوذا، لكنها من تأليف سبعة أرهاتات.

وطبقًا للتقاليد التبتية بدأ ماهاكاسابا سلالةً من سبعة بطارقة. تقاليد تشان في الصين، و التي تبعها تقاليدُ صن الكورية وتقاليد زِن اليابانية، تقتفي أثرَ سلالةٍ من ثمانية عشر بطريركًا في الهند، وبودهيدارما هو الثامن والعشرون. وكان بودهيدارما معلمًا هنديًّا قد أحضر تعاليمَ التشان إلى الصين، وفي شرق آسيا يعدونه أوَّلَ بطريرك للتشان.

وباختصار يكشف أدب بالي للثيرفاديين صورة لبوذا بوصفها شخصيةً كارزمية، ويكاد يكون قائدًا روحيًّا مأساويًّا، قد ناضل من أجل تأسيس وتأييد مجموعة تلاميذه وأتباعه المتنامية باطرادٍ، وذلك في ظل ظروفٍ صعبة جدًّا؛ إذ كان عليه أن يواجهَ مؤامراتٍ سياسيةً، وحروبًا عديدةَ، ومذبحة شعبه وبني جلدته، واتهامًا شخصيًّا أمام الحكومة، وتحدِّيًا لقيادته من بين تلاميذه، واغتيالَ أحدِ تلاميذه المقرَّبين، وفي النهاية الموتَ مسمومًا.

ومع هذا، وخلال كل هذه المحن حافظ بوذا على صفاء العقل، ولم يُصب بالإحباط. وخلال ستة وأربعين عامًا، درَّسَ خلالها بعد نواله التنوير، ظلَّ ثابتًا في التزامه بأن يُبيِّنَ للعالم الطريقَ إلى التحرُّر والتنوير
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://elswesry22.yoo7.com/
بقايا جروح
مشرف المنتدي الأدبيمشرف المنتدي الأدبي
بقايا جروح


انثى
ســآعـتي :
التسجيل : 10/01/2010
المساهمات : 7226
عدد النقاط : 11523
المزاج : كل شي عن البوذيين  .. مميز. Qatary22
المهنة : كل شي عن البوذيين  .. مميز. Studen10
الهوايه : كل شي عن البوذيين  .. مميز. Travel10
الدولة : كل شي عن البوذيين  .. مميز. Female16
الأوسمة : كل شي عن البوذيين  .. مميز. 3h210
التميز : كل شي عن البوذيين  .. مميز. 1510

كل شي عن البوذيين  .. مميز. Empty
مُساهمةموضوع: رد: كل شي عن البوذيين .. مميز.   كل شي عن البوذيين  .. مميز. I_icon_minitimeالسبت 28 يناير 2012, 4:09 pm

تاريخ موجز للبوذية في الهند قبل فتوحات القرن الثالث عشر

مقدمة


مصطلحا هينايانا (زيج دمان) وماهايانا (زيج-تشن) - ويعنيان المركبة المتواضعة أو "الأقل"، والمركبة الفسيحة أو "الأعظم" - قد ظهرا في البداية في "سوترا الإدراك المميز بعيد المدى" (تعني بالسنسكريتية "براجناباراميتا سوترا")؛ إتقان سوترات الحكمة، طريقةً للتعبير عن تفوق الماهايانا. وتاريخيًّا كان هناك ثماني عشرة مدرسةً سبقت الماهايانا، وكانت لكل مدرسة صورتها الخاصة المختلفة قليلاً عن قواعد الرهبنة في النظام. وعلى الرغم من اقتراح البعض أسماءً بديلة للإشارة إلى الثماني عشرة مدرسة كلية، إلا أننا سنستخدم المصطلحَ الأكثر شيوعًا بالنسبة لهم، ألا وهو هينايانا، ونحن لا نقصد من ذلك أي استهزاء أو تحقير.

r=red]انظر: مصطلحا هينايانا وماهايانا ]

مدرسة الثيرافادا هي الوحيدة الموجودة حاليًّا من مدارس الهينايانا الثماني عشرة، وهي مزدهرة في سريلانكا وجنوب شرق آسيا. فحينما تقدم نصوص مدرسة الماهايانا الهندية والتبتية الآراءَ الفلسفية لمدارس الفايباشيكا والساوترانتيكا، فإن مدرستَي الهينايانا هاتين هما شعبتان من السارفاستيفادا، وهي مدرسةٌ أخرى من المدارس الثماني عشرة. ويستقي نظام الرهبنة البوذية أحكامَه من مدرسة المولاسارفاستيفادا، وهي شُعبةٌ ثالثة للسارفاستيفادا. وهكذا لا ينبغي للمرء أن يخلِط الصورة التبتية للهينايانا بالثيرافادا.

وتتبعُ التقاليد البوذية الآسيوية الشرقية قواعد الرهبنة لنظام مدرسة الدارماغوبتا، وهي مدرسةٌ أخرى من الثماني عشرة مدرسة.

شاكياموني بوذا

الأمير سيدارتا، الذي أصبح شاكياموني بوذا، عاش في وسط شمال الهند من عام 566 م إلى 486 ق.م. وبعد أن حصل على التنوير في سن الخامسة والثلاثين أخذ في التجوال متسولاً يُعلِّم الآخرين. وسَرعان ما تجمع حوله مجموعة من العزاب الراغبين في الحياة الروحية، ولازموه في أسفاره. وأخيرًا حينما نشأت الحاجة وَضَع بوذا قواعد نظامية لهذه المجموعة، ويلتقي "الرهبان" أربع مرات كل شهرٍ لتلاوة هذه الأحكام، وتنقية أية مخالفة ربما تكون قد حدثت.

وبعد عشرين سنة من تنويره بدأ بوذا عادةَ بقاء الرهبان في مكان واحد، في رياضة روحية مدةَ ثلاثة أشهر في الموسم المطير، ومن هذه العادة نشأت فكرة بناء الأديرة، وقبل وفاته بأعوامٍ قليلة بدأ بوذا أيضًا تقليد الراهبات.


المجمع البوذي الأول

كان بوذا يُعلِّم بلغة الماغادها وبلهجة البراكريت منها، لكن لم يُكتب شيئًا أثناء حياته. وفي الواقع بدأت كتابة تعاليم بوذا في أوائل القرن الأول قبل الميلاد فقط، وقد أخذت من مدرسة الثيرافادا. وكتبت في سريلانكا باللغة البالية. أما في القرون السابقة على ذلك فقد حفظ الرهبان تلكم التعاليم باستظهارها وتلاوتها على فتراتٍ.

وقد بدأت عادة تلاوة تعاليم بوذا من الذاكرة بعد شهورٍ قليلة من وفاة بوذا، وحدث هذا في المجمع الأول الذي عقد في راجاغرها (يعرف اليوم براجغير) بحضور خمس مئة من أتباعه، وتسجل التقارير التقليدية أن كل المشاركين كانوا أرهات، أي كائنات متحررة.

وطبقًا لرواية الفايباشيكا فقد تلا ثلاثة من الأرهات التعاليم من الذاكرة، فإن وافق كل أعضاء المجمع على أن ما تلاه الأرهات الثلاثة هو نص ما قاله فهذا دليل على دقة التعاليم.
•قرأ أناندا السوترا – وهي خطابات تتعلق بالأفكار المختلفة للممارسات.
•وقرأ أوبالي الفينايا – أحكام نظام الرهبنة.
•وقرأ ماهاكاشيابا الأبيدارما – وتتعلق بموضوعات خاصة عن المعرفة.

ولقد شكلت الأقسام الثلاثة من تعاليم بوذا المجموعات الثلاث الشبيهة بالسَّلة أو ما يُعرف ب"السِّلال الثلاث".
•"سلة الفينايا"، وهي تحوي تعاليم عن الانضباط الذاتي الأخلاقي الأعلى.
•"سلة السوترا"، وهي تحوي تعاليمَه عن التركيز المكثف الأعلى.
•"سلة الأبيدارما"، وهي تحوي تعاليمَه عن الإدراك المميز أو "الحكمة" العليا.

ويشمل تقرير الفايباشيكا نقطة أنه لم يُتلَ كلُّ تعاليم بوذا في الأبيدارما في المجمع الأول، فبعضها نُقِلَ شفاهةً خارج اختصاص المجمع، ثم أُضيف لاحقًا.

وطبقًا لرواية الساوترانتيكا فإن تعاليمَ الأبيدارما التي تُلِيَت في المجمع لم تكن من كلمات بوذا على الإطلاق. فالنصوص السبعة للأبهيدارما المتضمنة في هذه السلة قد ألَّفها حقيقةً سبعة أرهات.

المجمع البوذي الثاني وتأسيس مدرسة الماهاسانغيكا

جرت وقائع المجمع البوذي الثاني في حضور سبع مئة راهب بفايشالي عام 386 أو 387 ق.م. وكان الغرض من هذا المجمع هو تسوية عشر قضايا تتعلق بنظام الرهبنة. والقرار الرئيس الذي وافقوا عليه هو عدم السماح لأي راهب بقبول الذهب، وبلغة اليوم يعني عدم السماح لأي راهب بالتعامل بالنقود. وعندئذٍ تلا المجمع "سلةَ الفينايا" للتأكيد على نقائِها.

وطبقًا لنص الثيرافادا فقد حدث أول انشقاق في مجتمع الرهبنة في هذا المجمع، وغادر الرهبان المخالفون ليشكلوا مدرسة الماهاسانغيكا، بينما الكبار الذين بقوا عُرِفوا بمدرسة الثيرافادا، وتعني كلمة "ثيرافادا" بلغة البالي: "أتباع كلام الكبار". بينما تعني كلمة "ماهاسانجيكا": "مجتمع الأغلبية".

وطبقًا لنصوص أخرى فإن الانشقاق الحقيقي جاء فيما بعد، في عام 349 ق.م. ولم يكن مثار النزاع قضايا نظام الرهبنة، لكن قضايا فلسفية. وكان الخلاف حول ماهية الأرهات - الكائنات المتحررة - هل هي محدودة أم لا.
•فقد أقر رواد مدرسة الثيرافادا بأن الأرهات محدودو المعارف، فعلى سبيل المثال قد لا يعرفون الاتجاهات في سفرهم، وقد يحتاجون إلى المساعدة في معرفة هذه الأمور، ومع ذلك فهم يعرفون كل ما يخص أمور الدارما، ويمكن للأرهات أن يكون لديهم شكوك حول بلوغه الهدف، لكنه لن ينتكس. ومع ذلك فقد أصرت الثيرافادا على أن الأرهات متحررٌ تمامًا من الانفعالات المزعجة ،مثل الرغبة.
•أما الماهاسانغيكا، أو "مجموعة الأغلبية"، فقد خالفوا في مسألة الانفعالات المزعجة، فهم يؤكدون على أن الأرهات يمكن إغواؤه في أحلامه، فيحتلم في منامه؛ لأن الأرهات ما زال به أثرٌ للشهوة. وهكذا فقد وضعت الماهاسانغيكا تمييزًا واضحًا بين الأرهات وبوذا.

ولقد انجذب أتباع مدرسة الثيرفادا نحو الجزء الغربي لشمال الهند، بينما انجذب أتباع الماهاسانغيكا نحو الجزء الشرقي لشمال الهند، ثم انتشروا في آندرا في الجزء الشرقي من جنوب الهند، وهناك نشأت في آندرا مدرسة الماهايانا فيما بعد، ويرى علماء الغرب مدرسة الماهاسانغيكا رائدةً للماهايانا.

المجمع البوذي الثالث وتأسيس مدرستَي السارفاستيفادا والدارماغوبتا

في عام 322 ق.م أسس تشاندراغوبتا ماوريا إمبراطورية ماوريا في المنطقة الوسطى من شمال الهند، المعروفة بالماجادا، وهي وطن البوذية. وسَرعان ما نمت الإمبراطورية حتى وصلت إلى أقصى حدٍّ لها تحت حكم الإمبراطور آشوكا ( حكم من سنة 268 إلى 232 ق.م)، وفي عصره امتدت إمبراطورية الموريا من شرق أفغانستان الحالية وبلوشستان إلى آسام، وغطت معظم جنوب الهند.

وفي عصر الإمبراطور آشوكا، وتحديدًا في عام 237 ق.م، انفصلت مدرسة السَّارفاستيفادا أيضًا عن الثيرافادا؛ بسبب قضايا فلسفية معينة. فعقدت مدرسة الثيرافادا بمناسبة هذا الانفصال المجمع الثالث، الذي انعقد برعاية الإمبراطور في حاضرة إمبراطورية ماوريا: باتاليبوترا (وهي باتنا اليوم، عاصمة ولاية بيهار). ومع هذا فهم يؤرخون لهذا المجمع بعام 257 ق.م، أي قبل انشقاق السارفاستيفادا بعشرين عامًا. وطبقا لما ذكرته مدرسة الثيرافادا فإن السبب يرجع إلى أنه بعد تأكيد هذا المجمع على نقاء وجهة نظر الثيرافادا، بدأ الإمبراطور آشوكا في العام التالي إرسال البعثات لنشر البوذية في مناطقَ جديدةٍ، في إمبراطوريته وغيرها. ومن خلال هذه البعثات قُدِّمت بوذية الثيرافادا إلى (غندهارا والسند) أو ما يعرف اليوم بباكستان، و(باكتريا) وتعرف حاليًّا بجنوب شرقي أفغانستان، وغوحارات، والجزء الغربي من جنوب الهند وسريلانكا وبورما. وبعد وفاة الإمبراطور آشوكا قدَّم ابنُهُ جالوكا السَّارفاستيفادا إلى كشمير. ومن هناك وصلت في النهاية إلى ما يُعرف اليوم بأفغانستان.

وبغض النظر عن موعد المجمع، فإن عملَه الرئيسَ آنئذٍ كان تحليل تعاليم بوذا، ودحض ما اعتبره شيوخ مدرسة الثيرافادا التقليديون آراءً خاطئة. وقد أعدَّ رئيس رهبان المجمع موغاليبوتا تيسا تفنيداتِهِ التحليلية في كتيب بعنوان "أسباب النزاع"، الذي أصبح النص الخامس من النصوص السبعة في "سلة الأبيدارما" في مدرسة الثيرافادا.

وهناك تقاليد أخرى لمدرسة الهينايانا لا تسجل هذا المجمع بنفس الطريقة التي سجلتها بها مدرسة الثيرافادا. وعلى أية حال فإن إحدى النقاط الفلسفية الرئيسة التي ثار النزاعُ حولها، وكان الانشقاق بسببها، هي وجود ظواهر ماضية وحاضرة ومستقبلية.
•فقد أكدت مدرسة السَّارفاستيفادا أن أي شيء يمكن أن يُقسَّم إلى : أشياء لم تعد تحدث، وأشياء تحدث في الحاضر، وأشياء لم تحدث بعد. وهذا لأن الذراتِ التي تتكونُ منها الأشياء أبدية؛ والأشكال التي تتخذُها هذه الذرات هي فقط التي تتغير. وهكذا فإن الأشكالَ التي تتخذُها الذرات يمكن أن تتحول من أشياء لم تحدث بعد إلى أشياء تحدث حاليًّا، ومن ثَمَّ إلى أشياء لم تعد تحدث. غير أن الذراتِ التي تُكَوِّنُ كلاًّ من هذه الأشياء هي الذرات الأبدية نفسها.
•لم تكن مدرسة الثيرافادا هي الوحيدة، وإنما الماهاسانغيكا أيضًا أكدت أن الأشياء التي تحدث حاليًّا فقط هي التي توصَفُ بالوجود، إضافةً إلى الأشياء التي لم تعد تحدث، أي التي لم تؤدِّ إلى نتيجتها بعد. وتتصف الأخيرة بأنها موجودة؛ لأنها ما زالت تستطيع أداء وظيفة ما.
•اتفقت مدرسة السَّارفاستيفادا مع الماهاسانغيكا - رغم ذلك - على أن الأرهات – الكائنات المتحررة – لهم حدود في شكل آثار الانفعالات المزعجة.

وفي عام 190 ق.م انفصلت مدرسة الدارماغوبتا أيضًا عن الثيرافادا.
•اتفقت الدارماغوبتا مع الثيرافادا في أن الأرهات ليس لديهم أحاسيس مزعجة.
•ورغم ذلك مالت الدارماغوبتا - مثل الماهاسانغيكا - إلى رفع مقام بوذا، فأكدت على أن تقديم القرابين لبوذا أكثر أهميةً من تقديمِها للرهبان، وأكدت بشكلٍ خاص على أهمية تقديم القرابين لستوباس؛ وهي المنطقة التي تحوي آثار بوذا.
•وقد أضافت الدارماغوبتا مجموعة أخرى رابعة شبيهة بالسلة، وهي سلة الداراني، وكلمة"داراني" تعني بالسنسكريتية "قوة الذاكرة"، وفي الترجمة التبتية: "الإجراءات الحيوية"، وهي صِيَغٌ سنسكريتية تعبدية تساعد الممارس حينما يُنشدها على حفظ كلماتِ الدارما ومعانيها؛ لكي يدعمَ الظواهر الطبيعية البناءة، ويستبعد المدمِّرةَ. وقد توازى هذا الداراني مع الروح التعبدية لذلك الوقت، التي تميزت بنشأة العمل الكلاسيكي الهندوسي "البهاغافاد غيتا".

ولقد انتشرت مدرسة الدارمابوجتا فيما يعرف اليوم بباكستان وأفغانستان وإيران ووسط آسيا، إلى أن وصلت إلى الصين. وتبنى الصينيون نسخة الدارماغوبتا في عهود الرهبان والراهبات، ونُقِلت هذه النسخة من نظام قواعد الرهبنة عبر العصور إلى كوريا واليابان وفيتنام.

المجمع البوذي الرابع

عقدت كلٌّ من مدرستَي الثيرافادا والسَّارفاستيفادا مجمعهما الرابع الخاص بهما.

عقدت مدرسة الثيرافادا مجمعَها الرابع عام 83 ق.م في سريلانكا، في مواجهة العديد من المجموعات التي انشقت عن الثيرافادا بسبب الاختلافات في تفسير كلمات بوذا، وقد التقى ماهاراكيتا وخمس مئة من رُوَّاد مدرسة الثيرافادا لتلاوة كلمات بوذا وكتابتها للتأكيد على أصالتها. وكانت هذه المرة الأولي التي كُتبت فيها تعاليم بوذا، وفي هذه الحال كُتبت باللغة البالية. وهذه النسخة من مجموعة "السِّلال الثلاث" - "التيبيتاكا" - مشهورة باسم "أدب بالي الديني"، بينما استمرت مدارس الهينايانا الأخرى رغم ذلك في نقل تعاليمها شفاهةً.

ولقد نشأت بالتدريج داخل مدرسة السَّارفاستيفادا اختلافاتٌ عديدة في تفسير التعاليم، أولها ظهورًا كان سببًا في ظهور مدرسةِ الفايباشيكا. وعندئذٍ تطورت مدرسة الساوترانتيكا في عام 50 م تقريبًا، ولكل منهما مفاهيمه الخاصة لنقاط عديدة من الأبيدارما.

وفي الوقت ذاته كان الموقف السياسي في شمال الهند وكشمير وأفغانستان على وشك التعرض لتغيير كبير؛ وذلك بدلا إله إلا الله محمد رسول الله الغزو يويجي من آسيا الوسطى. وشعب يويجي شعب هندوأروبي، عاش أصلاً في تركستان الشرقية. وقد أسسوا مملكة كوشان بعد أن غزوا مساحة شاسعة في الغرب ثم الجنوب بنهاية القرن الثاني قبل الميلاد، تلك المملكة التي استمرت حتى عام 226 م، وامتدت وهي في قمة مجدها إلى ما يُعرف اليوم بطاجيكستان وأوزبكستان وأفغانستان وباكستان، عبرَ كشمير وشمال غرب الهند، إلى وسط شمال الهند ووسط الهند. وقد تأثرت تلك المملكة البوذية بمؤثرات أجنبية متعددة؛ نتيجة لربطهم طريق الحرير بالموانئ البحرية عند مصب نهر إندوس، وبالمثل ومن خلال هذا التواصل دخلت البوذية الصين.

وكان أشهر حكام مملكة كوشان هو الملك كانيشكا، وطبقًا لبعض المصادر قد حكم من عام 78 م إلى 102 م، أو من عام 127 م إلى 147 م حسب مصادر أخرى. وفي كلتا الحالين فقد عقدت مدرسةُ السَّارفاستيفادا مجمعَها الرابع في فترة حكمه، إما في حاضرة الدولة مدينة بوروشابورا (بيشاور الحالية)، أو في سريناجار بكشمير. ولقد نبذ المجمعُ الأبيدارما الخاصة بمدرسة الساوترانتيكا، ودوَّنَ أبهيدارما خاصة به في "التفسير الكبير"، وقد أشرف المجلسُ أيضًا على ترجمة نسخة السارفاستيفادا من مجموعة "السِّلال الثلاث" من اللهجة البركريتية من اللغة البالية إلى السنسكريتية، وعلى كتابة هذه النصوص السنسكريتية.

ولقد تفرعت مدرسة المولاسارفاستيفادا من تيار الفايباشيكا سارفاستيفادا في كشمير، بين القرنين الرابع والخامس الميلاديين. وفي أواخر القرن الثامن الميلادي تبنى التبتيون منهجًا في أحكام الرهبنة، وبعد قرون انتشرت من التبت إلى منغوليا وإلى المغول وبعض المناطق التركية بروسيا.

فروع مدرسة الماهاساجيكا

وفي غضونِ ذلك تفرَّعت مدرسة الماهاسانغيكا - التي يوجد معظمها بجنوب شرقي الهند - إلى خمس مدارس، اتفقت جميعها على أن الأرهات – الكائنات المتحررة - محدودة، وأن تماثيل بوذا هي الأرفع مقامًا. وكل مدرسة منها طوَّرَت هذه العقيدة أكثر من ذلك، ممهدًا الطريق لظهور مدرسة الماهايانا. أمَّا ما يتعلقُ بالمدارس الثلاث الرئيسة:
•مدرسةُ اللوكوتَّارافادا: أكدت على أن بوذا كائنٌ فائقٌ، وجسده يتجاوز تلك الأجساد التي تفنى أو تهلك في هذا العالم. وقد شَكَّل هذا التأكيد الأساسَ لتفسيرِ الماهايانا لمفهوم الجثامين الثلاث (الجثث الثلاث) لبوذا. وانتشرت مدرسةُ اللوكوتَّارافادا في أفغانستان حيث بنى أتباعُها تماثيل بوذا العملاقة في باميان في وقتٍ ما بين القرنين الثالث والخامس الميلادي، تلك التماثيل التي تعكس وجهة نظرهم عن مدى تعالي بوذا.
•مدرسة الباهوشروتيا: أكدت على أن بوذا نقل تعاليمَ هذا العالم وتعاليم ما وراء هذا العالم. وقد أدى هذا إلى انقسام مدرسة الماهايانا في مسألة جسد بوذا بين رفات بوذا ذي الفيوضات، ورفاتهِ ذي الاستخدام الكامل.
•وقد انفصلت مدرسةُ التشايتيكا عن مدرسة الباهوشروتيا، مؤكدةً أن بوذا كان مستنيرًا بالفعل قبل ظهورِه في هذا العالم، وكان يُظهر تنويرَه فقط ليُرِيَ الطريقَ للآخرين. وقد قبلت مدرسةُ الماهايانا أيضًا هذا التفسيرَ فيما بعد.

ظهورُ الماهايانا

ظهرت الماهايانا سوترا بين القرن الأول قبل الميلاد والقرن الرابع الميلادي في آندرا بجنوب شرقي الهند، وهي المنطقة التي ازدهرت فيها مدرسةُ الماهاسانغيكا. وطبقًا للمصادر التاريخية البوذية التقليدية فإن هذه السوترات (التعاليم الشفهية لبوذا) علَّمها بوذا بنفسه، ولكنها نُقِلت شفاهة بطريقة أكثر خصوصيةً حتى صارت من أعمال مدرسة الهينايانا. وبعضها حُفِظ في عوالِم غير بشرية.

على أن أهم سوترا ماهايانا ظهرت على الملأ في ذلك الوقت كانت في:
•أثناء القرنين الأول والثاني ظهرت "سوترا الإدراك المميز بعيد المدى" و"سوترا تعليمات بشأن فيمالاكيرتي"، وتختص الأولى بفراغ (خواء) كل الظواهر الطبيعية، بينما تصف الثانية البوديساتفا الدنيوية.
•وفي عام 100 م تقريبًا ظهرت "سوترا مصفوفة أرض النعيم (النقية)"، مقدِّمةً أرض سوكافاتي النقية للأميتابا، أي بوذا ذي النور اللانهائي.
•وفي عام 200 م تقريبًا ظهرت "سوترا لوتس الدارما المقدسة"، مؤكدةً على قدرة كل واحد في أن يصبحَ بوذا. وهكذا فإن كل وسائط التعاليم تتناسب مع بعضها البعض، بوصفها وسائلَ ماهرةٍ غرضُها تعبديٌّ للغاية.

ومن داخل الماهايانا ظهرت أيضًا مدرستا مادياماكا والتشيتاماترا، وكان أول ظهورٍ لهما في آندرا بجنوب الهند.
•ومدرسةُ مادياماكا من آثار ناغارجونا، الذي عاش في آندرا بين عامي 150 م 250 م، وهو مفسِّرُ "سوترا البراجناباراميتا". وطبقًا للمصادر التاريخية التقليدية فقد استعاد ناغارجونا هذه السوترات من أعماق البحر؛ حيث أخفاها الناغا حمايةً لها منذ كان بوذا يعلمُها على منقار نسرٍ، على مقربةٍ من راجاغرها وسط شمال الهند. والـ"ناجا" هم كائنات نصفها بشر ونصفها ثعبان، وهي تحيا تحت الأرض وأسفل المسطحات المائية.
•أما مدرسةُ التشيتاماترا فقد اعتمدت في وجودها على "سوترا الهبوط إلى لانكا"، وعلى الرغم من ظهور هذه السوترا أولاً في آندرا فإن تعاليم التشيتاماترا قد نالت مزيدًا من التطوير على يد أسانغا الذي عاش في جراندهارا، وتعرف اليوم بوسط باكستان، وذلك خلال النصف الأول من القرن الرابع الميلادي. وقد ألقى مايتريا بوذا هذه التعاليم على أسانغا في رؤيا رآها.



تطوير جامعات الرهبنة والتانترا

بُنِيت أول جامعة رهبانية بوذية في نالاندا على مقربة من راجاغرها في بداية القرن الثاني الميلادي، وقد درَّس فيها ناغارجونا، كما فعل العديد من سادة الماهايانا اللاحقين. وقد ازدهرت جامعات الرهبنة هذه على وجه الخصوص، رغم ذلك، مع تأسيس مملكة غوبتا في أوائل القرن الرابع الميلادي، وقد أكد منهجُهم على دراسة نُظُم المعتقد الفلسفي. وانخرط الرهبان في مناظرة شديدة مع أنصار المدارس الست الهندوسية والجينية التي نمت بين القرنين الثالث والسادس الميلادي.

ونشأت التانترا أيضًا بين القرنين الثالث والسادس الميلادي، مع أول ظهور لها في آندرا جنوب الهند. وكانت هذه "التانترا غوهياساماجا"، وقد كتب ناغارجونا عدة تعليقاتٍ عليها. وطبقا للتقليد البوذي فقد نُقِلت التانترا أيضًا شفاهةً من زمن تعليم بوذا إياها، لكن بطريقة أكثر خصوصيةً مما كانت عليه تعاليم سوترا الماهايانا.

وسَرعان ما انتشرت التانترا شمالاً من منتصف القرن الثامن إلى منتصف القرن التاسع الميلادي، وقد ازدهرت بوجهٍ خاص في أوديانا ، أو ما يعرف بوادي سوات في شمال غرب باكستان. وأحدث تانترا ظهرت كانت "التانترا كلاتشاكرا" في أواسط القرن العاشر الميلادي.

وقد وصلت الجامعات البوذية الرهبانية إلى قمة مجدها خلال مملكة بالا (750 م – أواخر القرن الثاني عشر الميلادي) في شمال الهند. وقد بُنِيَت جامعاتٌ أخرى جديدة برعايةٍ مَلَكية، مثل جامعة فيكراماشيلا. وقد قُدِّمت التانترا للدراسة في بعض هذه الجامعات الرهبانية، خاصةجامعة نالاندا. غير أن دراسة التانترا وممارستها قد ازدهرت أكثر خارج الأديرة، خاصة مع تقليد الأربع والثمانين ماهاسيدا بين القرنين الثامن والثاني عشر الميلادي. والماهاسيدا هم أبرع الممارسين للتانترا
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://elswesry22.yoo7.com/
بقايا جروح
مشرف المنتدي الأدبيمشرف المنتدي الأدبي
بقايا جروح


انثى
ســآعـتي :
التسجيل : 10/01/2010
المساهمات : 7226
عدد النقاط : 11523
المزاج : كل شي عن البوذيين  .. مميز. Qatary22
المهنة : كل شي عن البوذيين  .. مميز. Studen10
الهوايه : كل شي عن البوذيين  .. مميز. Travel10
الدولة : كل شي عن البوذيين  .. مميز. Female16
الأوسمة : كل شي عن البوذيين  .. مميز. 3h210
التميز : كل شي عن البوذيين  .. مميز. 1510

كل شي عن البوذيين  .. مميز. Empty
مُساهمةموضوع: رد: كل شي عن البوذيين .. مميز.   كل شي عن البوذيين  .. مميز. I_icon_minitimeالسبت 28 يناير 2012, 4:12 pm

تأسيس جماعة البيكهوني في الهند


أجرى بوذا نفسُه سيامة الرهبان الأوائل من خلال تلاوة هذه الكلمات (اقترب، أيها الراهب) فقط. وعندما تمت سيامة عددٍ كافٍ من الرهبان بهذه الطريقة أَسَّس رهبان البيكهو أنفسهم السيامة (السنسكريتيَّة: أباسامبادا، الباليَّة: أباسامبادا).

ولكن - وحسب الكثير من الروايات التقليديَّة - عندما طلبت خالة بوذا: ماهابراجاباتي غواتامي (الباليَّة: ماهاباجاباتي غوتامي) منه أن يسيمها راهبةً رفضَ بوذا ذلك، ورغم ذلك حلقت ماهابراجاباتي - مع خمسمائة تابعٍ من النساء - شعر رأسها، واتَّشحت بالثوب الأصفر وتبعَته، تاركةً كلَّ شيءٍ، بلا بيتٍ ولا مأوى (السنسكريتيَّة: برافراجيتا، الباليَّة: باباجيتا). وعندما طلبت السيامة مرَّةً ثانية وثالثة، وقوبِلَت بالرَّفض، شفع لها تلميذ بوذا: أناندا).

ومع هذا الطلب الرابع وافق بوذا، شرطَ أن تدرس هيَ والراهبات المستقبليَّات ثمانية تحديداتٍ ثقيلة (السنسكريتيَّة: غورودارما، بالباليَّة: غاروداما). تضمُّ هذه التحديدات رُتبة أولويَّة الراهبات اللاتي دائمًا ما يكنَّ أقلَّ من الرهبان من حيث المستوى، بصرف النظر عن طول فترة احتفاظ الراهب أو الراهبة بالنذور. وأسس بوذا مثل هذه التحديدات بما يتوافق مع القيَم الثقافيَّة للهند في وقته، من أجل تفادي عدم احترام المجتمع لمجموعته، وبالتالي لتعاليمه. كما أنه فعل ذلك حمايةً للراهبات، وضمانًا لاحترامهنَّ من قِبَل الناس العاديِّين. وفي الهند القديمة كانت النساء بادئ الأمر تحت حماية آبائهنَّ، ثم أزواجهن، وأخيرًا أبنائهن. وتعلَّمت المرأة العَزَبة أن تكون عاهرة، وهناك الكثير من الحالات في فينايا الراهبات، (والفينايا هي الكتابات التي تتعرض للجانب التنظيمي والأخلاقي في حياة الرهبنة، وتتضمن حوالي مائتين وخمس وعشرين قاعدة، حول سلوك الرهبان والراهبات البوذيات، ورتبت هذه القواعد حسب حجم الضرر الذي يترتب على تركها وعدم الأخذ بها، كما أُرفقت بقصة تحكي أهميتها.) تُدعى فيها الراهبات عاهرات؛ لأنهنَّ لسنَ تحت حماية أحد الأقرباء الذكور فقط. إن الانتماء إلى السانغا بيكهو مع السانغا بيكهوني جعل حالة العزوبة التي يعشنَها مُحترَمةً في عيون المجتمع.

وحسب بعض التقاليد يُشكِّل قبول الغارودامات الثماني هذه السيامة الأولى وحسب تقاليدَ أخرى ائتمنَ بوذا السيامة الأوليَّة لماهابراجاباتي وأتباعها الخمسمائة امرأة إلى عشر رهبان بيكهو، تحت قيادة أناندا. وفي كِلتا الحالتيْن كانت الطريقة المعياريَّة الأولى لسيامة البيكهوني تتم عن طريق مجموعةٍ مكوَّنة من عشرة رهبان بيكهو. وأسلوب السيامة هذا يُعرف بشكلٍ شائعٍ باسم "سيامة بيكهو سانغا واحدة". تنطوي عمليَّة السيامة على طرح قائمة من الأسئلة على المرشَّحات فيما يخصُّ الموانع الشرعية (السنسكريتية: أنتاراكادراما، البالية: أنتاراكاداما) التي يمكن أن تكون لديها، وتمنعها من الحفاظ بمجموعة النذور الكاملة، بالإضافة إلى الأسئلة المطروحة بشكلٍ مشترَك على كل المرشحات لسيامة البيكهو، تضمُّ هذه القائمة أسئلة تتعلَّق بتركيبتها الجسمانيَّة بوصفها أنثى.

عندما أعربَت بعض مرشحات البيكهوني عن عدم ارتياحهن الشديد للإجابة عن مثل هذه الأسئلة الشخصيَّة التي يطرحها الرهبان، أسَّس بوذا: "سيامة سانغا الثنائيَّة". هنا يطرح السانغا بيكهوني أولاً أسئلةً تتعلَّق بمدى صلاحية المرشَّحة لكي تُصبح بيكهوني. ولاحقًا - وفي ذلك اليوم نفسه - ينضمُّ السانغا بيكهوني إلى السانغا بيكهو لتشكيل مجلسٍ مُشترَك، ويُجري السانغا بيكهو السيامة، في حين يكون السانغا بيكهوني شاهدًا.

في بادئ الأمر كانت نذور المجموعة الرهبانيَّة تشمل تفادي "الأعمال التي لا تلقى التبجيل طبيعيًّا" فقط - الأعمال الجسديَّة والكلامية الهدَّامة لجميع الناس، سواء أكانوا عاديين أم موسومين - ولكن بالنسبة للأشخاص الموسومين كانت هذه النذور تشمل نذور العزوبة. ومع مرور الوقت أعلنَ بوذا عن ارتفاعٍ في عدد النذور الإضافيَّة فيما يخصُّ "الأعمال المحظورة التي لا تلقى التبجيل" - الأعمال الجسديَّة أو الكلامية الهدامة طبيعيًّا - ولكن المحظورة فقط على الأشخاص الموسومين بُغيةَ تفادي عدم احترام المجتمع للمجموعة الرهبانيَّة البوذيَّة ولتعاليم بوذا. وكانت لبوذا وحده السُّلطة لإعلان مثل هذه المحظورات. وقد حصلت الراهبات على نذورٍ إضافية أكثر من الرهبان؛ لأنَّ كلَّ نذر إضافي قد أُسِّس بعد حادثةٍ عينيَّة تتعلَّق بسلوكٍ غير مناسب من قِبَل الراهب أو الراهبة. وكانت نذور الراهبات تضمُّ تلك النذورَ التي أُسست اعتمادًا على سلوك الراهبات غير المناسب في تفاعلهن مع الرهبان، في حين أنَّ نذور الرهبان لا تشمل شروطًا تبادليَّة.

كل شي عن البوذيين  .. مميز. FKU60921

تاريخ سلالات سيامة الثيرافادا


وصلت البوذيَّة إلى سريلانكا أوَّلَ الأمر عام 249 ق.م عبر بعثةٍ لماهيندا، وهو ابن الإمبراطور الهنديِّ أشوكا. وشَهِدَ في ذلك الوقت سيامة أول رهبان سريلانكيِّين. رغم أن التاريخ الذي يُحدِّد أول استخدام للاسم ثيرافادا لا يزال موضع شك، إلا أننا ببساطة سنستخدم الاسم "ثيرافادا" للإشارة إلى هذه السلالة البوذيَّة. إذًا دخلت سلالة سيامة راهبات ثيرافادا إلى سريلانكا عام 240 ق.م، ومع وصول سانغاميتا ابنة الإمبراطور أشوكا إلى الجزيرة، ومع حلول عام 1050 م انتهت سلالة هذه السيامة نتيجةً للغزو التاميليِّ والحُكم اللاحق لسريلانكا في ظلِّ إمبراطوريَّة تشولا.

وحسب التقليد الشفهيِّ أرسل الإمبراطور أشوكا سونا وأوتارا مبعوثيْن إلى مملكة سوفانابوم، حيث أسَّسا البوذيَّة الثيرافاداويَّة وسلالة سيامة الرهبان هناك. ويربط معظم الباحثين هذه المملكة بشعب المون (التايلاينغ) وبمدينة تاتون الساحليَّة في جنوب بورما، ولكن لا نعرف هل نُقِلت سلالة سيامة الراهبات في هذا الوقت أو في وقتٍ لاحق؟

رغم أنَّ البوذيَّة الثيرافاداويَّة كانت حاضرةً في دويلات مدن بيو في شمال بورما منذ القرن الأول قبل الميلاد على الأقل، إلا أنها اختلطت مع الماهايانا والهندوسيَّة، وديانة الآري المحليَّة التي ضمَّت أضحيَّات الحيوانات إلى الأرواح. وفي منتصف القرن الحادي عشر الميلادي وحَّد الملك أناوراهتا شمال بورما، واحتل مملكة المون في تاتون، وأسَّس عاصمته في باغان، ودعا رهبان أراهانتا المونية لتأسيس البوذيَّة الثيرافاداويَّة وسلالة سيامتها عبر مملكته.

ومع هزيمة التشولايين في سريلانكا عام 1070 م. وتأسيس العاصمة الجديدة في بولونناروفا، أعاد الرهبان الذين دُعُوا من باغان تأسيسَ سلالة سيامة رهبان ثيرافادا في سريلانكا، لكنَّ الملك أناوراتا شكَّكَ في طهارة سلالة راهبات البيكهوني المونيَّة، ولذلك لم يُرسِل راهبات لإعادة تأسيس سيامة الراهبات. ولم تنهض سلالة سيامة ثيرافادا للراهبات آنذاك مرة أخرى في سريلانكا. ويعود آخر دليلٍ منقوش على وجود دير للراهبات في بورما إلى عام 1287 م، وذلك عندما سقطت باغان في يد الغزو المنغوليِّ.

غزا الملك ماغا من كالينغا (أوريسا الحاليَّة، الهند الشرقيَّة) سريلانكا، وحَكمَ مُعظم أرجائها من عام 1215 حتى 1236 م. وخلال هذه الفترة أُضعفت سانغا (مجلس) الرهبان السريلانكيِّين جدًّا. ومع هزيمة الملك ماغا حصل رهبان ثيرافادا من كانتشيبورام - وهو مركزٌ بوذيٌّ ضمن مملكة التشولا الضعيفة في تاميلنادو الحاليَّة الهند الجنوبيَّة - على دعوةٍ للحضور إلى سريلانكا عام 1236 م لإحياء سلالة سيامة الرهبان. وعدم تلقِّي راهبات تاميليَّات دعوةً حقيقة قد تدل على أنَّ سانغا (مجلس) راهبات ثيرافادا أصبحت غير موجودة في الهند الجنوبيَّة في ذلك الوقت، ويعود الدليل المنقوش الأخير على وجود سانغا (مجلس) راهبات في الهند الشماليَّة - بما في ذلك في البِنغال - إلى نهاية القرن الثاني عشر الميلادي. وليس من الواضح ماهية سلالة النذور البيكهونيَّة التي حملَتها الراهبات.

أسَّس رامكامهاينغ ملك مملكة سوكوتاي في تايلاند البوذيَّة الثرافاداويَّة في تايلاند من سريلانكا في نهاية القرن الثالث عشر الميلادي. وبما أن سانغا (مجلس) الراهبات لم يكن موجودًا في سريلانكا آنذاك، فلم تبلغ سلالة سيامة راهبات ثيرافادا تايلاند أبدًا. فسلالة الرهبان وحدها هي من وصلت. وبما أن الثيرفادا قد أُسِّست في كمبوديا من تايلاند في أوائل القرن الرابع عشر الميلادي، وبعدها بفترة وجيزة في لاور من كمبوديا، فلم تبلغ سلالة سيامة راهبات ثيرافادا هذه الدوَل كذلك.

في دول الثيرافادا أعادت سريلانكا وحدها رسميًّا تأسيس سيامة راهبات ثيرافادا، وكان ذلك في عام 1998 م. وحتى ذلك الوقت لم يُسمَح للنساء في سريلانكا إلا أن يُصبحنَ دزازيل ماتا: "مُمارِسات الشعائر العشر"، وليس راهبات. ورغم أن مثل هؤلاء النساء العاديَّات ارتديْنَ أثوابًا وظَلَلْنَ عُزَّابًا لم يُعتَبرن أعضاء في السانغا الرهبانيَّة. ففي بورما وكمبوديا لا يُسمَح للنساء إلا أن يُصبحنَ "مُمارِسات ثماني شعائر"، أو ما يُعرَف في بورما باسم سيلاشين، وفي كمبوديا باسم دونتشي أو يِيْتشي، وبعض النساء في بورما يحصلن كذلك على درجة الشعائر العشر، وفي تايلاند يمكن أن يصبحنَ "ممارِسات ثماني شعائر"، أو ما يُعرَف باسم مايْتشي (مايْجي). ومنذ إحياء البوذيَّة الثيرافاداوية في مقاطعة تشيتاغوغ وأراضي تلال تشيتاغوغ في بنغلادش عام 1864 م من مقاطعة أراكان في بورما الساحليَّة، فقد أصبحت النساء مُمارِساتِ ثماني شعائرَ هناك
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://elswesry22.yoo7.com/
بقايا جروح
مشرف المنتدي الأدبيمشرف المنتدي الأدبي
بقايا جروح


انثى
ســآعـتي :
التسجيل : 10/01/2010
المساهمات : 7226
عدد النقاط : 11523
المزاج : كل شي عن البوذيين  .. مميز. Qatary22
المهنة : كل شي عن البوذيين  .. مميز. Studen10
الهوايه : كل شي عن البوذيين  .. مميز. Travel10
الدولة : كل شي عن البوذيين  .. مميز. Female16
الأوسمة : كل شي عن البوذيين  .. مميز. 3h210
التميز : كل شي عن البوذيين  .. مميز. 1510

كل شي عن البوذيين  .. مميز. Empty
مُساهمةموضوع: رد: كل شي عن البوذيين .. مميز.   كل شي عن البوذيين  .. مميز. I_icon_minitimeالسبت 28 يناير 2012, 4:25 pm

نبذة تاريخية عن البوذية والإسلام
في أفغانستان

الجغرافيا


وفق تراجم هينايانا البدائية لحياة بوذا، بما فيها نص السارفاستيفادا [1] في أفغانستان على امتداد الدول الواقعة على الطريق التجاري لآسيا الوسطى (ما وراء النهر). وقد كانت الدولتان الرئيستان هما غندهارا وباكتريا، واشتملت غندهارا على بعض المناطق من البنجاب الباكستاني والأطراف الأفغانية لممر خيبر، وأخيرًا سُمِّيَ القسم الأفغاني الممتد من ممر خيبر إلى وادي كابول بناغاراهارا، بينما احتفظ الجانب البنجابي باسم غندهارا. وامتدت باكتريا من وادي كابول إلى الجهة الشمالية، واشتملت على أوزبكستان الجنوبية وطاجيكستان، وقد وقعَت الصغديا في أوزبكستان الوسطى وشمال غرب طاجيكستان إلى الجهة الشمالية لباكتريا، وعُرِف القسم الجنوبي لباكتريا الواقعة في شمال وادي كابول بكابيشا، بينما سمي القسم الشمالي لاحقًا بتخارستان.

بداية تأسيس البوذية

وفق تراجم هينايانا البدائية لحياة بوذا، بما فيها نصّ السارفاستيفادا [2] "السوترا عن الرياضة الواسعة"، أصبح الشقيقان التاجران من باكتريا: تاباسو وباليكا من أوائل التلاميذ لقبول ما يعرف بعهود العوام، وحدث ذلك بعد ثمانية أسابيع من الفتح الروحي لشاكياموني، الذي تنسبه الروايات إلى سنة 537 ق.م. ولاحقًا أصبح باليكا راهبًا، وشيَّد ديرًا قرب محل ميلاده ببلخ الواقعة بجوار ما يسمى اليوم بمزار شريف، وقد أحضر معه ثماني شعرات من بوذا، واحتفظ بها آثارًا مقدسة، وشيد حولها مقامًا (ستوبا). وآنذك تقريبًا أصبحت باكتريا جزءًا من الإمبراطورية الأخمينية الإيرانية.

وفي سنة 349 ق.م، وبعد المجلس البوذي الثاني بعدة سنوات، انشق ماهاسانغيكا [3] التابع لهينايانا عن ثيرافادا [4]. وقد انتقل العديد من أعضاء ماهاسانغيكا إلى غندهارا، وأسَّسوا دير ناغارا فيهارا في مدينة حدة المركزية في الجانب الأفغاني، الواقعة بقرب ما يسمى اليوم بجلال آباد، وقد أحضروا معهم أثرًا مقدسًا عبارة عن بقايا جمجمة بوذا.

حاول سمبوتا سانافاسي أحد زعماء ثيرافادا المتأخرين في السن أن يتبع نفس النهج وأن يؤسس شريعته الخاصة في كابيشا، ولكنه لم ينجح في ذلك، واستقرت ماهاسانغيكا في أفغانستان، وأصبحت المذهب البوذي الرئيس.

وفي آخر الأمر تفرقت الماهاسانغيكا إلى خمسة مذاهب، وكان المذهب الرئيس في أفغانستان لوكوتارافادا الذي ترسخ لاحقًا في وادي باميان في سلسلة جبال الهندوكوش، وفي ما بين القرنين الثالث والخامس ميلاديًّا شيد بعض أتباعها هناك أكبر تمثال لبوذا في العالم، وذلك تمشيًا مع قولهم بكون بوذا شخصية متعالية وفوق البشر، وقد دمرت حركة طالبان هذا العملاق سنة 2001 م.

كان الإسكندر الأكبر (الإسكندر المقدوني) سنة 330 ق.م قد سيطر على غالبية أرجاء الإمبراطورية الأخمينية، بما فيها باكتريا وغندهارا، وكان متسامحًا تجاه التقاليد الدينية السائدة في تلك المناطق، ويبدو أنه كان مهتما أساسًا بالغزو العسكري، وقد أسس خلفاؤه السلالة السلوقية، وفي سنة 317 ق.م انتزعت سلالة الماوريين الهندية منطقة غندهارا من السلوقيين، وبهذا انتشرت الحضارة الهيلينية ظاهريًّا فقط في المنطقة خلال تلك الفترة القصيرة.

كان الإمبراطور الماوري أشوكا – تولى الحكم من سنة 273 إلى 232 ق.م - يؤيد البوذية الثيرافادا، وفي الشطر الأخير من حكمه أرسل بعثة تبشيرية تدعو إلى اتباع الثيرافادا إلى غندهارا بقيادة ماهاراكيتا، وقد نصبت البعثة بالجنوب الأقصى في قندهار "أعمدة أشوكا"، مع المراسيم المبنية على مبادئ بوذية، وكان وجود ثيرافادا ضئيلاً في أفغانستان بعد تلك البعثات.

مدرسة السارفاستيفادا والمملكة اليونانية-الباكتريانية

انفصلت مدرسة السارفاستيفادا التابعة لهينايانا عند نهاية حكم أشوكا، أي بعد المجلس البوذي الثالث، عن ثيرافادا. وبعد موت أشوكا أدخل ابنه جالوكا السارفاستيفادا إلى كشمير.

وفي سنة 239 ق.م ثار نبلاء يونانيون في باكتريا ضد الحكم السلوقي، وفازوا باستقلالهم. واحتلوا صغديا وكشمير خلال السنوات التالية، وأسسوا بذلك المملكة اليونانية-الباكتريانية، ونشر رهبان كشمير المذهب السارواستيفادا التابع لهينايانا في باكتريا.

وفي 197 ق.م، أخذ اليونانيون-الباكتريانيون غندهارا من الماوريين، وبالتالي وصلت السارفاستيفادا إلى منطقة جنوب شرق أفغانستان أيضًا، وقد أثرت الأساليب الهيلينية تأثيرًا بالغًا في الفن البوذي بفضل التفاعل القوي الذي حصل لاحقًا بين الثقافتين اليونانية والهندية، خاصةً فيما يتعلق بتمثيل الصورة الإنسانية وثني الأثواب.

بالرغم من أن ثيرافادا لم تكن لها سلطة في المملكة اليونانية-الباكتريانية، وكان أحد ملوكها ميناندروس (بالبالي: ميليندا، حكم من سنة 155 إلى 130 ق.م) من أتباع ثيرافادا؛ نتيجةً لتأثير زيارة الراهب الهندي ناغاسينا، فطرح الملك أسئلة عديدة على ذلك المعلم الهندي، وعُرف الحديث الذي دار بينهما بـ "أسئلة ميليندا". بعد ذلك بفترة قصيرة طورت الدولة اليونانية-الباكتريانية علاقاتها مع سريلانكا، وأرسلت وفدًا من الرهبان إلى مراسم تكريس المزار الإستوبا الكبير الذي شيد هناك الملك دوتاغاماني - حكم من سنة 101 إلى 77 ق.م - ونتيجة للعلاقة الثقافية التالية نَقَل رهبان اليونانية-الباكتريانية "أسئلة ميليندا" إلى سريلانكا، ثم أصبحت نصًّا ثانويًّا خارج النصوص المعتمدة لمذهب الثيرافادا.

الفترة الكوشانية

بين عامي 177 و165 ق.م دفع توسع امبراطورية هان الصينية غربًا نحو قانسو وتركستان الشرقية (شينجيانغ) بالقبائل البدوية المحلية من آسيا الوسطى تجاه الغرب، فشنت إحدى تلك القبائل وهي سيونغنو هجومًا على قبيلة أخرى، وهي يويجيين، وضَمَّت قسمًا كبيرًا منها، وكان اليويجيون شعبًا قوقازيًّا يتكلم لغة هندي-أوروية غربية قديمة، وقد مثلوا الهجرة الشرقية للعِرْق القوقازي، وحسب بعض المصادر هاجرت إحدى القبائل اليويجية الأرستقراطية الخمس، المعروفة في المصادر اليونانية باسم التخاريين، إلى ما يسمى اليوم بكازاخستان الشرقية، دافعين قبائل الشاكيين (ساكا) البدوية إلى الجنوب، وكانوا معروفين عند اليونانيين باسم الإسكوثيين. على أية حال كان يتكلم كل من التخاريين والإشاكيين لغات إيرانية. وبسبب هذا الاختلاف في اللغات فهناك خلاف حول وجود صلة بين هؤلاء التخاريين وسلالة اليويجيين، المعروفين أيضا بالـ "تخاريين"، والذين أنشئوا حضارات مزدهرة في كوتشا وتورفان في تركستان الشرقية في القرن الثاني للميلاد، لكن من الواضح أنه لا صلة بين الشاكيين وقبيلة الشاكيا في وسط شمال الهند، التي ولد فيها البوذا شاكياموني.

وقد انتزع شاكيون أولاً منطقة صغديا من اليونانية-الباكتريانيين، ثم احتلوا باكتريا أيضًا سنة 139 ق.م في عهد الملك ميناندروس، وهناك اعتنق أفراد قبيلة الشاكيين البوذية، وفي عام 100 ق.م أخذ التخاريون صغديا وباكتريا من الشاكيين، واستقروا في تلك المنطقة وقبلوا البوذية. هذه كانت بداية السلالة الكوشانية التي امتدت أخيرًا إلى كشمير باكستان الشمالية، وشمال غرب الهند.

أشهر ملوك الكوشانيين كان اسمه كانيشكا - حكم من سنة 78 إلى 102 ميلاديًّا - وكانت عاصمته الغربية في كابيشا، وكان هذا الملك يؤيد مذهب السارفاستيفادا من هينايانا، وقد اشتهر قسم الفايباشيكا منه خصوصًا في تخارستان، وكان الراهب التوخاري غوشاكا أحد مجمعي تفاسير فايباشيكا الأبيدارما [5] (موضوعات علمية خاصة)، المتبناة في المجلس البوذي الرابع الذي انعقد بأمر كانيشكا. وعندما عاد غوشاكا إلى تخارستان بعد المجلس أسسوا مدرسة الفايباشيكا الغربية (بالهيكا)، وأصبح نافا فيهارا الدير الرئيس في بلخ، مركز الدراسات البوذية العليا عبر آسيا الوسطى، مقارنة بدير نالاندا في وسط شمال الهند، وتركزت الدراسة أساسًا على دراسة أبيدارما فايباشيكا، وكان يسمح بالالتحاق بالرهبان الذين ألفوا نصوصًا حول هذا الموضوع فقط. ومنذ أن احتفظ الدير ببقايا واحدة من أسنان بوذا كان أيضًا أحد المراكز الرئيسة للحجاج البوذيين على امتداد طريق الحرير من الصين إلى الهند.

كانت بلخ مسقط رأس زرادشت، الذي ولد سنة 600 ق.م تقريبًا. وكانت تعتبر مدينة مقدسة للزرداشتية؛ الديانة الإيرانية التي نبعت من تعاليمه، وهي التي تؤكد على تقديس النار، وتبنى كانيشكا سياسة التسامح الديني المأخوذة من اليونانية-الباكتريانية؛ لهذا تعايشت الزرادشتية والبوذية بسلام في بلخ، وكان لكل منهما تأثيرٌ على تطور الديانة الأخرى. فعلى سبيل المثال وجدت على جدران الأديرة تصاوير بوذا مع هالات من اللهب، وكلمات منقوشة: "بوذا-مزدا"، وكان ذلك مزيجًا بين بوذا وأهورا مزدا إله الزرادشتية الأعظم.

وفي سنة 226 م هزمت الإمبراطورية الساسانية الفارسية الحكومةَ الكوشانية في أفغانستان، وبالرغم من كون الساسانيين من أشد المؤيدين للزرادشتية فإنهم تسامحوا مع البوذية، وسمحوا بتشييد كثير من الأديرة البوذية، وقد أقام أتباع اللوكوتارافادا[6] في الحكومة الساسانية تمثالين ضخمين لبوذا في باميان.

الاستثناء الوحيد للتسامح الساساني وجد في النصف الثاني من القرن الثالث، وذلك عندما سيطر الراهب الزرادشتي الأكبر ?رتير على السياسة الدينية في الدولة، فأمر بهدم عدة أديرة بوذية في أفغانستان؛ لأن مزيج البوذية والزرادشتية كان بالنسبة له هرقطة، لكن البوذية سرعان ما استعادت مكانتها بعد وفاته.

الهون البيض والشاهيون الأتراك

في بداية القرن الخامس أخذ الهون البيض - المعروفون لدى اليونانيين باسم "الهفثاليين" (الهياطليين) ولدى الهنود باسم "التوروشكيين" - غالبية الأراضي الكوشانية، ومن ضمنها أفغانستان، من أيدي الساسانيين، واتبع الهون البيض ديانتهم المشابهة بالزرادشتية في البداية، ولكنهم أصبحوا بعد ذلك بفترة قصيرة من أشد المؤيدين للبوذية، وقد زار الحاج البوذي الهاني الصيني فاشيان أراضيهم بين سنتي 399 و414 م، وأخبر عن ازدهار عدة مدارس الهينايانا.

كان الشاهيون الأتراك شعبًا تركيًّا انحدروا من الكوشانيين، وذلك بعد سقوط الأسرة الكوشانية في أيدي الساسانيين، ثم سيطروا على بعض أجزاء الإمبراطورية السابقة الواقعة في شمال غرب وشمال الهند، وحكموا البلاد حتى تأسيس أسرة غوبتا الهندية في بداية القرن الرابع، ووفرُّوا بعدها إلى ناغاراهارا، وقد أخذوا بعض أجزائها من الهون البيض، وحتى منتصف القرن الخامس وسعُوا نفوذهم نحو وادي كابول وكابيشا، وقد اتبع الشاهيون الأتراك البوذية في أفغانستان، كما فعل الهون البيض والكوشانيون من قبلهم.

وفي سنة 515 قمع ميهيراكولا ملك الهون البيض البوذية متأثرًا ببعض الفرق الحاقدة غير البوذية في بلاطه. وقد دمر الأديرة، وقتل العديد من الرهبان في جميع أرجاء شمال غرب الهند في غندهارا، وخاصة في كشمير، وكان الاضطهاد أقل شدة في أرجاء ناغاراهارا، التي كانت تحت نفوذه أيضًا، لكن ابنه تبنى سياسة معاكسة لوالده، وبنى الأديرة في تلك المناطق كلها.

الأتراك الغربيون

قَدِم االأتراك الغربيون من تركستان الغربية الشمالية، وسيطروا على القسم الغربي من طريق الحرير في آسيا الوسطى سنة 560 م، وتوسعوا تدريجيًّا إلى باكتريا ودفعوا الشاهيين الأتراك نحو الشرق في ناغاراهارا، وقد أخذ كثير من القادة الأتراك الغربيين البوذية من السكان المحليين واعتنقوها، وفي سنة 590 م شيدوا ديرًا بوذيًّا جديدًا في كابيشا، وفي سنة 622 م تبنى حاكم الأتراك الغربيين تونغشيهو خاقان البوذية رسميًّا تحت إرشاد راهب بوذي زائر من الهند الشمالي اسمه برابارا كاميترا.

زار الحاج البوذي الهاني الصيني شوانزانغ الأتراك الغربيين سنة 630 م تقريبًا وهو في طريقه إلى الهند، وقد تحدث عن ازدهار البوذية في القسم الباكتري من مملكتهم، خاصةً في دير نافا فيهارا في بلخ، وقد ذكر الجامعة الرهبانية، ليس لمستواها العلمي فحسب، بل أيضًا لوجود تماثيل بوذا الجميلة هناك، المكسوة بالأردية الحريرية، والمزينة بالحلي والمجوهرات وفقًا لتقاليد الزرادشتية المحلية. وكان للدير آنذاك صلة وثيقة بمملكة خوتان البوذية المتشددة الواقعة في تركستان الشرقية، وهي التي أرسلت إليه رهبانًا كثيرين للتدري،. بالإضافة إلى ذلك وصف شوانزانغ ديرًا بقرب نافا فيهارا، المعد لممارسة التأمل هينايانا بأسلوب فيباسانا، وهو: إدراك المعنى الاستثنائي للصيرورة، وبأنه لا توجد هوية مستقلة للإنسان.

وجد شوانزانغ البوذية في ناغاراهارا في وضع أسوأ بكثير من وضعها أثناء فترة حكم الشاهيين الأتراك، كما حدث في الجانب البنجابي لغندهارا، بدأت المنطقة كأنها لم تُشفَ تمامًا من الاضطهاد الذي مارسه الملك ميهيراكولا منذ قرن من الزمن. رغم أن ناغارا فيهارا المحتفظة ببقايا جمجمة بوذا كانت أعظم الأماكن المقدسة التي يقصدها الحجاج من العالم البوذي، فقد أخبر شوانزانغ بأن رهبانها قد فسدوا؛ إذ كانوا يطلبون من كل واحد من الحجاج البوذيين قطعة ذهبية لمشاهدة بقايا الجمجمة، وكذلك لم يكن هناك أي مراكز تعليمية في المنطقة كلها.

بالإضافة إلى ذلك، وبالرغم من تقدم الماهايانا [7] في أفغانستان قادمةً من كشمير وغندهارا البنجابية خلال القرنين الخامس والسادس، كما أشار شوانزانغ إلى وجود البوذية في كابيشا والمناطق الهندوكوشية إلى الغرب من ناغاراهارا فقط. وقد بقيت السارفاستيفادا مدرسة بوذية سائدة في ناغاراهارا وباكتريا الشمالية.

الفترة الأموية والتمهيد لقدوم الإسلام

هزم العربُ الذين أسسوا الخلافة الأموية سنة 661 م الفُرسَ الساسانيين بعد وفاة النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) بثلاثين سنة، وحكم الخلفاء الأمويون إيران والشرق الأوسط كله تقريبًا. وهجم الأمويون سنة 663 م على باكتريا التي أخذها الشاهيون الأتراك من الأتراك الغربيين، وأخذت القوات الأموية المنطقة المحيطة ببلخ، بما فيها دير نافا فيهارا، ودفعت الشاهيين الأتراك إلى الانسحاب إلى وادي كابول.

ولكنَّ المسلمين سمحوا لأتباع الديانات غير المسلمة، القاطنين في المناطق المحتلة بالحفاظ على عقائدهم إن استسلموا بهدوء، ودفعوا الجزية. وبالرغم من اعتناق بعض البوذيين من باكتريا، بما فيهم رئيس الدير نافا فيهارا، الإسلام فقد رضيت غالبية البوذيين في المنطقة بوضع أهل الذمة، مثل الرعايا غير المسلمين الذين تحميهم الدولة الإسلامية، وقد بقي نافا فيهارا مفتوحًا يعمل بشكل منتظم. وزار الحاج البوذي الهاني الصيني يجينغ نافا فيهارا في الثمانينات من القرن السابع، وأشار إلى ازدهاره مركزًا تعليميًّا للسارفاستيفادا.

وقد كتب الكرماني أحد المؤلفين العرب الأمويين تقريرًا مفصلاً عن نافا فيهارا، وذلك في بداية القرن الثامن، ذلك التقرير المحفوظ ضمن أعمال القرن العاشر، وهو "كتاب البلدان" للهمداني. وقد وصف الكرماني الدير بطريقة يفهمها المسلمون بسهولة؛ إذ شبهه بالكعبة الموجودة في مكة، أهم الأماكن المقدسة الإسلامية، وبيَّن أن المعبد الرئيس له مكعبٌ في وسطه تكسوه الملابس، وأن المتعبدين كانوا يطوفون حوله، وكانوا يسجدون متوجهين إليه كما هو الحال في الكعبة، ويشير المكعب الحجري هذا إلى منصة عليها إستوبا، كما كان معتادًا في معابد باكتريا، وكان الثوب الذي كسا المكعب وفق التقليد الإيراني لإظهار التعظيم، الذي كان موجهًا لتماثيل بوذا وللإستوبات على السواء. ويشير تصوير الكرماني إلى موقف منفتح ومتسم بالاحترام لدى العرب الأمويين في محاولتهم لفهم الديانات غير الإسلامية، مثل البوذية التي واجهوها في الأراضي المفتوحة حديثًا.

التحالف التبتي

قاد الحسين بن علي بن أبي طالب ثورة غير ناجحة في العراق ضد الأمويين سنة 680 م، وقد حوَّل هذا الصراع أنظار العرب عن آسيا الوسطى، وأضعف سيطرتهم هناك، فانتهز التبتيون الفرصة وتحالفوا مع الشاهيين الأتراك سنة 705 م، وقد حاولوا معًا محاولة فاشلة لإبعاد القوات الأموية عن باكتريا، وقد اكتشف التبتيون البوذية في الصين ونيبال منذ ستين عامًا تقريبًا، رغم أنه لم يكن لديهم أي أديرة حينئذٍ. وفي سنة 708 م نجح أمير الشاهيين الأتراك نازاكتار خان في طرد الأمويين، وأنشأ في باكتريا حُكمًا بوذيًّا متعصبًا، وضرب عنق رئيس الدير نافا فيهارا الذي اعتنق الإسلام.

ثم استعاد القائد العربي قتيبة باكتريا سنة 715 م من الشاهيين التُّرك وحلفائهم التبتيين، وقد ألحق أضرارًا جسيمة بنافا فيهارا عقابًا جرَّاء العصيان السابق، وفر كثير من الرهبان شرقًا إلى خوتان وكشمير، مما أدى إلى نمو البوذية، خاصةً في كشمير. وبدأ التبتيون آنذاك في التكيف مع السياسة الجديدة، فتحالفوا مع القوات الأموية التي كانوا يقاتلونها منذ وقت قليل.

وسرعان ما تحسن وضع نافا فيهارا، فواصل عمله كما كان في الماضي، وفي ذلك إشارة إلى أن تدمير المسلمين للأديرة البوذية في باكتريا لم يكن حقيقةً نتيجة دوافع دينية، فلو لم يكن الأمر كذلك ما سمح المسلمون بإعادة بنائها. وكان الأمويون يتبعون نفس السياسة تجاه البوذية التي تبنوها سابقًا في ذلك القرن، عند احتلالهم مناطق السند التابعة لما يسمى اليوم بباكستان الجنوبية. فما دمر الأمويون إلا أديرة مختارة، وهي التي ارتابوا في أنها تأوي معارضين للغزو الإسلامي، لكنهم سمحوا لهم بإعادة بنائها بعد ذلك، وتركوا الأخرى مزدهرة، فقد كان هدفهم الأساسي الاستثمار الاقتصادي، ولذا فرضوا جزية على البوذيين، وضريبة على الحجاج الذين يزورون الأضرحة المقدسة.

ورغم الاتجاه العام إلى التسامح الديني الذي تحلَّى به الخلفاء الأمويون السابقون، فقد أراد الخليفة عمر بن عبد العزيز - حكم من سنة 717 إلى 720 م - أن يدخل حلفاء الأمويين كلهم الإسلام، ولكنه قرر أن يكون ذلك برغبتهم بعد أن يتعلموا مبادئ الإسلام، فأرسل التبتيون سنة 717 م مندوبًا إلى البلاط الأموي ليسترضوا حلفاءهم فيرسلوا إليهم معلمًا مسلمًا، فأرسل الخليفة معلمًا يعرف بالحنفي، ولكن عجز هذا المعلم عن إقناع أكبر عدد ممكن من التبتيين إلى الإسلام يدل على عدم تصميم الأمويين على مساعيهم في نشر ديانتهم. أضف إلى ذلك الاستقبال الجاف الذي حظي به الحنفي؛ وذلك نتيجة الخوف من الأجانب، وهو الأمر الذي نشرته الفصائل المعارضة داخل البلاط التبتي.

وخلال العقود التالية، تبدلت التحالفات العسكرية والسياسية كثيرًا، إذ تصارع العرب والصينيون والتبتيون والشاهيون الترك وقبائل تركية أخرى لفرض سيطرتهم على آسيا الوسطى، فاستعاد الشاهيون الترك كابيشا من أيدي الأمويين، وأنشأ التبتيون مجددًا تحالفًا مع الترك الشاهيين سنة 739 م خلال زيارة الإمبراطور التبتي لكابول؛ للاحتفال بعقد زواج جرى بين الشاهيين الترك والخوتان، بينما استمر حكم الأمويين في باكتريا الشمالية.

الفترة العباسية المبكرة

وفي عام 750 م انتهى حكم الدولة الأموية وبدأ حكم الدولة العباسية التي فرضت سيطرتها على باكتريا الشمالية، بالإضافة إلى استمرار العباسيين في اعتبار البوذيين أهل ذمة، واهتموا اهتمامًا شديدًا بالثقافة الأجنبية، خاصةً الثقافة الهندية. وفي سنة 762 م وظَّف الخليفة المنصور - حكم من سنة 754 إلى 755م - مهندسين معماريين لتصميم العاصمة العباسية الجديدة: بغداد. وقد أخذ اسم عاصمته من السنسكريتية "بهاغا-دادا" ومعناها "هدية الله". وأسَّس الخليفة أيضًا بيت الحكمة، مع مكتب خاص بالترجمة، ودعا العلماء من ثقافات وديانات مختلفة إلى ترجمة النصوص إلى العربية خاصة في مجالات المنطق والموضوعات العلمية.

كان المنصور أول الخلفاء العباسيين من أنصار المذهب الإسلامي "المعتزلة"، والذي حاول تفسير مبادئ القرآن بالعقل، فكان التركيز الأساسي على التعاليم اليونانية القديمة، ولكن التقاليد السنسكريتية جذبت انتباههم أيضًا. ولم يقتصر بيت الحكمة على ترجمة النصوص العلمية فحسب، بل ترجم العلماء البوذيون إلى العربية بعض سوترات [8] الماهايانا والهينايانا التي تتناول موضوعات تعبدية وأخلاقية.

ثم أمر الخليفة التالي: المهدي - حكم من سنة 775 إلى 785 م - الجيش الإسلامي في السِّند بمهاجمة سوراشترا في جنوب الشرق، وذلك في مواجهة منافس آخر في شبه الجزيرة العربية، الذي يدعي أنه المهدي، أي المخلِّص الإسلامي، وكان الغزو جزءًا من الحملة التي نظمها الخليفة لفرض نفوذه وسيادته بوصفه خليفة المسلمين، ودمر الجيش الأديرة البوذية والمعابد الجاينية في فالابي، ولكنه كما حدث عند احتلال الأمويين للسند دُمِّرت المراكز المشتبهة بإيواء المعارضة للحكم فقط، وحتى تحت حكم الخليفة المهدي أبقى العباسيون الأديرة البوذية على حالها في باقي أرجاء إمبراطوريتهم، وفضلوا استغلالها مصدرًا للدخل، وبالإضافة إلى ذلك فقد واصل المهدي توسيع نشاطات الترجمة في بيت الحكمة في بغداد؛ إذ لم يرغب في تدمير الثقافة الهندية حتى يتعلم منها المسلمون.

وكان يحيى البرمكي - الحفيد المسلم لأحد الرؤساء الإداريين البوذيين لدير نافا فيهارا - وزيرًا للخليفة العباسي التالي: الرشيد - حكم من سنة 786 إلى 808 م – وقد دعا الخليفة خلال فترة حكمه العديد من العلماء والمدرسين الهنود، خاصة البوذيين إلى بغداد، وقد ورد في "كتاب الفهرست"، وهو فهرس للكتب المؤلفة حين ذاك داخل الإسلام وخارجه، قائمة بالكتب البوذية، وكان من بينها نسخة عربية عن أعمار بوذا السابقة، المسمى ب"كتاب البد".

كان الإسلام على طريق البروز في باكتريا آنذاك بين ملاك الأراضي والطبقات العليا الحضرية المثقفة، من أجل جاذبية مستواه الأعلى الثقافي والتعليمي، وكان من المفروض للمهتمين بدراسة البوذية أن يلتحقوا بأحد الأديرة، وبالرغم من أن دير نافا فيهارا كان يعمل كالمعتاد في تلك الفترة، فقد كانت قدراته محدودة، وكان الطلاب محتاجين إلى تدريبات واسعة النطاق قبل الالتحاق به، وفي الجانب الآخر كانت الثقافة العليا والدراسات الإسلامية ميسرة وسهلة المنال، بينما حافظت البوذية على قوتها في أوساط الريفيين المنتمين إلى الطبقات الشديدة الفقر، خاصة من خلال التعبد في الأضرحة المقدسة.

وكانتالديانة الهندوسية موجودة أيضًا في جميع أرجاء المنطقة، وفي سنة 753 م تحدث الحاج ووكونغ الهاني الصيني خلال زيارة له عن وجود دير بوذي وآخر هندوسي، خاصة في وادي كابول. ومع ضعف البوذية في أوساط التجار ازدادت الهندوسية قوة.

الثورات ضد العباسيين

واجه العباسيون الأُوَل عدة ثورات، فبعد وفاة الخليفة الرشيد سنة 808 م، وهو في طريقه لإخماد إحدى الثورات في سمرقند عاصمة صغديا، قسم الرشيد الإمبراطورية بين ولديه قبل وفاته، فكان لابنه المأمون الذي رافقه خلال حملته في صغديا الجزء الشرقي بما فيه باكتريا. بينما كان لابنه الآخر الأمين، وهو أقوى من أخيه، الجزء الغربي وفيه مكة وبغداد وهاتان البلدتان لهما احترام وهيبة عند المسلمين.

فوزع المأمون االأموال والأراضي على الناس في صغديا كي يحظى بالدعم الجماهيري للاستيلاء على حصة الأمين من الإمبراطورية العباسية، ثم شن هجومًا على شقيقه، وانضم الشاهيون الأتراك في كابول وحلفاؤهم التبتيون إلى قوات الثوار المعادين للعباسيين في صغديا وباكتريا خلال الحرب الطاحنة الذي اندلعت؛ لاستغلال الوضع الحاصل هناك، وللإطاحة بالحكم العباسي. وحث الفضل وزير المأمون وقائد جيشه الخليفة على إعلان الجهاد، أي الحرب المقدسة، ضد هذا التحالف لتعزيز مكانة الخليفة الحاكم؛ إذ لا يُعلِن الجهادَ ضد المعتدين على الإسلام إلا الحكامُ الذين يرفعون لواء الإيمان الخالص.

أعلن المأمون الجهاد بعد التغلب على شقيقه، وهزم حاكمَ الشاهيين الأتراك، المعروف باسم كابول شاه سنة 815 م، وأجبره على اعتناق الإسلام، فقد كانت عبادة الأوثان من أشد الأمور انتهاكًا للعقيدة الإسلامية، وكانت الديانات الوثنية العربية التي سبقت النبي محمد تعبد الأصنام، واحتفظت ببعضها في مكة، تحديدًا في الكعبة المشرفة، ودمر النبي الأصنام كلها عند إتيانه بالإسلام، فأمر المأمون الشاه بذلك، وللتدليل على طاعته أرسل تمثال بوذا الذهبي إلى مكة، فاحتفظ به المأمون في مكان عام في الكعبة لمدة سنتين، وذلك لضمان شرعيته في الحكم فقط، مشيرًا إلى أن الله هَدى ملك التبت إلى الإسلام. فقد اختلط الأمر على العرب ما بين الملك التبتي وأحد أتباعه: شاه كابول التركي. وفي سنة 817 م أذاب العباسيون تمثال بوذا لتصنيع العملات الذهبية.

بعد تحقيق النجاح على الشاهيين الأتراك، شن العباسيون هجومًا على المنطقة الواقعة تحت نفوذ التبتيين، وهي منطقة جيلجيت الواقعة فيما يسمى اليوم بباكستان الشمالية، وخلال فترة وجيزة ضموها أيضًا، وأعادوا القائد التبتي أسيرًا ذليلاً إلى بغداد.

الأسر الطاهرية والصفارية وشاهية الهندو

في تلك الفترة بدأ القادة العسكريون المحليون في عدة مناطق من الإمبراطورية العباسية بتأسيس ولايات إسلامية مستقلة، وكان ولاؤهم لخليفة بغداد اسميًّا فقط. كانت باكتريا الشمالية المنطقة الأولى التي تعلن استقلالها؛ حيث أنشأ القائد طاهر السلالة الطاهرية سنة 819 م.

ثم استعاد التبتيون والشاهيون الأتراك ممتلكاتهم السابقة بانسحاب العباسيين من كابول وجيلجيت لانشغالهم بأمور أكثر أهمية. وبالرغم من إجبار العباسيين زعماءَ تلك المنطقة على اعتناق الإسلام لم يضطهدوا البوذية هناك، ففي الواقع حافظ العرب على العلاقات التجارية مع التبتيين خلال تلك الفترة.

القائد الإسلامي التالي الذي أعلن استقلاله عن الحكم العباسي كان الصفار، فأنشأ خليفته سنة 861 م السلالة الصفارية في جنوب شرق إيران، وبعد السيطرة على باقي مناطق إيران غزا بنو الصفار وادي كابول سنة 870، وفي وجه تلك الهزيمة الوشيكة أطاح بالحاكم التركي الشاهي البوذي وزيرُه البرهمي كالار، وأنشأ كالار أسرة الشاهية الهندو في غندهارا البنجابية بمغادرته كابول وناغاراهارا وتركهما لبني الصفار.

كان غزو بني الصفار أساسًا للانتقام؛ فنهبوا الأديرة البوذية في وادي كابول وباميان، وأرسلوا "أصنام بوذا" إلى الخليفة غنائمَ حرب، وكان هذا الاحتلال العسكري القاسي الضربة الحقيقية الأولى للبوذية في منطقة كابول، وكانت للهزيمة السابقة واعتناق شاه كابول الإسلام سنة 815 م نتائج غير مباشرة على الوضع العام للبوذية في المنطقة.

استمر بنو الصفار في حملات الفتح والدمار متجهين نحو الشمال، وانتزعوا باكتريا من الطاهريين سنة 873 م، لكن الشاهية استعادوا كابول وناغاراهارا سنة 879 م، وظلوا يتبعون سياسة دعم الهندوس والبوذيين من أبناء الشعب، فاستعادت أديرة كابول البوذية ثراءها السابق سريعًا.

الأسر السامانية والغزنوية والسلاجقة

أعلن اسماعيل بن أحمد حاكم صغديا الفارسي استقلاله بعد ذلك مباشرة، وأنشأ الأسرة السامانية سنة 892 م، وانتزع باكتريا من بني الصفار سنة 903 م، وشجع السامانيين على العودة إلى الثقافة الإيرانية التقليدية، ولكنهم تعاملوا بتسامح مع البوذية، فكانت تماثيل بوذا لا تزال تُنحَت وتباع في بخارى العاصمة السامانية زمن نصر الثاني - حكم من سنة 913 إلى 942 م - لأنها ما حُرِّمت بوصفها "أصنام بوذا".

وقد استعبد السامانيون رجال القبائل التركية في بلادهم وجنَّدوهم إلزاميًّا، وكانوا يمنحون الجنود حريتهم شكليًّا فقط إذا اعتنقوا الإسلام، لكن السامانيين واجهوا صعوبة في السيطرة على هؤلاء. ففي سنة 962 م استولى أحد القادة العسكريين الترك الذين اعتنقوا الإسلام، واسمه ألبتكين على غزنة حتى وصل إلى جنوب كابول. وهناك وفي عام 976 م أنشأ خليفته سبكتكين - حكم من سنة 976 إلى 997 م - امبراطورية الغزنويين التابعة للعباسيين، وبعد ذلك بقليل أخذ وادي كابول من الشاهية، وأعادهم إلى غندهارا.

وقد ازدهرت البوذية في وادي كابول تحت حكم الشاهية. ووصف أسدي الطوسي في كتابه المؤلف سنة 1048 م المسمى بـ "غرشاسب نامه"، ثراء الدير الرئيس: سوباهار (سو فيهارا) حين اجتاح الغزنويون كابول، وهذا يدل على أن الغزنويين لم يدمروه.

أطاح الحاكم الغزنوي التالي محمود الغزنوي - حكم من سنة 998 إلى 1030 م - السامانيين سنة 999 م بدعم الجنود التُّرك المستعبدين من خدمة السامانيين. وضمت الإمبراطورية الغزنوية باكتريا وصغديا الجنوبية، واحتل محمود الغزنوي إيران كلها تقريبًا، وحافظ على سياسة السامانيين في تشجيع الثقافة الفارسية، والتسامح مع الديانات غير المسلمة. قال البيروني، وهو عالم فارسي، وكاتب في الديوان الملكي الغزنوي، في مطلع الألفية: "إن المعابد البوذية في باكتريا، بما فيها نافا فيهارا، كانت لا تزال تعمل كالمعتاد".

لكن محمود الغزنوي الذي كان يتبع منهج أهل السنة والجماعة الأصولي لم يكن متسامحًا تجاه المذاهب الإسلامية الأخرى، فهاجم ملتان في السند الشمالية سنة 1005 م، ثم سنة 1010 م؛ ليحارب الفرقة الإسماعيلية المنتمية للشيعة التي حظيت بتأييد الدولة، وفضلها السامانيون أيضًا، فكانت الأسرة الفاطمية الإسماعيلية (910 – 1171 م) ومقرها في مصر منذ سنة 969 م، المنافس الرئيس للعباسيين السنيين في السيادة على العالم الإسلامي، وقد أراد السلطان محمود إكمال حملته على الشاهية الهندو التي بدأها والده؛ لذا هاجمهم وطردهم من غندهارا، ثم تقدم من غندهارا متجهًا نحو ملتان للسيطرة عليها.

ثم وسع محمود إمبراطوريته في السنوات التالية من خلال احتلاله المناطق الشرقية وصولاً إلى أغرا في الهند الشمالية، وقد كان نَهْبه وتدميره للمعابد الهندوسية والأديرة البوذية في طريقه جزءًا من فكره وخطته في الغزو، كما كانت الحروب في الأغلب تُلحِق القوات المحتلة دمارًا قدر الإمكان لإقناع السكان المحليين بالاستسلام، وخاصة إذا كانت هناك مقاومة في خلال حملاته في شبه القارة الهندية، وحافظ محمود الغزنوي على الأديرة البوذية ضمن المناطق الواقعة تحت سيطرته في كابول وباكتريا فقط.

وفي سنة 1040 م ثار الأتراك السلاجقة من أتباع الغزنويين في صغديا، وأنشئوا أسرة السلاجقة، ثم انتزعوا بعد ذلك بقليل باكتريا ومعظم إيران من الغزنويين الذين انسحبوا نحو وادي كابول، وفي نهاية المطاف امتدت إمبراطورية السلاجقة إلى بغداد وتركيا وفلسطين، وكان السلاجقة هم "الكفار" سيئي السمعة الذين أعلن البابا أوربانوس الثاني الحملة الصليبية الأولى عليهم سنة 1096 م.

كان السلاجقة نَفْعِيِّين فيما يتعلق بحكمهم؛ فأسَّسوا المراكز الإسلامية للتعليم (أي المدارس) في بغداد وآسيا الوسطى، وذلك لتعليم البيروقراطية المدنية لتدير الأقسام المختلفة من إمبراطوريتهم، وكانوا متسامحين في وجود ديانات غير إسلامية في بلادهم؛ مثل البوذية. لهذا نشر الشهرستاني في بغداد "كتابه الملل والنحل" - وهو كتاب باللغة العربية حول الديانات والطوائف غير المسلمة - ويتضمن الكتاب شرحًا مبسطًا حول العقائد البوذية، ويعيد ذكر ما كُتِب في كتاب البيروني في القرن السابق حول قول الهنود بكون بوذا نبيًّا.

وتشهد المصادر البوذية المتعددة ضمن الأدب الفارسي على العلاقات الثقافية الإسلامية-البوذية، فعلى سبيل المثال يشبه الشعر الفارسي القصور بنوباهار (نافا فيهارا) في جمالها، بالإضافة إلى ذلك تضمنت صور بوذا - خاصة الميتريا، أي: بوذا المستقبل - في نافا فيهارا وباميان أقراصًا بشكل القمر، وضعت خلف رأس بوذا، ومن هنا نبع الوصف الشعري لمن هم في غاية الجمال كمن تحلوا بـ"وجه قمري كوجه بوذا". هكذا وظفت القصائد الفارسية مثل "ورقه وغل‌شاه" للشاعر عيوقي، كلمة "بوت" بمعناها الإيجابي، أي: "بوذا"، وليس بمعناها المستقبح وهو: "صنم". وتوحي الكلمة بالجمال عديم الجنس لدى كل من النساء والرجال، تشير هذه المصادر إلى وجود الصور والأديرة البوذية في تلك المناطق ذات الثقافة الإيرانية، على الأقل طوال الفترة المنغولية الأولى في القرن الثالث عشر، أو إلى احتفاظ البوذيين الذين أسلموا بتراثهم البوذي.

الأسر القراقيتية والغورية

انهزمت السلاجقة في سمرقند سنة 1141 م على يد شعب منغولي اللغة، وهو الذي كان يحكم تركستان الشرقية وشمال تركستان الغربية، وقد ضم زعيمهم ييلو داشي صغديا وباكتريا إلى مملكته، ولم تزل منطقة وادي كابول الشرقية تحت سيطرة الغزنويين، وقد اتبع القراقيتيون مزيجًا من البوذية والطاوية والكونفوشيوسية والشامانية، وكان ييلو داشي متسامحًا جدًّا، ووفر الحماية لجميع الديانات في بلده، بما فيها الإسلام.

ثم أخذ علاء الدين - من الأوغوزيين الأتراك الرُّحَّل القادمين من جبال أفغانستان الوسطى - باكتريا من القراخيتانيين سنة 1148 م، وأنشأ الأسرة الغورية، ونزع غزنة وكابول من الغزنويين سنة 1161 م، وجعل شقيقه محمد غوري حاكمًا لغزنة سنة 1173 م، وشجعه على الاستيلاء على شبه القارة الهندية.

ثم سيطر محمد غوري مثل محمود الغزنوي قبله، أولاً سنة 1178 م على مملكة ملتان الإسماعيلية الواقعة في السند الشمالية، التي كانت قد حصلت مجددًا على استقلالها من الحكم الغزنوي، وتقدم بعدها لاحتلال منطقة بنجاب باكستان بأكلمها شمال الهند، وبعد ذلك سَهْل الغانج إلى ما يسمى اليوم ببيهار وغرب البنغال، ونهب خلال حملته كثيرًا من الأديرة البوذية الضخمة ودمرها، بما فيها فيكراماشيلا وأودانتابوري سنة 1200 م، وقد حولها الملك السيني المحلي إلى ثكنات عسكرية من أجل التصدي للغزو.

كان باستطاعة القادة الغوريين تشجيع جنودهم في المعارك بالوعظ الديني، مثلما تفعل أي أمة في مجالي السياسية والوطنية، لكن هدفهم الرئيس كان مثل معظم المحتلين؛ أخذ الأراضي والثروة والقوة. لهذا دمر الغوريون الأديرة التي كانت تقع على خط الغزو المباشر فقط. فمثلاً: دير آن نالاندا وبودغايا، اللذان كانا بعيدين عن الطريق الرئيس، قد وجدهما المترجم التبتي تشاغ لوتساوا سنة 1235 م في زيارة له مدمريْنِ ومنهوبيْنِ، لكنهما واصلا عملهما مع عدد قليل من الرهبان، في حين أنه لم يُصَب دير جاغادالا في البنغال الشمالية بأي سوء، واستمر في الازدهار.

بالإضافة إلى أن الغوريين لم يريدوا احتلال كشمير، وإجبار البوذيين هناك على اعتناق الإسلام، فقد كانت كشمير فقيرة آنذاك، ولم تكن لدى الأديرة أي ثروة تُنهَب. وبما أن الغوريين لم يدفعوا شيئًا لحكامهم وقادة جيوشهم، ولم يزودوهم بأي مؤن، فإنهم توقعوا منهم إعالة أنفسهم وقواتهم من المكاسب المحلية، فإنَّ الحكام لو أجبروا جميع رعاياهم على اعتناق الإسلام لَما استطاعوا استغلال القسم الأكبر من السكان بفرض ضرائب إضافية. لهذا، وكما كان الحال في أفغانستان، استمر الغوريون في منح مكانة أهل الذمة لغير المسلمين في الهند، وفرض الجزية عليهم.

الفترة المنغولية

في عام 1215 م انتزع جنكيز خان مؤسس الإمبراطورية المنغولية أفغانستان من الغوريين، وأباد جنكيز وفقًا للسياسة السائدة في الأماكن الأخرى كل من اعترض على احتلاله، وخرب أراضيهم. وظلت الكيفية التي نجت بها آثار البوذية في أفغانستان من التدمير آنذاك مجهولة، وكان جنكيز متسامحًا تجاه جميع الديانات، طالما صلى قادتها لإطالة عمره ولتحقيق إنجازاته العسكرية. فمثلاً استدعى زعيمًا طاويًّا شهيرًا من الصين إلى أفغانستان سنة 1219 م؛ لإقامة طقوس تطيل عمره، وتجهز إكسير [9] الخلود له.

ثم ورث جغتاي بن جنكيز خان الحكم على صغديا وأفغانستان، وأسس خاقانات جغتاي بعد وفاة أبيه سنة 1227 م، وبعد تقسيم إمبراطوريته بين الوارثين، ثم احتل أحد أحفاد جنكيز وهو هولاكو إيران، وأطاح بالخلافة العباسية في بغداد سنة 1258 م، ثم أسس السيادة الإلخانية، وسرعان ما دعا رهبانًا بوذيين من التبت وكشمير ولداخ إلى بلاطه في شمال غرب إيران. كانت إلخانات أكثر قوة من خاقانات جغتاي؛ حيث غلبت في بادئ الأمر على القربى هناك، وبما أنه كان على الرهبان البوذيين المرور بأفغانستان في طريقهم إلى إيران، فقد تلقوا دون شك الدعم الرسمي في طريقهم.

ويبدو كما يرى بعض العلماء أن غالبية الرهبان التبتيين الذين قدموا إلى إيران كانوا ينتمون إلى طائفة دريغُنغ كاغيو، وعلى الأرجح يمكن أن يكون سبب دعوة هولاكو لهم سياسيًّا. فقد أعلن ابن عمه قوبلاي خان سنة 1260 م الحاكم المنغولي للصين الشمالية نفسه الخان الأكبر لجميع المنغول، وقد دعم قوبلاي طائفة الساكيا من البوذية التبتية، ومنح زعماءهم السلطة العليا على التبت. التي كانت قبل ذلك تحت هيمنة زعماء دريغُنغ كاغيو. وكان المنافس الأساس لقوبلاي أحد أبناء عمه، ويدعى قايدو، وهو الذي حكم تركستان الشرقية، ودعم نسب الدريغُنغ كاغيو، وقد أراد هولاكو الوقوف أمام قايدو في هذا الصراع القوي.

ويظن البعض أن تحول قوبلاي وقايدو إلى البوذية التبتية كان من أجل الحصول على الدعم بخوارق العادات والمعجزات من ماهاكالا، وهو الحامي البوذي الذي تُجرى له الطقوس في تياري الساكيا والكاغيو، وكان الماهاكالا حامي التانغوتيين الذين حكموا مناطق ما بين التبت ومنغوليا. وبعد ذلك بفترة قُتل جدهما جنكيز خان في معركة مع التانغوتيين الذين تلقوا دعمًا عن طريق المعجزات وخوارق العادات، ولا يبدو أن الزعماء المنغوليين، بما فيهم هولاكو، قد اختاروا البوذية التبتية بسبب تعاليمها الفلسفية العميقة.

أصبحت خاقانات جغتاي بعد ذلك أكثر استقلالاً عن الإلخانات بعد وفاة هولاكو سنة 1266 م، وأنشأت تحالفًا مع قايدو في صراعه ضد قوبلاي خان، وفي الوقت نفسه تناوب خلفاء هولاكو في دعمهم للبوذية التبتية والإسلام، ويبدو أن ذلك أيضًا كان للمنفعة السياسية. ثم استمر أباقا بن هولاكو في دعم البوذية التبتية، لكنَّ تكودار شقيق أباقا الذي خلفه سنة 1282 اعتنق الإسلام؛ كي يحظى بالدعم المحلي عند غزوه واحتلاله مصر. ثم هزم أرغون بن أباقا عمه تكودار، وأصبح الزعيم الإلخاني سنة 1284 م، فجعل البوذية الديانة الرسمية للدولة، وأسس عدة أديرة هناك. وبعد موت آراغون سنة 1291 م أصبح شقيقه جايخاتو إلخان، وقد منح الرهبان التبتيين جايخاتو الاسم التبتي رينتشين دورجي، لكنه كان سكِّيرا فاسدًا، غير مُشرِّف للعقيدة البوذية، وقد أدخل الأوراق النقدية إلى إيران من الصين، مما تسبب في كارثة اقتصادية.

وتوفي جايخاتو سنة 1295 م بعد سنة من وفاة قوبلاي خان، وقد نجح محمود غازان بن أرغون في الاستيلاء على الحكم، وأعلن أن الإسلام هو الديانة الرسمية في الإمبراطورية الإلخانية، ودمر الأديرة البوذية الجديدة هناك. ويؤكد بعض العلماء أن تغيير غازان خان سياسة والده الدينية كان هدفها الابتعاد عن معتقدات عمه وإصلاحاته، وللتأكيد على استقلاله عن الصين المنغولية.

بالرغم من أن غازان خان قد أصدر أوامره بهدم الأديرة البوذية، فيبدو أنه لم يشأ تدمير كل ما له صلة بالبوذية، فقد كلف على سبيل المثال رشيد الدين بكتابة "جامع التواريخ" باللغتين الفارسية والعربية، وأدخل "حياة بوذا وتعاليمه" في فصل عن تاريخ الشعوب التي احتلها المنغول وثقافاتها، وقد دعا غازان خان بكشي كامالاشريي راهبًا بوذيًّا من كشمير إلى بلاطه؛ وذلك تأسيًّا بكتاب الكرماني قبله، فقدَّم رشيد الدين "البوذية" بشكل يسهل فهمه عند المسلمين؛ مثل تسمية بوذا بالنبي، وآلهة الداواس بالملائكة، والمارا بالشيطان.

وقد كتب رشيد الدين في كتابه أن 11 نصًّا بوذيًّا باللغة العربية كانت متداولة في إيران، وقد تضمنت نصوص ماهايانا، مثل: "السوترا أرض السعادة الطاهرة"، وتتناول موضوع أرض أميتابها الطاهرة، و"السوترا السلة المنسوجة"، وتتناول موضوع تجسد الرحمة، و"تفسير الميتريا"، وتتناول موضوع بوذا الموعود وتجسد الحب. ولا شك أن هذه الكتب كانت من بين النصوص التي ترجمت زمن الخلافة العباسية في بيت الحكمة ببغداد ابتداءً من القرن الثامن.

انتهى رشيد الدين من كتابة مؤلفه التاريخي سنة 1305 م، خلال عهد أولجاتو خليفة غازان، لكن يبدو أن الرهبان البوذيين تواجدوا في إيران على الأقل حتى وفاة أولجاتو سنة 1316 م؛ لأنهم حاولوا هباءً إعادة الحاكم المنغولي إلى اعتناق البوذية. هكذا، وحتى تلك الفترة، تجول الرهبان البوذيون إيابًا وذهابًا في جميع أرجاء أفغانستان، ولعلهم قد لاقوا ترحيبًا في بلاط جغتاي.

ثم انقسمت إمبراطورية جغتاي إلى قسمين سنة 1321 م، فضمت خاقانات جغتاي الغربية صغديا وأفغانستان، وبدايةً اعتنق حكامها الإسلام. أما في إيران فقد تجزأت الإلخانات وانهارت سنة 1336 م. وليس هناك ما يشير إلى وجود البوذية في أفغانستان بعد تلك الفترة، وقد وجدت هناك طوال 1900سنة، لكن المعرفة بالبوذية لم تندثر، واحتل تغلق تيمور خاقانات جغتاي الغربية سنة 1364 م، بينما احتل الولايات الصغيرة سنة 1385 م، وكلَّف شاهرخ بن تغلق تيمور وخليفته المؤرخ حافظ أبرو بكتابة "مجمع التواريخ" باللغة الفارسية، وقد انتهى المؤلف من كتابته سنة 1425 م، في هرات عاصمة شاهرخ بأفغانستان، وقد حوى الكتاب تقريرًا عن البوذية، وكُتِب على طراز كتاب رشيد الدين الذي سبقه بقرن من الزمان.

[للاطّلاع على البحث التّفصيليّ، انظر الي: التفاعل التاريخي بين الثقافتين البوذية والإسلامية قبل الإمبراطورية المنغولية.]



--------------------------------------------------------------------------------



[1] العربة الصغيرة.


[2] مدرسة بوذية قديمة تؤمن بوجود الدارما، أي الماضي والحاضر والمستقبل الآن وفي وقت واحد.


[3] أعضاء المجلس الكبير.


[4] أحد المذهبين الرئيسين للبوذية.


[5] المجموعة الأخيرة من الكتابات البوذية التي تختص بقضايا الفلسفة والعقائد.


[6] إحدى مدارس البوذية.


[7] أحد المذهبين الرئيسين للبوذية، وينتشر غالبًا في دول شرق آسيا، ويهدف إلى تنوير جميع الكائنات الحية واع.

[8] نصوص من البوذا شاكياموني تناقش موضوعات في ممارسة التأمل.


[9] مادة تطيل العمر بزعمهم
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://elswesry22.yoo7.com/
بقايا جروح
مشرف المنتدي الأدبيمشرف المنتدي الأدبي
بقايا جروح


انثى
ســآعـتي :
التسجيل : 10/01/2010
المساهمات : 7226
عدد النقاط : 11523
المزاج : كل شي عن البوذيين  .. مميز. Qatary22
المهنة : كل شي عن البوذيين  .. مميز. Studen10
الهوايه : كل شي عن البوذيين  .. مميز. Travel10
الدولة : كل شي عن البوذيين  .. مميز. Female16
الأوسمة : كل شي عن البوذيين  .. مميز. 3h210
التميز : كل شي عن البوذيين  .. مميز. 1510

كل شي عن البوذيين  .. مميز. Empty
مُساهمةموضوع: رد: كل شي عن البوذيين .. مميز.   كل شي عن البوذيين  .. مميز. I_icon_minitimeالسبت 28 يناير 2012, 4:28 pm

لمحة تاريخية موجزة عن البوذيَّة والإسلام
في تركستان الغربية

بارثيا وباكتريا


وُجدت البوذيَّة تاريخيًّا في كل من الجمهوريَّات الخمس السُّوفياتيَّة سابقًا لآسيا الوسطى، وهي الجمهوريات التي تشكِّل تركستان الغربية (بلاد ما وراء النهر): تركمانستان وأوزبكستان وطاجيكستان وقرغيزستان وكازاخستان. وقد انتشرت بدايةً في القرن الأول قبل الميلاد من غندهارا (باكستان) وأفغانستان إلى مملكتي بارثيا [1] وباكتريا، وقد شكلت تركمانستان وشمال شرق إيران مملكة بارثيا، بينما شكلت أوزبكستان الجنوبية وطاجيكستان وأفغانستان الشمالية مملكة باكتريا [2].

صغديا

انتشرت البوذية في صغديا [3] الواقعة في أوزبكستان الوسطى وشمال غرب طاجيكستان قادمة أساسًا من باكتريا، وقد كشف الراهب الصيني شوانزانغ في القرن السادس وجود ديرين بوذيين عظيمين في العاصمة الصغدية في سمرقند..

الإمبراطورية التركية الغربية

عندما فتح الشعب التركي من منغوليا غالبية آسيا الوسطى في القرن السابع انتشرت البوذية على يد الصغديين، ومن كاشغار / خوتان في جنوب تركستان الشرقية إلى وادي نهر طلاس الواقع في كازاخستان الجنوبية، ووادي نهر تشو الواقع في قرغيزستان الشمالية. وقد شكلت هذه المناطق أجزاء من الإمبراطورية التركية الغربية [4]. واحتل التبتيون قرغيزستان الشرقية أيضًا في القرن الثامن عندما كانوا يحكمون تركستان الشرقية، وبهذا أدخلوا البوذية التبتية المبكرة [5].

بالرغم من دلا إله إلا الله محمد رسول الله الإسلام إلى الجزء الجنوبي من جمهوريات آسيا الوسطى في القرنين التاسع والعاشر، والجزء الشمالي في القرن الحادي عشر، فإن البوذية لم تمحَ نهائيًّا من الشمال، وكان وجودا الإسلام ضعيفًا جدًّا هناك، ومختلطاً بالشامانية والبوذية. إن منهج الصوفية هو المنهج الإسلامي الرئيس الذي اتبع على امتداد المنطقة، وهو منهج غير مرتكز على العقائد، بل يدعو إلى التأمل، وتمارسه مجموعة من المتبعين المخلصين إخلاصًا كاملاً، ويعيشون حول شيخ مربٍّ.

المنغوليون الجونغاريون

المنغوليون الجونغاريون [6]، من تركستان الشرقية، وهم الذين تبنوا تقاليد الطائفة البوذية التبتية المعروفة "غيلوك"، والذين انشق عنهم المنغول الكالميكيون في القرن السابع عشر، وكانت لهم أديرة على شكل خيام ممتدة من منطقة سيميريتشية الواقعة في كازاخستان الشرقية، إلى شرق بحيرة بلخاش وجنوبها منذ القرن السادس عشر إلى منتصف القرن الثامن عشر، وحول بحيرة إيسيك كول في قرغيزستان من منتصف القرن السابع عشر حتى منتصف القرن الثامن عشر، هذا وقد بنى الكالميكيون أديرة الخيام في عدة أنحاء من كازاخستان عند هجرتهم عبرها إلى الفولغا.

شيد الجونغاريون أيضًا الأديرة الحجرية [7] في مناطق كازاخستان الشرقية حول بحيرة بلخاش، وقد بقيت الأديرة الغيلوكية [8] حتى منتصف القرن التاسع عشر، إلى أن احتلت روسيا كازاخستان. وليس من الواضح بعدُ إنْ كانت هذه الأديرة قد بُنيت قبل هزيمة الجونغاريين على يد المانشو في منتصف القرن الثامن عشر، ونجت من الدمار الذي لحق بها، أو أنها بُنيت على يد المغول الجونغار اللاجئين الذين فروا إلى كازاخستان بعد الإبادة الكاملة، وبعد ضم تركستان الشرقية إلى إمبراطورية مانشو الصينية. وقد يكون البعض الآخر من الأديرة شيدها المغول الكالميكيون من الفولغا إلى تركستان الشرقية في نهاية القرن الثامن عشر، ولكن مع ذلك استقروا في كازاخستان. إن هذا السؤال هو مربك جدًّا؛ لأن الجونغاريين يُعرفون في اللغة الروسية أيضًا بالكالميكيين.

التبادل الثقافي بين البوذية والإسلام

توجد في كل أنحاء المنطقة مؤشرات عديدة توحي بوجود تبادلات ثقافية بين البوذية والإسلام. فمثلاً، الصوفية الكازاخيون لا يؤمنون بالتجدد الروحي فحسب، بل يعينون تقمص شيوخ الصوفية الأوائل، مثلما يفعله البوذيون المغول والتبتيون تجاه معلميهم. ويبني الصوفية الأضرحة المقدسة والمَزارات لأسلافهم، يطوفون حولها ويشعلون المصابيح التي تُدهن بالزُّبْد، وهو الذي يشبه أحد الطقوس التي يمارسها البوذيون حول أضرحة شيوخهم. وكذلك فإن التأمل الصوفي يحتوي على الإنشاد الإسلامي الذي يعادل التغني بالمنترا، وغالبًا ما ترافقه دورة التنفس، بالإضافة إلى تخيل النبي والمرشدين الروحيين.



--------------------------------------------------------------------------------




[1] وجدت بقايا اثنين من ستوبا بوذا البارثيني في تركمانستان، تحديدًا في مدينة ماري (مرو)، وبجوار مدينة عشق آباد. وقد وجدت أيضًا كهوف بوذية بالقرب من عشق آباد.


[2] وجدت آثار أديرة باكتريا البوذية بالقرب من ترمذ في أوزبكستان الجنوبية، في كارا تيبه وفاياس تيبه ودالفيرزين تيبه. ووُجدت في زورمالا بقايا إحدى الستوبا، بينما وجدت في بالاليك تيبه جداريات بوذية، وذلك في منطقة سرخان دريا، وقد بحث عن آثار دير في أجينا تيبه في طاجيكستان الجنوبية.


[3] وجدت آثار بوذية تنتمي للحضارة الصغدية بالقرب من سمرقند، وذلك في يركورغان الواقعة في أوزبكستان، وفي بنجكنت الواقعة في طاجيكستان. وقد اكتُشفت بعض الآثار أيضًا في كوفا، في وادي فرغانة الواقع في أوزبكستان الشرقية، وقد تواجدت أيضًا معظم آثار مواقع باكترا المذكورة آنفاً حتى العصر الصغدي.


[4] اكتُشِفت بعض الآثار في وادي نهر تاراز (طلاس) في سايرام قيلي بالقرب من شمكنت وتكتور ماس في منطقة جامبيل، ويأمل علماء الآثار اكتشاف آثار بوذية في كوس توب قرب تاراز (جامبيل). وقد وُجدت أيضًا مواقع بوذية على امتداد وادي نهر تشو في قيزيل أوزين، بالقرب من مدينة شولبون آتا الحديثة، على الشاطئ الشمالي لبحيرة إيسيك كول، وفي أكبيشيم (سويان) وبلاساغون بالقرب من توكموك (توكماك)، وعلى امتداد نهر كراسنويا، وهو رافد لنهر تشو.


[5] وجدت حول بحيرة إيسيك كول أحجار "ماني" في أعماق المياه بجوار كاراكول، وعلى امتداد الشاطئ الجنوبي في الخانق تامغا، بالإضافة إلى ممريْ جولكو وبارسكاون جنوبي البحيرة، وممر أيسيكآتا شمالي البحيرة.


[6] وجدت أحجار "ماني" التي تعود إلى هذه الفترة في تانغلالي طاس الواقعة في سيميريتشية في عدة مواقع بالقرب من ألماتي، وفي الخانق زانكا على الشاطئ الجنوبي لبحيرة إيسيك كول.


[7] وجدت آثار دير جونغار الحجري البوذية في ألماليك وكازاخستان على امتداد نهر إيلي إلى بحيرة بلخاش، بجوار الحدود الكازاخية-الصينية، وفي قيزيل كينت القريبة من جيزكازغان على امتداد نهر ساري سو بغرب بحيرة بلخاش، وعلى امتداد نهر إيرتيش بجنوب بحيرة بلخاش، وبجوار الحدود الكازاخية-الروسية، ووُجد دير بوذي عظيم في سيمية (سيميبالاتينسك)، بينما وجدت آثار دير آخر في أبليكيت، بالقرب من أوسكيمين (أوست كيمينوغورسك). وبشرقي ألماتي على امتداد القسم الشمالي لجبال زايليسكي ألا تاو، التي تفصل كازاخستان عن بحيرة إيسيك كول، ووجدت أديرة بوذية على الحدود الصينية الحالية، ولا تزال هناك بعض الآثار في تلغار بالقرب من ألماتي، وفي سومبه الواقعة في منطقة نارينكول على الحدود.

[8] بني آخر الأديرة، وهو دير خشبي، في ميديو بالقرب من ألماتي، وذلك في بداية القرن التاسع عشر
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://elswesry22.yoo7.com/
بقايا جروح
مشرف المنتدي الأدبيمشرف المنتدي الأدبي
بقايا جروح


انثى
ســآعـتي :
التسجيل : 10/01/2010
المساهمات : 7226
عدد النقاط : 11523
المزاج : كل شي عن البوذيين  .. مميز. Qatary22
المهنة : كل شي عن البوذيين  .. مميز. Studen10
الهوايه : كل شي عن البوذيين  .. مميز. Travel10
الدولة : كل شي عن البوذيين  .. مميز. Female16
الأوسمة : كل شي عن البوذيين  .. مميز. 3h210
التميز : كل شي عن البوذيين  .. مميز. 1510

كل شي عن البوذيين  .. مميز. Empty
مُساهمةموضوع: رد: كل شي عن البوذيين .. مميز.   كل شي عن البوذيين  .. مميز. I_icon_minitimeالسبت 28 يناير 2012, 4:34 pm

لمحة تاريخية موجزة عن البوذيَّة والإسلام
في تركستان الشرقية


خوتان والحافة الجنوبية لصحراء تكلمكان


تمتاز تركستان الشرقية (شينجيانغ) بتاريخ طويل للبوذية على امتداد الحافة الجنوبية لصحراء تكلمكان، فقد جاء البوذيُّون إلى خوتان من الهند مع القرن الأول قبل الميلاد، وأهل خوتان كانوا إيرانيِّين، ومع ظهور الماهايانية خلال القرون الأخيرة في الهند أصبحت خوتان مركز البوذيَّة الماهايانية.

وفي القرن الأول الميلادي تقريبًا أتى البوذيُّون من غندهارا (باكستان) وكشمير إلى كاشغار، وأتوا أيضًا من غانداهارا وكشمير وخوتان إلى شعب الكروريانا الهندي-أوربي، القريب من لوب نور في شرق خوتان، وبذا تركت كروريانا مهجورة في الصحراء في القرن الرابع، وانضم غالبية شعبها إلى خوتان.

التخاريُّون والحافة الشمالية لصحراء تكلمكان

على امتداد الحافة الشمالية للصحراء أحضر الشعب التخاري البوذية إلى كوتشا وتورفان في القرن الثاني الميلادي، وكان التخاريُّون منحدرين من اليويجيِّين، ذلك الشعب القوقازي الذي تكلم لغة الهند-أوربية الغربية القديمة، ومثلوا أقصى هجرة إلى الشرق لسلالة القوقاز، وبناءً على بعض المصادر فإن فرقة من اليويجيِّين هاجرت إلى ما يعرف في الوقت الحالي بكازاخستان، وحلوا بشكل نهائي فيما يعرف اليوم بأفغانستان وطاجيكستان. وعرفوا هناك أيضًا بالتخاريين، وتكيفوا مع مذهب السارفاستيفادا للبوذيَّة الهينايانية. كما اتبع تخاريُّو االكوتشا والتورفان كذلك السارفاستيفادا.

وبالرغم من أن معظم الأويغوريِّين هم أتراك الأصل، وقد أتوا من منطقة ألطاي جبال التابعة ليوفا، شمال منغوليا الغربي، فقد سكنت مجموعة قليلة منهم تورفان منذ القرن الرابع، واتبعوا البوذيَّة التخاريِّة.

المستوطنون الصينيون والصغديون

كان للصينيين مراكز عسكرية في هذه الواحات التي مثلت ولايات مستقلة منذ القرن الأول قبل الميلاد حتى القرن الثاني الميلادي. ولكن هذا كان قبل ظهور البوذية في الصين. فتأثير البوذية الصينية جاء في القرون التالية، بعد مجيء التجار الصينيين الرُّحَّل المتنقلين والساكنين على امتداد هذين الفرعين على الطريق الحريرية، قطن التجار السصغديون البوذيون القادمون من أوزبكستان أيضًا في مدن الواحات تلك، خصوصًا على امتداد الطريق الشمالية، وتأثروا بتطور البوذية. حالهم في ذلك حال الخوتانسيين الصغدين إيرانيي الموطن.

حلقة الوصل التبتيية

حكم التبتيون كل منطقة إمارات الواحات في تركستان الشرقية ما عدا كاشغار وياركاند، كما حكموا معظم غانسو وشرق قرغيزخان، ومن بداية القرن السابع حتى منتصف القرن التاسع، مع انقطاع في المنتصف عندما احتلَّهم الصينيون، وقد أثبت علم الحفريات تأثيرًا بسيطًا فقط على المنطقة من قبل التبتيين، ولكن هناك حاجة لتحرٍّ إضافي للتأكد من ذلك، ومن الجهة الأخرى فإن التبتيين استعاروا أعمال عظيمة من خوتان -خاصة الحروف الهجائية وأسلوب ترجمة المصطلحات البوذية، ولقد عُني بخط اليد الخوتانى، وتعلمه تونمي سامبوتا في كشمير وتبناه للكتابة التبتية. والكتابة الخوتانية اشتقت من الكتابة الهندية، ولكنها مثل الكتابة التبتية تستخدم حروف ?"أ" تشونغ لوصف أصوات حروف العلة أو حروف المد السنسكريتية الطويلة ورسمها، وتضع حروف العلة الخاصة بها في نهاية ترتيبها الهجائي.

الأويغوريُّون

في وسط القرن التاسع، وفي الوقت نفسه الذي ترك فيه التبتيون تركستان الشرقية من بعد حكم لانغدارما، سافر معظم فرع ألتاي المنحدر من الأويغوريِّين الذين كانوا يحكمون منغوليا طوال المئة والخمسين عامًا الماضية إلى تورفان، بعد أن فقدوا منغوليا باجتياح فرع ألتاي المنحدر من قرغيز. وبحلولهم في تورفان، ووجدوا مملكة قوتشو التي حكمت كامل الحافة الشمالية للصحراء كلها، من الكوتشا حتى هامي، والقسم الشرقي للحافة الجنوبية، حول لوب نور. الأويغوريُّون المنغوليون المعروفون اليوم باسم الخليعين انخلعوا من الديانة المانوية واتبعوا البوذية الخاصة بأقرباء تورفان. ومع ذلك فإن بعض العلماء يؤمنون بأنه بعض الأويغوريِّين قد كانوا في السابق بوذيين قبل ترك المنغوليا؛ وذلك نتيجة لعلاقتهم بالتجار البوذيين الصغديين، وبسبب التأثر بالأتراك البوذيين الذين حكموا منغوليا من قَبلهم.

القراخانيُّون

بعد أن ترك التبتيون تركستان الشرقية في منتصف القرن التاسع أصبحت خوتان مستقلة، وبقت على بوذيتها. أنشأ الأتراك المحليون المتواجدون حول كاشغار مملكة القراخانية، التي اكتنفت وأحاطت كاشغار، وكذلك الحال بالنسبة لقرغيزستان وكازاخستان الشرقية. بعض العلماء يؤمنون بأن هؤلاء الأتراك كانوا من فرع آخر من الأويغوريِّين للمغول، الذين هاجروا هناك أيضًا، ولمدة قرن اتبع القراخانيُّون خليطًا من البوذية الكاشغارية والشامانية.

القراخانيُّون كانوا أول من دخل الإسلام، وهذا كان عند نهاية القرن العاشر، وبعد فترة طويلة من الحرب حققوا الانتصار على خوتان في منتصف القرن الثاني عشر، وتحولوا إلى للإسلام. حاربت القوات التبتية في صف بوذيي خوتان خلال هذه الحروب. ومع ذلك فإن أويغوريِّي قوتشو استمروا في اتباع البوذية، وخلال حكم جنكيز خان علم الأويغوريون المنغوليين أسلوب الكتابة التي كانوا تعلموها من الصغديين، وأصبحوا أيضا أول من عرفهم بالبوذية. وعندما اتبع المنغوليون البوذية في التبت فإن الأويغوريين اتبعوها أيضًا. وقد جاء الإسلام إلى الأويغوريّين منذ القرن الرابع عشر حتى القرن السابع عشر، وانتشروا تدريجيًّا وببطء من الغرب حتى الشرق.

المنغوليون الجونغاريُّون والكالميكيُّون

حافظ المنغول الجنغاريون على البوذية التبتية في القسم الشمالي من تركستان الشرقية والقسم الشرقي من كازاخستان منذ أواخر القرن السادس عشر حتى هزمهم المنشوريون، وكادوا يقضون عليهم عن آخرهم في منتصف القرن الثامن عشر. وفي بداية القرن السابع عشر انفصل المنغول الكالميكيون عن المنغول الجنغاريين لينتقلوا إلى منطقة الفولغا في روسيا الأوربية، وعاد جزء من الكالميكيين إلى القسم الشمالي من تركستان الشرقية في نهاية القرن الثامن عشر، وعاشوا هناك بعد دلا إله إلا الله محمد رسول الله تركستان في البوذيَّة التبتية، وقبل التدفق السابق لمهاجري الهان والهوي الصينيين، ومع كل ذلك فالأغلبية العظمى لسكان تركستان الشرقية تألفت من الأويغوريِّين المسلمين
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://elswesry22.yoo7.com/
بقايا جروح
مشرف المنتدي الأدبيمشرف المنتدي الأدبي
بقايا جروح


انثى
ســآعـتي :
التسجيل : 10/01/2010
المساهمات : 7226
عدد النقاط : 11523
المزاج : كل شي عن البوذيين  .. مميز. Qatary22
المهنة : كل شي عن البوذيين  .. مميز. Studen10
الهوايه : كل شي عن البوذيين  .. مميز. Travel10
الدولة : كل شي عن البوذيين  .. مميز. Female16
الأوسمة : كل شي عن البوذيين  .. مميز. 3h210
التميز : كل شي عن البوذيين  .. مميز. 1510

كل شي عن البوذيين  .. مميز. Empty
مُساهمةموضوع: رد: كل شي عن البوذيين .. مميز.   كل شي عن البوذيين  .. مميز. I_icon_minitimeالسبت 28 يناير 2012, 4:36 pm

البوذيَّة بين الشُّعوب التركيَّة


كان لبعض شعوب العالم التي اعتنقت الإسلام خلفيَّة بوذيَّة، وخاصَّة عند الأتراك والأفغان والباكستانيِّين والأندونيسيِّين والماليزيِّين. وهذه نبذة عن كيفية انتشار البوذية بين الأتراك.

الشَّاهيُّون الأتراك

كان الشاهيون الأتراك أوَّل فئة تركية اعتنقت البوذية، وقد حكموا شمال غرب الهند منذ منتصف القرن الثالث حتى بداية القرن الرَّابع للميلاد، وانتقلوا عندئذ غربًا ليحكموا وسط أفغانستان الحاليَّة، ثم في النهاية انتقلوا إلى باكستان الوسطى والشمالية حتى منتصف القرن التاسع، وقد ورثوا ديانة هي مزيجٌ من بوذيَّة الهينايانا والماهايانا التي اعتنقها أسلافهم من تلك المناطق -وهم الكوشانيُّون والهُون البِيض- وكانوا رعاة نشطاء للمراكز الرَّهبانية الكبيرة التي أُسِّسَت هناك في الماضي، وكان الشَّاهيُّون الأتراك حلفاء موالين للإمبراطوريَّة التِّبتية في أواخر القرن الثامن وبداية القرن التّاسع، وكان لهم تأثير في ازدهار البوذيَّة هناك.

الأتراك الشَّرقيُّون والغربيُّون

تعتبر المجموعة الرئيسة التالية التي اعتنقت البوذية هي مجموعة الأتراك الأوائل، وهم الذين منحوا اسمهم للشعوب التركيَّة، واستمرَّ حكم الإمبراطورية التركية الشرقية لمنغوليا منذ نهاية القرن السادس حتى أواسط القرن الثَّامن، وقد ترجم معلمون من الهند ومن وسط آسيا والصين - تحت سيادة الإمبراطورية التركية الشرقية - الكتابات البوذيَّة إلى اللغة التركية القديمة، وكثير من المصطلحات البوذية التركية القديمة انتشرت في آسيا الوسطى، واستعارها بعد ذلك الأويغوريُّون والمغول، كما أدخل التُّرك إلى تيَّارهم البوذي تقليدَ تبجيل الآلهة التركية التقليدية القديمة أو "التنغري"، بالإضافة إلى الآلهة الزرداشتية، التي عرفوها عن طريق شعوب وسط آسيويَّة أخرى. وورث الأويغوريُّون والمغول هذه الميزة الانتقائيَّة واستمروا بالحفاظ عليها، وفي بداية القرن الثَّامن تزوَّجت إحدى أميرات العائلة الملكيَّة التركية الشرقية إمبراطور التبت، وتولت مسئولية دعوة عدة رهبان بوذيين من خوتان في جنوب تركستان الشرقية إلى التبت.

وكانت الإمبراطورية التركية الغربية راعية مهمة للبوذية منذ بداية القرن السابع حتى بداية القرن الثامن، وقد شيد حكامها معابد جديدة في أوزبكستان، كما تولى أحد فروع الأتراك الغربيين - وهي القبائل الترغيشية - مسئولية نشر البوذية في قرغيزستان وجنوب شرق كازاخستان، وذلك أثناء الشطر الأخير من القرن السابع عشر وبداية القرن الثامن عشر. وكانت قبائل الترغيشيين محالفة للإمبراطورية التبتية.

وقد استبدل الترغيشيين في بداية القرن الثامن في كل من قرغيزستان وقازاخستان بالقارلوق - وهي قبيلة الأتراك الشرقيين التي اعتنقت البوذية وتحالفت مع التبتيين - وأسَّس أحد فروع القارلوق - وهم القراخانيون - مملكة في قرغيزستان الشرقية ومنطقة كاشغار في جنوب غرب تركستان الشرقية، وذلك في منتصف القرن التاسع. واتبع القراخانيون ديانة مركَّبة من البوذية الكشغارية وديانتهم الشامانية المحلية مدة مائة سنة.

الأويغوريون

ومع ذلك فإن أهم التيارات البوذية التركية هو الذي تبناه أويغوريو تركستان الشرقية (شينجيانغ). فقد تبنى هؤلاء بعد هجرتهم من منغوليا إلى منطقة تورفان التابعة لشمال شرق شينجيانغ الحالية في القرن التاسع تيارًا بوذيًّا، كان مزيجًا من عناصر تعود إلى عقائد جالية التجار الصغدية من أوزبكستان الحالية، وتخاريو تورفان وتجار المنطقة الصينيين. وانتشر هذا التيار في أرجاء مملكة قوتشو الأويغورية على امتداد شينجيانغ الحالية، ولم ينتشر في مناطق كاشغار وخوتان في جنوب الغرب.

وقام الأويغوريون بدورهم في نقل منهجهم البوذي، بالإضافة إلى حروفهم الأبجدية ومهاراتهم الإدارية، إلى المغول في بداية القرن الثالث عشر في عهد جنكيز خان، وخلال الشطر الأخير من القرن الثالث عشر غيَّر الأويغوريون أساليب طقوسهم، وتبنوا التيار البوذي التبتي مثلما فعل حلفاؤهم المغول، وقد ترجم الأويغوريون عددًا كبيرًا من النصوص البوذية من اللغات السنسكريتية والصغدية والتخارية والصينية والتبتية إلى لغتهم التركية، وقد كانوا أيضًا روادًا في ترجمة الكتابات البوذية إلى المغولية، وقد تبنى المغول أساليب ترجمتهم التي احتفظت بالمصطلحات السنسكريتية التقنية، واستمرت البوذية في أوساط الأويغوريين حتى القرن السابع عشر تقريبًا.

اتبعَ البوذيةَ أيضًا ثلاثةُ فروع أويغورية، هاجر أبناء أحد الفروع من منغوليا في منتصف القرن التاسع متجهين نحو وادي نهر تشو في شمال غرب قرغيزستان، واتبعوا التيار البوذي الذي كان متبعًا هناك تحت رعاية القارلوق، وأتراك الترغيشيين من قَبلهم، بينما هاجرت مجموعة أخرى آنذاك إلى المنطقة الكاشغارية في تركستان الشرقية، واتبعت التقاليد البوذية الكاشغارية التي تبناها أيضًا الأتراك القراخانيون، الذين بدءوا حكم المنطقة بعد ذلك بقرن. وتألفت المجموعة الثالثة من اليوغوريين الصفر الذين هاجروا أيضًا من منغوليا في منتصف القرن التاسع إلى مقاطعة قانسو الوسطى الصينية المعاصرة، التي حكمتها الإمبراطورية التبتية في تلك الفترة. وبالرغم من قلة عددهم فلا يزال اليوغوريون الصفر يتبعون التيار البوذي التبتي حتى اليوم.

توفا

المجموعة التركية الأخيرة التي تبنت البوذية كانت شعب توفا - الذين يقطنون في سيبيريا المعاصرة - بشمال منغوليا الغربية، ولا يزالون يتبعون التيار البوذي التبتي المرتبط بالفرع المغولي منذ القرن الثامن عشر.

[للاطّلاع على البحث التّفصيليّ، انظر الي: التفاعل التاريخي بين الثقافتين البوذية والإسلامية قبل الإمبراطورية المنغولية
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://elswesry22.yoo7.com/
بقايا جروح
مشرف المنتدي الأدبيمشرف المنتدي الأدبي
بقايا جروح


انثى
ســآعـتي :
التسجيل : 10/01/2010
المساهمات : 7226
عدد النقاط : 11523
المزاج : كل شي عن البوذيين  .. مميز. Qatary22
المهنة : كل شي عن البوذيين  .. مميز. Studen10
الهوايه : كل شي عن البوذيين  .. مميز. Travel10
الدولة : كل شي عن البوذيين  .. مميز. Female16
الأوسمة : كل شي عن البوذيين  .. مميز. 3h210
التميز : كل شي عن البوذيين  .. مميز. 1510

كل شي عن البوذيين  .. مميز. Empty
مُساهمةموضوع: رد: كل شي عن البوذيين .. مميز.   كل شي عن البوذيين  .. مميز. I_icon_minitimeالسبت 28 يناير 2012, 4:59 pm

مسح للتاريخ التبتي

1 إمبراطورية ملوك التبت الأوائل

ملوك اليارلونغ الأوائل


كما ذكرت القصص الشعبية وَصَل أول ملك من سلالة اليارلونغ إلى التبت الوسطى من وسط مملكة الهند الشمالية في ماجادا، وكان يُدعى نياتري تسينبو، ويُعتقَد أنه نزل من السماء. [يبدأ التقويم التبتي العَدَّ من "السنوات الملكية التبتية" منذ هذا التاريخ، 127 ق.م.] ويُعتقد أنه مع الملوك الستة الذين خَلَفوه قد عادوا إلى السماء، مُستعينين بـ"حبل سماوي" لدى موتهم، وذلك أنهم لم يُدفَنوا في قبور. ولكن من عهد الملك اليارلونغي الثامن دريغوم تسينبو والقبور موجودة، وبالتالي وبطريقةٍ ما يبدأ التاريخ التبتي.

كان تشاتري تسينبو خليفة دريغوم تسينبو - وكان يُدعَى أيضًا بوديكونغييل، وهو الملك العاشر في سلالة الملوك هذه - ملكًا مُعاصِرًا لإمبراطور الصين الهاني هان وودي (140 – 85 ق.م)، وقد جلب بوديكونغييل الكثير من التقدُّم المادي إلى التبت؛ حيث يُعرَف عنه تفويضه ببناء القنوات والجسور، وفي ظله اكتُشف الحديد والنحاس الخام في التبت.

وبعد ثمانية عشر جيلاً من الملوك تَلقَّى ملك اليارلونغ الثامن والعشرون لاتوتوري نيينتسين (المولود عام 173 م) [سلة مليئة بـ] نصوص بوذية مقدسة من الهند ومكتوبة بالسنسكريتية، وكانت تُعرَف باسم "اللغزُ العسير". [وكما ذكرت المصادر التاريخية وقعت سَلَّةٌ ما من السماء، وكان فيها السوترا السنسكريتية، التي تُدعى بـ "السوترا على الصفيف تشبه سلةً منسوجةً"، وتتعلَّق بعمل الخير الخاص بشخص بوذا العَطوف تجاه الآخرين، وهو أفالوكيتيشفارا. واحتوت السَّلَّة كذلك على مانترا بستة مقاطعَ لفظية خاصة بأفالوكيتيشفارا، وتُدعى سوترا الخَتْم للتطهير والإحياء التي تتعلق بأساليب ترويض الناغا، وهم أنصاف بشر وأنصاف أفاعٍ. والستوبا، وهي صندوق الذخائر الذهبي. ويُشير "اللغزُ العسير" إلى كل الأغراض الأربعة في السلة.] وحدث ذلك عام 233 م. ولإحياء ذكرى هذا الحدث الهام أُرِّخَت الأوراق النقدية التبتية تبعًا لعدد السنوات التي مَرَّت من حينها.

ويقول البعض إن النصوص السنسكريتية وصلت من ليتيسي والمترجم التوخاري بوديراكشيتا، الذي تنَبَّأ بأن التبتيين سيكونون قادرين على قراءتها بعد أربعة أجيال. [كانت توخاريا مملكة بوذية تقع على طريق الحرير، وتتوسَّط كوتشا وتورفان، على طول الحافة الشمالية لحوض تاريم في مقاطعة شينجيانغ الحالية في الصين بشمال التبت، وكان التوخاريون شعبًا هندو-أوروبيًّا، قدِموا إلى هذه المنطقة أصلاً من الإمبراطورية الرومانية، وأخذوا البوذية من الهند، وكانوا مُؤثِّرين في ترجمة النصوص إلى الصينية والتركية القديمة.]

ويُفترَض إذًا أن تري ديسونغتسين، المشهور أكثر بـ: سونغتسين غامبو، وهو ملك اليارلونغ الثاني والثلاثون، وقد تَبوَّأ العرش بعد أربعة أجيال فقط من لاتوتوري نيينتسين. ولكن سونغتسين غامبو وُلدَ عام 617 م، وهو ما يُشير إلى فترات رهيبة الطول للملوك الثلاثة الدخلاء. [وهكذا تقدم مختلف المصادر التبتية التقليدية الأخرى تواريخَ بديلة تعود إلى لاتوتوري نيينتسين، مثل 254 – 373 م و374 – 493 م، مع تسلمه النصوص، الذي حدث إمَّا في 333 م، وإمَّا في 468 م] وبعد مرور سنة واحدة على ولادة سونغتسين غامبو في عام 618 م أَسَّس تانغ غاوزو (حكم من سنة 618 إلى 627 م) السلالة التانغية الحاكمة (618 – 907 م) في الصين.

الإمبراطور سونغتسين-غامبو

تَبوَّأ سونغتسين-غامبو العرش وعمره ثلاث عشرة سنة، ثم أرسل إلى نيبال وزيرًا لترتيب زواجه من الأميرة بركوتي ديفي، وذلك لإنشاء تحالف معها، وعندما قَدِمَت إلى التبت للزواج جلبَت معها تمثالَ أكشوبيا لشخص بوذا.

إنَّ زمن إرسال سونغتسين-غامبو لوزيره تونمي سامبوتا لتعلُّم السنسكريتية غير واضح. إلا أنه درس في كشمير على يد المعلميْنِ ليبيكارا وديفافيدياسيمها، وعندما عاد تونمي سامبوتا إلى التبت طَوَّر نص لكتابة اللغة التبتية، اعتمادًا على النصيْنِ: البرهمي الهندي والجوبتي، ثم ترجم نصوص اللغز العسير إلى التبتية.

[حسب أ.ف. رودولف هورنلي (A. F. Rudolf Hoernle) (بقايا مخطوطة الأدبيات البوذية التي عُثر عليها في تركستان الشرقية); (Manuscript Remains of Buddhist Literature Found in Eastern Turkistan) طُوِّر النص التبتي أساسًا من الترجمة الخوتانية لنص الجوبتا العمودية الهندية، ويُستدلُّ على ذلك من النصوص التبتية والخوتانية التي تُوظِّف أساليب للإشارة إلى حروف العِلَّة الأولية والطويلة، وترتيب حروف العلة حسب ترتيب حروفها الأبجدية. وتختلف هذه الأساليب بشكل كبير عن تلك المُستخدمة في النصوص الأخرى المأخوذة عن الهندية.

كانت خوتان مملكة هندية تقع على طريق الحرير على طول الحافة الشمالية الغربية لحوض تاريم، شمالَ التبت الغربية، وكان شعبُها ينحدر من أصولٍ إيرانية، وكان مصدر نموذجها الخاص بالبوذية هو الهند، وقد امتدَّ ممرٌّ تجاري من خوتان إلى التبت عبر كشمير، ولذلك - كما يؤكد أ.هـ. فرانكي (A. H. Francke) ("الأبجدية التبتية"; ((“The Tibetan Alphabet,” Epigraphia India، المجلد 11) - ليس من المستبعد أن يكون تونمي سامبوتا قد التقى معلمًا خوتانيًّا في كشمير ودرَسَ معه.

ويُترجَم "لي-بيين"، وهو الاسم التبتي للمعلم ليبيكارا، إلى: "صانع النصوص" أو: "مانح النصوص". ويُعتقَد أنه كان برهميًّا من جنوب الهند، غير أنَّ المقطع اللفظي الأول من اسمه التبتي قد يُشير إلى هذا الأصل الخوتاني؛ لأن "لي" هو الاسم التبتي لـ"خوتان". وهكذا يمكن لـ"لي-بيين" أن تعني: "(مانح) النصوص من خوتان". ولكن يمكن أن تكون "لي" كذلك هي النسخ الحرفي للمقطع اللفظي الأول من "ليبيكارا"؛ لأن اللغة البوذية لم تكن تحوي كلمة أصلية تُشير إلى "نص" في ذلك الوقت.

ويؤكد نمكاي نوربو في (قلادة غزي) أن صيغة الرسائل في النص التبتي مُشتقة من الأبجدية الشانغ-شُنغية، التي تُدعى "مارييغ"، وهي المشتقة بدورها من نص هندي. وكانت شانغ-شُنغ مملكة تقع في نغاري، في التبت الغربية يعود تاريخ إلى ما قبل سنوغتسين-غامبو، وكانت منشأ ديانة البون التبتية الأصلية. وتعاقب على حُكمها ثمانية عشر مَلِكًا قَبل حاكم اليارلونغ الأول نياتري تسينبو، وكان على تونمي سامبوتا أن يمر من شانغ-شُنغ ليصل إلى كشمير. و"لي" هو اسم إحدى مقاطعات شانغ-شُنغ كذلك، وقد كان جزءًا من اسم أسرة شانغ-شُنغ الحاكمة. وهكذا يمكن لـ"لي-بيين" أن يعني بالتبادل: "مانح (النصوص) من عائلة شانغ-شُنغ الحاكمة". إذًا من المرجَّح بِشدَّة أن النص التبتي قد تأثَّر بالمصادر الثلاثة جميعها: الهندية والخوتانية والشانغ-شُنغية.

وقد رغبَ سونغتسين-غامبو الآن في عقد معاهدة مشابهة مع الصين، وذلك من خلال الزواج بالأميرة وينتشينغ، وهي ابنة الإمبراطور التانغي تايزونغ (حكم من سنة 627 إلى 650 م). غير أن هذا الترتيب قد أُرجِئ؛ لأن توكيكي حاكم مملكة التويوهون في منطقة كوكونور [في شمال أمدو، وهي مقاطعة شنغهاي الحالية في الصين]، وكان يرغب بالزواج من الأميرة كذلك، وقد حكم التويوهون هذه المنطقة منذ بداية القرن الرابع الميلادي.

وكان سونغتسين-غامبو ينوي بناء إمبراطورية مترامية الأطراف تتجاوز التبت الوسطى، نحو الشمال والشرق أولاً. وقد نشبت الحروب فترةً طويلة أثناء احتلاله قبائل تشيانغ وبايلان ودانغشيان. والآن طَلَب الإمبراطور التبتي سونغتسين-غامبو - بعد أن أصبح حاكمًا على مملكة أكبر من ذي قَبل - من الإمبراطور الصيني تايزونغ مرة أخرى يد ابنته للزواج. وعندما قوبل سونغتسين غامبو بالرفض هاجم إقليم الحدود الصيني لسونجو التي تقع في مقاطعة سيجوان الحالية، وفي نهاية المطاف حصل على الأميرة الصينية عروسًا له عام 641 م، وقد أحضرت معها إلى التبت صورةً أخرى لبوذا.

وقد بنى الإمبراطور التبتي معبديْنِ في مدينة راسا، المعروفة لاحقًا باسم لاسا، لإيواء صورتيْ بوذا اللَّتيْن أحضرتهما الزوجتان النيبالية والصينية. وقد بُنِيَ راموتشي تسوغلاغكانج للتمثال النيبالي، كما بُنِيَ راسا ترولنانج تسوغلاغكانج - الذي دُعيَ لاحقًا جوكانغ - للتمثال الصيني. ولأسباب أمنية تبادَل التمثالانِ مكانهما فيما بعد.

وخلال هذه الفترة وسَّع سونغتسين-غامبو الإمبراطورية التبتية حتى وصل إلى أجزاء من بورما، وفي عام 640 م وصل إلى نيبال كذلك. وكان ذلك منشأ قبائل العائلة التبتية في نيبال: التسانغ واللاما والشيربا والتامانغ. وفي عام 643 م وسَّع الإمبراطور التبتي حدود إمبراطوريته أكثر عندما استسلم ليغمي [المعروف أكثر في التبت باسم لي ميغكيا]، وهو آخر حُكَّام شانغ-شُنغ، ثُمَّ تحولت جانغ-جانغ إلى ولاية تابعة له.

[استشهادًا بالمصادر التبتية التاريخية يذكر نامخاي نوربو (قلادة غزي) أن علاقات سنوغتسين-غامبو الأولية مع شانغ-شُنغ كانت سِلمية. وفي الحقيقة كانت زوجة الحاكم التبتي الأولى هي ابنة الملك لي ميغكيا لي تيغمين؛ حيث زوَّج أخته إلى ملك شانغ-شُنغ مقابل ابنته، وقد أحضرت الأميرة الشانغ-شُنغية معها الكثير من جوانب الثقافة البونية إلى البلاط اليارلونغي. لكن في عام 643 م هاجم سونغتسين-غامبو شانغ-شُنغ واحتلَّها، وقَتل الملك لي ميغكيا.]

ومن خلال الاستفادة من العلاقات الجيدة بين التبت والصين أرسل سونغتسين-غامبو في عام 645 م طلبًا إلى الإمبراطور التانغي؛ حتى يَبنِيَ معبدًا لشخص بوذا في مانجوشجري [في مقاطعة شانجي حاليا] على جبل ووتايشان، وهو الجبل المقدس ذو القمم الخمس.

وفي عام 648 م أرسل الإمبراطور الصيني تايزونغ بعثة نوايا حسَنة إلى الإمبراطور الهندي هارشا (حكم من سنة 606 إلى 647 م). وعند وصول البعثة كان هارشا قد تُوفِّيَ، فخلفه وزيره أرجونا، وكان أرجونا متعصبًا ضد البوذية، وبالتالي قَتل معظم أفراد البعثة الصينية، وفرَّ الناجون إلى نيبال، وطلبوا المساعدة التبتية هناك؛ فغزت الجيوش التبتية أرجونا في بيهار وهزمته. ولكن هذه الهزيمة لم تُسجل في مصادر التاريخ الهندية، وقد تُوفِّي سونغتسين-غامبو بعد ذلك بفترة قصيرة عام 649 م.

الإمبراطور مانغسونغ-مانغتسين

كان مانغسونغ-مانغتسين (حكم من سنة 649 إلى 676 م) هو الإمبراطور التبتي اللاحق، وكان وزيره هو غار تونغتسين-يولسونغ (وقد تُوفِّيَ عام 667 م)، فاحتلت الجيوش التبتية مملكة تويوهون عبر حملات طويلة امتدت من عام 655 حتى عام 666 م [عند هزيمتهم النهائية عام 672 م]، وقد أعاد الكثير من لاجئي التويوهون استيطانهم في منطقة ليانغجو [الواقعة في مقاطعة غرب قانسو الحالية] تحت حماية الصين الهانية.

وقد تقدمت الجيوش التبتية عبر ممر قانسو، فاستولت على المدن المهمَّة من الصين على طول طريق الحرير. وفي عام 668 م بنوا حامية عسكرية في دريماكول [على الحافة الشرقية من حوض تاريم.] وفي السنة التالية دَانَ الكثير من القادة الأتراك الشرقيين في المنطقة بالولاء للإمبراطور التبتي. [كان ذلك خلال الفترة الواقعة بين سقوط الإمبراطورية التركية الأولى (552 – 630 م) وتأسيس الإمبراطورية التركية الشرقية الثانية (682 – 744 م).]

ومع حلول عام 670 م احتلت القوات التبتية الحاميات الأربع كلها الواقعة على حوض تاريم. [كانت حاميات أنشي الأربع تقع في المُدن الرئيسة لممالك الواحات: كوتشا وخوتان وكاشغار، وقراشاهر (المعروفة أيضًا باسم أغني)، بالقرب من الطرف الغربي لحوض تاريم في مقاطعة شينجيانغ الحالية. وقد بَنَتِ الصين التانغية هذه الحاميات العسكرية هناك بين 648 و 658 م.]

[لمزيد من التفاصيل، انظر: التفاعل التاريخي بين الثقافتين البوذية والإسلامية قبل الإمبراطورية المنغولية، الفصل 3].

وقد تصارع الجيشان التبتي والصيني التانغي خلال هذه الفترة، وتلقى الجيش التانغي أسوأ هزيمة في التاريخ التانغي في دافيتشوان [جنوب بحيرة كوكونور في شنغهاي الحالية، وذلك عندما أباد 200000 عسكري تبتي جيش الجنرال التانغي شوي رينغوي المؤلف من 100000 عسكري.] ثم غزا التبتيون الكثير من القرى التانغية في قانسو، لكن المعركة لم تكن حاسمة، فلم تتمكن التبت من احتلال المنطقة كلها.

الإمبراطور تري دوسونغ-مانغجي

تُوفِّي الإمبراطور مانغسونغ-مانغتسين عام 679 م، فخلفه الإمبراطور الرضيع تري دوسونغ-مانغجي، (حكم من سنة 677 إلى 704 م). وفي فترة صبا الإمبراطور استمرَّت قبيلة غار التابعة لوزير مانغسونغ-مانغتسين في التحكم بالسلطة بصفتهم أوصياء. وفي ظلِّ سُلطتهم تابعت الجيوش التبتية محاربة الصينيين التانغيين.

ثم تُوفِّي تري دوسونغ-مانغجي عام 704 في نانجاو [الواقعة في مقاطعة يُنان الحالية في الصين، وقد أسَّست إحدى قبائل الباي، وهي من أوائل شعب التايلاندي، مملكةً صغيرة هناك عام 649 م، ثم احتلتها الجيوش التبتية عام 680 م، ولكن بعد ذلك في عام 703 م تحوَّلت المملكة إلى دولة مهيمنة في ظل الحكم التبتي. وعند توحدها مع عدة ممالك باي صغيرة أخرى في المنطقة تَطوَّرت فأصبحت مملكةً فِعلية تحمل اسم "نانجاو" (737 – 902 م). واعتمدت هذه المنطقة على الطريق التجاري الممتد بين الهند والصين، الذي يمر من شمال بورما. وقبل وصول التبتيين كانت الثريفادا والنماذج المبكرة من البوذية الماهايانية الصينية حاضرةً هناك، وحسَب المصادر التاريخية البوذية نشأت الريفادا في هذه المنطقة من الأبناء الثلاثة للملك أشوكا (حوالي 273 – 232 ق.م) من أسرة موريا الحاكمة في الهند.]

الإمبراطور مي-أغتسوم

كان الإمبراطور تري ديتسوغتين، المعروف كذلك باسم مي-أغتسوم في السابعة من العمر عندما تبوَّأ والده تري دوسونغ-مانغجي العرش الملكي التبتي، وإلى أن يبلغ سن الرشد تصرفت جدته الإمبراطورة دواغير تريما لو بوصفها وَصيَّةً عليه (حكمت من سنة 704 إلى 712 م). وخلال فترة حكم مي-أغتسوم ( حكم من سنة 712 إلى 755 م) بنى ثلاثة معابد غرب لاسا. [وذكرت مصادر تاريخية تبتية أخرى أنه بنى خمسة معابد بوذية دفعة واحدة.]

وفي عام 710 م تزوَّجت أميرة صينية تُدعى جينتشينغ [الابنة المُتبنَاة لإمبراطور التانغ شونجزونج (حكم من سنة 705 إلى 710)] من مي-أغتسوم، وقد حدث ذلك بناءً على طلب تريما لو، الذي وافق عليه إمبراطور التانغ أملاً في تخفيف التوتر بين التبت والصين. ولكن ذلك الهدف لم يتحقق، فلم تكن جينتشينغ سعيدةً في التبت؛ كانت تشعر بالوحدة، وتُعامَلها زوجات مي-أغتسوم الأخريات بسوء نتيجة الغيرة. [كانت جينتشينغ بوذية محافظة، وفي عام 737 م لجأت إلى الرهبان اللاجئين البوذيين الفارين من الاضطهاد الموجَّه إلى البوذيين في خوتان.]

وفي عام 719 م رفع الإمبراطور الصيني شونجزونج (حكم من سنة 713 إلى 756 م) الجهود العسكرية ليحول دون تقدُّم الجيوش العربية والتبتية. وقد تحالفت التبت مع جارها الخليفة الأموي العربي (حكم من سنة 661 إلى 750 م) في أوقات مختلفة، قبل هذه الفترة وخلالها، وأقامت علاقة تجارية معه. [فعلى سبيل المثال، في عام 717 م وَحَّد التبتيون والعرب قواتهم لمحاربة الصينيين في كوتشا، وقد حكمت الإمبراطورية الأموية مع عاصمتها في دمشق الشرق الأوسط كُلَّه تقريبًا، إلى جانب أجزاء من تركستان الغربية.

ولكن، في عام 730 م وَقَّعت التبت مع الصين اتفاقية سلام، فتأسَّست بذلك الحدود بين الإمبراطوريتيْنِ شرق بحيرة كوكونور، واستمر السلام خمس عشرة سنة، وقد سافر الرسُل خلالها بشكل عادي بين العاصمتيْنِ: لاسا وتشانغآن (شيآن الحالية). غير أن القوات التانغية في عام 740 م هاجمت مناطق الثروات الطبيعية، واستعادت السيطرة عليها، على طول الحد الصيني-التبتي.]

وفي عام 741 م أرسلت التبت بعثة إلى الصين لإعلان موت الأميرة جينتشينغ وطلب السلام، لكن الصين رفضت، فأرسلت التبت جيشها إلى المناطق التي تسيطر عليها الصين واستولت على عدة مُدن حدودية [في شنغهاي الحالية ومقاطعات سيتشوان. ولكن، في عام 747 م طَرد الصينيون، تحت قيادة الجنرال الكوري غاو شيانجي، التبتيين من المنطقة.

ورغم هذه المعارك أرسل مي أغتسوم بعثة أخرى إلى البلاط التانغي عام 751 م لمعرفة المزيد عن بوذية الصين الهانية. وفي العام نفسِه نشأت الخلافة العباسية العربية حديثة العهد (750 – 1258 م)، التي حلَّت مكان الخلافة الأموية، وقد هزمت القوات الصينية التانغية عند نهر تالاس، مُنهيةً بذلك توسُّعَ المنطقة الصينية إلى تركستان الغربية.]

وفي عام 755 م اغتالَ مي-أغتسوم وزيرانِ [كانا عضويْنِ في طائفة البون المحافظة الكارهة لكل ما هو أجنبي في البلاط التبتي، الذي عارض اهتمام الإمبراطور بالبوذية، وتوجُّهَه المستمر نحو الصلح مع الصين. وكانت تلك هي السنة نفسها التي اندلع فيها تمرد لوشان في الصين (755 – 763 م)، الذي أطاح بالسلالة التانغية الحاكمة مؤقتًا.]

وأصبح ابن مي-أغتسوم الصغير تري سونغديتسين، (742 – 797 م) إمبراطور التبت التالي.

الإمبراطور تري سونغديتسين

كان تري سونغديتسين مَيَّالاً للبوذية كذلك، وقد لاقى معارضة - مثل والده - من قبَل الكثير من وزرائه المحافظين الكارهين لكل ما هو أجنبي، الذين فضلوا الديانة البوذية. وفي [عام 761 م] أرسل وزيرَه [سيلنانغ] إلى نيبال [ومنها إلى الهند] لدعوة المعلم البوذي شانتاراكشيتا، [رئيس دير نالاندا، وهو أكثر المراكز التعليمية تقديرًا في شمال الهند.] ويُفترض أن وصول المعلم الهندي وتعليمه في التبت لم يُعجِب الأرواح البونية المحلية، ممَّا أدَّى إلى حدوث الكثير من العواصف والفيضانات. [ووفق مصادر أخرى فقد تفشَّى وباء الجدري كذلك، واشتدَّ ضغط الوزراء المؤيدين للبونية والكارهين لكل ما هو أجنبي على الملك]، فقد أرجعوا السبب إلى شانتاراكشيتا [لوقوع الكوارث] و[طُرِد من التبت، ولكنه قبل مغادرة الهند اقترح على الإمبراطور أن يدعو المعلم البوذي القوي باداماسامبافا] من أوديانا، [الواقعة في وادي سوات الحالي في شمال غرب باكستان] لترويض الأرواح البونية، وفعل سونغديتسين ذلك، ودعا شانتاراكشيتا إلى العودة كذلك [من جديد، وقاد سيلنانغ البعثة التبتية لمرافقة المعلم الهندي.]

وبنى الإمبراطور تري سونغديتسين الدير الأول في التبت. [وكما ذكرت معظم المصادر فقد بدأ البناء عام 766 م وانتهى عام 775 م.] وأُطلقَ عليه اسم سمياي، وصُمِّم على طراز أودانتابوري [الدير الهندي الجديد الذي بُنيَ قبل بضع سنوات تحت رعاية الإمبراطور غوبالا (حكم من سنة 750 إلى 770 م)، وهو مؤسس سلالة بالا الحاكمة في الهند.

وقبل اكتمال بناء سمياي غادر باداماسامبافا التبت، وقبل أن يغادر أَخْفَى نصوصًا مختلفة، تتعلَّق بالنظام التأمُّلي المتقدِّم الذي يُدعى "دزوغتشين" في جدران الدير؛ فقد شعر باداماسامبافا أن التبتيين لم يكونوا على درجة من الثقافة تمكنهم مِن فَهم هذه النصوص في هذا الوقت، وهكذا أُخْفِيَ كـ"نصوص ثمينة"، وسيُكشَف عنها لاحقًا عندما يكون التبتيون جاهزين لفهمها وممارستها بالشكل الصحيح.]

وكما ذكرت بعض المصادر التاريخية التبتية أطلق الإمبراطور تري سونغديتسين حملةً ضد الباتا هور في منطقة بحيرة بايكال؛ من أجل إحضار الحامي بيهار إلى التبت. [تُشير الباتا هور إلى الأتراك الأويغوريين في إمبراطورية الأويغور أورخون (745 – 840 م)، وضمت تلك الإمبراطورية منغوليا ومنطقة بحيرة بايكال في جنوب سيبيريا وشمال منغوليا، أما بيهار فتُشير إلى مجموعة مُؤلَّفة من خمس أرواحٍ حامية، تُعرَف باسم الملوك الخمسة بتجلياتهم الجسدية، أو إلى أحدهم فقط، وهو ملك التأثير المستنير. فمن خلال قواه الخاصة تنبَّأ باداماسامبافا بأن بيهار ستكون الحامي الروحي المناسب للتبت. وكان الباتا هور حُرَّاس قناع الجلد الشيطاني راكشا، وهو تمثالٌ فيروزي لِتارا شخص بوذا الأنثوي، وتمثال أم اللآلئ، الذي يعبر عن شخص بوذا الذكر أفالوكيتيشارا، وكانت هذه الثلاثة قاعدة جسدية ومستَقرًّا للإرسال في طلب بيهار. ووفق مصادر تاريخية تبتية أخرى فقد كان ابن تري سونغديتسين وخليفته الإمبراطور موني-تسينبو (حكم من سنة 797 إلى 800 م) هما مَن أوفدا البعثة إلى باتا هور.] واستولى التبتيون على هذه الأغراض الثلاثة، وأحضروها معهم إلى التبت، ووضعوها في سمياي.

[واستطاع باداماسامبافا ترويض بيهار وإلزامه بعهدٍ قطعه على نفسه لحماية التبت. وبعد ذلك أصبح سمياي يُعرف باسم نيتشين، أي "المكان العظيم". وفي زمن الدالاي لاما الثالث سونام-غياتسو (1543 – 1588 م) بدأ بيهار بالظهور بوصفه عَرَّافًا يتحدث من خلال وسيط. أما الدالاي لاما الخامس نغاوانغ-لوزانغ-غياتسو (1617 – 1682 م) فقد عينَ بيهار عرَّافَ الدولة للحكومة التبتية حديثة التأسيس، وأعطى أمره ببناء دير جديد، وهو نيتشُنغ، أي المكان الصغير، باعتباره كرسي العراف. وقد تم الانتهاء من بناء الدير لبيهار عام 1683 م، وبالتالي أصبح بيهار مشهورًا بين الناس باسم "عراف النيتشُنغ".]

وقد سكنَ ديرَ سمياي في البداية الرهبانُ التبتيون الأصليون السبعة الأوائل، الذين أسَّسوا مدرسة هناك لتعلم السنسكريتية والترجمة. [وقد أكمل شانتاراكشيتا وتلاميذه الهنود الذين رافقوه إلى التبت سيامتهم رُهبانًا، وترجمَ الباحثون في سمياي نصوصًا بوذية من السنسكريتية والصينية إلى التبتية، في حين ترجمَ آخرون نصوصًا بونية إلى التبتية من اللغة الشانغ-شُنغية.

وتوفي شانتاراكشيتا في سمياي عام 783 م، وفي السنة نفسها أنشأ الإمبراطور تري سونغديتسين مجلسًا دينيًّا للبت في جميع الشئون الدينية، وقد عينَ خليفة شانتاراكشيتا، وهو سيلنانغ، ليكون رئيسًا لدير سمياي، وبصفته رئيس وزراء المجلس قاد سيلنانغ الطائفة المؤيدة للهنود في التبت، ومن أجل أن يضمن الاتجاه الذي ستتطور فيه التبت أثَّر على الإمبراطور؛ بحيث يعطي الصلاحية للمجلس بأن يُبطل أية قرارات يتخذها وزراءُ آخرون.

وفي عام 784 م اتخذ المجلس أولى خطواته بطرد طائفة البون المحافظة الكارهة لكل ما هو أجنبي من البلاط الملكي إلى جيلجيت (شمال باكستان الحالية) ونانجاو. وأسوةً ببادماسابافا فقد أخفى الوزير البوني درينبا-نامكا كذلك نصوصًا بونية مختلفة في جدران دير سمياي الطينية لحمايتها.]

مناظرة سمياي

قبل وفاة شانتاراكشيتا تنبَّأ بنشوب صراعٍ بين مدرستَيِ البوذية: المدرسة الشانية الصينية التي تُعلِّم التنوير الفوري من خلال وقْف كل تفكير ونشاط، وبين المدرسة الهندية التي تنادي بالطريق التدريجي للدراسة والبحث والانضباط الأخلاقي. وقد أصدر تعليماته بأن يُدعَى تلميذه كامالاشيلا، لتمثيل النظام الهندي. ونشب صراعٌ طويل الأمد بين المدرستيْن في سمياي من 792 حتى 794 م. ودافع عن النظام الصيني رهبانٌ صينيون يُدعَوْن "هوشانغ" [هوشانغ هي كلمة صينية تعني "راهب"]، ودافع عن النظام الهندي كامالاشيلا، وفازت المدرسة الهندية في النهاية، وبالتالي أعلنها تري سونغديتسين ديانةً رسمية للتبت.

ولعل نتيجة المناظرة قد تأثرت بالأحداث السياسية؛ حيث كانت هناك نزاعات مستمرَّة على الحدود مع الصين في النصف الثاني من القرن الثامن. [يُشير هوف ريتشاردسون (Hugh Richardson) في "الأوجه السياسية لسنغا-دار، الانتشار الأول للبوذية في التبت"؛ "Political Aspects of the Snga-dar, the First Diffusion of Buddhism in Tibet,” Bulletin of the Department of Sanskrit and Indian Studies, Harvard University, المجلد 2، العدد 3] وللدلالة على النضال السياسي وراء المناظرة فإن الرهبان القادمين من العائلة النبيلة التبتية المنافِسة كانوا مؤيدين للصين، وقد كان الجو المناهض للصين حاضرًا أثناء النقاش.]

وفي عام 763 م [بين طرد شانتاراكشيتا من التبت وعودته إليها بعد بضع سنوات] تمكَّن الجيش التبتي من الاستيلاء على تشانغآن العاصمة التانغية، وجعلوها في قبضتهم خمسة عشر يومًا قبل إجبارهم على الانسحاب. [حدث ذلك خلال الفترة الهادئة بين القمع الصيني لتمرد آن لوشان وعودة الإمبراطور التانغي الجديد دايزونغ من لوويانغ إلى تشانغآن.

غير أن القتال بين التبتيين والصينيين لم يتوقَّف، وفي عام 781 م - وهو العام الذي تُوفِّيَ فيه شانتاراكشيتا - استولت القوات التبتية على دونهوانغ في أقصى شمال حوض تاريم، وتَحوَّل مبنى دير الكهف الكبير هناك إلى مركز لترجمة النصوص البوذية من الصينية إلى التبتية. وجاءت الدجوغتشين وشكل تبتي من التشان البوذية لتزدهر هنا.]

وقد أرست معاهدة سلام تشينغشوي في عام 783 م [وهو العام الذي تُوفِّي فيه شانتاراكشيتا] الحدود بين الصين والتبتيين في أمدو [شنغهاي الحالية]، مما منح التبت السلطة على مناطق الكوكونور، ولكن السلام بين الإمبراطوريتيْنِ لم يستمرَّ أكثر من ثلاث سنوات؛ حيث اندلعت الحرب من جديد في المنطقة عام 786 م قبل ستِّ سنوات من مناظرة سمياي.

لم تكن النزاعات الصينية-التبتية محصورةً على حدود الأمدو ومناطق طريق الحرير. [دخلت التبت في تحالفات عسكرية مختلفة في ظل حُكم الإمبراطور تري سونغديتسنين، خاصَّةً مع الملك كولوفينغ، وهو ابن الملك بيلاوكو ملك سيام.] وكان الملك بيلاوكو (حكم من سنة 728 إلى 750 م) حاكمَ نانجو، وهي المملكة التايلاندية الأولى في يُنان، التي كوَّنَها من توحيد ولايات الباي عام 730 م. وقد وافق بيلاوكو على الهيمنة الصينية التانغية عام 735 م، وهاجمَ المناطق التبتية المجاورة عام 745 م. ولكن ابنه وخليفته الملك كولوفينغ (حكم من سنة 750 إلى 779 م) تمرَّدَ على الصين، وتحالَفَ مع التبت عام 750 م. وفي عام 778 حاربَت التبت ونانجاو الصينيين معًا في سيتشوان، واستمرَّ هذا التحالف حتى 786 م [عندما تحالف حاكم نانجاو التالي الملك إيموشون (حكم من سنة 779 إلى 808 م) مرة أخرى مع الصين، فاندلعت الحرب من جديد بين الصين والتبت. وهكذا نشبت الحرب بين الصين والتبت على جبهتيْنِ هذه المرة، وقد استمرَّت مملكة نانجاو حتى عام 902 م.]

وفي عام 790 م [قبل سنتيْنِ من مناظرة سمياي] استولت التبت مرة أخرى على حاميات أنغي الأربع، التي خسرتها عام 692 م لصالح الصين في ظلِّ حُكم الإمبراطورة وو (حكمت من سنة 684 إلى 705 م). [من خلال إعلان نفسها مايترييا، أي بوذا المستقبل، وقادت الإمبراطورة وو انقلابًا مؤقتًا أطاحت من خلاله بالسلالة التانغية الحاكمة. وعلى وجه الخصوص استولت التبت مرة أخرى على خوتان عام 790 م، فحصلت بذلك على السلطة على أفرع حوض تاريم الجنوبي كلها من طريق الحرير، ورغم أن التبت كانت تُسيطر على كاشغار في ذلك الوقت، إلا أنهم لم يحكموا حاميتيْ أنفي الأخريَيْنِ.]

وتابعت التبت هجماتها بشكل متواصل نحو الغرب من 785 – 805 م [كان التبتيون في ذلك الوقت متحالفين مع الأتراك القارلوق والشاهيين الأتراك في مواجهة العرب العباسيين، وعاش القارلوق في قرغيزستان الحالية، ثُمَّ أسَّسوا الإمبراطورية القراخانية (840 – 1137 م)، التي يقع مركزها هناك. وقد حكم الشاهيون الأتراك وادي كابول وجنوب شرق أفغانستان الحالية من منتصف القرن الخامس حتى عام 870 م، فقد كانت مملكتهم دولة تابعة للتبتيين في ذلك الوقت.]

وعبر الجيش التبتي جبال بامير، ووصل حتى نهر جيحون [يُدعى حاليًا: نهر أمور داريا، ويجري من جبال بامير على طول حدود طاجيكستان وأفغانستان، مرورًا بأوزباكستان، ووصولاً إلى بحر آرال.] وللتأكد من تقدمهم كَوَّن الخليفة العباسي هارون الرشيد (حكم من سنة 786 إلى 809 م) تحالفًا مع الصين، وامتد تقدم التبتيين في تركستان الغربية حتى وصل إلى إحدى البحيرات شمالَ نهر جيحون، واسمها "التوبات"، وبالتبتية: "البحيرة الصغيرة". [كانت " التوبات" هي الاسم العربي للتبت.

وهكذا، وفي أثناء مُناظرة سمياي، كانت التبت والصين تتحاربان، ليس على جبهتيْنِ فقط، بل على ثلاث جبهات، ولا شك أن ذلك أثَّر على خسارة الجانب الصيني المناظرة، ورَفْضِ التبت اللاحق للبوذية الصينية، وتبنيها البوذية الهندية بدلاً منها.]

[لمزيد من التفاصيل انظر: التفاعل التاريخي بين الثقافتيْنِ البوذية والإسلامية قبل الإمبراطورية المنغولية، الفصل 11 والفصل 13].

الإمبراطوران موني-تسينبو وسايناليغ

تقاعد تري سونغديتسين عام 797 م، وتوفي عام 798 م، وخلال فترة حُكمه القصيرة حاول ابنه موني-تسينبو، حكم من سنة 797 إلى 799 م) تطبيق بعض الإصلاحات الزراعية التي لم تنجح في نهاية الأمر. وخلفه الابن الآخر لتري سونغديتسين، واسمه تري ديسونغتسين، حكم من سنة 799 إلى 815 م)، الذي يُعرف كذلك باسم سايناليغ، واستمر الإمبراطور سايناليغ بدعم ترجمة النصوص البوذية، وخلال فترة حُكمه استمرت الجيوش التبتية في مضايقة العرب في الغرب، حتى إنهم حاصروا سمرقند عاصمة ما وراء النهر [في أوزبكستان الحالية، وحدث ذلك خلال تمرد رافع بن ليث، الذي أيَّده التحالف التبتي – القارلوقي – الشاهي التركي، وتوفي الخليفة هارون الرشيد وهو في الطريق للدفاع عن سمرقند.]

وقد توصل الخليفة المأمون - وهو الابن الثاني لهارون الرشيد - إلى اتفاق مع الحاكم التبتي لتركستان، الذي قدم له تمثالاً ذهبيًّا أُرسِلَ بعد ذلك إلى الكعبة في مكة. [بعد أن فقد العرب السلطة على سمرقند أبرمَ المأمونُ اتفاقية سلامٍ مع التبتيين والشاهيين الأتراك من أجل خوض حربٍ أهلية ضد أخيه، وبعد انتصاره هاجم الخليفةُ كابول، واستولى عليها عام 815 م. ويُشير "حاكم تُركستان التبتي" المهزوم إلى الملك سالاباتي التبتي التابع للشاهيين الأتراك، الذي أُرغِمَ على اعتناق الإسلام. وفي نهاية الأمر قدَّم تمثالاً ذهبيًّا ضخمًا لبوذا ليكون جِزيةً للغازين، وقد عُرضَ التمثال في الكعبة في مكة حتى إذابته عام 817 م.]

الإمبراطور ريلباتشين

خلفَ الإمبراطورَ التبتي سياناليغ عام 815 م ابنُهُ تري تسوغديتسين, حكم من سنة 815 إلى 838 م) وكان يعرف كذلك باسم: ريلباتشين. وقد دعا ريلباتشين ثلاثة علماء هنود، وهم: شيليندرابودي وداناشيلا وجيناميترا إلى التبت الوُسطى. وقد نقَّح هؤلاء الثلاثة - إلى جانب المترجمين التبتيين: كاوا بيلتسيغ وتشوغ-رو لوي-غيالتسين الترجمات القديمة، وعَدلَّوا ترجمة المصطلحات البوذية من السنسكريتية، وجمَّعوا "(المُعجم) الضخم لفهم (المصطلحات) الخاصة"، الذي كان أول مُعجم سنسكريتي-تبتي.

وبعد تبوئه العرشَ التبتي أرسل الإمبراطور ريلباتشين عساكره إلى الحدود الصينية، وكان البوذيون على جانبَيِ الحدود يبحثون عن التأمُّل، وهو الأمر الذي أدَّى إلى معاهدة صُلح دورينغ عام 821 م، للتأكيد مرة أخرى على حدود اتفاقية عام 783 م. وقد نُقشَت هذه المعاهدة على ثلاثة أعمدة حجرية؛ واحد في تشانغآن خارج قصر الإمبراطور التانغي الصيني [موزونغ (حكم من سنة 821 إلى 825) م]، وآخر في غوغو ميرو على الحدود الصينية-التبتية، وثالثٌ منتصبٌ في لاسا [عمود دورينغ] عام 823 م. وأكدت المعاهدة على أن التبت والصين متساويتان.

وبنى ريلباتشين ديرًا اشتهر باسم أوشانغدو، وطبقَ نظام فرض الضرائب لدعم الأديرة، فجعل كل سبع عائلات تدعم راهبًا واحدًا.

وفي عام 836 م اغتيل ريلباتشين، فتبوَّأ أخوه الغيور تري أويدومتسين، حكم من سنة 838 إلى 842 م) العرشَ، وقد أغلق الإمبراطور الجديد - الذي يُشار إليه بين الشعب، ومن منطلق عدم الاحترام، باسم لانغدارما أي [الثور الصغير] - المعابد والأديرة، ومَنحَ الرهبان البوذيين فُرصة الزواج، والتحول إلى صيادين، أو اعتناق ديانة البون. أمَّا الذين عارضوا الأمر فقد أُعدِموا. وقضى هذا الأمر على البوذيةَ في التبت الوُسطى، ولكن ليس في شرق التبت أو غربها. [يحتجُّ توريل وايلي (Turrell Wylie) ("بعض العوامل السياسية في التاريخ المبكر للبوذية التبتية") ("Some Political Factors in the Early History of Tibetan Buddhism” في Studies in the History of Bud­dhism بأن الاضطهاد الذي مارسه لانغدارما كان سيُنهي الاستنزاف الاقتصادي الذي سببه تلاعُب أخيه في الإيرادات الضريبية للرهبان، كما كان سيُنهي التأثير القوي على العلاقات السياسية التي يبذلها المجلسُ الديني.]

وفي عام 842 م اغتال لانغدارما راهبٌ يُدعى لالونغ بيلغيي-دورجي [وهو أحد تلاميذ غورو رينبوتشي بادماسامبافا الخمسة والعشرين، وحسَب سامتين غيالتسين كارماي، أو "الكَمالُ العظيم"، كان الراهبُ الرئيسَ المخلوع للمجلس الديني، والرئيسَ السابق لدير سمياي.] وبعد ذلك وقع شِقاقٌ بين السلالة الملكية، فتفكَّكت التبت إلى ممالك متعددة ذات سُلطة لامركزية
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://elswesry22.yoo7.com/
بقايا جروح
مشرف المنتدي الأدبيمشرف المنتدي الأدبي
بقايا جروح


انثى
ســآعـتي :
التسجيل : 10/01/2010
المساهمات : 7226
عدد النقاط : 11523
المزاج : كل شي عن البوذيين  .. مميز. Qatary22
المهنة : كل شي عن البوذيين  .. مميز. Studen10
الهوايه : كل شي عن البوذيين  .. مميز. Travel10
الدولة : كل شي عن البوذيين  .. مميز. Female16
الأوسمة : كل شي عن البوذيين  .. مميز. 3h210
التميز : كل شي عن البوذيين  .. مميز. 1510

كل شي عن البوذيين  .. مميز. Empty
مُساهمةموضوع: رد: كل شي عن البوذيين .. مميز.   كل شي عن البوذيين  .. مميز. I_icon_minitimeالسبت 28 يناير 2012, 5:09 pm

2 الكفاح من أجل الصمود الديني بعد انهيار الإمبراطورية التبتية

انهيار التبت بعد اغتيال لانغدارما


انهارت الإمبراطورية التبتية بعد اغتيال لانغدارما عام 842 م، ولم تُسترجَع سلطتها المركزية أربعة قرون كاملة.

[كان العساكر التبتيون الملكيون قد بدءوا الانسحاب من المناطق الحدودية في الصين وبورما وطريق الحرير في آسيا الوسُطى إبان حُكم لانغدارما، وبعد وفاته بفترة وجيزة. ونشأت العديد من الدُّوَيْلات الحاجزة في هذه المناطق، ولكن كان للغة التبتية والثقافة البوذية دورٌ شديد الأهمية في هذه الدويلات الحاجزة عدة قرون. وضمت مناطق أمدو وقانسو وحوض تاريم التي خضعت رسميًّا للسيطرة التبتية - على سبيل المثال - ما يلي:
•تسونغكا، التي دامت في منطقة الكوكونور في أمدو حتى عام 1182 م.

•دويلات مدن اليوغور الصفر المستقلة (866 – 1028 م) في ممر قانسو.

•غوييجيون (848 – التسعينيات من القرن الثامن) في منطقة جنوب قانسو حول دونهوانغ.

•قاراخوجا (866 – 1029 م) التابعة للأويغور قوخو في الواحة على طول الحافة الشمالية لحوض تاريم.

استُعمِلت اللغة التبتية حتى عام 920 م على الأقل لأغراض تجارية ودبلوماسية في ممر قانسو وعلى طول طريق الحرير حتى مدينة خوتان؛ حيث إنها كانت اللغة العامية الوحيدة للناس هناك، حتى إن بعض النصوص الصينية البوذية قد نُسخت بأحرف تبتية ليكون من السهل تلاوتها.

وقد ترجم العلماء والدارسون في هذه المناطق نصوصًا بوذية من التبتية إلى لغات مختلفة أخرى. فمثلاً، وابتداءً من عام 930 م، ترجم علماء ودارسون من تسونغكا نصوصًا من التبتية إلى لغة الأويغوريين.

وبعد تأسيس دولة التانغوتيين (982 - 1227 م) في جنوب قانسو ونينغشيا الحالية شرقَ أمدو تُرجمت نصوص بوذية تبتية إلى لغة التانغوتيين منذ عام 1049 م، مع أن غالبية النصوص في الشريعة التانغوتية البوذية تُرجِمت من الصينية. ومع ذلك فقد انتشرت اللغة التبتية على نطاق واسع في مناطق التانغوتيين، حتى قبل خروج دولتها إلى حيز الوجود. وبالتالي فإن الأبجدية التبتية استُخدِمت لترجمة التعاليم الأيديوغرامية المخطوطة المُعقَّدة جِدًّا، التي نُشِرت عام 1036 م.]

وبعد اغتيال لانغدارما نشأت منافسة بين أبنائه على العرش. [ومع حلول عام 929 م اعْتَلَتْ سلالة نامدي ووسونغ، من خلال ابن ملكة لانغدارما الكبرى، عرشَ نغاري، وفي نهاية المطاف حكمت غرب التبت، وهي منطقة المملكة البوذية السابقة شانغ-شُنغ؛ في حين أن سلالة نغاداغ يومدين، من خلال ابن ملكته الصغرى، اعتلى عرش يو، وهي النصف الشرقي من التبت الوسطى. ولم تضم مملكة نغاري في النهاية شرق التبت فقط، بل ضمَّت أيضًا مساحة واسعة من الجانب الجنوبي لجبال البامير وجبال الهمالايا، من جيلجيت الحالية شمال شرق باكستان، مرورًا بشرق لداخ، وسبيتي الحالية، وهيماتشال برادش بالهند، وانتهاءً بشمال شرق نيبال الحالية.]

وانقسمت مناطق التبت الأخرى إلى دويلات صغيرة، يحكم كُلاًّ منها حاكمٌ خاصٌّ بها، كما أن لها حصنَها الخاص. وقد عاشت فيما بينها إمَّا في تحالفٍ، وإمَّا في تنازع.

تَجدُّد سلالة السيامة الرهبانية

رغم أن أبناء لانغدارما قد أخفَوْا كثيرًا من التماثيل والنصوص البوذية لحِفظِها، كما استمر التقليد الاعتيادي للتناترا حتى في التبت الوسطى، إلا أن المُجتمَع الرهباني هناك انتهى. ولكن ثلاثة رهبانٍ فروا إلى [مملكة تسونغكا في] أمدو، وهناك، وبمُساعدة الراهبيْن الصينييْن، تابعت سُلالة مولاسافاستيفادا سيامة الرهبان.

وبعد ذلك بفترة وجيزة ارتحل عشرة شبانٍ من التبت الوُسطى [بقيادة لومي تسولتريم-شيراب]هناك للدراسة وتلقي نذور الرهبان. [أعادوا عندها سلالة السيامة إلى يو عام 912 م، بعد غيابها هنا سبعين سنة، وبنوا سبعة معابد جديدة. وضمت تلك المعابد غييل لاكانغ، الذي بناه دانام دورجي-وانغتشُنغ تلميذ لومي. غير أن المصادر التاريخية البوذية تُعيد تاريخ بناء هذا المعبد إلى 1012 م.]


بداية الازدهار المتأخِّر للتعاليم

وخلال النصف الثاني من القرن العاشر تنازل ملك نغاري تسينبو كوري عن عرشه لصالح أخيه سونغ-نغي؛ حتى يصبحَ راهبًا، ومن المعروفٌ عنه أنه من ذرية لا لاما ييشي-وو.

أرسل ييشي-وو واحدًا وعشرين رجُلاً إلى كشمير عام 971 م لتعلم السنسكريتية ودراسة البوذية؛ لأنه أراد أن يقلب انحسار البوذية في التبت الغربية، ولم ينجُ من هؤلاء في رحلتهم إلا رينتشين-سانغبو، 958 – 1051 م) وليغباي-شيراب؛ حيث أصبحَا في نهاية الأمر مُترجميْنِ مرموقين. ورغم الدراسة في كشمير والأديرة الشهيرة في شمال الهند، إلا أنهم أرسلوا إلى التبت عدة عُلماء هنود متعلمين، مَثَّل هؤلاء العلماء مدرسةً بوذية هندية مختلفة، رغم أنهم مثَّلوا أساسًا تقليد التانترا في ماهايانا.

واستمر ييشي-وو في دعوة المعلمين الهنود إلى التبت، وكان من بينهم دارمابالا، الذي بدأ سلالة سيامة الراهب مولاسافاستيفاتا الثانية في التبت، إلى جانب التلاميذ الهنود الذين رافقوه. وكانت السيامات التي توارثوها تُشير إلى بداية عهد جديد في التاريخ التبتي يُعرَف باسم "ازدهار التعاليم المتأخِّر". [على النقيض من ذلك أصبحت الفترة السابقة تُعرف باسم "ازدهار التعاليم المبكِّر".

وتذكر المصادر التاريخية التبتية التقليدية الأخرى نقطةَ بداية هذه المرحلة المتأخرة لسيامة لومي، وتعيد الفترة إلى عام 973 أو 978 م، وهذه هي التقاليد التي تعيد تأسيس تلميذ لومي لغيييل لاكانغ إلى عام 1012 م.]

[عاد رينتشين-سانغبو وليغباي-شيراب إلى نغاري عام 988 م. وفي فترة الازدهار المتأخرة هذه أنشأ رينتشين-سانغبو عدة أديرة جديدة هناك، كان من بينها دير تابو في سبيتي، الذي بُنيَ عام 966 م]، وفي السنة نفسِها أنشأ ييشي-وو دير تولينغ في غوغي.

زيارة أتيشا إلى التبت

[خلال هذه الحقبة احتل الغزنويون، في ظلِّ حكم محمود الغزنوي (حكم من سنة 998 إلى 1030 م)، ما يُعرف اليوم بباكستان وبُنجاب الهندية وهيماتشال براديش، والمناطق المحيطة بدلهي. ولمعرفة سبب الضرر الكبير الذي خلفته قوات محمود في أديرة البوذيين في المنطقة بحث العديد من الرهبان والنُّسَّاك عن ملجأ لهم في نغاري. ولجأ الكثير منهم في النهاية إلى هناك؛ حيث إنه في عشرينيات القرن الحادي عشر (1020 م) مرَّر ملك نغاري قانونًا يمنع الأجانب من البقاء في الدولة أكثر من ثلاث سنوات.

وفي ظل هذه الأجواء المتقلبة التي كانت] في سنواته الأخيرة دعا ييشي-وو أتيشا، 982 - 1054 م) ليأتي إلى التبت من ديره فيكراماشيلا في وسط الهند الشمالية. فقد أراد أن يكون المدرس الهندي قادرًا على أن يساعد في إعادة ترسيخ البوذية في التبت، وأيضًا في وضع حَدٍّ للفوضى القائمة على أساس الاختلافات بين المدارس. وأرسل غيا تسونسينغ لتوصيل الدعوة، مع هدايا من الذهب. لكن أتيشا رفض الهدايا وردَّ الدعوة، مُفسِّرًا ذلك على أنه كان مطلوبًا في الهند ليضع حَدًّا لانحسار البوذية الذي كان جاريًا هناك.

اعتقد ييشي-وو أن أتيشا رفض الدعوة؛ لأن الذهب الذي أُرسِلَ لم يكن كافيًا، لذلك توجه إلى ملك القارلوق من أجل الحصول على المزيد، وكان القارلوق مجموعة تركية تعيش شمال غرب نغاري. ولسوء الحظ رماه ملك القارلوق في السجن.

وحاول جانغتشوب-وو - وهو حفيد أخي ييشي-وو، وأحد الرهبان كذلك - جمع ما يكفي من الذهب لفدية عمه الأكبر من القارلوق، وأخبره ييشي-وو أنْ يستخدم الذهب لإقناع أتيشا بالقدوم، بدلاً من فديته، لكن في النهاية تُوفِّي ييشي-وو في السجن.

]بعد تأسيس الإمبراطورية القراخانية (840 – 1137 م) حافظ القارلوق على علاقات ودية مع حلفائهم العسكريين السابقين، وحتى بعد اغتيال لانغدارما في الثلاثينيات من القرن التاسع تحول القارلوق/القراخانيون في عقيدتهم من مزيج البوذية والشامانية التركية إلى الإسلام. وهاجم الفرع الغربي من القراخانيين، الذي تمركزَ في كاشغار، خوتان عام 982 م في سعيهم إلى التحكم بالفرع الجنوبي من حوض تاريم من طريق الحرير، وفرضوا حصارًا على دولة الواحة حتى عام 1006 م.

وتُفسِّر المصادر التاريخية التقليدية التبتية أن ييشي-وو أُلقِيَ في السجن خلال حربٍ خاضها القارلوق/القراخانيون في نيبال. ولكن جون بروف (John Brough) "أساطير خوتان ونيبال" (Legends of Khotan and Nepal) في Bulletin of the School of African and Oriental Studies، المجلد 12، يُشير إلى أن الاسم التبتي لخوتان: "لي"، إلى جانب الكثير من الأساطير المتعلقة بخوتان، نقلها تبتيون إلى نيبال وعرضوها هناك. وهكذا يمكن للمرء أن يستدلَّ على أن ييشي-وو واجه القارلوق، وسُجِنَ عندما توجه للدفاع عن خوتان أثناء الحصار.

ولكن شاكاببا في تاريخه المُؤلَّف من مجلديْنِ لا يذكر أيَّةَ معركة تتعلق بهذه الحادثة، بل يُشير بدلاً من ذلك إلى أن ملك القارلوق منح جانغتشوب-وو عدة خيارات: التخلِّي عن كل الجهود لدعوة المعلمين البوذيين من الهند إلى التبت. أو دفع الفدية ذهبًا يُعادل وزنُهُ وزنَ ييشي-وو. أو إعدام ييشي-يو. ويدلُّ هذا الخيار الذي أُعطيَ لجانغتشوب-وو أن هذه الحادثة على الأرجح قد وقعت بعد احتلال القارلوق لخوتان. وبعد أن حَوَّل خوتان البوذية إلى الإسلام بدا أنَّ ملك القالوق كان ضِدَّ أي تعزيزٍ إضافي للبوذية في التبت.

[يتحدَّث دافيد سنيللغروف (David Snellgrove) "البوذية الهندية-التبتية: البوذيون الهنود وخلفاؤهم التبتيون" (Indo-Tibetan Buddhism: Indian Buddhists and Their Tibetan Successors) أن هذه الحكاية حول موت ييشي-وو في سجن القارلوق مُختلَقة. ودليله على ذلك أنه في عام 1027 م أصدر ييشي-وو تحريرًا لتنظيم ترجمة النصوص البوذية، وأن ييشي-وو - حسب السيرة الذاتية لرينتشين-سانغبو - قد تُوفيَ مريضًا في قصره في تولينغ، ورينتشين-سانغبو نفسه قد أجرى مراسم الدفن. ولكن، لو أن ييشي-وو قد ذهب إلى القارلوق في مُهمَّة سِلمية لطلب الدعم المالي، فمن المعقول أن هذه المٌهمة قد حدثت بعد عام 1027 م، بالنظر إلى أنَّ أتيشا قد وصل إلى تويلنغ عام 1042 م، ومع ذلك تتعارض السيرة الذاتية لرينتشين-سانغبو مع الحكاية التقليدية لوفاة ييشي-وو في السجن.

وهناك ملحوظة أخرى، فقد كان عام 1027 م هو العام نفسه الذي شهِدَ حضور التعاليم الكلاتشاكرا تانترا أول مرة إلى التبت، اعتمادًا على ترجمات من السنسكريتية إلى التبتية كان صاحباها العلاَّمة بادرابودي والمُترجِم التبتي غييجو. يُعَدُّ هذا العام كذلك بداية التقويم على نمط الكلاتشاكرا في التبت مع أول دورة تقويم برابهافا التي تمتد على ستين عامًا.]

وأرسل جانغتشوب-وو المُترجِم البارع ناغتسو إلى الهند مُحمَّلاً بالذهب وبدعوةٍ لأتيشا، وفور تلقيه الدعوة وسماع القصة وراءها، وبعد تلقيه تعليماتٍ من تارا رمز بوذا، وافق أتيشا على الذهاب إلى التبت ثلاثَ سنوات. ووصل إلى تولينغ عام 1042 م. وأثناء مكوثه هناك أعاد أتيشا صياغة الترجمات، وكتب "مصباح الطريق إلى التنوير".

وفي عام 1045 م انضم إلى أتيشا رجل علماني، وهو درومتونبا (1004 – 1064 م)، وقد رغب في التعلم على يديه، وذلك عندما كان أتيشا في طريق عودته إلى الهند، لكن الطريق عبر نيبال كانت مغلقة نتيجة الحرب الأهلية [التي استمرت من 1039 - 1045 م] لذلك طلب درومتونيا من أتيشا زيارة التبت الوسطى بدلاً من ذلك، ووافق أتيشا، وبعد زيارته ديرَ سمياي قرب لاسا مكث على الأغلب في نييتانغ [في يو] قبل وفاته عام 1054 م.

[وأثناء زيارته ديرَ سمياي دُهشَ أتيشا من العدد الضخم للنصوص السنسكريتية المحفوظة في مكتبة الدير؛ حيث أشار إلى أنه حتى في الهند لم يكن ممكنًا أن يجد المرء مثل هذه المجموعة الضخمة. ويُشير ذلك إلى أن اضطهاد لانغداراما كان مُوجَّهًا إلى المؤسسة الرهبانية البوذية، وليس إلى التعاليم البوذية ذاتها.]

بناء أديرة جديدة وتطور البوذية والبونية التبتية إلى مدارس عديدة

فترة ما قبل أتيشا

[نجَت بعض الأديرة البوذية القديمة، مثل سمياي، في التبت الوسطى، من ازدهار التعاليم المبكر، لتمتلئ من جديد برهبانٍ تبتيين، في الوقت الذي وصل فيه أتيشا إلى هناك. بالإضافة إلى ذلك، كانت بعض الأديرة الجديدة قد بُنيَت هناك في ذلك الوقت. فعلى سبيل المثال، بَنى دير شالو في تسانغ عام 1040 م تشيتسون شيراب-جونغناي قبل سنتيْن من وصول أتيشا إلى نغاري؛ حيث تحوَّل بعد ذلك إلى مركز مُهمٍّ لدراسات الساكيا.]

كادام

عيَّن أتيشا درومتونبا خليفةً له عام 1057 م، وأنشأ درومتونبا ديرَ رادرينغ في يو؛ حيث استمرَّ في التعليم حتى وفاته عام 1064 م. ونظمَ تعاليم أتيشا في مدرسة جديدة للبوذية تُدعى "كادام". وبَنى تلاميذ آخرون لأتيشا، مثل نغوغ ليغباي-شيراب ديرَ كادام ثانيًا سانغبو نيوتوغ في يو كذلك عام 1073 م.

[وفي عام 1076 م عقد الملك تسيدي مجلس تولينغ في دير تولينغ في نغاري؛ حيث جمع المترجمين معًا من المناطق الغربية والوُسطى والشرقية من التبت، إضافة إلى عدة معلمين كشميريين وهنود شماليين، وذلك لتنسيق عمل ترجمتهم. وفي عام 1092 م أصدرَ أمير نغاري شيوا-وو مرسومًا يُرتِّب فيه المعايير التي تحدد النصوص البوذية الموثوقة. وكان المعيار الأساس للتوثيق هو وجود النص السنسكريتي الأصلي من عدمه، وبعد ذلك بفترة وجيزة تحوَّل سانغبو-نيوتوغ إلى مركز مهم للترجمة وللتعلم والمناظرة كذلك.

وكان دير نارتانغ الذي أُنشئَ عام 1153 م في تسانغ أحد مراكز الكادام المهمة للتعلُّم أيضًا. وتحوَّل بعد ذلك إلى مركز لطباعة النصوص البوذية. ورغم أن بعض المصادر التاريخية التبتية تُعيد تاريخ تأسيس دير نارتانغ إلى عام 1033 م، وتنسُب تأسيسه إلى معلم الكادام تومتون لودو-دراغ، إلا أن ذلك يُعتبر خطأً تاريخيًّا؛ أولاً لأن أتيشا لم يصل إلى نغاري حتى عام 1042 م، وثانيًا ففارق الـ120 عامًا بين التاريخين يُظهر وجود بلبلة فيما يتعلق بدورة تقويم الكلاتشاكرا التي تمتد ستين عامًا، والتي جرت عملية التأسيس خلالها.]

ساكيا

[إن بعض التقاليد الأخرى في فترة "ازدهار التعاليم المتأخر"، المعروفة على مستوى المجموعة باسم سارما أو المدارس الجديدة، قد بدأت كذلك في بناء أديرة في ذلك الوقت. على سبيل المثال] عام 1073 م، وهو العام نفسه الذي تأسَّس فيه دير سانغبو نيوتوغ، وقد أَنشأ كون كونتشوغ-غيال-بو ديرَ ساكيا [في تسانغ في الجانب الغربي من التبت الوُسطى]، ومنح الدير اسمه لمدرسة ساكيا.

البون

[أنشأ التقليد غير البوذي للبونية كذلك ديرَه الأول في ذلك الوقت في عام 1702 م، وأنشأ دروجي يونغدرونغ لاما دير يايرو إنساكا في تسانغ؛ إذ بنى الدير ليُنشئ بذلك تقليدَ مُناظَرة لدراسة النصوص المُرمَّمَة من جدران دير سمياي، على يد أول كاشِفٍ عظيم لنصوص البون المحفوظة، وهو شينتشين لوغا (996 – 1035 م). وعَثَر أحد الرعاة عام 913 م على أول نصوص البون المحفوظة المُخبأة صُدفةً في سمياي.]


نيينغما

[كَشف الراهب سانغ-غياي لاما عن أول نصوص دير نيينغما المحفوظة نحو نهاية القرن العاشر أو بداية القرن الحادي عشر الميلادي. وكان اسم "نيينغما"، وهو المدرسة القديمة، قد مُنِح إلى التقليد البوذي الباداسامبافادي، مقابل اسم: "سارما"، وهي المدارس الجديدة. ووجدها سانغ-غياي في المعابد والصخور القريبة في نغاري، ولكن تداولها سَرعان ما توقَّف بعد وفاته.

لكن في عام 1038 م اكتشف درابا نغونشي (المولود عام 1012 م) عدة نصوص نيينغما محفوظة ومخفية في سمياي، كما أنه كشَفَ "التانترات المجيدة الأربع للمعرفة الطبية"، التي كانت مُخبَّأة في الدير كذلك. واستمر تداول النصوص التي وجدها درابا نغونشي بعد وفاته.

ورغم أن العديد من الأديرة السابقة للانغدارما، مثل دير سمياي، قد نجَت وتحوَّلت إلى مراكز تُعرف اليوم بتقليد نيينغما، إلا أن أول أديرة نيينغما الجديدة في هذه الفترة لم تُبنَ إلا مع حلول عام 1159 م. وكان ذلك هو دير كاتوغ دورجيدين، الذي أسَّسه كا دامبا-ديشيغ (1122 – 1192 م) في مقاطعتي ديريغي والكهام جنوبَ شرق التبت.]

كاغيو

[كانت كاغيو، إلى جانب كادام وساكيا هي ثالث أهم مدرسة سارما، وتنبع سلالتها المهمة من المعلمين الهنود: تيلوبا وناروبا (1016 – 1100 م)، والمُترجم التبتي ماربا (1012 – 1097 م)، وتلميذه ميلاريبا (1040 – 1123 م)، وغامبوبا (1079 – 1153 م) تلميذ ميلاريبا.]

[في عام 1158 م أنشأ باغمودروبا (1110 – 1170 م)، وهو أحد تلاميذ غامبوبا، أقدمَ ديرٍ في كاغيو؛ حيث أصبح مركز مدرسة باغمودرويا كاغيو.

وفي عام 1161 م أنشأ بارومبا (1127 – 1199 م)، وهو تلميذٌ لأحد تلاميذ غامبوبا الآخرين، مثل وون-غوم تسولتريم-نيينغبو دير باروم. ومن هنا نشأت مدرسة باروم كاغيو.

وفي عام 1175 م بنى تلميذ باغمودروبا، واسمه تسيلبا شانغ يودراغبا (1123 – 1194 م) ديرَ تسيل يانغ-غون. وقد أصبح إلى جانب دير تسيل غونغتانغ - الذي أنشأَه عام 1187 م - مركزًا لمدرسة تسيلبا كاغيو.

وفي عام 1179 م أنشأ تلميذ آخر من تلاميذ باغمودروبا، واسمه دريغونغبا (1143 – 1217 م) ديرَ دريغوغتيل، ومن دريغونغبا جاءت مدرسة دريغونغ كاغيو.]

[وفي السنة التالية عام 1180 م أنشَأَ تاغلونغ-تانغبا (1142 – 1210 م)، وهو تلميذ آخر من تلاميذ باغمودروبا، ديرَ تاغلونغبا؛ حيث تحوَّلَ إلى مركز لمدرسة تاغلونغ كاغيو.

وفي المرحلة التالية بَنى الكارمبا الأول دوسون-كيينبا (1110 – 1139 م) ديرَ تسوربو عام 1189 م ]كان الكارمبا الأول هو التلميذ المباشر لغامبوبا، وتحوَّل دير تسوربو إلى مركز مدرسة الكارما كامتسانغ كاغيو وإلى مركز سلالة الكارامبيين اللاحقين.]

[بَنى تسانغبا غياراي (1161 – 1211 م) دير نامغييبور عام 1205 م، وهو الدير المهم الأول لمدرسة دروغبا كاغيو، وتسانغبا غياراي كان تلميذًا من تلاميذ لينغ رايبا (1128 – 1121) والذي كان بدوره تلميذًا من تلاميذ باغمودروبا.

وهكذا، وفي الوقت الذي أدرك فيه التبتيون التهديدَ المونغولي لجنكيز خان، كانت الأديرة الرئيسة في المدارس الرئيسة للبوذية والبونية البوذية قد بُنيَت في التبت، وبعد ذلك أيَّد العديد من الخانات المونغول مدرسة أو اثنتيْن من هذه المدارس البوذية التبتية
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://elswesry22.yoo7.com/
بقايا جروح
مشرف المنتدي الأدبيمشرف المنتدي الأدبي
بقايا جروح


انثى
ســآعـتي :
التسجيل : 10/01/2010
المساهمات : 7226
عدد النقاط : 11523
المزاج : كل شي عن البوذيين  .. مميز. Qatary22
المهنة : كل شي عن البوذيين  .. مميز. Studen10
الهوايه : كل شي عن البوذيين  .. مميز. Travel10
الدولة : كل شي عن البوذيين  .. مميز. Female16
الأوسمة : كل شي عن البوذيين  .. مميز. 3h210
التميز : كل شي عن البوذيين  .. مميز. 1510

كل شي عن البوذيين  .. مميز. Empty
مُساهمةموضوع: رد: كل شي عن البوذيين .. مميز.   كل شي عن البوذيين  .. مميز. I_icon_minitimeالسبت 28 يناير 2012, 6:21 pm

3 لامات التبت والرعاة المنغول

جنكيز خان


في عام 1207 م وصلت الأخبار إلى التبت بأن جنكيز خان (1162 – 1227 م) قد فتَحَ الإمبراطورية التانغوتية في قانسو وأمدو. [كان لدى التبتيين علاقات وطيدة مع التانغوتيين في ذلك الوقت؛ إذ كانوا منشغلين أصلاً في ترجمة النصوص البوذية من التبتية إلى التانغوتية مدةً تزيد على قرن ونصف. وتقلَّدَ اللامان تسيلبا كاغيوبا وباروم كاغيوبا مناصبَ بارزة في البلاط التانغوتي، وكان الرهبان التانغوتيون يدرسون في التبت، خاصَّةً مع الدريكونغ كاغيوبا.

وهاجم المنغولُ التانغوتَ عام 1206 م، وألحقوا بهم الهزيمة أخيرًا عام 1211 م. حينئذٍ أصبحت التانغوت عبارة عن ولاية تابعة للإمبراطورية المنغولية النامية، ومطلوبٌ منهم مساعدة الخان في مساعيه العسكرية.

وقبل التوجُّه إلى الفتوحات في الغرب غزت القوات المنغولية بعد ذلك الإمبراطورية الجورتشينية (1115 – 1234 م) شرق التانغوت، في مانشوريا وشمال الصين. وألحقت قوات جنكيز الهزيمة بهم، واستولت على النصف الشمالي من منطقتهم، بما في ذلك يانجينغ، التي تُعرف الآن ببكين، وأجبر المنغولُ الجورتشيين على توقيع معاهدة سلام عام 1214 م.

كان الجورتشيون أجدادَ المانشويين، وأطاحَ الجورتشيون بسلالة السونغ الشمالية الصينية الحاكمة (960 – 1126 م) بعد أن وحَّدوا حُكمهم في منشوريا، وضموا شمال الصين إلى إمبراطوريتهم عام 1126 م. ويعود تاريخ منشأ سلالة السونغ الجنوبية الصينية الحاكمة (1127 – 1278 م) إلى هذه الهزيمة.]

وفور تلقيهم الأخبار حول الحملة المنغولية ضد التانغوت أوفد حُكَّام الولايات المتعددة داخل التبت بعثة مشترَكة إلى جنكيز خان يُعلنون فيها استسلامهم، وتضمنت هذه الاتفاقية دفع الجزية للمنغول، وبالتالي لم يغزُ الخان التبت.

[يُشكِّك توريل وايلي (Turrell Wylie) "إعادة تفسير الغزو المنغولي الأول للتبت"؛ (The First Mongol Conquest of Tibet Reinterpreted, Harvard Journal of Asian Studies، المجلد 37، العدد1، في هذه النقطة؛ فقد كانت التبت مفكَّكة في ذلك الوقت، والتعاون بين الولايات الصغيرة يبدو بعيد الاحتمال.

لكنَّ الأويغوريين القوتشو الساكنين على طول الحافة الشمالية من حوض تاريم خضعوا سِلميًّا لجنكيز خان عام 1209 م، وقد تعاون الأويغوريُّون مع المنغول في تطوير نصهم للكتابة المنغولية واعتمادها، وتوفير مساعدة إدارية للإمبراطورية النامية، وأصحاب الترجمات الأولى للنصوص البوذية إلى المنغولية هم مترجموها عن النصوص الأويغورية أيضًا.]

تُوفِّيَ جنكيز خان عام 1227 م. [رفض التانغوتيون إرسال عساكرهم للحرب مع المنغول في حملاتهم ضد الإمبراطورية الخوارزمية، التي تعرف اليوم باسم أوزبكستان وتركمنستان وإيران. وعليه عاد جنكيز بعد فتوحاته الغربية الناجحة إلى موطن التانغوتيين، وقضى على تابعيه السابقين. ولكن جنكيز تُوفي أثناء هذه الحملة بسبب الحُمَّى التي أصابته.] وبعد وفاة جنكيز خان توقَّفت التبت عن دفع الجزية للمنغول.

دعوة ساكيا بانديتا التي أرسلها غودان خان إلى منغوليا

[خلَفَ الخانَ الأكبر جنكيز خان ابنُه الثالث أوغيدي (1189 – 1241 م). ومثل والده كان أوغيدي منفتحًا على نصائح قادة الديانات المختلفة وصلواتهم، الذين واجههم المنغول. وهكذا أبقى في بلاطه الشخصيات البارزة من التقليد الشاماني المنغولي الأصلي، وكذلك من المدارس البوذية التشانية الصينية والطاوية، ومن المسيحية النسطورية، إضافةً إلى المعلم البوذي الكشميري نامو.

وفي عام 1234 م وضع أوغيدي بعد فتح كوريا حَدًّا لسُلالة الجورتشين الحاكمة، وضَمَّها إلى ما تبقَّى من شمال الصين إلى الإمبراطورية المنغولية. وبعد سنتيْن وفي عام 1236 م منحَ المناطق الجوتشينية السابقة – بصفتها إقطاعية - إلى ابن أخيه قوبلاي خان (1215 – 1294 م).

وحاز ابن أوغيدي غودان خان (1206 – 1251 م) إقطاعية في منطقة التانغوت السابقة، واتبع التانغوتيون المحليون واليوغوريّون الصفر الذين يعيشون هناك على الأرجح النماذج التبتية من البوذية، وكثيرًا ما غزا غودان أمدو شمالَ الإقطاعية الخاصة به، ونَهَب الأديرة البوذية هناك.] وفي عام 1240 م أرسل غودان 30 ألفًا من عساكره إلى عُمق التبت [تحت قيادة القائد المنغولي دوردا دارخان، وكما ذكر وايلي كان ذلك هو التواصل الأول للمنغول مع التبت الوسطى.]

بلغت القوات حتى وصلت إلى أقاصي بينبو شمال لاسا، ولم تنهب دير رادرينغ ومعبد غييل لاكانغ فحسب، بل أضرمت فيهما النار، وسوَّتهما بالأرض. وبعد ندمه على هذا الدمار تبدَّل توجُّه غودان خان؛ إذ شعر الآن أن الشعب المنغولي يمكن أن يستفيد من التعاليم الروحية للبوذية.

[وكما ذكر وايلي فإن الهدف الرئيس كان بلا شك البحث عن قائد تبتي مناسب يستسلم للمنغول، ولذلك لا توجد أية رواية تذكر أن المنغول نهبوا أو دمروا الأديرة غير ديرَي الكادام خلال هذه الحملة العسكرية، وقد بحث المنغول عن قائدٍ رُوحي ذي قيمةٍ عُليا بدل ذلك، وذلك لأن التبت كلها كانت تفقر لأي قائدٍ سياسي.]

وبعد السؤال عن أفضل مَن يمكن دعوته نصَح القائدُ دوردا دارخانَ قائلاً: "الكادامبا هم الأفضل فيما يتعلق بالمؤسسة الرهبانية، والتاغلونغبا هم الأكثر مهارة في الشئون الإنسانية الدنيوية، أما بالنسبة للفخامة فالدريغونغبا هم الأفضل، لكن بالنسبة للدارما فيُعَدُّ الساكيا بانديتا أفضل من يعرفونها". وعليه أرسل الخان أمرًا إلى ساكيا بانديتا كونغا-غييلتسين (1182 – 1251 م) ليأتي إلى بلاطه لتعليمه وشعبه الدارما.

[وذكر وايلي أن السبب السياسي وراء اختيار غودان خان لساكيا بانديتا كان ذاك التعاقب داخل سالالة الساكيا، الذي كان متوارثًا في عائلة الكون. وهكذا ضَمِن اختيارُه استمرار الاستسلام للمنغول.]

وانطلق ساكيا بانديتا من دير ساكيا عام 1244 م مع ابنيْ أخيه: باغبا (1235 – 1280 م) البالغ من العمر عشر سنوات، وتشاغنا-دورجي (1236 – 1267 م) البالغ من العمر ست سنوات. [وذكر وايلي أنه قد أُجبر ابنا الأخ على القدوم لضمان دوام قسَم ساكيا، وكان باغبا وريثًا دينيًّا للساكيا، في حين كان تشاغنا مُعينًا ليُصبح رب عائلة الكُون.] ووصلوا إلى لانجو عام 1247 م إلى عاصمة قانسو الحالية. والتقاهم غودان خان فور عودته من تتويج أخيه الأكبر غويوك (1206 – 1248 م) خانًا أكبر. [تَقلَّدت أرملة أوغيدي خان التي كانت تدين بالمسيحية النسطورية، وتُدعى توريغيني، زمامَ السلطة خلال فترة الانتقال بين وفاة أوغيدي عام 1241 م وتتويج ابنها غويوك عام 1246 م.

وكان غويوك خان مَيَّالاً نحو البوذية مفضِّلاً إيَّاها، وكان قد درَس على يدَيِ المعلم البوذي الكشميري نامو، وقد منح نامو لقب "غووسي، الذي يعني "مدرسُ الدولة". وقد استعار المنغول الألقاب الصينية من التانغوتيين. وقبل نامو تقلَّدَ عالِمُ تسيلبا كاغيو غوشري توغبا-يونغسيل اللقب في البلاط التانغوتي قبل الغزو الذي شنَّهُ جنكيز خان عام 1226 م.

بعد وفاة غويوك خان عام 1248 م، وبعد فترة انتقال حُكمٍ قصيرة، أصبح مونكو (حكم من سنة 1251 إلى 1259)، وهو ابن الابن الأكبر للابن الرابع للخانَ الأكبر جنكيز خان تولوي (1190 – 1232 م). وفي عام 1252 م قلَّد مونكو نامو المسئولية لإدارة الشئون البوذية في إطار مملكته.]

عَلَّمَ ساكيا بانديتا البوذيةَ لغودان خان، وأقنعه بعدم القضاء على السكان الصينيين المحليين بإغراقهم، كما أنه شفى الخان من مرضٍ جلدي خطير. وبذلك أُعطيَ غودان سُلطة مؤقتةً على التبت باسم المنغول. وكتب ساكيا بانديتا رسالةً وجَّهها إلى مُعلِّمين بوذيين مثقفين ورعاتهم العلمانيين في يو وتسانغ في التبت الوسطى، وكذلك في الكهام. وقد نصحهم في الرسالة بعدم جدوى مقاومة الجيش المنغولي، وأن عليهم بدلاً من ذلك دفع الجزية. وطلب التبتيون أن يرجع ساكيا بانديتا إلى التبت الوسطى، ولكنَّ غودان كان يُحسن معاملته، وكان يشعر أن حضوره بين المنغول والمحليين من أويغوريين وتانغوتيين وصينيين له قيمة، فعذرَ نفسه، وبقي هناك.

[يَلْحَظ وايلي أن الأحداث السابقة تتلاءم مع العادات التي يتبعها المنغول عادةً عند سيطرتهم على منطقةً جديدة. وتطلب الاستسلام من حاكم المنطقة أن يستسلم شخصيًّا أمام الخان، وحينئذٍ سيحتفظ الخان بالحاكم رهينةً لديه، وينتزع الجزية، وينتدب حاكمًا منغوليًّا لحُكم المنطقة الجديدة.]

وترك ساكيا بانديتا بعد أن شعر باقتراب أجَله ميراثًا له، وهو كتابٌ يحمل عنوان "توضيح النوايا البوذية"، ورسالة للناس العاديين تصف ثقته بحُسن نوايا غودان للتبت. وبعد أن عَيَّن باغبا خليفةً له تُوفِّيَ ساكيا بانديتا في لانجو عام 1251 م.

تأسيس علاقة رعاية اللامات بين قوبلاي خان وباغبا

وبعد ذلك بفترة وجيزة تُوفي غودان خان كذلك، وانتهى عهده بصفته حاكمًا على منطقة التانغوتيين السابقة، وخَلَفه قوبلاي خان [أحد أصغر أخوة الخان الأكبر مونكو، وأحد أقارب غودان خان، كان قوبلاي قد امتلك الإقطاعية في شمال الصين منذ عام 1236 م.]

واستدعى قوبلاي باغبا إلى معسكره عام 1253 م، واتخذه معلمًا له. وقُررَ أن يركع قوبلاي إجلالاً لباغبا بعيدًا عن الأنظار، وأن يطلب الخان موافقة باغبا على القرارات المتعلقة بالتبت، وألاَّ يتدخَّل باغبا بالمسائل المتعلقة بالمناطق التي يسيطر عليها المنغول. وتبين أن تلك هي العلاقة النموذجية لرعاية اللاما في الحكومة الآسيوية.

وقد بحَثَ باغبا في حينها مع ملكته الأعلى مقامًا ومع خمسة وعشرين من وزرائه حول توكيل هيفاجرا بأمر الخان. ومُنحَ باغبا السلطة على ثلاثة عشر نظامًا أُمَميًّا، أو وحدات إدارية للتبت الوسطى والغربية، وبعد ذلك سُلطةً على مناطق التبت الثلاث: أي: التبت الوسطى (يو وتسانغ)، والكهام، وأمدو.

[ويُشير وايلي إلى أن ذِكرَ الأنظمة الأُمَمية في هذه الحكاية التقليدية هو مفارقة تاريخية؛ لأن انقسام التبت الوُسطى والغربية إلى ثلاثة عشر نظامًا أُمَميًّا لم يحدث إلا بعد الإحصاء الرسمي الذي تولاه المنغول عام 1268 م لتسهيل جمع الضرائب. وكان من المُفترَض أن يتألَّف النظام الأُمَمي من منطقة تحتوي على عشرة آلاف عائلة، رغم أن الأعداد الفعلية كانت أقل من ذلك بكثير.

وفي عام 1253 م أمرَ مونكو خان قوبلاي بمهاجمة نانجاو (يُنان الحاية) والاستيلاء عليها، وقد كانت تُعرَف في ذلك الوقت بـ"دالي". ومرَّ قوبلاي خان عبر الكهام حتى وصل إلى دالي، لكن العساكر المنغول لم يبقَوْا هناك بعد ذلك. لكن المؤرخين الصينيين الشيوعيين يَدَّعُون أن التبت أصبحت جزءًا من الصين اليوانية منذ هذه الغارة، بصرف النظر عن كَوْنِ سلالة يوان الحاكمة لم تُؤسَّس حتى عام 1271 م.

[وفور عودته من دالي] دعا قوبلاي الكارمابا الثاني كارما باكشي (1204 – 1283 م) إلى معسكره. [ووصل زعيم الكارما كاغيو عام 1255 م، ورغم أن قوبلاي حَثَّهُ على البقاء، إلا أن كارما باكشي رفض، وتوجَّه بدلاً من ذلك إلى بلاط الخان الأكبر مونكو في قراقورم، وهي عاصمته في منغوليا. ووصل إلى هناك في العالم التالي 1256 م.]

مناظرات بين البوذية ودياناتٍ أخرى

[ومثل سابقيه، وبصفته خانًا أكبر، كان لمونكو ممثلين عن دياناتٍ مختلفة في بلاطه، فقد كان مُهتمًّا برعاية المناظرات التي تجري بينهم؛ لمعرفة الديانة التي تتفوق على غيرها. وفي عام 1254 م ناظر ويليام القادم من روبروك، وهو مُبشِّرٌ فرانسيسكاني فلمنكي، إلى جانب ممثلين عن المسيحية النسطورية والإسلام، والبوذيين التشانيين الصينيين، والذين وصفهم بـ"عبدة الأوثان". وفي عام 1255 م رَعَى الخان الأكبر مناظرة بين البوذين والمُمَثلين بنامو والطاويين، حول الادعاء الطاوي بأن بوذا كان تلميذًا للاجو، وأن لاودزي حول البلاد الغربية إلى الطاوية، وكان نامو هو الفائز.]

كان مونكو خان ينوي إكمال فتح الصين الذي بدأه جده جنكيز وعمه أوغيدي، وفي عام 1256 م كان قوبلاي، بصفته مالك إقطاعية شمال الصين، وقد بنى قصرًا لنفسه في خانباليق، في شمال بكين الحالية. ومن هناك انضمَّ قوبلاي إلى مونكو في حملته ضد الصين السونغية الجنوبية عام 1258 م.

وقبل بدء الحملة أمَرَ مونكو قوبلاي بعقد مناظرة أخرى بين البوذيين والطاويين، ويكون موضوع المناظرة هو: هل كان بوذا تلميذًا للاوجو. وفي هذه المرة مثَّل باغبا الجانب البوذي، وهُزِم الطاويون مرة أخرى. ولِكَوْنِ الطاوية شديدةَ الشعبية في المناطق السونغية الجنوبية فقد بدا النصر العقائدي نصرًا يُبشِّر بالخير.

ولكن مونكو خان تُوفِّيَ نتيجة الحُمَّى عام 1259 م خلال هذه الحملة. وبعد وفاته نَشَب نزاعٌ على منصب الخان الأكبر بين أخوَيْ مونكو: قوبلاي وأريق بوكي. وترك مونكو أريق بوكي مسئولاً عن قراقورم عندما ترك حملته. وفي عام 1260 م في حين انتُخِبَ أريق بوكي خانًا أكبر في قراقورم، وانتُخِبَ قوبلاي للمنصب نفسه في خانباليق. واندلعت الحرب بينهما، فتمَكَّن قوبلاي أخيرًا من هزيمة أريق بوكي عام 1264 م.

وبعد إخماد النزاع مَنح قوبلاي غاغبا لقب "تيشري"، الذي يعني "المدرس الملكي". [وكما ذكر وايلي وآخرون، فقد مُنِحَ باغبا لقب "غوشري" لا غير (مدرس الدولة) في ذلك الوقت.]

أراد قوبلاي السماحَ باعتماد مدرسة ساكيا التابعة لباغبا للممارسة فقط، لكن باغبا أصرَّ على أن المدارس البوذية التبتية الأخرى يجب أن تُعتمَد للمُمارَسة كذلك، بمن فيها كارما كاغيو. [نتيجةً لرفض كارما باكشي دعوة قوبلاي السابقة في البقاء معه، ونتيجةً للشكوك المُثارة حول كارما باكاشي في تأييده لأريق بوكي، لم يقدم له قوبلاي أية رعاية بعد أن أصبح خانًا أكبر. وكما ذكر لوشيانو بيتيتش (Luciano Petech) في "التبت الوسطى والمنغول: اليوان- فترة ساسكايا في التاريخ التبتي" (Central Tibet and the Mongols: The Yüan – Sa-skya Period of Tibetan History)، فقد اعتقل قوبلاي كارما باكشي ونفاه إلى دالي، التي لم يُسمح له بالخروج منها إلا عائدًا إلى التبت عام 1269 م).]

تأسيس السيادة المنغولية المُطلَقة على التبت

[وفور هزيمة قوبلاي لأريق بوكي، وتولِّيه منصب الخان الأكبر الذي لا يُنازعه عليه أحد، أسَّس في عام 1264 م مكتب الحُكم الرئيس للشئون التبتية والبوذية. وكان ذلك قبل سبع سنوات من تأسيس قوبلاي لسلالة يوان الحاكمة في الصين. وكان المكتب يتألَّف من ثلاثة أقسام وَفقًا للمناطق التبتية الثلاث المذكورة سابقًا: التبت الوسطى وأمدو والكهام. وخضع كل قسم لإدارة مستقلة، وكان يرأسُ المكتب يُدعى سينغ-غي، وهو راهبٌ تبتي تحول إلى الأويغورية، وبالتالي كان يعمل في منصب رئاسة المكتب راهبٌ بوذي دائمًا. وتحكَّم المكتب بمحطات البريد في التبت، ورَتَّب الطقوس البوذية للولايات وللعائلة الملكية، كما أنه رتَّب الشئون العسكرية في التبت، وفي ظل مكتب تهدئتها.

ويشرح هيربرت فرانكي (Herbert Franke) في "التبتيون في الصين اليوانية" (Tibetans in Yüan China) في "الصين تحت حكم المنغول" (China under Mon­gol Rule) أن التبتيين والمنغول وحدهم هم من عملوا في مكتب الحُكم الرئيس للشئون التبتية والبوذية، ولم يُوظَّف الصينيون الهانيون، في حين أن مكتب التهدئة لم يُوظِّف سوى المنغول. وهكذا كَوَّن المكتب وحدة متميزة في الحكومة الملكية المنغولية، وهي مُنفصلة تمامًا عن مرافق الحُكم المُنشأة بعد ذلك لإدارة الصين اليوانية. وبذلك لم تُحوَّل مناطق التبت الثلاث إلى مقاطعات في الصين اليوانية أبدًا، بل أُدِيرت دائمًا بشكل منفصل بوصفها مناطق منغولية. وفي الحقيقة أنشأ المنغول محطات تجارية، مع دكاكين حدودية مرخَّصة، على حدود أمدو والكهام مع الصين، وهو ما يُشير بصورة واضحة إلى أن المناطق التبتية التي كُوِّنت عبارة عن قسم مُميَّز من الإمبراطورية المنغولية المنفصلة عن الصين، ولم يُؤسِّسوا محطات مشابهة للتجارة داخل الحدود الصينية.]

وفي عام 1265 م عاد باغبا إلى التبت للمرة الأولى منذ طفولته. [وكان يُرافقُه أخوه الأصغر العلماني تشاغنا-دورجي، الذي انتُدِب ليكون الرئيس الإداري المحلي للتبت الوسطى. كما أن المجموعة ضمت 6000 جندي منغولي. وكما ذكر وايلي في "إعادة تفسير الغزو المنغولي الأول للتبت" (The First Mongol Conquest of Tibet Reinterpreted) رافق الخيالة المنغول غابغا لضمان سلطة منغولية مركزية في ظل مكتب الحُكم الرئيس للشئون البوذية والتبتية، وهو في طريقه أحكم المنغول قبضتهم على أمدو.

وقد تُوفِّيَ تشاغنا في التبت عام 1267 م.] حينئذٍ عُيِّنَ شاكيا-زانغبو (المتوفَّى عام 1275 م) ليأخذ مكانه، ومُنح لقب "قاضي القضاة"، مع مكتب قيادة عامة في ساكيا.

وغادر باغبا التبت عام 1267 م للعودة إلى عاصمة قوبلاي الجديدة، وهي دايدو[(بكين الحالية). وبعد مغادرة باغبا أُجرِي الإحصاء الرسمي عام 1268 م، وكان باللغة المنغولية، في ظل سُلطة شاكيا-جانغبو والمسئولين المنغول الذين ظلُّوا هناك. ونتيجةً لهذا الإحصاء بدأ تقسيم التبت الوسطى إلى ثلاثة عشر نظامًا أُمَميًّا أو وحدات إدارية، يَرأس كل واحدٍ منه "قاضٍ أُمَمي". كما تابع المنغول الأمر في ذلك الوقت؛ لتأمين الكهام تحت سيطرة مكتب الشئون التبتية والبوذية.]

ووصل باغبا عائدًا إلى بلاط قوبلاي خان عام 1269 م [بعد ثلاث سنوات من وصول ماركو بولو إلى هناك عام 1266 م.] وأحضر معه مخطوطًا لكتابة اللغة المنغولية التي اخترعها، اعتمادًا على المخطوط التبتي. وكانت مُجهزة لنسخ السنسكريتية بأحرف تبتية بصورة أفضل من المخطوط المعتمد على الأويغوريين الذي استُخدم سابقًا. وقد استُخدِم "مخطوط باغبا" فترةً وجيزة للعمل الرسمي، لكن شكله الرباعي جعله غريبًا، وتُرِك بعد وفاة قوبلاي عام 1295 م.

[وكما ذكر وايلي، لم يُمنَح باغبا لقب "تيشري" إلا عام 1270 م؛ أملاً في تأسيس قوبلاي سلالة يوان الحاكمة في الصين وتتويج أول أباطرتها يوان شيزو عام 1271 م. ومن خلال منح هذا اللقب للاما تبتي كان قوبلاي يتبع المثال الذي وضعه التانغوتيون للمنطقة التي حكمها منذ عام 1251 م. وكان الباروم كاغيو لاما تيشري رايبا (المولود عام 1164 م) قد قُلِّدَ هذا اللقب في البلاط التانغوتي من عام 1196 حتى 1226 م في ظل حكم ثلاثة أو أربعة ملوك تانغوتيين. وفي العادة تضمَّن اللقب "تيشري" أن يَمنح حاملُ اللقب الإمبراطورَ تعزيزات تانترية.

وعاد باغبا إلى ساكيا عام 1276 م. وكما قال وايلي فقد حدث ذلك لغرض العثور على بديل لشاكيا-جانغبو، الذي توفي منذ عام. وعيَّن باغبا كونغا-زانغبو ليكون قاضي القضاة التالي.

ووسَّع قوبلاي خان الآن نطاق السلطة القضائية لمكتب الحُكم الرئيس للشئون التبتية والبوذية بضم الصين كلِّها. وفي عام 1277 م مُنح المكتب السلطة على كل الأديرة البوذية، وليس داخل المناطق التبتية فقط، وإنما داخل الصين كذلك. وخلال سنتيْن، وفي عام 1279 م أكمل قوبلاي فتحه للصين السونغية الجنوبية؛ إذ نفى آخر أباطرة السونغ المهزوم إلى التبت فأصبحَ راهبًا بوذيًّا.]

تمرُّد دريكونغ ضد الساكيا

في هذه الأثناء في التبت، وفي عام 1280 م، تُوفِّيَ باغبا بصورةٍ غامضة. [اتُّهِمَ كونغا-جانغبو بقتله بالسُّمِّ، فأعدمه قوبلاي بتُهمة القتل عام 1281 م. وتلت ذلك فترةٌ من الاضطراب. وفي عام 1285 م تمرَّدت قوات دريكونغ كاغيو ضد حُكم ساكيا، وأضرمت النار في مُختلف أديرة ساكيا. ولكن العساكر المنغولية أخمدت التمرُّد تحت قيادة حفيد قوبلاي تيمور خان (1265 – 1307 م) وترتيب سينغ-غي رئيس مكتب الحُكم الرئيس للشئون التبتية والبوذية. وبمساعدة موالي ساكيا أَحْرَق الجيش المنغولي مكاتب القيادة الرهبانية في دريكونغ.

وكما قال وايلي، فقد كانت هذه الأحداث على الأرجح جزءًا من حملة عسكرية أكبر شَنَّها قوبلاي ضد منافسه قايدو خان (1230 – 1301 م)، وهو حفيد أوغيدي. وفي عام 1268 م كوَّن قايدو إلخانة الخاصة في تركستان الشرقية وأجزاء من تركستان الغربية، ولم يعترف بقوبلاي خانًا أكبر. وقد تسامح قايدو، الذي كان يميل إلى الإسلام، مع الدريكونغ كاغيوبا. ويفترض وايلي أن قايدو كان وراء تمرُّد دريكونغ في التبت، وقد هزمت قوات قوبلاي قاديو عام 1288 م.

وفي هذه السنة نفسها استبدَل قوبلاي مكتب الحُكم الرئيس بمكتب الأنظمة العام، للشئون التبتية والبوذية. وكانت لديه نفس الوظائف التي كانت للمكتب السابق، كما كان سينغ-غي هو من يرأسه. وكان - اسميًّا فقط - تحت سُلطة مكاتب المدرس الملكي، وبدأت إعادة البناء بعد أن أجرى المنغول إحصاءً رسميًّا ثانيًا عام 1287 م.

وخلَفَ تيمورُ خان قوبلاي بصفته إمبراطور يوان يوان تشنغجونغ (حكم من سنة 1294 إلى 1307 م). وخلال فترة حُكمه رعى طباعة مجموعة تريبيتيكا التانغوتية للمخطوطات البوذية عام 1305 م. ومن الواضح أن ذلك يُشير إلى متابعة الاحترام الظاهر تجاه التانغوتيين، بصرف النظر عن قضاء جنكيز خان على سُكَّانها. وفي ظل حُكم الإمبراطور المنغولي التالي خايشان خان يوان ووجونغ ( حكم من سنة 1308 إلى 1312 م)، وضمَّت الترجمة المنغولية للنصوص المشمولة في الكانغيور، وبدأت الترجمة التبتية لكلمات بوذا، وجُمِع الكانغيور الأولى في ذلك الوقت في دير نارتانغ. وقد نَقَّحَها لاما بوتن من ساكيا (1290 – 1364 م) عام 1351 م في دير شالو.]

تضاؤل القوة المنغولية

بعد وفاة قوبلاي خان عام 1294 م بدأت القوة المنغولية تتناقص تدريجيًّا في الصين؛ نتيجةً للفساد والإدارة المالية الضعيفة والمجاعة. كما تضاءلت قوة أسرة ساكيا في التبت بسبب سلالات الأبناء المتعددة التي أدَّت إلى الشِّقَاق. [وفي عام 1319 م انقسمت أسرة ساكيا الحاكمة إلى أربع عائلات، وللتخلص من الوضع والضعف الذي وجدوا أنفسهم فيه بدأ المنغول في سحب دعمهم العسكري تدريجيًّا من الساكيا.

لكن تأثير الكارمابا تزايد في هذه المرحلة. ويقترح تشانغ جيون يي (Chang Jiunn Yih) في "العلاقة بين اليوان وطائفة الساسكايا بعد قوبلاي خان" (The Relationship between the Yuan and the Sa-skya Sect after Khubilai Khan) في Bulletin of the Institute of China Border Area Studies, المجلد 16، أن المنغول كانوا يرغبون في دعم مدرسة بوذية تبتية بسلالة تتعاقب بصورة أكثر استقرارًا. وكان الكارمابا أول سلالة من التولكو واللامات المتقمصين، وعليه عُدَّ بديلاً واعدًا للساكيا.]

وبالتالي أُرسِل الإمبراطور يوان وينجونغ (حكم من سنة 1329 إلى 1332 م) وراء الكارمابا الثالث رانغجونغ-دورجي (1284 – 1339 م) إلى البلاط اليواني المنغولي في الصين عام 1331 م [من قبَل توغ تيمور، وقد اكتسب الكارمابا الثالث أهمية عظيمة في المناطق الأويغورية والمنغولية. وتُوفِّي توغ تيمور، مثل خليفته إرينتشيبال، يوان نينغزونغ (حوالي 1332 م) عندما كان الكارمابا الثالث في الطريق. وعندما وصل الكارمابا أخيرًا إلى دايدو عام 1333 م.] وتَولَّى مهمة تتويح توغان تيمور [فأصبح بعد ذلك إمبراطورَ يُوان شوندي (1333 – 1370 م)، وهو آخر أباطرة يوان.

وعاد الكارمابا الثالث إلى التبت عام 1334 م وبعد سنتيْن دعاه الإمبراطور المنغولي إلى الصين مرة أخرى، لكن بنبرة أكثر احترامًا هذه المرة. فوصل هناك عام 1338 م، ومنح تعزيز الكلاتشاكرا للإمبراطور، وتلقَّى لقب "غوشري"، أي "مدرس الدولة". وحتى ذلك الوقت لم يحمل هذا اللقب سوى الساكيابا، لكنه لم يحمل أية سلطة سياسية، كما أنشأ الكارمابا الثالث معبدًا للكارما كاغيو في دايدو، وتُوفِّيَ هناك بعد فترة وجيزة.]

تأسيس هيمنة الباغمودرو

وفي عام 1352 م بدأ جانغتشوب-غييلتسين (1302 – 1364 م) - وهو القاضي الأُمَمي لنظام باغمودرو الأُمَمي - هجومًا عسكريًّا في يو بالتبت الوسطى، وذلك للاستيلاء على سلطة التبت من يد الساكيابا. [ومثل الساكيابا كان للباغمودروبا سلالة متعاقبة كذلك عبر العائلة. ولم يُرسل الإمبراطور المنغولي توغون تيمور أية مساعدات عسكرية إلى الساكيابا. بدلاً من أن يكون طَرفًا في النزاع، ودعا الكارمابا الرابع (1340 – 1383 م) إلى دايدو عام 1356 م. في حين كان الكارمابا لا يزال في الطريق] أُطيح بآخر قاضي قُضاة ساكيا في التبت، وأَسَّس جانغتشوب-غييلتسين الهيمنة الدينية الثانية في التبت، وهي هيمنة باغمودرو عام 1358 م، حتى انتهت عام 1434 م.

[لم يشارك توغون تيمور حتى الآن في الشئون السياسية في التبت، رغم أنه حاز لقب "تاي-سيتو" مع تأسيس هيمنة باغمودرو. ولكن يبدو أنه من خلال دعوته التي وجَّهها إلى الكارمابا الرابع أراد أن يكون في موقف الحياد في النزاع التبتي بين العشيرتيْنِ.

كان "دا سيتو" - أو "سيتو" - لقبًا إداريًّا صينيًّا، كان يُستخدَم إمَّا لوزراء العمل والإيرادات، وإما لوزراء التربية والتعليم. وفي التبت كانت الصيغة التبتية لاسم: "تاي-سيتو" تُستخدَم للقضاة الأُمَميين. وبعد ذلك مَنحَ الأباطرة الصينيون اللقب إلى اللامات البارزين، الذين يسافرون إلى البلاط الملكي.

ورغم أن توغون تيمور كان سيِّئَ السُّمعة؛ لأنه كان يُجري طقوسًا تانترية في بلاطه بأسلوب حرفي مُنحلٍّ مع النساء، إلا أن الكارمابا الرابع بَقِي في بلاط يوان من عام 1359 حتى 1363 م. ومِثل سَلَفه الكارمابا الثالث مَنح تعزيز الكلاتشاكرا لكلٍّ من الإمبراطور وملكته.

وطَرَدَ جو يوانجانغ توغون تيمور من دايدو عام 1368 م، وانسحب إلى منغوليا؛ حيث أنشأ سلالة يوان الشمالية الحاكمة (1368 – 1412 م). واستولى جو يوانجانغ على الحكم في الصين، وأنشأ سلالة المينغ الحاكمة (1368 – 1644 م) وعاصمتها في نانجينغ. وأصبح يُعرَف بعد ذلك بإمبراطور هونغوو، مينغ تايزو (حوالي 1368 – 1399 م
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://elswesry22.yoo7.com/
بقايا جروح
مشرف المنتدي الأدبيمشرف المنتدي الأدبي
بقايا جروح


انثى
ســآعـتي :
التسجيل : 10/01/2010
المساهمات : 7226
عدد النقاط : 11523
المزاج : كل شي عن البوذيين  .. مميز. Qatary22
المهنة : كل شي عن البوذيين  .. مميز. Studen10
الهوايه : كل شي عن البوذيين  .. مميز. Travel10
الدولة : كل شي عن البوذيين  .. مميز. Female16
الأوسمة : كل شي عن البوذيين  .. مميز. 3h210
التميز : كل شي عن البوذيين  .. مميز. 1510

كل شي عن البوذيين  .. مميز. Empty
مُساهمةموضوع: رد: كل شي عن البوذيين .. مميز.   كل شي عن البوذيين  .. مميز. I_icon_minitimeالسبت 28 يناير 2012, 6:32 pm

4 هيمنات الباغمودرو والرينبونغ والتسانغبا

تأسيس هيمنة الباغمودرو


[color=olive]وصل دورجي-غييلبو (1110 – 1170 م)، وهو راهبٌ عالي الثقافة من الكهام، [تلميذ المعلم الكاغيو غامبوبا،] إلى التبت الوسطى عام 1158 م؛ ومُنِحَ اسم "باغمودروبا" ومعناه "القادِم من مركب سو"؛ لأنه بنى صومعة على مركب يشق الماء. وبعد ذلك توسَّعت هذه الصومعة وتحوَّلت إلى دير باغدروي دينساتيل. كان تشين-نغا رينبوتشي (1175 – 1255 م) أحد تلاميذ التلميذ دريغونغبا، الذي كان تلميذًا لباغمدروبا. وأصبح رئيس الدير، وعيَّنَ دروجي-بيل من عائلة لانغ رئيسًا على قطعة الأرض نيدونغ القريبة.

وعند تأسيس النظام الأُمَمي الثالث عشر عام 1268 م أصبح دورجيبال الوالي الأُمَمي لباغمودرو، واستمر توارث هذا المنصب في عائلة لانغ؛ حيث درجت العادة على أن يرأس أحدُ الأبناء العُزَّاب الديرَ والنظامَ الأُمَمي. [وهكذا كان لعائلة لانغ دورٌ في باغموترو، وهو دور مُشابه لدور عائلة كون في ساكيا. كانت باغموترو مُقاطعةً من مقاطَعات يو، في النصف الشرقي من التبت الوسطى، في حين كانت ساكيا تقع في مقاطعة تسانغ في النصف الغربي.]

وُلدَ جانغتشوب-غييلتسين (1302 – 1364 م) لعائلة لانغ المذكور. وفي سن الثانية عشرة بدأ بدراسة البوذية والإدارة في ساكيا، وفي عام 1322 م عَيَّنه قاضي قُضاة ساكيا قاضيًا أُمَميًّا على باغمودرو، ومُنح لقب "تاي-سيتو" باسم إمبراطور يوان، وعادَ إلى نيدونغ [وأَصبح بعد ذلك معروفًا باسم سيتو جانغتشوب-غييلتسين.]

وسَرعان ما بدأ جانغتشوب-غييلتسين حملةً عسكرية لاستراداد الأرض التي استولى عليها النظام الأُمَمي المجاوِر، واستمر هذا النزاع طوال عام 1345 م. وقد استاءَ قاضي قُضاة ساكيا غييلوا-زانغبو من ثبات جانغتشوب-غييلتسين في هذه المسألة، فعزله عن منصبه بصفته قاضيًا أُمَميًّا، غير أن جانغتشوب-غييلتسين رفض التنازل، حتى عندما تحالفت ساكيا والأنظمة الأُمَمية المُحيطة ضده، فسُجِن وعُذِّبَ.

بدأ التحالف الذي تَكوَّن ضد جانغتشوب-غييلتسين بالتفكُّك؛ بسبب الغيرة المتزايدة بين قاضي قضاة ساكيا غييلوا-زانغبو، وبين وزيره الداخلي وانغتسون. فقد شعر غييلوا-زانغبو أن استمراره في الحكم يحتم عليه الاعتماد على إيجاد حليفٍ قوي؛ ولذلك عرض منح جانغتشوب-غييلتسين حُرِّيَّته وألقابه شريطةَ ألا يتحداه.

وفور إطلاق سراحه عام 1352 م استعاد جانغتشوب-غييلتسين مركزه في نيدونغ، فمضى في هجومه فورًا. ومع حلول عام 1354 م، وبمساعدة من غييلوا-زانغبو سَرعان ما أمسك بزمام السلطة في يو، وخلال لقاءٍ مع لاما ساكيا كونبانغبا اعتذر غييلوا-زانغبو لجانغتشوب-غييلتسين عن الأسلوب الذي عُومِلَ به، لكن هذه المصالحة لم تُعجب وانغتسون الوزير الداخلي، الذي جرد غييلوا-زانغبو من واجباته، فسَجَنَه واستولى على الحُكم بصفته قاضي قُضاة ساكيا.

وبعد أربع سنوات، وفي عام 1358 م اغتال وانغتسون لاما كونبانغبا، وكان هذا الحدث - إلى جانب الإشاعات حول سَجْن وانغتسون لغييلوا-زانغبو - سببًا في جعل جانغتشوب-غييلتسين يحشد جيشه مُتِّجهًا إلى ساكيا، فألقى وانغتسون في السجن، واستبدل مسئولي المحكمة الـ 400 واللاما الحاكِم المُعيَّن حديثًا.

وتعود بداية هيمنة باغمودرو على التبت الوسطى (يو وتسانغ) إلى هذا الانقلاب عام 1358م. [تؤرخ بعض المصادر التاريخية التبتية إطلاق سراح جانغتشوب-غييلتسين من السِّجن واستلامه لقب "تاي-سيتو" إلى عام 1347 م، وتُعيد بداية همينة باغمودرو إلى عام 1349 م، عندما استولى جانغتشوب-غييلتسين على يو كاملةً.

وفي محاولةٍ لإعادة ترسيخ الإمبراطورية التبتية التي شهِدَت سونغتسين-غامبو وتري سونغديتسين] أعاد جانغتشوب-غييلتسين حينئذٍ ترتيب الأنظمة الأُمَمية الثلاثة عشر في مقاطعات، لكلِّ مقطعة قاضٍ خاصٌّ بها. [حتى إنه قد تَسمَّى باللقب التبتي الخالص: "ديسي"، الذي يعادل تقريبًا لقب "رئيس الوزراء". ومع اتباعه المبادئ البوذية] فرض ضريبة زراعية مقدارها سُدس المحصول، وطورَ بِنية تحتية من شوارعَ وجسورٍ ومراكب، ومنح أعمالاً لموظفين عسكريين في المناطق الوَعِرة لحماية الرحَّالة من قُطَّاع الطرق. وبعد أن ألغى القانون المنغولي، وأعاد ترسيخ القانون التبتي التقليدي، أسَّس قانونًا إجراميًّا مُتقدِّمًا عادلاً؛ يُحقق في الجرائم قبل فرض ثلاثة عشر مستوًى من العقوبات. وكان لامات الساكيا يتبعون العُرف المنغولي بإعدام المُشتبَهين ببساطة، دون إخضاعهم لمُحاكَمة.

وخلال حياته بقيت نذور جانغتشوب-غييلتسين الرهبانية تحظى بأهمية كبيرة بالنسبة له. فعلى سبيل المثال، لم يُسمَح بحضور النبيذ ولا النساء في المناطق الداخلية من قصره في نيدونغ. وعندما تُوفي عام 1364 م خلَفَه ابن أخيه الراهب جاميانغ-شاكيا-غييلتسين (1340 – 1373 م).

ادعاء سلالة المينغ الحاكمة بأنها وريث الحُكم المنغولي للتبت

وهكذا سقطت التبت والصين في قبضة الإمبراطورية المنغولية في أوقات مختلفة، ونالتا استقلالهما عن الإمبراطورية في أوقات مختلفة كذلك.

[رغم أن بعض المناطق في أمدو كانت عُرضة للغزوات المنغولية اللاحقة لفتوحات جنكيز خان، التي وصلت المناطق التانغوتية عام 1227 م، إلا أن المنغول لم يُقيموا حُكمًا رسميًّا على المناطق الثقافية التبتية في أمدو والتبت الوسطى والكهام حتى عاميْ 1264 ، 1265 م. وحدث ذلك عندما عاد باغبا إلى التبت الوسطى مصحوبًا بخيالةٍ منغوليين. وقبل ذلك الوقت كانت التبت أرضًا مستقلة، رغم أنها لم تخضع لحُكمٍ مُوحَّد، إلا أنها لم تخضع لحُكمٍ أجنبي أيضًا.

ومن جانبٍ آخر استسلمت سلالة السونغ الجنوبية المستقلة في الصين للمنغول مع تأسيس سلالة منغول يوان الحاكمة عام 1271 م. ومع الفتح الأخير لمنطقة السونغ الجنوبية عام 1279 م اختفى كل أثر للصين المستقلة. فدمج المنغول للمناطق الصينية الشمالية التي يحكمها الجورتشيون، الذي بدأ جُزئيًّا عام 1214 م، وانتهى في عام 1234 م، لم يعبر عن خسارة الحُكم الصيني المستقل للمناطق الصينية.]

نالت التبت الوسطى استقلالها عن المنغول عام 1358 م، مع إطاحة جانغتشوب-غييلتسين الأخيرة بهيمنة ساكيا. ومن جانب آخر حدث استقلال الصين عام 1358 م، في الوقت نفسه الذي كانت فيه أمدو تئِنُّ تحت الحُكم المنغولي حتى عام 1370 م. ولم تكن الكهام - بعدد سكانها القليل - تتمتع بإدارة قوية حتى خلال فترة يوان؛ ولذلك سيكون من غير الدقيق تاريخيًّا أن نستنتج أن سلالة المينغ الحاكمة (1368 – 1644 م) في الصين هي وريث عرش التبت من المنغول. [وليس ذلك لأنه لم يتبقَ للمنغول أيَّةُ بقايا من حكمهم في التبت الوسطى أو في الكهام عند تأسيس سلالة المينغ الحاكمة، بل لأن الأباطرة المنغوليين لم يتعرَّفوا على هيمنة باغمودرو أثناء حيازتهم العرشَ الصيني.

ويذكُر كتاب "تاريخ أسرة مينغ" (The History of the Ming Dynasty) تأسيس مكتب قيادة عسكرية إقليمية مع سُلطة قضائية على التبت الوسطى والغربية والكهام، بالإضافة إلى مكتب تهدئة. ورغم ذلك، فإن باحثين غربيين، مثل إيليوت سبيرلينغ (Elliot Sperling) "هل حاول أباطرة المينغ الأوائل تطبيق سياسة: "فَرِّق تَسُدْ" في التبت؟" ("?Did the Early Ming Emperors Attempt to Im­plement a `Divide and Rule’ Policy in Tibet" في Pro­cee­dings of the Csoma de K?r?s Memorial Symposium) وميلفين غولدشطاين (Melvyn Goldstein)، "أسد وتنين الثلج: الصين والتبت والدلاي لاما" ("The Snow Lion and the Dragon: China, Tibet and the Dalai Lama")، يجزمون بأن موظفيهم لم يتمتعوا بأية سُلطة فعلية، أو أنهم لم يكونوا في التبت أساسًا. وفي النهاية جمع باحثون في مجال سلالة مانشو تشنغ الحاكمة اللاحقة (1644 – 1912 م) التاريخ المنينغي عام 1739 م، وكما كانت الحال بالنسبة لمعظم تواريخ السلالات الصينية الحاكمة فقد كُتبَ بأسلوبٍ يعطي الشرعية لاستمرار حُكمِ سلالةٍ حاكمةٍ جديدة. فالعلاقة بين التبت والصين خلال فترة المينغ كانت في الأساس تقتصر على مقايضة الخيول التبتية بالشاي الصيني، وهي عملية كانت تُمارَس على الحدود الصينية مع الكهام وأمدو. ولم يتواجد العساكر المينغيون في التبت أبدًا.]

مقارنة بين علاقات الصين المينغية مع المنغول والمونغوور والأورييانغخاي والجورتشين

المنغول

[بعد سقوط سلالة يوان الحاكمة، ورغم انسحاب الكثير من المنغوليين إلى منغوليا، بقي الكثير منهم في الصين، خاصةً أولئك الذين استقرُّوا في الصين، واكتسبوا أساليب العيش الصينية. ودُمِج عدد كبير من العساكر المنغوليين المهزومين في الجيش المينغي، وبعضهم في النظام البيروقراطي المينغي. وكانت الحال هي نفسها بالنسبة لكثيرٍ من الأويغوريين الذين خدَموا في الإدارة اليوانية في الصين. وكانت السياسة المينغية تقضي بدمج المنغوليين والأويغوريين الذين ظلُّوا في الصين داخل المجتمع بشكل أكبر، بمن في ذلك أولئك الذين استوطنوا في المناطق الحدودية بين الكهام وسيتشوان. لكن سياسة الدمج المنغية في المجتمع لم تشمل التبتيين؛ لأن التبتيين لم يخدموا في الجيش اليواني، ولا في الإدارة اليوانية في الصين، ولم يهاجروا إلى أقسام معينة من الصين اليوانية.

وقد حاولت القوات المينغية عِدة مرات احتلال منغوليا، وخاضوا الحرب ضد الجيش اليواني الشمالية في مناسبات مختلفة، ورغم النصر الذي حقَّقوه في بعض الأحيان، إلا أنهم لم ينجحوا أبدًا في فرض سلطتهم على منغوليا. وكانت آخر الحملات العسكرية المينغية إلى منغوليا عام 1422 م، وظلت منغوليا مُفكَّكة فيما عرف بـ "أربع وأربعون قبيلة" – أربعون قبيلة من منغوليا الشرقية، وأربع قبائل من منغوليا الغربية.

وخلال أوائل القرن الخامس عشر الميلادي هاجرت العديد من القبائل المنغولية الشرقية إلى جنوب صحراء غوبي، في منغوليا الداخلية الحالية، وطردوا منها المهاجرين الصينيين الذين استوطنوا هناك. وفي المقابل لم تغزُ القوات المينغية التبتَ أبدًا، بل لم يكن بمقدورهم أن يقتحموا المنطقة التبتية ويدخلوها. بالإضافة إلى ذلك لم يطرد التبتيون الصينيين من مناطقهم الحدودية.]

المونغوور

[اختلف وضع منطقتيْ كوكونور وقانسو في أمدو أمام الصينيين المينغيين عن الوضع في التبت الوسطى والكهام، ففي ظل الإدارة المنغولية تفكَّكت التبت إلى ثلاثة عشر نظامًا أُمَميًّا، في حين كانت الكهام تضم سكانًا قليلين، ولم تتطلب جهاز إدارة كبيرا. ومن جانبٍ آخر كان لأمدو تاريخ طويل من السكان المختلطين؛ فقبل وصول المنغوليين كان هناك سُكَّانٌ تويوهون وأويغوريون وتانغوتيون وتبتيون من تسونغكا، وكانوا دائما في صراع فيما بينهم.

واحتُلَّت مملكة تسونغكا التبتية ودُمِجت في الإمبراطورية الجورتشينية عام 1182 م، رغم أن الجورتشين لم يحتلُّوا التانغوتيين أبدًا. وأصبح قسم مهم من سكان تسونغكا وحوا كوكونور وشينينغ ومنطقة جنوب غرب قانسو في أمدو يُعرَفون باسم مونغوور. ويؤكد الكثير من الباحثين أن المونغوور كانوا أحفاد التويوهون، كما يُستدل على ذلك من اسمهم التبتي "تو"، واسمهم الصيني "تورين". ولكن أندراس رونا-تاس (Andras Rona-Tas)، التبتية-المنغولية: الكلمات التبتية المستعارة من المونغورو وتطوُّر اللهجات التبتية القديمة (Tibeto-Mongolica: The Tibetan Loanwords of Monguor and the Development of the Archaic Tibetan Dia­lects) استدل بأدلَّة مقنعة مُعتمدًا على عِلم اللسانيات، أن المونغوور كانوا منغولاً ينحدرون من عساكر كولغين، وهو الابن السادس لجنكيز خان، ولكن الكثير بين العساكر المنغول قد تزوجوا نساء من التسونغكا في التبت وتويوهون، وأصبح للمونغوور دورٌ مهمٌّ في تطور البوذية التبتية في أمدو.

لم تحتلَّ القوات المينغية جنوب قانسو حتى عام 1370 م، وبعد سنتيْن من سقوط سلالة يوان الحاكمة. لكن المونغوور هناك لم ينسحبوا إلى منغوليا كما فعل الكثير من المنغول في أماكن أخرى من الصين، بل إنهم فضَّلوا الاستسلام إلى القوات الغازية. وكان المونغوور مختلفين إلى حدٍّ ما عن المجموعات المنغولية الأخرى في ذلك الوقت؛ لأنهم اعتمدوا على الزراعة في معيشتهم، حتى إنهم علَّموا التبتيين المحليين في أمدو الزراعة, وهكذا كانت لديهم منفعة شخصية في البقاء في المنطقة، وعدم العودة إلى حياة البداوة.

ويذكر رونا-تاس أنه رغم استسلام بعض التبتيين حول شينينغ كذلك إلى القوات المينغية إلى جانب المونغوور، إلا أن التبتيين حول منطقة الكوكونور وفي الغرب قاوموا القوات الصينية بشراسة، ولكن المونغوور ساعدوا الصينين في إخماد الثورة التبتية عام 1375 م. وهكذا استمرَّ المونغوور في الهيمنة على منطقة أمدو حتى بعد سقوط الإدارة اليوانية.

ويذكر هينري سيرويز، "منغول قانسو خلال أسرة مينغ" ("The Mongols of Kansu during the Ming,” في Me­langes، المجلد 1)، أنه من خلال سلالة المينغ الحاكمة حافظت المناطق المونغوورية على مناطقها ذات الحُكم الذاتي، ولم يدفع السكَّان هناك أية ضرائب لحكومة المينغ المركزية، بل دفعوا ضرائب محلية فقط. وكانت المنطقة تضم الكثير من القرى الصغيرة التي يسكنها صينيون هانيون، في حين عاش المونغوور في أغلب الأحيان في منطقة محاطة. وهكذا كان يمكن للصينيين بكل سهولة أن يراقبوا المونغوور، وكان يمكن للقوات المينغية أن تصل إليها إذا لزم الأمر. ورغم أن رونا-تاس يذكر أن المونغوور قد خدموا الحكومة المينغية لكونهم حراس الحدود ضد المنغول، إلا أن سيررويز يُشكِّك في هذه النتيجة؛ حيث يُشير إلى أن الجيش المينغي - إلى جانب المنغول المندمجين فيه - قد دافع عن الحدود في قانسو، في حين كان المونغوور مسئولين عن السلام في مناطقهم. كما أن المونغوور كان لهم تأثيرٌ في مقايضة الخيل بالشاي التي كانت بين الصين والتبت؛ حيث إنهم كثيرًا ما أدُّوا دور الوسيط للبضائع التي تتنقل بين التبت الوسطى والصين.

إذًا، فالوضع في أمدو يختلف عن الوضع في التبت الوسطى والكهام؛ حيث لم تضم المنطقتان الأخيرتان مستوطنين صينيين أو أحفادَ منغوليين يعيشون هناك، وبالتالي لم تُضمَّا أية مجموعات غير تبتية يمكن لها أن تتعاون مع الصين المينغية بطريقةٍ أو بأخرى.]

الأورييانغخاي

[في عام 1389 م استسلمت ثلاث قبائل منغولية شرقية، تُعرف مُجتمعةً باسم الأورييانغخاي، للصين المينغية. فبعد الحرب الأهلية المنهِكة التي اندلعت بين كل القبائل المنغولية الكثيرة بعد سقوط يُنان توجَّهوا إلى الصين طلبًا للمساعدة في ترسيخ الاستقرار. وأصبح جنودهم يخدمون في نظام الجيش المنغي، وأقاموا حامياتٍ لهم في مناطقهم، التي كانت تقع في المناطق التي تمتد في الجهة الشمالية الشرقية من منغوليا الحالية وشمال غرب مانشوريا.

ويذكر هينري سيرويز (Henry Serruys)، "العلاقات الصينية-المنغولية خلال أسرة مينغ، المجلد 2: نظام الوفود التجارية والبعثات الدبلوماسية، 1400-1600 م" (Sino-Mongol Relations during the Ming, vol. 2: The Tribute System and Diplomatic Missions, 1400 – 1600) أن الحكومة المينغية عاملت أورييانغخاي بوصفها حكومة وصاية تعمل كمنطقة عازلة خارج الأراضي الصينية. ولم يتدخلوا في الشئون الداخلية، بل إنهم حافظوا على مَهام التجارة معهم، وحافظوا على سياسة الود معهم؛ لأن الصينيين كانوا دائمي القلق تجاه تحالف الأوريانغكاي مع منغولٍ آخرين، وبما أن مناطقهم لم تكن تضم مستوطنين صينيين هانيين، فقد تمتع الأوريانغاي باستقلال كبير في ظل الحُكم المينغي أكثر من المونغوور.]

الجورتشين

م سلالة يوان حافظ المنغوليون على بعض الحاميات العسكرية في مانشوريا، لكنهم في الغالب منحوا الجورتشيين الأصليين حُكمًا ذاتيًّا. ولكن، على عكس وضع التبت، ركَّز المنغوليون على الزراعة واستخراج المعادن من مانشوريا للاستفادة منها. وبعد هزيمة المنغول لم تغزُ الجيوش المينغية مانشوريا أبدًا، وبالتالي لم تفرض هيمنتها عليها أو تجمع الضرائب، بل إنهم حافظوا على العلاقات التجارية مع مانشوريا، خاصةً من أجل اقتناء الخيول والفرو والعشبة الصينية.

بعد عام 1400 م أجرت الحكومة المينغية ترتيباتٍ عسكرية مع الجورتشين، وهي مشابهة لتلك الترتيبات التي أجريَت بالقوة مع الأورييانغخاي، فقد تعاملوا مع الجورتشين والأورييانغخاي على أنهما يُكوِّنَان معًا وحدة إقليمية منفصلة تمامًا عن منغوليا أو الصين.

وقد تبنَّى الكثير من الجورتشين نماذج كورية من البوذية، ويذكر موريس روسابي "الجورتشيون في يوان ومينغ"؛

[color=red]إمبراطور هونغوو وتأسيس سلالة المينغ الحاكمة


وفي عام 1368 م حلَّت سلالة المينغ الحاكمة مكان سلالة يوان المنغولية الحاكمة في الصين. [كان المؤسِّس المينغي الإمبراطور الهونغوُوي مينغ تايزو (حكم من سنة 1368 إلى 1399 م) راهبًا بوذيًّا في سنوات مُبكِّرة من حياته. وفي عام 1369 م أرسل بعثة إلى التبت الوسطى، ولكنها عادت على أعقابها. غير أن البعثة الثانية، التي قادها المبعوث شو يوندي، فقد وصلت وأعلمت التبتيين بالألقاب والمراكز التي منحها حُكَّام يُوان التي تعيد سلالة المينغ الحاكمة تأكيدها. ودعا مبعوث الإمبراطور اللامات العِظام من المدارس المختلفة إلى البلاط الملكي في نانجينغ، وكان الكارمابا الرابع من بين المدعوين الذي رفض الدعوة.]

إن اللامات التبتيين الذين دُعوا لاحقًا إلى البلاط المينغي لم يحملوا مركزًا سياسيًّا، مثل الذين حضروا البلاط المينغي سابقًا. [إنَّ حملةَ الألقاب، مثل لقب "تاي-سيتو"، الذين كانوا يحملون معهم سُلطة سياسية في التبت، خلال هيمنة ساكيا، لم يعودوا يتمتعوا إلا بمقامات فخرية لا تحمل أية أهمية سياسية. ولعلَّ أبرزَ مثالٍ على ذلك كان تلميذ كارمابا الخامس تشوكيي-غييلتسين (1377 – 1448 م)، الذي حصل على لقب "تاي-سيتو" من الإمبراطور المينغي الثالث، وأصبح يٌعرَف باسم تاي سيتو رينبوتشي الأول.

في الحقيقة، ألقى الإمبراطور الهونغوُوي قيودًا على الرهبان البوذيين في الصين ليضع حدًّا لقوتهم السياسية. ورغم ذلك، أظهر المؤسس المينغي اهتمامًا صادقًا بالبوذية، فأرسل الراهب الصيني الهاني زونغلوو إلى التبت بين عاميْ 1378 و 1382 م، فجلب معه نصوصًا بوذية معينة. وعندما توفيت الإمبراطورة عام 1382 م أرسل رهبانًا بوذيين إلى بلاطات الأمراء المختلفين، لتلاوة السوترا باسمها. وشمل ذلك الراهب الصيني الهاني داويان، الذي أرسَلهُ إلى أمير يان في منطقة دايدو (بكين)، التي كانت تخضع لحُكم الأمير الذي أصبح في نهاية الأمر إمبراطور يونغليي، مينغ تشينغزو (حكم من سنة 1403 إلى 1424 م).]

إمبراطور يونغليي والكارمابا الخامس

[يذكر هينري سيرويز، "نسخة مخطوطة من أسطورة السلالة المنغولية لإمبراطور يونان"

كان إمبراطور يونغليي مُؤيِّدًا كبيرًا للبحث الصيني وللبوذية، وبعد اعتلائه العرش بفترة وجيزة، وفي عام 1403 م أمرَ بتأليف "موسوعة يونغليي العظيمة"، ثم أُكمِلت عام 1408 م. ومن خلال أحد عشر ألف مُجلَّد أحاطت الموسوعة بكل مجالات العِلم، ولكن لم يصلنا منها في يومنا هذا إلا 400 مجلَّد.]

وكذلك في عام 1403 م أرسل إمبراطور يونغليي دعوة إلى نانجينغ القائد الروحي الباغمودروي دراغبا-غييلتسين (1385 – 1432 م)، الذي أصبح بعد ذلك رئيس وزراء باغمودرو الخامس (حوالي 1409 – 1434 م). ولكن دراغبا-غييلتسين رفض الدعوة، وبالتالي دعا الإمبراطور كارمابا الخامس (1384 – 1415 م) بدلاً منه. وعندما وصل الكارمابا الشاب عام 1407 م استُقبِل بأعلى التشريفات.

[واتباعًا للتقاليد فقد مَنَحَ داكيني أي العذارى السماويات، اللاتي يُشبهن - إلى حدٍّ ما - "الملائكة الروحانية"، الكارمابا الأول قُبَّعة تاجية بلونٍ أسود أثيري، وذلك بعد أن وصل إلى مستوى التنوير. ويُقال إن القُبعة حِيكَت من شعر مئة ألف عذراء منهن. أما الكارمابا الثاني كارما باكشي فقد أعلن، وهو في الثلاثين من العمر، أنه حصل على قبعة تاجية سوداء اللون فوق رأسه. وهكذا بدأت السلالة الأولى من اللامات المتقمِّصين ("تولكو") في التبت.

كما أنَّ الكارمابا الثالث والرابع عرَّفا عن أنفُسِهما من خلال التصريح بأنهما أيضًا قد حصلا على قبعة تاجية بلونٍ أسود أثيري فوق رأسيهما. ودلالةً على علاقتهما الوطيدة قدَّم الكارمابا الثالث قبعة تاجية حمراء إلى أحد تلاميذه الأساسيين، وهو دراغبا-سينغيي، الذي عُرِف بعد ذلك باسم شامار رينبوتشي الأول (1284 – 1349 م).

ولاحظ إمبراطور يونغليي القبعة التاجية ذات اللون الأسود الأثيري على رأس الكارمابا الخامس، وقدَّم له نسخة طبق الأصل منها. حينئذٍ أنشأ الكارمابا الخامس "طقس القبعة السوداء"؛ حيث يلبس فيه القبعة، ويتقمَّص بشكل كامل بهيئة جسدية روح أفالوكيتيشفارا، وهو رمز بوذا الذي يُجسَّد الشفقة.

وطلب الإمبراطور من الكارمابا الخامس إجراء طقوسٍ على شرف والديْهِ المتوفييْنِ. وكما ذكر إيليوت سبيرلينغ، "الكارما-با الخامسة وبعض أوجه العلاقة بين التبت وأسرة المينغ المبكرة" (“The 5th Karma-pa and Some Aspects of the Relationship between Tibet and the Early Ming” في Tibe­tan Studies in Honour of Hugh Richardson)، رغبَ إمبراطور يونغليي في عقد تحالف مع قائد الكارما كاغيو، يكون شبيهًا بعلاقة دعم اللامات بين أباطرة المنغول اليوُانيين والساكايابيين، ولكن الكارمابا الخامس رفض الأمر، وغادر في السنة التالية.]

تحليل دعوات إمبراطور المينغ للامات التبت

إن الطلبات التي أرسلها إمبراطور المينغ إلى لامات التبت لزيارة الصين، وحرية اللامات التي مُورِست مقابل هذه الطلبات، جعلت العلاقة الصينية التبتية في ذلك الوقت تتمتع باستقلالية متبادَلة.

[كانت سياسة المينغ التي نشأت هي منح ألقاب وهدايا سَخيَّة لكلِّ لاما قيادي يقبل الدعوة إلى الصين، بصرف النظر عن انتمائه إلى مدرسةٍ معينة. وكما ذكر توريل وايلي (Turrell Wylie)، "تبجيل اللاما في أسرة مينغ" (“Lama Tribute in the Ming Dynasty” في Tibetan Studies in Honour of Hugh Richardson) كان الغرض من وراء هذه السياسة هو التفريق بين لامات التبت، من خلال مكافأتهم جميعًا، والوقوف في وجه أية علاقة خاصة تدعم اللامات، وكان الهدف هو كسب التبتيين؛ كي لا يُكوِّنوا تحالفًا مستقبليًّا مع المنغول.

لكن إيليوت سبيرلينغ، "هل حاول أباطرة المينغ الأوائل تطبيق سياسة: "فَرِّقْ تَسُدْ" في التبت؟"

فعلى سبيل المثال، بعد سنتيْنِ من مغادرة الكارمابا الخامس أُسِّست مدرسة تبتية للغة في بكين لتدريب الدبلوماسيين. وكان إمبراطور يونغليي قد نقل في ذلك الوقت عاصمة المينغ من نانجينغ إلى بكين، لكنَّ المبعوثين الصينيين الذين أُرسِلوا إلى التبت، الذين يُدعَوْن: "حاملو الوثائق الذهبية"، قُتِلوا هناك. وفي النهاية فاوَضَ الكارمابا الخامس بعدم إرسال عساكر صينيين إلى هناك. وفي الحقيقة لم تكن الصين المينغية قادرة أبدًا على صَدِّ أية حملة عسكرية خارج الحدود الصينية-التبتية.]

إمبراطور يونغلي وتسونغخابا

دعا إمبراطور يونغلي مُؤسِّس مدرسة الغيلوغ تسونغخابا (1357 – 1419 م) مرتيْنِ لزيارة الصين. ووصل تسونغخابا إلى التبت الوسطى من موطنه الأصلي أمدو في عام 1372 م، بالقرب من مملكة إمبراطور يونغلي، وذاع صيته بشكل كبير. [وأرسل الإمبراطور مبعوثه هوكشيان، وهو المسئول الرسمي نفسه الذي سبق أن أرسله لدعوة الكارمابا الخامس.]


رفض تسونغخابا الدعوة الأولى عام 1409 م؛ لأنه كان مشغولاً بتأسيس مهرجات صلاة مونلام الأول في لاسا، بدعمٍ من دراغبا-غييلتسين رئيس وزراء باغمودرو. وفي السنة نفسها أسَّس كذلك ما يُعرَف الآن باسم دير غيلوغ الأول، وهو دير غاندين.

ولذلك أرسلَ تسونغخابا بدلاً عنه تلميذه جامتشين تشوجي (1354 – 1435 م).

وقد أرسل الإمبراطور طلب كتاب مخطوط كانغيور يدويا، وربما كان ذلك ليكسب تسونغخابا العالِم إلى صفه جُزئيًّا، حينئذٍ رعى نُسخة مطبوعة منها عام 1410 م في بكين، وأصبحت تلك النسخة تُعرف باسم "كانغيور يونغلي".]

وعندما دعا إمبراطور يونغلي تسونغخابا إلى الصين مرة ثانية عام 1414 م، وقوبلت دعوته بالرفض من جديد، تَوجَّه جامتشين تشوجي من جديد إلى البلاط المينغي، وأصبح جامتشين تشوجي معلم الإمبراطور الخاص، ومُنحَ الكثير من الهدايا، ولقبًا عالي المستوى. كما أنه أسَّسَ دير هوانغسي (المعبد الأصفر) في بكين. [ورغم هذه العلاقة الداعمة للامات بين جامتشين تشوجي وإمبراطور يونغلي، لم تَنشَأ أية ترتيبات سياسية بين الصين المينغية والغيلوغبايين.]

وبعد عودته إلى الصين أنشأ جامتشين دير سيرا عام 1419 م. كما أن تلميذًا آخر من تلاميذ تسونغخابا، ويُدعى جاميانغ تشوجي (1379 – 1449 م)، أنشأ دير دريبونغ قبل ثلاث سنوات عام 1416 م. وبالإضافة إلى دير غاندين كوَّن الثلاثة معًا الأديرة الرئيسة في غيلوغ، وكانت جميعها تقع حول لاسا في مقاطعة يو.

[توفي إمبراطور يونغلي عام 1425 م، فخلفه مينغ رينزونغ إمبراطور غونغيان، الذي حكم أقلَّ من سنة، وخلَفَهُ مينغ يينغزونغ إمبراطور جينغتونغ، الذي اعتلَى العرش الملكي المينغي مرتيْن، من عام 1436 إلى 1450 م. ومن عام 1457 إلى 1465 م. وقد شهدت التبت تَغيُّرات كثيرة خلال فترة حُكمه الأولى.]

صعود أسرة رينبونغ

تُوفِّيَ دراغبا-غييلتسين عام 1432 م، وأنذرَ النزاع، الذي نشب بين أبناء أخيه للاستيلاء على سلطة ساكيا في عام 1434 م، ببدء انهيار الهيمنة الباغمودروية. وكانت هذه السنة بمثابة نهاية فترة سَلامٍ في التبت الوسطى، كانت قد بدأت خلال حُكم جانغتشوب-غييلتسين. وتلا ذلك صراعٌ على السلطة بين طائفة باغمودرو، مدعومةً بشعب غيلوغبا في مقاطعة يو، وطائفة رينبونغ، مدعومةً بشعب الكارما كاغيابا في مقاطعة تسانغ.

في ظلِّ حُكم دراغبا-غييلتسين رئيس وزراء باغمودرو أدار نامكا-غييلتسين إقليميْ رينبونغ وساكيا في مقاطعة تسانغ في التبت الوسطى. وكما كانت العادة الدارجة اتخذ اسم العائلة رينبونغ. وفي عام 1435 م احتلَّت أسرة رينبونغ شيغاتسي، الواقعة كذلك في مقاطعة تسانغ، تحت قيادة دوندروب-دورجي. وفي نهاية الأمر تَحالَف معظم التسانغ مع أسرة رينبونغ.

إمبراطورية أويرات المنغولية وعلاقتها التجارية مع الصين المينغية

[في السنة نفسها، عام 1435 م، توحَّد المنغول مُدةً قصيرةً بعد تفكُّكهم التالي لسقوط سلالة يوان الحاكمة. انتقلت السلطة من المنغوليين الشرقيين، الذين ينحدرون من سلالة جنكيز خان، إلى المنغوليين الغربيين، المعروفين –بشكلٍ جماعي- بأويرات، الذين لم يخضعوا يومًا لحُكم إمبراطورية يوان المنغولية.

كان الأويرات يتألَّفون من اتحاد أربع قبائل مختلفة، كان لها دورٌ مُهمٌّ في مستقبل التاريخ التبتي. وكانت تلك القبائل هي التورغوت (الذين عُرِفوا بعد ذلك باسم: الكالميكيون)، والتشوروس (الذين عُرِفوا بعد ذلك باسم جونغار)، والدوربوت والخوشوت (خوشوت). وكان قائدهم الأعظم يُدعى إيسين تاييسي (حوالي 1439 – 1454 م) من قبيلة دوربوت. وفي عصره امتدت إمبراطورية أويرات من تركستان الشرقية إلى منشوريا، ومن سيبيريا إلى السور العظيم.

وقد أرسل الأويرات بعثات شبه سنوية إلى الصين، لمقايضة الخيول والجِمال بالشاي والحرير. وسمَّى الصينيون هذه البعثات بـ"بعثات التبجيل"، في حين عدَّها الأويرات بعثات اقتصادية. ترأسَ الرهبان البوذيون بعضًا من هذه البعثات، مما يُشير إلى أن البوذية كانت تتمتَّع بمكانةٍ مُهمَّةٍ بين الأويرات، ولكن ليس بالدرجة نفسها التي حازتها في الفترة اليوانية.

توسَّعت البعثات الأويراتية، وأثمرت عن مطالبتهم بدعمٍ بات كبيرًا في الصين، الأمر الذي جعل حُكَّام المينغ يحاولون تحديد حجمهم عام 1449 م، ولكن الأويرات لم يستجيبوا، فتوترت العلاقات بين الأويرات والصينيين.]

مملكة مينياغ في الكهام وعلاقتها التجارية مع الصين المينغية

التوتر الشديد بين منغول الأويرات والصينيين المينغ شعر السُّكَّان القريبين من خط الفالق في الشمال الغربي بين الحضارتيْنِ بالتهديد. وقد شملت هذه المنطقة شمال شرق أمدو وغرب قانسو، التي كانت تضم - أيام السلالة المينغية الحاكمة - نينغجيا وشمال شانجي في الشرق، وكانت هذه هي المنطقة المركزية لمقايضة الخيول بالشاي بين المناطق التبتية والصين. وبالتالي شهدت هذه المنطقة عددًا كبيرًا من الهِجرات في ذلك الوقت. فمن الأمدو هاجر الكثير من التانغوتيين - وفيهم ملكهم وليُّ العهد - إلى خام، في حين انتقل الكثير من الصينيين إلى مناطق سيتشوان ويُنان المجاورة لشمال خام.

بالإضافة إلى ذلك، هاجر الكثير من التبتيين كذلك من التبت الوسطى إلى منطقة خام، عندما تضاءلت التجارة بين التبت وجيرانها الجنوبيين: نيبال والهند الإسلامية. وكان من بينهم لودرو-توبدين الذي ينتمي إلى عائلة غار صاحبة النفوذ، والذي سكن في ديريغي شمال خام، وإليه تنتهي السلالة الملكية لديريغي.

لكن المونغوور بقوْا في منطقة أمدو، وأعطوا الحكومة المينغية معلومات حول النشاطات الأويراتية. ويذكر سيرويز "منغول قانسو خلال أسرة مينغ" (“The Mongols of Kansu during the Ming”) أن كثيرًا من المنغوليين انتقل من هذه المناطق الشمالية الشرقية من أمدو خلال تلك الفترة، ويُحتمَل أنهم كانوا من الأويرات.

وقد أسَّسَ المهاجرون التانغوتيون مملكتهم التي حملت الصبغة التبتية في خام، التي أصبحت تُعرف لدى التبتيين باسم "مينياغ". وتطورت المساعي التجارية على الحدود الصينية المينياغية في خام وفي هذه المنطقة، وسَرعان ما حلت هذه المنطقة محلَّ أمدو، لكونها مركز مقايضة الخيول بالشاي بين المناطق التبتية والصين. وخلال فترة الحُكم الأولى للإمبراطور الجينتونغي أرسلت ثماني بعثات من هذه المنطقة الحدودية إلى البلاط الملكي الصيني في بكين، وكانت تلك ضرائب مفروضة على الاقتصاد الصيني.

أصبحت سلالة كارمابا مشهورةً جِدًّا بين التانغوتيين منذ عهد الكارمابا الأول، كما وُلدَ الكثير من الكارمابا الخُلفاء في خام. وخلال فترة حُكمه الأولى دعا الإمبراطور الجينتونغي الكارمابا السادس (1416 – 1453 م) إلى هذا البلاط، لكن طلبه قُوبِلَ بالرفض، ولعل الإمبراطور المينغي كان يسعى إلى عقد تحالف سياسي تبتي.

هزيمة الأويرات للصين المانغية وتأثيرها على العلاقات الصينية مع التبت

[في عام 1450 م هاجم الأويرات تحت قيادة إيسين تاييسي الصين، نتيجةً لنزاعات تتعلق بما اعتبره الأويرات سياساتٍ تجارية غير عادلة. وانطلق الإمبراطور الجينتونغي لمحاربة الأويرات تاركًا أخاه الصغير - مؤقتًا - على عرشه الملكي بصفته الإمبراطور الشواندي مينغ شوانزونغ (حكم من سنة 1450 إلى 1457 م). وهُزمت القوات المينغية شَرَّ هزيمة، ووقع الإمبراطور الجينتونغي في الأَسْر، وتَولَّى إيسين تاييسي لقب "إيسين خان". مع الانهيار الشديد الذي حلَّ بالاقتصاد المينغي أصبحت البعثات التبتية إلى الصين محدودةً عام 1453 م بمرسومٍ ملكي. وعندما لم تلُح في الأفق أية علامة لدفع فدية من الصين أطلق إيسين خان سراح جينتونغ، فسجنه أخوه بعد ذلك.

ولكن سَرعان ما خسر إيسين خان سلطته واغتُيل عام 1454 م، وعليه انهار اتحاد الأويرات، في حين قاد الإمبراطور الجينتونغي انقلابًا واستعاد عرشه الملكي المينغي. وخلال فترة حُكمه الثانية انقلب الإمبراطور الجينتونغي على البوذية.

واستكمل الإمبراطور المينغي التالي إمبراطور تشينغوا مينغ شيانزونغ (حكم من سنة 1465 إلى 1487 م) تَبادُل الهدايا مع اللامات التبتيين. ويذكر ألبرت تشان (Albert Chan) "ازدهار أسرة المينغ وسقوطها" (The Glory and Fall of the Ming Dynasty) أن الإمبراطور دعا الكثير من الرهبان من التبت ومنغوليا، وخلال فترة حُكمه كان هناك آلاف الرهبان التبتيين في العاصمة الميغية، وتلوا الصلوات في البلاط، وعوملوا بسخاء، وحُملوا على المحفَّات في كل مكان، حتى إنَّ مسئولي الحكومة كانوا يُفسحون لهم الطريق، كما أنهم مُنِحوا هِباتٍ كبيرةً من أراضٍ وأموال لبناء المعابد والأديرة. وكما قال تشان فإن الإنفاق الشديد والسخاء من جانب البلاط الملكي تجاه الرهبان البوذيين والطقوس، وبعد ذلك تجاه الشعائر الطاوية، كان أحد الأسباب الرئيسة لسقوط سلالة المينغ الحاكمة.

وتبادَل إمبراطور تشينغوا كذلك الهدايا مع الكارمابا السابع (1454 – 1506 م). إلا أنه رغم ذلك لم يدعُ الكارمابا السابع إلى بلاطه أبدًا، غير أن الكارمابا السابع تلقَّى دعوةً من البلاط المينياغي في خام؛ حيث مكث فيه من 1454 إلى 1471 م وكُرِّم تكريمًا عظيمًا.]

الشاماربا الرابع وغزو الرينبونغ لِيو

كان الشامار رينبوتشي (1453 – 1526 م) معاصرًا للكارمابا السابع، وكان كبيرَ مُستشاري أمراء رينبونغ. وفي عام 1479 م، وتحت رعاية دونيو-دورجي (1462 – 1512 م) من عائلة رينبونغ، أسَّسَ الشاماربا دير يانغباتشن. الذي بُنِي شمالَ عرش كارمابا في دير تسوربو خارج لاسا، وأصبح عرش سلالة الجامار.

[كانت لاسا مثل تسوربو، تقع في مقاطعة يو، وحيث تقع باغمودرو كذلك. ورغم أن الشامار رينبوتشي الرابع وُلد في طائفة الرينبونغ في تسانغ وتحالَف معها، إلا أنه رغب في امتلاك أيَّ مكان في يو. وكان الغيلوغبايون قد امتلكوا موضعًا لهم في تسانغ، وذلك عندما أسَّس غييلوا غيندون-دروب (1391 – 1474 م) - وهو تلميذ تسونغخابا الذي سُمِّيَ الدالي لاما الأول بعد وفاته – دير تاشيلهونبو هناك عام 1447 م، وقد بُنِي هذا الدير في ضواحي شيغاتسي، التي كانت تخضع لسلطة رينبونغ القضائية منذ عام 1435 م.]

وقد رغب دونيو-دورجي والشاماربا الرابع حينها في رعاية بناء دير جديد للكارمابا في لاسا، وكان ذلك استجابةً لرغبة الكارمابا السابع، ولكن قاضي الغيلوغ في لاسا رفض طلبهم، فبدأ بناء الدير خارج لاسا، لكن الرهبان الغيلوغ من ديريْ سيرا و دريبونغ دمروا هذا الدير.

[منذ تأسيس المهرجان السنوي لصلاة مونلام في لاسا احتفظ الغيلوغابيين بالسلطة القضائية في لاسا. ويبدو أن طائفة الكارما كاغيو، خاصةً مع الدعم السياسي الذي حصلوا عليه من الشاماربا الرابع، أرادوا تحدي حيازة الغيلوغابيين للاسا وتأثيرهم في يو، وذلك ببناء المزيد من الأديرة في المدينة وحولها.]

وفي عام 1480 م قاد دونيو-دورجي هجومًا ثأريًّا ضد يو، باسطًا سيطرته على عدة مقاطعات صغيرة قبل سيره نحو نيدونغ. ولم ينجح هجومه على لاسا عام 1481 م، ولما أصبحت عائلة رينبونغ الآن تسيطر على كلٍّ من يو وتسانغ، فإن عائلة باغمودرو، التي كانت في بداية عهدها في تَولِّي الحُكم في نيدونغ، لم تكن تملك سُلطة حقيقية، ولكن الباغمودرو استمروا في دعم الغيلوغابيين.

وفي عام 1485 م هاجم الجيش الرينبونغي مقاطعة غيانتسي في تسانغ؛ لإكمال سيطرتهم على مقاطعة تسانغ، لكنهم هُزِموا. وأعادوا الكَرَّة من جديد عام 1488 م، وفي هذه المرة نجحوا. وفي عام 1492 م غزا دونيو-دورجي يو مرة أخرى، مُستوليًا بذلك على ثلاث مقاطعات، وفي عام 1498 م استولى على لاسا، وحافظ على سلطته هناك حتى عام 1517 م. وخلال هذه الفترة، من عام 1498 إلى 1517 م، وبسبب دعم دونيو-دروجي، وتحت قيادة الشاماربا الرابع، مُنع الرهبان في ديريْ دريبونغ وسيرا من الاحتفال بالمهرجان السنوي لصلاة مونلام في لاسا.

وفي عام 1517 م انسحبت طائفة الرينبونغ من لاسا، في الوقت الذي حصلت فيه طائفة باغمودرو على دعمٍ مؤقَّت من الدريغونغ كاغيوبا. وأتاح ذلك لرهبان غليلوغ أن يستكملوا احتفالهم بالمهرجان السنوي لصلاة مونلام.

دايان خان وانشغال الصين المينغية بالتهديد المنغولي في الشمال

[في هذه الأثناء في منغوليا، وبعد انهيار الاتحاد الأويراتي عام 1545 م، انتخب المنغوليون الشرقيون ماركورغيس، وهو أحد أحفاد جنكيز خان، خانًا لهم. ونجح ابن أخيه دايان خان (1464 – 1524 م) في إعادة توحيد كل القبائل المنغولية الشرقية السِّتِّ بعد أن أصبح خانًا عام 1487 م. وكانت القبائل السِّتِّ - التي كثيرًا ما يُشار إليها باسم "الأنظمة الأُمَمية الستة لدايان خان" - تتألَّف من قبائل الجناح اليساري الثلاث (تشاخار وخالخا وأورييانغخاي) في الشرق. وكانت الأورييانغخاي قد كوَّنت وحدات مستقلة من الجيش المينغي سابقًا، تقع في شمال غرب منشوريا.

وفي الوقت نفسه تقريبًا، عندما أصبح دايان خان الخانَ الأعظم للمنغول الشرقيين] صعد الإمبراطور المينغي التالي إمبراطور هينغجي مينغ لاوجونغ (حكم من سنة 1488 إلى 1506 م) إلى العرش. ولم يُلقِ اهتمامًا بالأحداث الواقعة في التبت؛ لأنه كان مشغولاً - بشكلٍ كامل - بالتهديد المنغولي الذي فرضه دايان خان على شمال الصين. [كان دايان خان قد أوفدَ مبعوثًا لإنشاء علاقات تجارية مع الصين، لكن الإمبراطور المينغي قتل المبعوث، فدفع ذلك دايان خان إلى إرسال حملات عسكرية ضد الصين.]

اقتراحات إمبراطور جينغدي على الكارمابا الثامن

[الإمبراطور المينغي التالي إمبراطور جينغدي هو مينغ ووجونغ (حكم من سنة 1506 إلى 1521 م) قد وُلد في خام، وهو الذي اعتلَى العرش الملكي في السنة نفسها التي اعتلى في الكارمابا الثامن (1506 - 1554 م) منصبًا مشابهًا، ومَنح الإمبراطور نفسه اللقب البوذي "دارماراجا" (ملك الدارما)، وأرسل بعثة إلى التبت لدعوة اللاما الكبير إلى بلاطه، وقد هُوجِمت البعثة، ونُهبت على الطريق، ولم تنجح في الوصول إلى التبت.

عدَّ إمبراطور جينغدي نفسه - بطريقةٍ ما - تقمُّصًا ثانيًا للكارمابا السابع، بوصفه كائنًا ينبثق عنه كلام وكائنٌ آخر. واتخذ لنفسه الاسم التبتي رينتشين-بيلدين، وأرسل دعوة إلى الكارمابا الثامن البالغ من العمر عشر سنوات عام 1516 م؛ حيث شرح في الرسالة أن لكليهما اتصالاً عميقًا بالكارما، لكن الكارمابا الصغير رفض الدعوة، وانسحب من خام إلى التبت الوسطى.

ويذكر ألبرت تشان أن إمبراطور جينغدي رغم ذلك كان يملك عددًا كبيرًا من الرهبان التبتيين في بلاطه، وكثيرًا ما كان يرتدي هو نفسه زِيَّ الرهبان التبتيين، حتى إنه درس النصوص البوذية بالتبتية، ولكنه - مثل إمبراطور هينغجي - لم يُشارك في العلاقات مع التبت الوسطى.

تفاعل الإمبراطور المينغي التالي إمبراطور جياتشينغ مينغ شيزونغ (حكم من سنة 1522 إلى 1566 م) ضد الإسراف البوذي الذي كان عند سلفيه السابقين، وفضَّل الطاوية بدل ذلك، ولم يكتفِ باضطهاد اللامات التبتيين، بل إنه اضطهد البوذية كذلك. ونادرًا ما توجه اللامات التبتيون إلى الصين بعد ذلك، رغم أنهم كانوا يحافظون على بعض العلاقات مع الصين.]

هجرة القبائل المنغولية إلى أمدو وتأسيس الهيمنة التسانغبية

[بعد وفاة دايان خان عام 1524 م بدأ الشِّقَاق بين قبائل الجناح اليميني وقبائل الجناح اليساري في الظهور من جديد. وكان لقبيلتين من هذه القبائل المنغولية الغربية، وهما التوميد والخالخا، أدوارٌ مهمَّةٌ في الأحداث التي نشأت بعد ذلك في التبت.] وقد حكم المنغول التوميديون منطقة أوردوس، التي عُرِفت بعد ذلك باسم "منغوليا الداخلية"؛ حيث وسَّعوا نطاقهم تدريجيًّا داخل شمال شرق أمدو؛ لأن الأسياد التبتيين المحليين كانوا منشغلين بالنزاعات بين أنفسهم.

وفي هذه الأثناء، وفي التبت الوسطى، تابع حُكَّام الرينبونغ بسط سلطتهم في تسانغ. وفي عام 1548 م عَيَّن رئيس وزراء الرينبونغ، نغاوانغ-نامغييل، شينغشاغ تسيتين-دورجي حاكمًا على تسانغ في شيغاتسي. وبدءًا من عام 1557 م تمرَّد تسيتين-دورجي على السلطات الرينبونغية، فأطاح بهم، وأَعلن نفسه ملكًا على تسانغ عام 1565 م. وتدريجيًّا استولى على مُعظم تسانغ، وفي النهاية استولى على يو كذلك. وهكذا بدأت الهيمنة التسانغية. [ومثلما دعم الشاماربا الرابع حُكَّام الرينبونغ كذلك أصبح الشاماربا الخامس (1525 – 1583 م) كبير مستشاري ملك تسانغ
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://elswesry22.yoo7.com/
بقايا جروح
مشرف المنتدي الأدبيمشرف المنتدي الأدبي
بقايا جروح


انثى
ســآعـتي :
التسجيل : 10/01/2010
المساهمات : 7226
عدد النقاط : 11523
المزاج : كل شي عن البوذيين  .. مميز. Qatary22
المهنة : كل شي عن البوذيين  .. مميز. Studen10
الهوايه : كل شي عن البوذيين  .. مميز. Travel10
الدولة : كل شي عن البوذيين  .. مميز. Female16
الأوسمة : كل شي عن البوذيين  .. مميز. 3h210
التميز : كل شي عن البوذيين  .. مميز. 1510

كل شي عن البوذيين  .. مميز. Empty
مُساهمةموضوع: رد: كل شي عن البوذيين .. مميز.   كل شي عن البوذيين  .. مميز. I_icon_minitimeالسبت 28 يناير 2012, 7:30 pm

تاريخ الفترة المبكرة للبوذية والبونية في التبت

[مقتطفات من "التفاعل التاريخي بين الثقافتين البوذية والإسلامية قبل الإمبراطورية المنغولية
".]

1 من الإمبراطور سونغتسين-غامبو حتى الإمبراطور تري سونغدتسين


ديانة البون المنظمة والتقليد التبتي الأصلي

كان هناك منذ القدم تقليدان دينيَّان في التبت: البون والبوذية. حيث كانت الأولى هي العقيدة الأصلية للتبت، في حين كانت الأخيرة قد أدخلها إمبراطور التبت الأول: سونغتسين-غامبو (حكم من سنة 617 إلى 649 م). وبحسب المصادر التبتية التقليدية كان هناك تنافس كبير بين الديانتيْن، لكن البحث العصري يطرح وضعًا أكثر تعقيدًا.

لكنَّ البونية لم تصبح ديانةً منظمة إلا مع انقضاء القرن الحادي عشر بعد الميلاد؛ حيث كانت تشترك في ذلك الوقت مع البوذية في كثير من الملامح. وقبل ذلك في البداية كانت الديانة السابقة للبوذية في التبت - الذي سُميت خطأً "بون" - تضمن طقوسًا بشكل أساسي لدعم الطائفة الملكية؛ مثل: تجهيز الأضحيات للجنازات الملكية، وتوقيع المعاهدات، وكذلك أنظمة من العِرافة والتنجيم، وطقوس الشفاء لاسترضاء الأرواح المؤذية، وطب الأعشاب.

في الأدبيات التاريخية خرجت ديانة البون من شينراب؛ حيث إن معلمًا من بلاد أولمو لونغرينغ الأسطورية القائمة على الطرف الشرقي من تاغزيغ، جاء بها إلى شانغ شُنغ منذ زمن بعيد، وكانت شانغ-شُنغ مملكة غابرة، وعاصمتها التبت الغربية بالقرب من جبل كيلاش المقدس. ويربط بعض الباحثين الروس المعاصرين أولمو-لونغرينغ مع عيلام في إيران الغربية القديمة، اعتمادًا على تحليل اللغات، ويربطون بين تاغزيغ وطاجيك، في إشارةٍ إلى باكتريا. إذا قبلوا تأكيد البون على أن جوانبها الشبيهة بالبوذية تسبق سونغتسين-غامبو، فإن هؤلاء الباحثين يفترضون بأن الدافع الأصلي للنظام إنما جاء به المعلم البوذي من باكتريا أثناء زيارته لشانغ-شُنغ، ربما عبر خوتان أو جيلجيت وكشمير، في وقت ما خلال بداية الألفية الأولى بعد الميلاد. وتتمتع شانغ شُنغ تاريخيًّا بعلاقات اقتصادية وثقافية وطيدة مع كل من تلك المنطقتيْن المجاورتيْن، ومن خلال اتفاقهم مع رواية البون يوضح الباحثون أن هذا المعلم الذي زار شانغ شُنغ في إحدى المرات قد دمج الكثير من الملامح الشبيهة بالبوذية مع الممارسات الطقسية الأصلية.

علاقة سونغتسين-غامبو بشانغ-شُنغ

كان سونغتسين-غامبو الحاكم الثاني والثلاثين ليارلونغ ، وهي مملكة صغيرة في التبت الوسطى. وأثناء توسيعه لمنطقته، وتأسيس إمبراطورية مترامية الأطراف، امتدت من حدود باكتريا حتى حدود الصين الهانية، ومن نيبال حتى حدود تركستان الشرقية، احتل الحاكم شانغ-شُنغ، وحسب مصادرها التاريخية كانت شانغ-شُنغ تمتد عبر هضبة التبت كلها، ولكن عند هزيمتها لم تضم إلا التبت الغربية فقط.

دعونا نترك جانبًا مسائل توسعات حدود شانغ-شُنغ الإضافية وحضور الملامح الشبيهة بالبوذية في شانغ-شُنغ في ذروة إمبراطوريتها، ومناشئها المحتملة. مع ذلك، يمكننا الافتراض، إلى حد معقول، من خلال الدلائل التي وُجدَت في قبور ملوك يارلونغ السابقين لسونغتسين-غامبو أن نظام شانغ-شُنغ في طقوس البلاط، على الأقل، كان شائعًا في منطقة الإمبراطور الداخلية، وفي البلاد التي احتلها كذلك في التبت الغربية. وعلى عكس البوذية لم تكن طقوس. شانغ-شُنغ نظامًا أجنبيًّا في الممارسة والعقيدة، بل جزءًا لا يتجزأ من الموروث التبتي الشامل.

وقد تزوج سونغتسين-غامبو أميراتٍ عدة من شانغ-شُنغ بدايةً، وبعدها من الصين التانغية، ومن نيبال، في فترةٍ لاحقةٍ من حكمه؛ لترسيخ تحالفاته السياسية وموقف السلطة الخاص به. وبعد زواجه من أميرة شانغ-شُنغ اغتال والدها ليغ- نييهيا، آخر ملوك شانغ-شُنغ. وأتاح له ذلك تحويل تركيز الدعم الطقسي الأصلي الخاص بالطائفة الملكية إليه نفسه، وإلى دولته المتنامية بشكلٍ سريع.

تقديم البوذية

قدم الإمبراطور سونغتسين-غامبو البوذية إلى التبت بتأثيرٍ من زوجاته الصينيات الهانيات والنيباليات، ولكنها لم تترسخ أو تنتشر لدى عامة الناس في وقته. ويشكك بعض الباحثين المعاصرين في صحة وجود الزوجات النيباليات، لكن الدليل المعماري من تلك الفترة يشير إلى نسبة معينة، على الأقل، من التأثير الثقافي النيبالي في حينه.

كان الظهور الرئيس للعقيدة الأجنبية عبارة عن مجموعة مؤلفة من ثلاثة عشر معبدًا بوذيًّا كان الإمبراطور قد بناها في مناطق هندسية مُختارة بشكلٍ خاص في أنحاء مملكته، بما في ذلك بوتان. فمع تصوير التبت بأنها شيطانة تستلقي على ظهرها اختيرت الأماكن بعناية، وذلك حسب قواعد وخز الإبر الصينية المطَبقة على جسم الشيطانة. وبذلك رغب سونغتسين-غامبو أن يخمِدَ أي معارضة لحُكمه من السكان المحليين الحاقدين عليه.

ومن بين المعابد البوذية الثلاثة عشر بُنِي المعبد الأكبر على بُعد ثمانين ميلاً من العاصمة الملكية، في مكانٍ باتَ يُعرَف لاحقًا بــ "لاسا"، مكان الآلهة. (وكان يُدعى في ذلك الوقت "راسا" ، مكان الماعز.) ويخمن الباحثون الغربيون أن الإمبراطور قد أُقنِع بعدم بناء المعبد في العاصمة؛ وذلك كي لا يُسيء إلى الآلهة التقليدية. ولا يتضح لنا من كان يسكن هذه المعابد البوذية، ولكن من المحتمل أنهم كانوا من الرهبان الأجانب. ولم تحدث السيامة الرهبانية الأولى إلا بعد نحو قرنٍ ونصف.

رغم أن التواريخ الرهبانية تصور الإمبراطور مثلاً أعلى للعقيدة البوذية، ورغم أن الطقوس البوذية كانت بلا شك تُمارَس لصالحه، إلا أنها لم تكن الصيغة الوحيدة للاحتفال الديني الذي يرعاه البلاط الملكي. فقد حافظ سونغتسين-غامبو على كهنة بلاطه من التقليد الأصلي وعلى طبقتهم النبيلة الداعمة، وأمرَ ببناء تماثيل للآلهة الأصلية؛ لتوضع إلى جانب التماثيل البوذية في المعبد الرئيس في راسا. ومثل سابقيه فقد دُفنَ هو وجميع من خَلفه في يارلونغ، وذلك حسب الشعائر التبتية القديمة السابقة للبوذية. ومثل جنكيز خان بعد نحو ستة قرون لم يُرحِّب الإمبراطور التبتي بتقاليده الأصلية فحسب، بل بالديانة الجديدة كذلك، أي البوذية، التي يمكنها أن تُوجد طقوسًا لتعزيز نفوذه، والانتفاع من إمبراطوريته

ملاءمة النص الخوتاني المكتوب

هناك دليلٌ إضافي على اعتماد سونغتسين-غامبو سياسةَ استخدام ابتكارٍ أجنبي لتعزيز نفوذه السياسي، وهو جعل اللغة التبتية لغة الكتابة. وباستغلاله تاريخ شانغ-شُنغ الطويل من العلاقات الثقافية والاقتصادية مع خوتان وجيلجيت وكشمير، أرسل الإمبراطور بعثة ثقافية يقودها تونمي سامبوتا إلى المنطقة، والتقت البعثة في كشمير مع المعلم الخوتاني لي تشين (لي هي الكلمة التبتية التي تعني خوتان، وتشير بوضوح إلى دولة المنشأ الخاصة بالمعلم). وقد ابتكرت البعثة بمساعدته أبجديةً لكتابة اللغة التبتية اعتمادًا على الملاءمة الخوتانية للنص الغوبتي العمودي الهندي. وتخلِط المصادر التاريخية التبتية مكان كتابة النص الجديد مع مكان أصل النمط الخاص به، لتوضح بذلك أن التبتية المكتوبة ترتكز على الأبجدية الكشميرية.

واكتشف الباحثون التبتيون المعاصرون وجود نص مكتوب لشانغ-شُنغ، قبل هذه التطور، وأن هذا النص كان أساس الأحرف التبتية المتصلة، لكن نمط نص شانغ-شُنغ سيصبح هو نفسه الأبجدية الخوتانية أيضًا.

وهناك زعم بأن سونغتسين-غامبو استخدم النص الجديد لترجمةٍ أمرَ بها للنص البوذي السنسكرتي الذي وصل يارلونغ هديةً من الهند قبل قرنين. غير أن نشاط الترجمة الأساسي آنذاك كان خاصًّا بالتنجيم الصيني وبالنصوص الطبية الصينية والهندية، وكان ذلك على نطاقٍ محدودٍ جدًّا. فقد وظَّف الإمبراطور نظام الكتابة في البداية لإرسال رسائل عسكرية سرية إلى القادة في الميدان، وكان ذلك تبعًا للتقليد الشانغ-شُنغي في استخدام رسائل مكتوبة مشفرة لمثل هذه الأهداف.

ما يُدعى بالطائفة المعارضة للـ"بون"

كانت هناك طائفةٌ واحدة في البلاط الملكي التبتي تعارض دعم سونغتسين-غامبو ورعايته للبوذية، ولا شك بأنهم كان وراء قراره بعدم بناء المعبد البوذي الرئيس في العاصمة الملكية، أو حتى في وادي يارلونغ. وتطلق عليهم التواريخ التبتية اللاحقة اسم: معارضي ديانة الـ"بون". لما يزيد عن قرن، بما في ذلك الوقت الذي حدثت فيه زيارة سليط بن عبد الله الحنفي، شكَّلت تلك الطائفة معارضةً قوية للسياسة الملكية. وفي هذا السياق يجب أن يفهم فشل العالم المسلم. ولكن مَن كان أولئك التابعون للـ"بون" الذين عارضوا البوذية، وبلا شك كانوا المسئولين لاحقًا عن الاستقبال البارد للإسلام؟ وما كانت أسباب عدائيتهم؟

وكما ذكر الباحثون التبتيون فإن كلمة بون تعني تعويذة تُستخدم للسيطرة على القوى الروحية، وتشير إلى نظامٍ مؤلف من اثني عشر جزءًا، تشمل: التبصير والتنجيم وطقوس الشفاء وطب الأعشاب.

وقبل أواخر القرن الحادي عشر لم تكن البون ديانةً منظمة. ويذكر الباحثون أن كلمة بون التبتية لم تكن قد استُخدمَت حتى، آنذاك، للإشارة إلى النظام الأصلي السابق للبوذية، من الاعتقادات والطقوس التي ضمت الفنون التقليدية الأربعة: العِرافة والتنجيم وشعائر الشفاء وطب الأعشاب. ولم تُطبق إلا على طائفةٍ معينة في البلاط الملكي. ورغم أن طائفة البون هذه ضمت كهنة معينين من التقليد الأصلي والطبقة النبيلة الخاصة المرتبطة بهم، إلا أن تحديد خصائص المجموعة لم تكن إيمانها الديني، بل، بشكلٍ أولي، كان موقفها السياسي. كان هناك أتباع للتقاليد الأصلية من التنجيم وما إلى ذلك داخل البلاط وخارجه، ويشمل ذلك الإمبراطور نفسه، ولم يُسمَّوْا بـ"مؤيدي البون". وكانت هناك طبقة نبيلة من الـ"بون" في البلاط لم يعتمدوا بالضرورة على هذه الفنون التقليدية الأربعة، ولم يكن كل كاهنٍ من التقليد الأصلي جزءًا من هذه الطائفة. فعلى سبيل المثال، كان داخل البلاط أولئك الذين يمارسون الطقوس لدعم الطائفة الملكية، وعند وفاة الإمبراطور كانوا يقومون بشعائر الجنازة الملكية التقليدية. أما خارج البلاط كان يمارسون التنجيم وطقوس الشفاء للتغلب على الأرواح المؤذية، ولم يُعدَّ أيٌّ منهم "عضوًا في ديانة البون".

كانت مجموعة الـ"بون" آنذاك تطلق على طائفةٍ مناهضة للملكية، محافظة، وفوق كل شيء كارهة لكل ما هو أجنبي، لديها أحزابٌ في البلاط لخدمة مصالحها الذاتية. وكانت طائفة معارضةٍ رغبت في الاستيلاء على السلطة بنفسها. وكونهم ضد الإمبراطور جعلهم بشكلٍ طبيعي ضد أي شيء يمكنه تعزيز النفوذ الملكي، خصوصًا إذا كان ابتكارًا أجنبيًّا. وهكذا لا تُعتبر العدائية تجاه الطقوس والمعتقدات الأجنبية تجسيدًا للتعصب الديني فقط، كما سيشير إلى ذلك المؤرخون البوذيون التبتيون اللاحقون. رغم أنهم قد يكونون استعانوا بأسس دينية لتبرير توصيات سياستهم المناهضة للبوذية - على سبيل المثال، فالحضور البوذي سيُثير غضب الآلهة التقليدية ويجيء بالويلات - إلا إن ذلك لا يُشير إلى أنهم دعموا بالضرورة العقيدة الدينية الأصلية الكاملة. وفي النهاية لم تضم طائفة الـ"بون" الكهنة الذين مارسوا الطقوس الأصلية لدعم الإمبراطور.

ولم يكن الميل إلى مناهضة البوذية لما يُدعى طائفة الـ"بون" إشارةً إلى تمرد شانغ-شُنغ. فقد كان الكهنة والطبقة الأرستقراطية الداعمين الذين شكلوا المعارضة من التبت الوسطى بلا شك، وليسوا من خارج شانغ-شُنغ. فقد كانت الأخيرة منطقة محتلة، وليست مقاطعة سياسية متحدة بالإمبراطورية، ومن غير المحتمل أن يكون قادتها قد خدموا بوصفهم أعضاء أصحاب ثقة في البلاط الملكي.

باختصار إن ما يُدعى طائفة الـ"بون" المناهضة للبوذية، التي ساهمت لاحقًا في تصوير زيارة العالِم المسلم على أنها عديمة الأهمية، لم تكن مجموعةً دينية ولا إقليميةً محددة، بل كانت مؤلفةً من معارضي الحُكم الملكي في يارلونغ، مدفوعين بمنطق سياسة النفوذ. ولقد قاوموا وعرقلوا أية روابط أجنبية قد تعزز من المواقف السياسية للإمبراطور التبتي، وتضعف موقفهم، وتهين آلهتهم التقليدية. وحتى بعد وفاة سونغتسين-غامبو استمرت كراهية هذه الطائفة لكل ما هو أجنبي تتزايد.

عهود حُكم الإمبراطوريْن التبتيين التاليَيْن

تبينَ أن هاجس الطائفة الكارهة لكل ما هو أجنبي في البلاط التبتي متأصل بقوة، وذلك خلال السنوات الأولى من عهد حكم الإمبراطور التبتي التالي مانغسونغ-مانغتسين، (حكم من سنة 649 إلى 676 م)، عندما غزت الصين التانغية التبت. وقد وصلت القوات الصينية الهانية ما أمكنها حتى راسا وألحقت أضرارًا جسيمة قبل أن تهزم.

وخلال السنوات التابعة لحُكم مانغسونغ-مانغتسين وقع تحت سيطرة وزيرٍ قوي من طائفةٍ أخرى، أراد توسيع الإمبراطورية أكثر، فغزا هذا الوزير تويوهون، وهي المملكة البوذية الواقعة شمال شرق التبت، والتي اتبعت النمط الخوتاني من البوذية، وكاشغار الداخلة كذلك ضمن المجال الثقافي الخوتاني. وفي عام 670 م غزا خوتان نفسها، وسيطر على ما تبقى من ولايات الواحات التابعة لحوض تاريم غير تورفان. وقد هرب الملك الخوتاني إلى البلاط الملكي التانغي، حيث عرض عليه الإمبراطور الصيني أن يساعده، بعدما أثنى على مقاومته للتبتيين.

وحسب المصادر الخوتانية ألحق التبتيون دمارًا كبيرًا خلال غزو ولاية الواحات، بما في ذلك الأديرة والأضرحة البوذية. لكن بعد ذلك بوقتٍ قصير ندموا على أفعالهم، وأبدوا اهتمامًا كبيرًا بالعقيدة البوذية. غير أن هذا التاريخ الرهباني قد يكون تقليدًا لنموذج الملك أشوكا، الذي دمر الكثير من المعابد والتماثيل البوذية قبل ندمه واعتناقه البوذية. رغم ذلك يربط بعض الباحثين الغربيين بداية انخراط التبت بشكل جادٍّ في البوذية بهذه النقطة، فلو كانت البوذية قوية أصلاً بين التبتيين لبجلوا الأديرة الخوتانية وما دمروها.

وقد بدأ التبتيون الآن بإدخال بعض النصوص البوذية الخوتانية المختارة وترجمتها، وذلك بعد تبنيهم الأسلوبَ الخوتاني في تصوير المفردات التقنية البوذية، من خلال ابتكار مصطلح لكل مقطع لفظي. وتشعب الاتصال الثقافي إلى كِلا الاتجاهيْن عندما ترجم الباحثون عملاً طبيًّا هنديًّا إلى الخوتانية، قد ترجم سابقًا من السنسكريتية إلى التبتية. وبعد ترسيخ البلاط الملكي لمثل هذه الروابط الأجنبية القوية بدأ القلق حيال المعارَضة الكارهة لكل ما هو أجنبي بالنمو مرة أخرى.

فالصراع الذي نشأ بين الإمبراطور التبتي اللاحق تري دوسونغ-مانغجي، (حكم من سنة 677 إلى 704 م) وعشيرة وزيره السابق على السلطة أضعف بلاط يارلونغ بشكلٍ كبير، وخسرت التبت سيادتها العسكرية والسياسية على ولايات تاريم، رغم حفاظها على حضورٍ ثقافي في واحاتها الجنوبية. لكن الإمبراطورية التبتية كانت لا تزال طَموحة؛ حيث تحالفت التبت مع الأتراك الشرقيين عام 703 م ضد الصين التانغية.

حُكم الإمبراطورات

خلال تلك الفترة قادت الإمبراطورة وو (حكمت من سنة 684 إلى 705 م) انقلابًا مؤقتًا للإطاحة بأسرة تانغ الحاكمة من خلال إعلان نفسها مايتريا، أي البوذا المستقبلي. كانت الملكة التبتية الأم تريما لو والدة الإمبراطور تري دوسونغ-مانغجيي تنتمي إلى عشيرة قوية في شمال شرق التبت، ولم تكن لديها عواطف بوذية خوتانية فقط بسبب التأثيرٍ التويوهوني، بل علاقات وطيدة مع الصين التانغية، وكانت على تواصل مع الإمبراطورة وو، وعندما توفي ابنها الإمبراطور التبتي عام 704 م خلعت حفيدها، وحكمت البلاد في صورة إمبراطورة أرملة غنية حتى وفاتها عام 712 م، ونسقت مع الإمبراطورة وو أن تأتي الأميرة الصينية الهانية تشينغ جين، إلى التبت عروسًا لابن حفيدها مي-أغتسوم، المعروف كذلك بـ تري ديتسوغتين، الذي كان رضيعًا آنذاك، وكانت الأميرة تشينغ جين بوذية متدينة، وجاءت براهبٍ صيني هاني معها لتعليم السيدات في البلاط التبتي.

أصبحت طائفة الكهنة وطبقة النبلاء الكارهة لكل ما هو أجنبي هائجةً للغاية جراء هذا التطور، فتأثيرهم على البلاط يواجه تحديًّا مرة أخرى مع الرهبان البوذيين الصينيين الهانيين، كما حدث في أيام سونغتسين-غامبو. لكن التهديد هذه المرة كان أكثر جدية؛ لأن الأجانب كانوا حاضرين في العاصمة نفسها، ومع دعوة القوى الخارقة للطبيعة لهذه الديانة الغريبة، ومن أجل تعزيز النفوذ الملكي، خافوا من انتقام آلهتهم الأصلية كما حدث ذلك قبل ستين سنة عند الغزو التانغي للتبت الوسطى. أما الآن فلم يعد بوسع طائفة الـ"بون" سوى انتظار ساعتها.

وقد أبعدت الإمبراطورة دواجر تريما لو ذات العلاقة الودية مع البلاط الصيني الطموحات العسكرية التبتية الآن عن ذلك الاتجاه، وشكلت تحالفًا عام 705 م مع الشاهيين الأتراك في غندهارا وباكتريا ضد العرب الأمويين، وفي هذه المرة عند وفاة الإمبراطورة دواجر عام 712 م، وصعود مي-أغتسوم إلى العرش (حكم من سنة 712 إلى 755 م)، وكان لا يزال قاصرًا، مارست الإمبراطورة تشينغ جين بعد ذلك، مثل الإمبراطورة دواجر السابقة، تأثيرًا قويًّا على البلاط التبتي.

التحالف الأموي-التبتي

وفي تلك الأثناء استمر صراع السلطة على تركستان الغربية، وفي عام 715 م، وبعد أن استرد القائد قتيبة باكتريا من الشاهيين الأتراك، بدلت التبت موقفها، وتحالفت مع القوات الأموية التي كانت تحاربها منذ وقتٍ قصير. عندها ساعد العساكر التبتيون القائد العربي في الاستيلاء على فرغانة من أيدي الترغيشيين، والتجهيز لهجوم إضافي ضد كاشغار التي كانت في يد الترغيشيين. ولا شك أن تحالف التبتيين مع الشاهيين الأتراك، ثم الأمويين لاحقًا، كان ذريعةً للمحافظة على مكان لهم في باكتريا، مع الأمل في إعادة بناء جيشهم واقتصادهم وحضورهم السياسي في حوض تاريم. وكانت الضريبة المفروضة على طريق الحرير التجارية المُربِحة هي الإغراء الدائم الحضور، الذي يغذي أعمالهم.

قد يخالج المرءَ التفكيرُ بأن التحالف التبتي السابق مع الشاهيين الأتراك للدفاع عن باكتريا ضد الأمويين كان نتيجةً لربط ما يُدعى طائفة الـ"بون" مع تاغزيغ موطن البون، ورغبتهم في الحيلولة دون تدنيس ديرها الرئيس: نافا فيهارا، لكن هذا الاستنتاج ليس سليمًا، حتى لو صدَّق المرء الفرضيتيْن الخاطئتيْن: أن البون آنذاك كانت ديانةً منظمة، وأن طائفة البون كانت مجموعة محددةً دينيًّا. حتى لو كان من المحتمل وجود أصول بوذية باكترياية لبعض جوانب العقيدة البوذية، فإن أتباع البون لم يعتبروا هذه الملامح بوذية. وفي الحقيقة ادعى الأتباع اللاحقون للبون أن البوذيين في التبت قد سرقوا منهم الكثير من تعاليمهم.

لذلك لم تكن طائفة البون في البلاط التبتي تقود "حربًا مقدسة" في باكتريا. بالإضافة إلى ذلك لم يكن البوذيون كذلك يقودون حربًا مقدسة، كما أشارت الحقيقة القائلة أنه بعد خسارة باكتريا وخراب دير نافا فيهارا لم يستمر التبتيون في الدفاع عن البوذية في باكتريا، بل بدلوا تحالفاتهم وانضموا إلى العرب المسلمين. وكانت القوى الأولية الدافعة وراء السياسة الأجنبية التبتية هي المصالح الذاتية السياسية والاقتصادية، وليست الدينية.

تحليل البعثة الإسلامية إلى التبت

وافق البلاط التبتي عام 717 م على دعوة معلمٍ مسلم، رضوخًا لإلحاح الخليفة عمر الثاني؛ حتى لا يثير استياءَ حلفائه الأمويين ويعرض علاقته معهم للخطر. ولكن لم يكن ذلك ناتجًا عن اهتمامٍ فعلي بالعقائد الإسلامية. ففي أحسن الأحوال كان من الممكن أن تكون الإمبراطورة تشنيغ جين قد رأت في الأمر ما رآه الإمبراطور سونغتسين-غامبور، أصلاً، أن في البوذية مصدرًا آخر لقوة خارقة للطبيعة قد تُعزز الموقف الملكي. ومن جهة أخرى لكان الكهنة المحافظين، وطبقة النبلاء في البلاط التبتي، عدائيين تجاه رجال الدين العرب. ولكانوا خافوا تأثيرًا أجنبيًّا آخر كذلك، وتلك الطقوس التي قد تعزز الطائفة الملكية أكثر وأكثر، وتضعف نفوذهم الخاص، وتجلب الكارثة على التبت.

كان الاستقبال البارد للمعلم المسلم في التبت نتيجةً للجو العام من انتشار كراهية كل ما هو أجنبي من قِبَل طائفة المعارَضة في البلاط التبتي. ولم يكن ذلك إشارةً إلى صراع ديني إسلامي-بوذي أو إسلامي-بوني. ولسبعين سنة تقريبًا، قد وُجِّهت هذه العدائية الطائفية نحو البوذية، واستمرت في ذلك الاتجاه. ولتقدير كيفية ملاءمة موقفهم من الإسلام داخل هذا النمط من الخوف من كل ما هو أجنبي، دعونا نلقِ نظرة على الأحداث التي جاءت لاحقًا في التبت بصورةٍ مختصرة.

الرهبان اللاجئون من خوتان في التبت

استعادت أسرة التانغ الحاكمة حُكمَها عام 705 م مع تنازل الإمبراطورة وو عن العرش، لكن الوضع لم يستقر حتى حلول عهد حفيد الإمبراطورة شوانزونغ، (حكم من سنة 713 إلى 756 م)، وقد اتبع هذا الإمبراطور الجديد القوي سياسةً مناهِضة للبوذية، في محاولةٍ منه لإضعاف دعم حركة جدته. وفي عام 720 م ساعد أحد المتعاطفين المناهِضين للبوذية إمبراطور التانغ في خلع الملك البوذي المحلي لخوتان واستولى على العرش، ونشأ عن ذلك الكثير من الاضطهاد الديني، ما أدى إلى هروب الكثير من البوذيين. وبما أن السيل العارم من الرهبان الباكتريايين اللاجئين قد وصل إلى خوتان قبل خمس سنوات نتيجةً للضرر الذي ألحقه الأمويون بدير نافا فيهارا، فمن الممكن الشك في أنهم قد يكونون أول من هرب إلى خوتان، خوفًا من تكرار تجربتهم المؤلمة في باكتريا.

وفي عام 725 م نسقت الإمبراطورة تشينغ جين حصول اللاجئين من الرهبان البوذيين من خوتان والصين الهانية على حق اللجوء في التبت، وبنت لهم سبعة أديرة، بما فيها ديرٌ في راسا. فجعلت هذه الخطوة وزراء البلاط الملكي الكارهين لكل ما هو أجنبي أكثر هياجًا من ذي قبل. وعندما توفيت الإمبراطورة عام 739 م بوباء الجدري استغلوا تلك المناسبة لترحيل جميع الرهبان الأجانب في البلاد إلى غندهارا، التي يحكمها الحليف البوذي التقليدي للتبت الشاهيون الأتراك. وقد أعلن الوزراء أن حضور الأجانب وشعائرهم الدينية في التبت، قد كان السبب وراء انتشار الوباء؛ وذلك باقتناعهم أن آلهتهم قد أُهينت من جديد، وأنها قد نالت العقاب اللازم. وكانت غندهارا وِجهة معقولةً للرهبان؛ لأن الشاهيين الأتراك كانوا حُكام باكتريا كذلك، التي لقي فيها بلا شك الكثير من الرهبان ترحيبًا. وفي النهاية سكن عددٌ كبيرٌ منهم في المناطق الجبلية من بالتيستان حتى شمال مقاطعة أوديانا في غندهارا.

وبلغت ذروة قوة هذه الطائفة الكارهة لكل ما هو أجنبي طوال ستة عشر سنة لاحقة عندما اغتالوا عام 755 م الإمبراطور مي-أغتسوم بسبب ميوله القوية نحو الصين التانغية ونحو البوذية. وقبل أربع سنوات، وفي السنة نفسها التي هُزمت فيها القوات التانغية بشكلٍ هائل، وطُردوا من تركستان الغربية، أرسل الإمبراطور بعثةً تبتية إلى الصين الهانية للتعرف أكثر على البوذية، وكان يرأسها با سانغشي وهو ابن المبعوث التبتي السابق إلى البلاط التانغي. وعندما خُلِع الإمبراطور التانغي شوانزونغ إبان ثورةٍ عام 755 م كانت طائفة الـ"بون" مقتنعة بأنهم إن لم يضعوا حدًّا لحماقة مي-أغتسوم المستمرة، وكجزءٍ لاحقٍ من هذه البعثة، بلا شك من دعوة المزيد من الرهبان الصينيين الهانيين إلى البلاط الملكي، فلن يخسروا سلطتهم فحسب، وإنما سيجلب ذلك كارثةً جديدة على الدولة بكل تأكيد، كما حدث في الصين التانغية. وعليه فبعد قتلهم الإمبراطورَ اضطهدوا البوذية في التبت طوال ست سنوات


2 من الإمبراطور تري سونغديتسين إلى انتعاش البوذيَّة في القرن الحادي عشر


مراجعة العلاقات التبتيَّة مع الصين

بدأت التبت والصين أولى علاقاتهما الدبلوماسية عام 608 م، عندما أرسل والد الإمبراطور سونغتسين-غامبو: نامري-لونتسين البعثة التبتية الأولى إلى البلاط الصيني إبان عهد سُلالة سوي الحاكمة. فأرسل سونغتسين-غامبو هو الآخر بعثةً إلى البلاط التانغي عام 634 م، ثم تزوج الأميرةَ الصينية الهانية ونتشينغ عام 631 م، وأنشأ بعد أربع سنوات المعبد التبتي الأول فوق ووتايشان، الجبل البوذي الصيني المقدس، جنوبَ غرب بكين. ومنذ ذلك الحين بدأت التبت إرسال مبعوثين آخرين بشكلٍ دوري إلى البلاط التانغي، بصرف النظر عن الحروب المتكررة بين الإمبراطوريتيْنِ.

وبعد قرنٍ من الزمن كان الإمبراطور مي-أغتسوم مُهتمًّا ببوذية الصين الهانية بشكلٍ خاص. وكان ذلك بلا شك بسبب تأثير زوجته البوذية الصينية الهانية الإمبراطورة جين تشينغ. وعلى الرغم من المكانة الضعيفة التي وصلت إليها البوذية في الصين التانغية بعد أن فرض شوانزونغ عام 740 م قيودًا عليها، أرسل مي-أغتسوم بعثةً إلى هناك عام 751 م للتعرف أكثر على تلك الديانة، فالاهتمام الذي أظهره ابنه الصغير - الإمبراطور التبتي فيما بعد - تري سونغديتسين (742 – 797 م) ظهر أيضًا من خلال تشجيعه لإرسال وفد لهذه المهمة. وقد قاد الوفدَ با سانغشي ابن المندوب التبتي السابق لدى سلالة تانغ الصينية.

وفي عام 755 م اغتال وزراء المعارَضة - المهووسون بكراهية كل ما هو أجنبي - الإمبراطورَ مي-أغتسوم، وكانت تلك المجموعة نفسها هي التي طردت قبل ستة عشر عامًا الرهبانَ الصينيين والخوتانيين من التبت، وهم الرهبان الذين كانت الإمبراطورة الصينية الهانية الإثنية جين تشينغ قد دعتهم سابقًا. ووقعت عملية الاغتيال في السنة نفسها التي حدث فيها تمرد آن لوشان، وكما حدث سابقًا يبدو أن الوزراء خافوا غالبًا من ميول الإمبراطور نحو البوذية والصين الهانية، وأنها قد تجلب كارثة على التبت. ولعل العباسيين أطاحوا بالخلافة الأموية عام 750 م كذلك، وأيَّد تحركهم الجريء هذا تمرد آن لوشان. فالهجوم الذي قاده آن لوشان ضد بوذية الصين الهانية قد حرض الوزراء على قمع البوذية في التبت، وهو قمعٌ دامَ ستة عشر عامًا، لكن من المرجح أن الاضطهاد كان المقصود به أنصار التانغيين في البلاط الملكي.

دعوة شانتاراكشيتا إلى التبت

عاد الوفد الذي رأَسَه با سانغشي من الصين إلى التبت عام 756 م، وهو يحمل معه كتبًا بوذية. وقد أخفى با سانغشي تلك الكتب بصورةٍ مؤقتة؛ وذلك بسبب موجة العداء للبوذية آنذاك، لكنه شجع تري سونغديتسين على التقرب من البوذية، وهو لا يزال شابًّا في ذلك الوقت.

بلغ سونغديتسين سن الرشد عام 761 م، وأعلن نفسه بوذيًّا بصورةٍ رسمية بعد جلوسه على العرش. حينئذٍ أرسل وفدًا إلى إمبراطورية بالا الحديثة التأسيس (750 – نهاية القرن الثاني عشر) في شمال الهند، وقد عهِدَ بالبعثة إلى سيلنانغ ليرأسها، ثم يدعو المعلم البوذي شانتاراكشيتا رئيس دير نالاندا إلى التبت للمرة الأولى.

وبعد فترة قصيرة من وصول رئيس الدير انتشر وباء الجدري في التبت، فوجهت العصبة المهووسة بكراهية كل ما هو أجنبي اللومَ إلى الراهب الأجنبي بسبب الوباء، وطردوه من التبت، مثلما فعلوا من قبل مع الرهبان الصينيين الهانيين والخوتانيين في التبت عندما تفشى وباء مماثل عام 739 م.

لم يفشل تري سونغديتسين عندما نوَى تقوية البوذية في مملكته؛ فقد كان قائدًا شديد القوة والطموح، وخلال فترة حكمه اعتمدت التبت سياسةً توسعية عنيفة، فقد استولى مرة أخرى على أجزاء شاسعة من شمال شرق التبت التي سبق للصين التانغية أن استحوذت عليها، وذلك عندما استغل الضعف الذي لحق بتانغ بعد تمرد آن لوشان، حتى إنه أحكم قبضته على تشانغآن، عاصمة تانغ، فترة وجيزة عام 763 م، وهي السنة اللاحقة لتحول الخاقان الأويغوري بوغو إلى المانوية.



انتقل الإمبراطور تري سونغديتسين بعد ذلك إلى ممر قانسو، فمنع بذلك دلا إله إلا الله محمد رسول الله الصين التانغية بشكل مباشر إلى طريق الحرير، الفرع الشمالي الأساسي الواقع بين المواقع الأمامية للتانغيين في تورفان وكوتشا. وأرغم ذلك التجارَ الصينيين على الالتفاف حول المنطقة التي تقع تحت سيطرة التبتيين، من خلال العبور إلى الشمال عبر الأراضي الأويغورية في منغوليا الداخلية. ساعتها دخل التبتيون حربًا طويلة الأمد على ثلاث جبهات ضد الأويغوريين والصين الهانية للسيطرة على تورفان وبشباليق؛ حيث حافظت الحكومة التانغية على تكلفة ضئيلة فحسب. وهكذا حوِّل طريق التجارة الصينية إلى منغوليا الداخلية، وكان يجب عليها أن تمر عبر هاتيْن المدينتيْن لتصل إلى الشمال الرئيس من طريق الحرير.

أرسل تري سونغديتسين مرةً أخرى سيلنانغ إلى الهند لدعوة شانتاراكشيتا من جديد، مدفوعًا بالانتصارات العسكرية التي عززت من ثقته وقوته، ولكن في هذه المرة أحضر معه رئيسًا لدير الهندي وهو بادماسامبافا (غورو رينبوتشي)، لترويض القوى الروحية في التبت التي كانت عدائية تجاه ترسيخ البوذية

بناء دير سمياي

تمتعت الجامعات الرهبانية الهندية الضخمة في بيهار، مثل نالاندا المعهد الأساسي الذي خرج منه شانتاراكشيتا، بدعمٍ كبير من الدولة عدةَ قرون، حتى أثناء التغيرات التي مرت بها الأسَر السياسية الحاكمة. وقد دعم الإمبراطور هارشا (606 – 647 م) من سلالة الغوبتا الحاكمة السابقة ألف راهبٍ من نالاندا في بلاطه، حتى بلغ به الحال أن لمس أقدام الراهب الصيني الهاني شوانزونغ، دلالةً على الاحترام.

كانت سلالة بالا الحاكمة تدعم البوذية بصورةٍ أكبر؛ إذ أنشأ إمبراطورها الأول غوبالا (750 – 770 م) جامعة أودانتابوري الرهبانية البوذية، في حين أسَّس إمبراطورها الثاني دارمابالا (770 – 810 م) فيكراماشيلا وسومابورا. ورغم أن دارامبالا قد وسَّع إمبراطوريته لتصل إلى حدود غندهارا في الغرب والبنغال في الشرق، إلا أنه لم يشمل الأديرة البوذية في التقلبات السياسية والعسكرية التي مرت بها الدولة، ولم يحاول تنظيمها. وهكذا تمتعت أديرة شمال الهند بحرِّية تامة لمتابعة التدريب الديني.

عام 766 م منح تري سونغديتسين الذي تأثر بنموذج غوبالا الإمبراطور الهندي تفويضًا لبناء دير سمياي على نمط أودانتابوري، وبذلك يكون أول دير بوذي في البلاد يخصص لاستخدام التبتيين بشكل أساسي. وأثناء عملية بنائه جرت سيامة أول سبعة تبتيين رهبانًا، ولدى الانتهاء من بنائه عام 775 م انضم ما يزيد عن ثلاثمئة مواطن إلى صفوفهم. وقبل ذلك لم توجد المعابد البوذية إلا في التبت وبعض المرافق الرهبانية الصغيرة، التي بُنِيت للرهبان الأجانب، من أمثال اللاجئين الخوتانيين والصينيين الهانيين عام 720 م.

ورغم سيامة الرهبان التبتيين ضمن التقليد الهندي، فقد اتبع تري سونغديتسين سياسة من التوليف الحضاري. لكن كان من أسباب اعتماد هذه السياسة ربما كان الرغبة في كسب منفعةٍ سياسية. فلقد كان بحاجة إلى موازنة مطالب ثلاث مجموعات متنافسة في بلاطه : التبتيون الأصليون، والموالون الهنود، والموالون الصينيون. وهكذا بنى المعبد الرئيس في سمياي، وجعل له ثلاث طبقات؛ حيث صمم كل طبقة حسب الطراز المعماري للحضارات التبتية والهندية الشمالية والصينية الهانية. وتُحيي الأولى ذكرى مؤسس هذه السلالة سونغتسين-غامبو، في محاولةٍ لجلب توازن مشابه من خلال الزواج من أميرات الشانغ-شُنغ والصين الهانية لأهداف سياسية.

العلاقات الحضارية مع الصين

رغم أن تري سونغديتسين قد حارب ضد الصين حتى يسيطر على الجهة الغربية من طريق الحرير، غير أنه كما يبدو كان يفتقر إلى الميل الحضاري المضاد للصين الهانية، وخاصة المعادي للبوذية، ولذلك كانت دوافعه العسكرية سياسيةً واقتصاديةً بشكلٍ أساسي.

وبعد إخماد تمرد آن لوشان واستعادة الحكم الملكي لم يرفع أباطرة التانغ اللاحقون القيودَ التي فرضها الإمبراطور شوانزونغ على البوذية فحسب، بل إنهم أيَّدوا الديانة نفسها. ولكن على عكس ما حدث في الهند البالية فعل البوذيون الصينيون الهانيون هم أيضًا مثلهم، أي أنهم ساندوا الدولة. وليس من الواضح إن كان ذلك نتيجةً لمبادرةٍ خاصة من البوذيين، أم من سياسة الدولة في استغلالٍ منها لشعبية البوذية، من أجل ترسيخ دعائم حكمها. ويبدو أن الاحتمال الأخير هو الأرجح؛ وذلك إذا ما نظرنا إلى أفعال مؤسس سلالة السوي الحاكمة الذي أعلن نفسه إمبراطورًا كونيًا، والإمبراطورة التانغية وو التي أعلنت نفسها مايتريا بوذا.

وفي عام 766 م أنشأ الإمبراطور دايزونغ (حكم من سنة 763 إلى 780 م) ديرًا جديدًا في ووتايشان يُدعى "معبد الفسطاط الذهبي الذي يحمي من القوى الداخلية ويدافع عن الأمة". ولما ظهر نص بوذي صيني هاني شعبي جديد، وهو "سوترا ملك بوديساتفا الذي يدافع عن الأمة". عاد الإمبراطور التانغي إلى اضطهاد المانوية من جديد من عام 768 إلى 771 م؛ للدفاع عن "نقاء" البوذية من هذه الديانة الموصومة بالتقليد الكاذب.

اعتمدت هذه التطورات نمط البوذية الصينية الشمالية خلال فترةٍ شهدت تعاقب ست سلالات حاكمة (280 – 589 م). في ذلك الوقت أحكم حُكام شمال الصين من غير الهانيين السيطرة على الأديرة البوذية، وساعدوها في ممارسة الشعائر لتحقيق نجاحهم العسكري. أما الرهبان الذين طلبوا حماية ملكية للنجاة في أوقات الخطر فقد أُرغِموا على الاعتراف بهؤلاء الحُكام بوصفهم بوذيين، وعلى خدمة حكوماتهم، وعلى تفهم نقاء التعاليم البوذية بغرض الموافقة على السياسات الصارمة التي اعتمدها معظم هؤلاء الحُكام.

كان تري سونغديتسين مهتمًّا بمعرفة المزيد عن هذه التطورات الأخيرة في الصين، وذلك حسب سياسته التي تعتمد توليفًا حضاريًّا للعادات التبتية والهندية والصينية. وهكذا في نهاية الستينيات من القرن الثامن، لم يوفد با سانغشي فحسب، بل سيلنانغ أيضًا في بعثة ثانية إلى الصين الهانية. وفور عودتهما بنى الإمبراطور المعبد البوذي نانغ لهاكانغ في دراغمار، وكان موقعه قريبًا من البلاط الملكي، وقريبًا من دير سمياي الذي كان لا يزال قيد الإنشاء. وقد صُمِّم المعبد تيمنًا بـ"الفسطاط الذهبي الذي يحمي من القوى الداخلية ويدافع عن الأمة". وكانت النتيجة أن احتلت البوذية مركزًا ثانويًّا في الدولة، كما هي الحال في الصين الهانية، وحكم عليها بالالتزام بخدمة مصالح السلطة الملكية التبتية التي تزداد باستمرار.

إنهاء بناء دير سمياي

اكتمل بناء دير سمياي عام 775 م، وعيَّن الإمبراطورُ شانتاراكشيتا أول رئيس له، لكن بادماسامبافا غادر بُعيْد إكماله، فقد شعر بأن التبتيين لم يكونوا جاهزين بعدُ لتلقِّي تعاليم بوذا (خاصة تلك المتعلقة بالدجوغتشين، الكمال العظيم). لذلك أخفى النصوص المتعلقة بالموضوع في جدران الدير وأعمدته، واكتُشِفت في وقتٍ لاحقٍ قد يكون مناسبًا لفهمها بعمق.

وفي هذه الأثناء دُعِي كل من المعلميْن: الهندي والصيني الهاني إلى سمياي؛ حتى يساعدا في ترجمة الكتب البوذية وتعليمها. ولكن سمياي لم يكن في الأساس محيطًا بالبوذية فقط، بل بمجالات أوسع من الثقافة. كما حضر معلمو التقاليد الأصلية التبتية الشاملة كذلك لترجمة الكتب من لغة الشانغ-شُنغ إلى التبتية، وفي هذا المجال أيضًا عكس الدير الأصلي السياسة الملكية للتوليف الحضاري.

وفي عام 779 م أعلن الإمبراطور البوذيةَ ديانةَ رسمية للتبت، وأعفى بعض العائلات الثرية من الضرائب، وكلفهم بدلاً من ذلك بدعم المجتمع الرهباني السريع النمو ماليًّا، فشكلت مائتا عائلة موردًا لتقدِمات المعبد الرئيس في لاسا، في حين تبرعت ثلاث عائلات بالمؤن لدعم كل راهب.

ولعل تري سونغديتسين قد اتخذ هذه الخطوة أسوةً بالملك شيفاديفا الثاني (704 – 750 م) من سلالة ليتشافي النيبالية الحاكمة. وفي عام 749 م كلَّف هذا الملك النيبالي - رغم أنه لم يعلن البوذية ديانة رسمية - قريةً كاملة بدعم ديره الشخصي شيفاديفا فيهارا. ورغم أن ملكيْ ميتراكا وراشتراكوتا من سوراشترا اعتمدا سياسةً مشابهة لدعم أديرة فالابي، إلا أن احتمال أن تري سونغديتسين كان على عِلمٍ بهذه السابقة هو احتمالٌ ضعيف.

السلام مع الصين وتأسيس المجلس الديني التبتي

وفي عام 781 م طلب الإمبراطور التبتي الذي كان يسعي لتحقيق توليفٍ حضاري من الإمبراطور التانغي الجديد دايزونغ (حكم من سنة 780 إلى 805 م) إرسال راهبيْن مرة كل سنتين من الصين الهانية إلى سمياي لتعليم التبتيين، وبعد سنتيْن وفي عام 783 م وقعت الصين الهانية والتبت معاهدةَ سلامٍ بينهما، بعد عقودٍ من الحرب على تورفان وبشباليق، تاركيْن المدينتيْن التركساتنيتيْن الشرقيتين تحت تصرف القوات التانغية.

وتوفي شانتاراكشيتا الرئيس الهندي لدير سمياي بعد فترة وجيزة عام 783 م. وقد حذَّر قبل وفاته تري سونغديتسين من أن التعاليم البوذية ستنحسر مستقبلاً في التبت بسبب تأثير الصين الهانية، ونصح الإمبراطور أن يدعو تلميذه كامالاشيلا من الهند لحل هذه المشكلة.

وعيَّن تري سونغديتسين سيلنانغ خلفًا لشانتاراكشيتا، بصفته الرئيس التبتي الأول لدير سمياي. وفي السنة نفسها، أي 783 م، أسَّس الإمبراطور مجلسًا دينيًّا يرأسه رئيس دير سمياي، للبت في كل الشئون الدينية. وكان ذلك بدايةَ النموذج التبتي للحكومة التي ضمت في النهاية وزراء متساويين عاديين ووزراء تمت سيامتهم. وإذا فهمنا تطور هذا النموذج في إطار سياسة ذلك الوقت ساعدنا هذا على فهم سبب عدم انتشار الإسلام في التبت، أو في ولاياتها التابعة بعد استسلام شاه كابول وقائد الجيش التبتي للعباسيين قبل ثلاثة عقود.

تحليل لسياسة المجلس الديني التبتي

كانت هناك ثلاث مجموعات في البلاط الملكي التبتي في ذلك الوقت: مؤيدو الهند، ومؤيدو الصين الهانية، والمهووسون بكراهية كل ما هو أجنبي. وكل واحدة من هذه المجموعات تدعمها عشائر خاصة. وكان سيلنانغ عضوًا في عشيرةٍ رأَست المجموعة المؤيدة للهند، ولكونه رئيسًا لبعثات ملكية إلى كلٍّ من الهند البالية والصين الهانية فقد كان يعرف مدى تفضيل حالة البوذية في الماضي، مقارنةً بالحاضر. فقد حصلت الأديرة في الهند البالية على رعاية الدولة، وتمتعت باستقلالية تامة، دون أية التزامات نحو الدولة. كما أنها لم تدخل في علاقات مع بعضها البعض. بالإضافة إلى ذلك بدأ الأباطرة الباليون يرسلون دفعات الجزية إلى البلاط التبتي منذ زيارة سيلنانغ الأخيرة، رغم أن هذا الوصف قد يكون كناية كذلك عن إرسال وفود التجارة. ورغم ذلك لعل الأمل كان موجودًا في أن تدعم دولة بالا المعاهد البوذية في التبت. ومن جهة أخرى لم تحصل الأديرة البوذية في الصين التانغية على دعم الدولة إلا مقابل الخضوع لسلطة الحكومة.

ولطالما كانت البوذية تحظى برعاية الحكومة في الصين الهانية- خاصة في الشمال – وحكم مشترك. ولم تتمتع الديانة غالبًا باستقرار مطمئن؛ وذلك بسبب أن الأسر الحاكمة كانت تواجه خطر التعرض للإطاحة في كثيرٍ من الأحيان. فعلى سبيل المثال كان لسلالة وي الشمالية التوباوية (386 – 535 م) مكتبٌ لإدارة الأديرة البوذية في المملكة، مع راهبٍ رئيس يختاره الإمبراطور، وكان هذا المكتب يتمتع بصلاحية نفي الرهبان الفاسدين من الأديرة، ممن تكبروا على المنهج الرهباني وأساءوا لمركزهم. وقد مارس المكتب غالبًا وظائفه التنظيمية حسب القانون، ولكن عندما سيطر الوزراء الغيورون من التفضيل الملكي للبوذية على الحُكومة، حُلَّ هذا المكتب؛ لتتبع ذلك اضطهادات واسعة النطاق ضد البوذيين عام 446 م.

لعل تري سونغديتسين، ومن خلال تأسيسه مجلسًا دينيًّا، كان يعتمد النمط الصيني الهاني، لكنه خلط بعض العناصر الهندية والتبتية معًا. ووفقًا للسوابق الهندية-النيبالية يتوجب على الدولة دعم الأديرة من خلال إعفاء عائلات معينة من الضريبة، وتكليفها بالمقابل بتوفير مؤَن للأديرة والرهبان. وكانت الأديرة تمارس شعائر معينة لصالح الدولة مثل الذي كان في الصين الهانية أيضًا. وكان ذلك يتوافق أيضًا مع التقليد التبتي طويل الأمد في خدمة كهنة التقليد الأصلي السابق للبوذية للبلاط الملكي، من خلال ممارسة الشعائر. وكما كان الحال في نمط الصين الهانية كان المكتب يُنظِّم العلاقات البوذية الداخلية، ولكن الأديرة قد تمتعت باستقلالية عن الأنظمة الحكومية كما كانت الأديرة في النمط الهندي.

إن سيلنانغ - بصفته عضوًا في الشعائر الرئيسة لتأييد الهند في البلاط الملكي، وأول رئيس للمجلس الديني - قد فضَّل ترسيخ علاقاته مع الهند بصورة متقاربة، وإضعاف علاقاته مع الصين الهانية بشكلٍ طبيعي. بالإضافة إلى ذلك كان مهتمًّا بشكل خاص بتفادي سلطة حكومية هانية على النمط الصيني أو اضطهادٍ البوذية. ولكن تري سونغديتسين كان قد أحنى رأسه أمام الصين الهانية على الجبهة السياسية؛ حيث عزَّز ذلك قبضةَ المجموعة المؤيدة للصين في البلاط الملكي. فلقد كان الوضع مواتيًا بالنسبة لهذه المجموعة؛ كي تدفع الإمبراطور لتطبيق سياسة سلطة حكومية على النمط الصيني الهاني تجاه الأديرة. كما أن الوضع كان مناسبًا بالنسبة للمهووسين بكراهية كل ما هو أجنبي في البلاط للرد على العلاقة القوية التي عُقِدت مع الصين الهانية، وتجديد نقائها من التأثيرات الأجنبية، بما في ذلك البوذية.

كان على سيلنانغ والمجلس الديني التصرف بشكلٍ سريع وحاسم، فكان الحل هو تقوية مكانة المجلس؛ بحيث لا يكون ذا صفة الاستقلال الذاتي فقط، بل يكون له كذلك تأثير قوي على الحكومة نفسها. وهكذا أقنع سيلنانغ تري سونغديتسين بالسماح لأعضاء المجلس الديني بالحضور إلى كل الاجتماعات الوزارية، وأن يتمتعوا بالسلطة لصد هيمنة وزرائه. وفي ظل الإرشاد الأولي لرئيس الدير التبتي سرعان ما اشتدت قوة المجلس الديني أكثر من مجلس وزراء الإمبراطور نفسه.

التخلص من المهووسين بكراهية كل من هو أجنبي

كانت الخطوة الأولى في عام 784 م عندما بدأ المجلس الديني في التخلص من المحافظين المهووسين بكراهية كل ما هو أجنبي، من خلال إرسال قادتهم إلى المنفى في جيلجيت ونانجاو شمال غرب مقاطعة ينان الحالية في جمهورية الصين الشعبية. وبما أن هذه المجموعة كانت قد اغتالت والد الإمبراطور قبل تسعةٍ وعشرين عامًا، وحرضت طوال ست سنوات على اضطهاد البوذية، وكان من الواضح أنها شكلت التهديد الأكبر.

وتعد المصادرُ التاريخية البوذية التبتية التي تعود إلى القرن الثاني عشر الحدثَ اضطهادًا لكهنة البون الذين كانوا يعارضون البوذية. ورغم أن الحضور اللاحق لتابعي البون المنظمين في جيلجيت ونانجاو يشير إلى أن كثيرين من الذين نُفوا كانوا يتبعون التقليد التبتي السابق للبوذية. وكان التخلص منهم في الأساس سياسيًّا بطبيعته، فلم يكن يرتكز على فوارق عقائدية دينية. وقبل نهاية القرن الحادي عشر لم تكن البون في نهاية المطاف ديانةً منظمة؛ حيث يُشير المصطلح "بون" إلى هذه المعارضة فقط، وهي مجموعة المهووسين بكراهية كل ما هو أجنبي في البلاط الملكي.

تعاون معلمو البوذية والمعلمون التبتيون الأصليون على ترجمة نصوصهم الخاصة بهم في دير سمياي حتى ذلك الوقت. وبسبب الوضع السياسي الذي لم يكن مستقِرًّا أبدًا في تلك الفترة أخفى درينبا-نامكا، القائد الروحي الرئيس للنظام الأصلي في دير سمياي نسخًا من معظم نصوص تقليده؛ بغرض الحفاظ عليها في الشقوق داخل جدران الأديرة. وتذكر المصادر التاريخية البونية التبتية اللاحقة التي تدعم ما جاء حول الاضطهاد الديني أنه ادعى قبوله البوذية؛ من أجل الحفاظ على دير سمياي وحماية تلك النصوص. ولكن بصرف النظر عن دوافعه كان من الواضح أن هذا المعلم الأصلي قد بقيَ في الدير فعلاً بعد عملية التطهير، وقد علَّم معلمين تبتيين مشهورين من أمثال المترجِم فايروتشانا مزيجًا من تقليده والبوذية.

وكثيرًا ما تُصوِّر المصادر التاريخية الدينية للبونيين التبتيين والبوذيين الأحداثَ على ضوء أجنداتها السياسية. ولكن ليس هناك مصدر تبتي يذكر أن أيًّا من درينبا-نامكا، أو أحد ممارِسي التقليد الأصلي من أتباعه، قد أُرغِموا على إنكار تقاليدهم ومعتقدَاتهم واعتناق البوذية. ومن المرجح جدًّا أن يكون قد مُزِج التقليد الأصلي التبتي والبوذية معًا حتى عهد الإمبراطور سونغتسين-غامبو على الأقل؛ حيث كان الإمبراطور التبتي الأول قد أمر بممارسة شعائر كِلا التقليديْن، فما كان من درينبا-نامكا إلا أن يتابع هذا التوجه، بل ربما طوَّره بعد ذلك. إن التأثير المتبادَل لكل نظامٍ ديني على الآخر سيحدث وينمو في كل الأحوال بشكلٍ طبيعي، نتيجةً لحضور معلمين روحيين من كِلا النظاميْن في دير سمياي.

إن معظم أفراد ال
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://elswesry22.yoo7.com/
بقايا جروح
مشرف المنتدي الأدبيمشرف المنتدي الأدبي
بقايا جروح


انثى
ســآعـتي :
التسجيل : 10/01/2010
المساهمات : 7226
عدد النقاط : 11523
المزاج : كل شي عن البوذيين  .. مميز. Qatary22
المهنة : كل شي عن البوذيين  .. مميز. Studen10
الهوايه : كل شي عن البوذيين  .. مميز. Travel10
الدولة : كل شي عن البوذيين  .. مميز. Female16
الأوسمة : كل شي عن البوذيين  .. مميز. 3h210
التميز : كل شي عن البوذيين  .. مميز. 1510

كل شي عن البوذيين  .. مميز. Empty
مُساهمةموضوع: رد: كل شي عن البوذيين .. مميز.   كل شي عن البوذيين  .. مميز. I_icon_minitimeالسبت 28 يناير 2012, 7:33 pm

تاريخ سلالات سيامة المولاسارفاستيفادا في التبت

رغم أنَّ سيامة رهبان المولاسارفاستيفادا مرَّت بثلاث مراحل تأسيسيَّة في التبت، إلا أنَّ سانغا (مجلس) راهبات مولاسارفاستيفادا لم يحظَ بتأسيسٍ قوي أبدًا، وبالتالي تحوَّلت النساء اللاتي يتبعْنَ التقليد البوذيَّ التبتيَّ في إطار تقليد فينايا المولاسارفاستيفادا، واللاتي رغبنَ في السيامة، إلى شرامانيريكايات أو راهباتٍ مُبتدئات.

كانت المرَّة الأولى التي شهدت تأسيس سيامة رهبان المولاسارفاستيفادا في التبت عند زيارة المعلِّم الهنديِّ شانتاراكشيتا، وبرفقته ثلاثة رهبان، كما شهدت تأسيس دير سمياي في التبت الوسطى عام 775 م. كان ذلك تحت رعاية الإمبراطور التبتي تري سونغديتسين. ولكن نظرًا لعدم قدوم اثنتي عشرة راهبة من راهبات المولاسارفاستيفادا الهنديات إلى التبت في ذلك الوقت، ولعدم تمكن النساء من السفر إلى الهند لتلقي السيامة العُليا، لم تُؤسَّس سيامة راهبات المولاسارفاستيفادا في التبت خلال هذه المرحلة الأولى.

ولكن - حسب مصدرٍ صيني في وثائق الدونهوانغ - إحدى الزوجات الثانويَّات للإمبراطور تري سونغديتسين، وهي الملكة دروزا جانغدرون، إلى جانب ثلاثين امرأةً أخرى، حصلت على سيامة الراهبات في سمياي. وأثارت سيامتهن هذه جدلاً لدى الرهبان الصينيين الذين دُعوا إلى مكتب الترجمة في سمياي عام 781 م. وبما أن الإمبراطور التانغي الصيني شونج-زونج أمرَ عام 709 م باتباع سلالة سيامة الدارماغوتبا فقط في الصين، لا بد أن سيامة الراهبات في التبت نشأت عن سلالة الدارماغوبتا، ويُحتمَل أن السيامة كانت تُقدم حسب طريقة السانغا (المجلس) الوحيد، غير أن سلالتها لم تستمر بعد هزيمة الطائفة الصينية في مناظرة سمياي (792 - 794 م) وطردها من التبت.

خلال فترة حُكم الإمبراطور التبتي تري ريلباتشن (حكم من سنة 815 إلى 836 م)، أمرَ الإمبراطور بعدم ترجمة أيَّة نصوص هينايانا أخرى إلى التبتية إلا الموجودة داخل مجموعة سارفاستيفادا، وقد نجح ذلك بشكلٍ فعَّال في وضع حدودٍ حول إمكانية تقديم سلالات سيامة أخرى إلى التبت إلا سلالة المولاسارفاستيفادا.

كادت سلالة سيامة رهبان المولاسارفاستيفادا من شانتاراكشيتا أن تضيع بسبب اضطهاد الملك لانغدارما للبوذية في نهاية القرن التاسع أو بداية القرن العاشر الميلادي. وبمساعدة راهبيْ دارماغوبتا بيكهو أعادَ ثلاثة رهبان مولاسارفاستيفادا تجديدَ سلالة سيامة الرهبان هذه مع سيامة غونغبا-رابسيل في التبت الشرقية، ولكن لم يعتمد أية عملية مشابهة يشترك فيها رهبان الدارماغوبتا لتأسيس سيامة رهبان المولاسارفاستيفادا في ذلك الوقت، عبر سانغا (مجلس) ثنائي بسلالة مختلطة.

استرجعت سلالة غونغبا-رابسيل سيامةَ رهبان المولاسارفاستيفادا إلى التبت الوسطى، وأصبحت تُعرَف بتقليد "فينايا التبت السُّفلي". ولكن في التبت الغربية توجَّه الملك يشي-وو في نهاية القرن العاشر الميلادي إلى الهند؛ ليؤسس - أو ربما ليعيد تأسيس - سيامة رهبان المولاسارفاستيفادا في مملكته. وهكذا دعا أستاذ الدارمابالا الهندي الشرقي وعددًا من تلاميذِه إلى غوغي في التبت الغربية؛ من أجل تأسيس السلالة الثاني لسيامة رهبان المولاسارفاستيفادا، وأصبحت هذه السلالة تُعرَف بتقليد "فينايا التبت العُليا".

حسب وقائع غوغي أسَّست جماعة راهبات مولاسارفاستيفادا في غوغي أيضًا آنذاك، كما أن لهاي-ميتوغ ابنة الملك يشي وو تلقت السيامة فيها، ولكن لا نعرف هل كانت هذه السيامة شبيهة بالسيامة الخاصة بالراهبات أو الشرامانيريكا الابتدائية؟ على كل حال ليس واضحًا هل كانت دعوة راهبات المولاسارفاستيفادا إلى غوغي كانت لتدارُس السيامة، وليس هناك دليل على أن سانغا (مجلس) راهبات المولاسارفاستيفادا قد تأسس بشكلٍ قوي في التبت الغربية آنذاك.

وفي عام 1204 م دعا المُترجِم التبتي تروبو لوتساوا المعلمَ الهندي شاكياشريبادرا - وهو آخر جالسٍ على عرش دير نالاندا – حتى يأتي إلى التبت هربًا من الدمار الذي أحدثه الأوغوزيُّون التُّرك من الأسرة الغورية. أما في التبت فقد تدارَسَ شاكياشريبادرا ورفاقه الرهبان الهنود سيامة رهبان المولاسارفاستيفادا لمُرشحين من داخل تقليد الساكيا، فبدأت بذلك سلالة سيامة ثالثة في التبت. لهذه السلالة سلالتان ثانويتان: إحداهما: تنشأ عن سيامة شاكياشريبادرا لـساكيا بانديتا. والأخرى: عن سيامته مجموعة رهبان درَّبها لاحقًا، وانقسمَت إلى أربع مجموعات ساكايا رهبانية. ورغم وجود دليلٍ على استمرار وجود راهبات في شمال الهند حتى القرن الثاني عشر الميلادي، فلم ترافق أية راهبة من راهبات مولاسارفاستيفادا شاكياشريبادرا إلى التبت. وهكذا لم تُنقل سلالة سيامة راهبات المولاسارفاستيفادا بالاقتران مع أيٍّ من سلالات سيامة رهبان المولاسارفاستيفادا الثلاث في التبت.

وفي القرون اللاحقة لزيارة شاكياشريبادرا كانت محاولة واحدة - على الأقل - لتأسيس سيامة راهبات المولاسارفاستيفادا في التبت، ولكنها لم تنجح. وفي أوائل القرن الخامس عشر الميلادي عقد معلم الساكيا شاكيا-تشوغدين مجلسًا واحدًا لسيامة راهبات مولاسارفاستيفادا لوالدته بصورةٍ خاصة، غير أن أحد معلمي الساكيا المُعاصرين، وهو غورامبا، انتقد بشدة شرعية هذه السيامة، وبالتالي فإنها لم تستمر
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://elswesry22.yoo7.com/
بقايا جروح
مشرف المنتدي الأدبيمشرف المنتدي الأدبي
بقايا جروح


انثى
ســآعـتي :
التسجيل : 10/01/2010
المساهمات : 7226
عدد النقاط : 11523
المزاج : كل شي عن البوذيين  .. مميز. Qatary22
المهنة : كل شي عن البوذيين  .. مميز. Studen10
الهوايه : كل شي عن البوذيين  .. مميز. Travel10
الدولة : كل شي عن البوذيين  .. مميز. Female16
الأوسمة : كل شي عن البوذيين  .. مميز. 3h210
التميز : كل شي عن البوذيين  .. مميز. 1510

كل شي عن البوذيين  .. مميز. Empty
مُساهمةموضوع: رد: كل شي عن البوذيين .. مميز.   كل شي عن البوذيين  .. مميز. I_icon_minitimeالسبت 28 يناير 2012, 7:35 pm

إحياء سلالة سيامة الرهبان في التبت في القرن العاشر


في ظلِّ حُكم الملك لانغدارما كان هناك اضطهادٌ شديدٌ للبوذيَّة، كان ذلك - حسب بعض المصادر - بين عامي 836 و 842 م. وحسب مصادر أخرى من عام 901 حتى 907 م. وتعرَّض كلُّ الرهبان للقتل، أو أُجبروا على خلع ثيابهم، عدا ثلاثة: مار شاكيا، ويو غيجونغ، وتسانغ رابسيل. فقد هرب الثلاثة من خلال المرور عبر التبت الغربية، واللجوء بشكل مؤقَّت إلى المنطقة التركيَّة القراخانيَّة في كاشغار في تركستان الشرقيَّة (شينجيانغ). ثم استمرُّوا عبر المناطق الثقافية التبتية أكثر فأكثر نحو الشرق إلى دونهوانغ وقانسو البعيدة عن لاسا، والتي كانت خارج إطار الاضطهاد.

وحسب بعض المصادر المنغوليَّة فقد مرَّ الثلاثةُ عبر منغوليا التي يحكمها القرغيز، وفي النهاية اختبئوا على الشواطئ الشرقيَّة لبحيرة بايكال في سيبيريا، وهناك قدَّموا تلقين مبادئهم وتعاليمهم إلى هورتسا ميرغين حفيد الملك المنغوليِّ بورتي تشيني، وهو الحفيد الخامس لجنكيز خان. وحسب مصادر أخرى فقد مُنحوا حقَّ اللجوء في المملكة البوذيَّة التانغوتيَّة التي يحكمها مي-نياغ، التي امتدَّت لتشمل المنطقة من شمال أمدو حتى منغوليا الداخليَّة. غير أنَّ هناك مصادر أخرى تُحدِّد بصورة دقيقة هذه المنطقة التي سكنوا فيها في بادئ الأمر، وأنَّها كانت جزءًا من مملكة تسونغكا في ذلك الوقت، وقد بُنِيَ الدير الكهفيُّ مارتسانغ في شمال أمدو لاحقًا في الكهف الذي سكنوا فيه كما يَزعُمون.

وبعد عدَّة سنوات انتقل الرهبان التبتيون الثلاثة إلى جنوب شرق مقاطعة خام التبتية؛ حيث مكثوا في معزل دِنتيغشيل. وحدث أن رغب أحد الرعاة المحلِّيين في أن يصبح راهبًا، فقدَّموا له نذور المبتدئين، واسمًا أوليًّا: غيوا-رابسيل، ولكنهم لم يستطيعوا أن يقدِّموا له نذور الرهبان كاملة؛ لأنه ينبغي أن يشترك خمسة رهبانٍ في عملية السيامة حتى تكون كاملة.

في ذلك الوقت هرب لالُنغ بيلغيي-دورجي - الذي اغتال الملك لانغدارما - إلى منطقة قرب لونغتانغ، وقد طُلبَ منه المساعدة في عمليات السيامة، لكنَّه أوضح أنَّه لم يعد مؤهَّلاً للقيام بهذا الدور، ثم وعدَ بالمساعدة في إيجاد رهبان آخرين، فوجدَ راهبيْنِ صينييْنِ: كي-بانغ وغيي-بان، فأرسلهما ليكملا العَدد. وبهذه الطريقة، ومع وجود تسانغ رابسِل رئيسًا للدير، حصل الراعي السابق على نذور الرهبان الكاملة، واسم السيامة الكاملة: غونغبا-رابسيل في حضرة هؤلاء الخمسة. وفي فترات لاحقة أضاف الناس لقب: لاتشِن (المتفوِّق العظيم).

ثم سمع بعض الشباب من مقاطعات التبت الوُسطى في يو وتسانغ عن الرهبان في خام، فقاد لومي تسوتريم-شيراب مجموعة مؤلَّفة من عشرة أشخاص يرغبون في الحصول على سيامة كاملة، وكان ذلك بعد 53 أو 70 سنة من الاضطهاد الذي مارسه لانغدارما. ثم طلبوا أن يكون تسانغ راسبيل رئيسًا للدير، لكنَّه رفض ذلك بسبب سِنِّه المتقدِّمة، فطلبوا ذلك من غونغبا-رابسيل، ولكنه تعلَّل بأنَّه لم يمضِ على سيامته كاهنًا إلا خمس سنوات، وأنه ليس مؤهَّلاً بعدُ؛ لأنه - حسب النصوص - يجب أن يمر على الكاهن بعد سيامته عشرُ سنوات ليصبح رئيسَ دير، ورغم ذلك منحه تسانغ-راسبيل إذنًا خاصًّا ليعمل رئيسًا للأديرة، وأخذت مجموعة العشرة نذور الراهب الكاملة.

وقد قضى لومي سنةً واحدةً يدرس قوانين الفينايا الخاصَّة بالانضباط الرهبانيِّ، في الوقت الذي عاد فيه التسعة الآخرون إلى التبت الوسطى. وعاد لومي إلى التبت الوسطى وأنشأ عدَّة معابد فيها، ليكون هو أوَّلَ من نشر التعاليم البوذية هناك، وخاصة نذور الراهب
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://elswesry22.yoo7.com/
بقايا جروح
مشرف المنتدي الأدبيمشرف المنتدي الأدبي
بقايا جروح


انثى
ســآعـتي :
التسجيل : 10/01/2010
المساهمات : 7226
عدد النقاط : 11523
المزاج : كل شي عن البوذيين  .. مميز. Qatary22
المهنة : كل شي عن البوذيين  .. مميز. Studen10
الهوايه : كل شي عن البوذيين  .. مميز. Travel10
الدولة : كل شي عن البوذيين  .. مميز. Female16
الأوسمة : كل شي عن البوذيين  .. مميز. 3h210
التميز : كل شي عن البوذيين  .. مميز. 1510

كل شي عن البوذيين  .. مميز. Empty
مُساهمةموضوع: رد: كل شي عن البوذيين .. مميز.   كل شي عن البوذيين  .. مميز. I_icon_minitimeالسبت 28 يناير 2012, 7:36 pm

التاريخ المختصر لدير مينري


مفشي الأول الكبير من العظيم لنصوص الكنز في تقليد البون هو شينتشين لوغا (996 - 1035 م)، وقد عهد إلى تابعه دروتشين نامكا يونغ درونغ بمهمة تأسيس تقليد جدلي لدراسة نصوص البون. وفي عام 1072 م أسَّس دروجي يونغ درونغ لاما - وهو من أقارب دورتشين - ديرَ يايرو إنساكا في منطقة تسانغ التبتية المركزية لهذا الهدف، ولكنَّ الدير دمَّره الفيضان عام 1386 م.

ثم أُنشِئَ ديرُ تاشي مينري في توبغيال في تسانغ، وبُني ليحل محلَّ إنساكا، وقد أسَّسه نياممي شيراب غيالتسين (1356 - 1416 م) في عام 1405 م، وأصبح مينري ديرَ البون الرئيس للتبت.

وموقع مينري إستثنائي جدًّا؛ فعندما سافر مؤسس دين البون تونبا شينراب إلى كونغبو توقَّف في توبغيل، وبواسطة قواه العجيبة تركت أقدامه أثرًا في صخرة، وبعد ذلك قال: "أيها الولد الصغير، سيكون ديرك في المستقبل هنا". والجبل وراء مينري يشبه ستارة مسحوبة من الحرير الأبيض، وفي منتصفه توجد بلاطة صخرية مسطحة واسعة ذات أشكال تشكَّلت طبيعيًّا لألف (1000) بوذا وثمانين (80) من الفيديادارات (أصحاب الوعي النقي) وألف (1000) من الداكينات، وتضم الجبال أمام الدير العديدَ من الأشكال الرائعة التي تشكَّلت طبيعيًّا، والجبال المحيطة به مغطاة بمئات الأنواع من النباتات والينابيع الطبية، ومنها أُخِذ الاسم "مينري"، الذي يعني: "جبل الطب".

وعندما استقر نياممي شيراب غيالتسينأول مرة في مينري طلب من تابعه رينتشين غيالتسين أن يملأ شاله بالحصى الأبيض، ويغلق عينيه ويسير، ويُسقط حصاةً واحدة كلَّ تسعة خطوات. وقد فعل رينتشين غيالتسين ما أمره به، لكنه بعد فترة وجيزة سمع ضجة عالية جعلته يفتح عينيه، فأخبره نياممي شيراب غيالتسينأنه حيث سقط الحصى هناك ستكون أقسام الدير الاثنا عشر ومساكن الرهبان الستين. وأوضح نيامي أنه لو كان رينتشين غيالتسين قد أسقط كل الحصى دون أن يفتح عينيه أبدًا، فإنَّ ديرَ إنساكا كلَّه عندئذ كان يمكن إعادة تأسيسه ثانية، أما الآن فإن هذا لن ينجز بشكل صحيح، ورغم أن دير مينري سيكون امتدادًا للدير السابق فترةً طويلة فإنَّ كل شيء لن يكون مُنجزًا بشكل كامل.

وقد كتب نياممي شيراب غيالتسين رينتشين غيالتسين العديد من النصوص، وحاولا تأسيس كلية الجدل في مينري، ولكنهما فشلا. وحتى تأسيس دير الجدل البوني "يونغ درونغ لينغ" في عام 1836 م، فقد درس رهبان مينري السوترات عبر تقنية الجدل في دير الساكيا المجاور "درويول كييتسيل"، وكان بإمكانهم تسلُّم شهادة "الساكيا غيشي". أما التانترا البونية وتعاليم الدزوغ تشين (الاكتمال الرائعة) فقد درسوها في مينري.

وفي عام 1947 م أسَّس دير مينري كلية الجدل الخاصة به. ورغم أن دير إنساكا امتلك دراسة تقليد الجدل للسوترا والتانترا والدزوغتشن فإن دير مينري كان قادرًا على تأسيسها للسوترا فقط. وقد أنشأ الدير تقويمًا كاملاً للممارسة والطقوس التانترية.

وكان في دير مينري أربع كليات، هي:
•لينغ مي.
•لينغ تو.
•لينغ كي.
•لينغ زور.

وكان عدد الأقسام في هذه الكليات اثني عشر قسمًا، وضمت جميعها في عام 1959 م ما بين 400 إلى 500 راهب، وكان لدى مينري (250) ديرًا فرعيًّا في جميع مناطق التبت، باستثناء يو، وكذلك في الهند والصين وبوتان وسيكيم ونيبال ومنغوليا.

وفي عام 1978 م أُعِيد تأسيس كلية جدل مينري (بيل شينتين مينريلينغ) في سولان – وهي ولاية هيماتشال براديش - بالهند. وفي الوقت الحالي يوجد بها سبعون راهبًا، وهم لا يدرسون السوترا فقط، بل يدرسون أيضًا التانترا والدزوغ تشين من خلال وسيلة الجدل، كما يدرسون المجالات التقليدية للمعرفة، مثل: الطب والتنجيم والفن والشعر وقواعد اللغة أيضًا
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://elswesry22.yoo7.com/
بقايا جروح
مشرف المنتدي الأدبيمشرف المنتدي الأدبي
بقايا جروح


انثى
ســآعـتي :
التسجيل : 10/01/2010
المساهمات : 7226
عدد النقاط : 11523
المزاج : كل شي عن البوذيين  .. مميز. Qatary22
المهنة : كل شي عن البوذيين  .. مميز. Studen10
الهوايه : كل شي عن البوذيين  .. مميز. Travel10
الدولة : كل شي عن البوذيين  .. مميز. Female16
الأوسمة : كل شي عن البوذيين  .. مميز. 3h210
التميز : كل شي عن البوذيين  .. مميز. 1510

كل شي عن البوذيين  .. مميز. Empty
مُساهمةموضوع: رد: كل شي عن البوذيين .. مميز.   كل شي عن البوذيين  .. مميز. I_icon_minitimeالسبت 28 يناير 2012, 7:38 pm

التاريخ المختصر لدير يونغ درونغ لينغ


رغم أن الهدف من بناء دير مينري عام 1405 م هو استمرار تقليد جدل البون لدير إنساكا، فإن هذا الهدف لم يتحقق.

ففي عام 1836 م أسَّس نانغتون داوا غيالتسين (ولد سنة 1796 م) دير يونغ درونغ لينغ تحت مينري تمامًا. وقد أصبح هذا الدير ديرَ الجدل الرئيس بالنسبة لتقليد البون، على الرغم من تأسيس تسعة أديرة إضافية في القرن العشرين الميلادي في كُلٍّ من كام وآمدو.

وقد درَس الرهبان فقط السوترا بأسلوب الجدل، في حين درَسوا التانترا والدجوغ تشين بشكل خاص مع معلميهم يونغ درونغ لينغ، بالإضافة إلى كلية الجدل التي أُنشئت في مينري عام 1947 م، منحتهم شهادة "غيشي" الخاصة. وبهذه الشهادة يمكن للرهبان التقدم لدراسات إضافية في كلية لوسيل لينغ لدير دريبونغ لتقليد غيلوغ، واجتياز الامتحانات ليصبحوا حاملي شهادة "غيشي لهارامبا". وقد أتم بضعة رهبان تعلمهم الكامل للجدل في كلية لوسيل لينغ لدير دريبونغ.

يوجد في دير يونغ درونغ لينغ أربع كليات، هي:
•يونغ درونغ لينغ.
•كونسيل لينغ.
•كونكياب لينغ.
•كوندراغ لينغ،
•وفيها ثمانية أقسام.

وفي في عام 1959 م كان عدد الرهبان 400 تقريبًا. وقد حافظ الدير على الطقوس التانترية الرئيسة لتقليد البون، بالإضافة إلى دراسة أصول منطق السوترا.

تقليد جدل السوترا الذي يُدرَّس في يونغ درونغ لينغ – وفي دير مينري بعد ذلك - مشابه جدًّا لما في الأديرة البوذية. فالنصوص العظيمة والموضوعات المدروسة متشابهة جدًّا.

أولاً: يتعلَّم الرهبان موضوعات مُجمَّعة من نظرية جامدة، وطرق المعرفة وطرق البرهان المنطقي وأنظمة العقائد، ثم يدرسون المكافآت البونية "للبراجناباراميتا" المتعلقة بنفاذ البصائر على طول المراحل والطرق، وفلسفة "المادياماكا"، ومنطق "برامانا"، وما وراء الطبيعة أو "أبيدارما"، وقواعد "فينايا" للانضباط. وبالنسبة لممارسة التانترا والدزوغ تشين، فإن الرهبان يبدءون بخطوات تمهيدية، كما هو عند البوذيين، مثل إتخاذ ملجأ، وطلب الفتح الروحاني الكامل أو الـــ "بوديتشيتا"، وتقديم رمز دائرة الـــ "ماندالا"، والاعتراف بارتكاب أفعال سيئة في السابق بشكل علني، والتطهر.

وكان لدى دير يونغ درونغ لينغ رئيسٌ له، ومراقبون للانضباط، وقادة للإنشاد، ورهبان مسئولون آخرون. وقواعد انضباط راهب البون صارمة جدًّا في هذا الدير، مثله مثل أي دير بوذي. بالإضافة إلى ذلك فالنذور مشابهة جدًّا للنذور البوذية؛ فرهبان البون لديهم لا يأكلون اللحم والثُّوم، ويغتسلون بانتظام
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://elswesry22.yoo7.com/
بقايا جروح
مشرف المنتدي الأدبيمشرف المنتدي الأدبي
بقايا جروح


انثى
ســآعـتي :
التسجيل : 10/01/2010
المساهمات : 7226
عدد النقاط : 11523
المزاج : كل شي عن البوذيين  .. مميز. Qatary22
المهنة : كل شي عن البوذيين  .. مميز. Studen10
الهوايه : كل شي عن البوذيين  .. مميز. Travel10
الدولة : كل شي عن البوذيين  .. مميز. Female16
الأوسمة : كل شي عن البوذيين  .. مميز. 3h210
التميز : كل شي عن البوذيين  .. مميز. 1510

كل شي عن البوذيين  .. مميز. Empty
مُساهمةموضوع: رد: كل شي عن البوذيين .. مميز.   كل شي عن البوذيين  .. مميز. I_icon_minitimeالسبت 28 يناير 2012, 7:44 pm

تاريخٌ موجَز للدزوغتشين

مقدِّمة


إنَّ دزوغتشين – وهي تعني الكَمال العظيم - عبارة عن نظام ماهايانا لريادة الممارسة نحو التنوُّر، كما أنه ينطوي على رؤية واقعيَّة وأسلوبٍ تأمليٍّ وأسلوبٍ سلوكيٍّ. وقد نشأ بادئ الأمر في تقليديِ النيينغما والبونيَّة (السابقيْن للتقليد البوذيِّ).

نشأت البونيَّة - حسب وصفها الخاصِّ - في تازيغ، وهي منطقة ثقافيَّة إيرانيَّة في آسيا الوسطى، على يد شينراب ميوُو، وجُلِبت إلى شانغ-شُنغ (التبت الغربيَّة) في القرن الحادي عشر ق.م. وليست هناك وسيلةٌ للتأكُّد من صحَّة ذلك عِلميًّا، فقد عاش بوذا في القرن السادس ق.م. في الهند.

تقديم البوذيَّة السابقة للنينِغما، والمذاهب الشانغ-شُنغية في التبت الوُسطى

فَتحَ اليارلونغ (التبت الوُسطى) شانغ-شُنغ عام 645 م، وكان لدى الإمبراطور اليارلونغيّ سونغتسين غامبو زوجات من أسرة جانع-جنغ الحاكمة، وليس من الأسْرتيْن الصينيَّة والنيباليَّة الحاكمتيْن فقط. (ومنهم زوجتان جلبتا معهما بضعة نصوصٍ وتماثيل بوذيّة)، بل كذلك تبنَّى البلاط طقوس الدَّفن الجانغ-جنيَّة (البونيَّة) وأضحيات الحيوانات، رغم أن البونية تقول إن أضحيات الحيوانات ذات منشأ تبتيٍّ، وليس عادةً بونيَّة. وبنى الإمبراطور ثلاثة عشر معبدًا بوذيًّا في أنحاء التبت وبوتان، غير أنَّه لم يُنشئ أيَّة أديرة.

إن هذه المرحلة البوذية السابقة للنيينغما في التبت الوُسطى لم تشهد تعاليمَ دزوغتشين. وفي الحقيقة من الصعب التحقُّق من مستوى التعاليم البوذيَّة والممارسات التي قدمت آنذاك، ولا شكَّ أنها كانت محدودةً جدًّا، كما يمكن أن يكون الوضع ذاته مع المذاهب الشانغ-شُنغية.

غورو رينبوتشي وتقديم نيينغما دجوغتيشن

أمَّا الشخصيَّة الرئيسة التالية وهو الإمبراطور تري سونغديتسين فقد كان حذِرًا في تعامله مع الصينيِّين، ومُرتابًا تجاه الجانغ-جَنيّين ؛ لأنَّ والده الداعم للصينيين اغتالته الطائفة السياسية الشانغ-شُنغية المحافظة، والمهووسة بكراهية كل ما هو أجنبي، في البلاط الملكي. عام 761 م دعا رئيس الدير البوذيُّ الهنديَّ شانتاراكشيتا إلى التبت، فقد كان هناك وباء جدريٌّ، وألقت الطائفة الشانغ-شُنغية اللوم على شانتاراكشيتا، وطردته من البلاد. وتبعًا لنصيحة رئيس الدير دعا الإمبراطور غورو رينبوتشي (بادماسامبافا ) من سوات (شمال غرب باكستان)، الذي طرد الشياطين التي تسبَّبت بالجدريِّ، وعندها دعا الإمبراطور شانتاراكشيتا مرةً أخرى.

غادر غورو رينبوتشي عام 774 م دون أن ينقل الدزوغتشين بصورةٍ كاملة. وبعد توصُّله إلى أنَّ الوقت لم يحن بعدُ دَفَن غورو رينبوتشي بعض النصوص مثل نصوصِ كنزٍ مدفون ("تيرما"). وكانت هذه النصوص تتناول نظام الدزوغتشين فقط.

دير سمياي والترحيل البوني

تم بناء دير سمياي (أوَّل دير في التبت مع أوَّل سبعة رهبان تبتيين) بعد فترةٍ وجيزة. وقد عمل مترجمون صينيُّون من تقليد التشان (اليابانيَّة: زين) وهنود وجانغ-جَنيون معًا هناك. وأصبحت البوذية الديانة الرسمية للدولة عام 779 م؛ لأنَّ الإمبراطور تري سونغديتسين كان بحاجةٍ إلى ثقافةٍ بديلةٍ للشانغ-شُنغية لتوحيد البلاد، ثم عيَّن الإمبراطور ثلاث عائلاتٍ لدعمِ كلِّ راهب.

استولت التبت على دونهوانغ (وهي واحة بوذيَّة على طريق الحرير شمال غرب التبت) من الصين عام 781 م. ومع ذلك أرسل الإمبراطور الصينيُّ راهبيْن صينيِّيْن إلى سمياي كلَّ سنةٍ لاحقةٍ من العام 781 م للمحافظة على تأثيره.

توفي شانتاراكشيتا عام 783 م بعد أن حذَّر من مشكلة قادمةٍ من الصينيين، وبعد أن نصحَ بدعوة تلميذه كامالاشيلا لمناظرتهم، وهو ما فعله التبتيون.

في السنة التالية عام 784 م وقع اضطهادٌ كبيرٌ وترحيلٌ لأتباع البونية، وتوجَّه معظمهم إلى جيلجيت (شمال باكستان) أو إلى يونَّان (جنوب غرب الصين). وحسب الرواية البونيَّة التقليديَّة، دفن درينبا-نامكا الجانغ-جَنيّ نصوصًا بونيَّة (من كلِّ الفئات، ليس الدجونغتشين فقط) في ذلك الوقت للحفاظ عليها آمنةً.

تكشف التحليلات التاريخية والسياسية أن السبب من وراء الترحيل كان التوجس من أن تغتال الطائفة السياسية الشانغ-شُنغية المحافظة والمهووسة بكراهية كل ما هو أجنبي، الإمبراطور لدعمهِ الهنودَ، كما سبق واغتالوا والده. بالإضافة إلى ذلك أبقت الدولة على طقوس الدفن والأضاحيِّ البونيَّة. لذلك من المعقول الاستنتاج أن الأمرَ كان اضطهادًا للطائفة السياسية الشانغ-شُنغية، وليس للديانة البونيَّة بحد ذاتها.

لهذا السبب يؤكد بعض الباحثين الغربيين أن المصطلح بونبو (أتباع البونيَّة) في تلك الفترة كان ذا مرجعية سياسيةٍ أولاً، عوضًا عن كوْنِه مرجعية دينية. كما أنه استخدم للإشارة إلى الطائفة السياسية الشانغ-شُنغية في البلاط وأتباعهم، عوضًا عنه للإشارة إلى القادة الروحيين الذين مارسوا الطقوس الدينية الشانغ-شُنغية في البلاط وأتباعهم.

فايروتشانا وفيمالاميترا ومناظرة سمياي

أرسل الإمبراطور تري سونغديتسين فايروتشانا أحد الرهبان التبتيين الأصليين السبعة من سمياي إلى الهند لجلب المزيد من النصوص. فجلبَ معه تانتراتيْن طبيتيْن: دجوغتيشنية وبوذية، ودعا معلمَ الدزوغتشين الهندي فيمالاميترا، الذي جلب بدوره مزيدًا من النصوص.

عُقدَت مناظرة سمياي في 792 - 794 بين البوذية الهندية والبوذية الصينية. وفازَ الجانب الهندي بقيادة كامالاشيلا؛ أما الجانب الصيني بقيادة هوشانغ ماهايانا (الاسم الصيني لـ"الراهب ماهايانا")، فقد طُرِدَ من التبت. وتبنى التبتيون رسميًّا البوذية الهندية والطب البوذي الهندي، رغم احتفاظهم ببعض التأثيرات الطبية الصينية الْمُدمَجة معها.

بعد ذلك بفترة وجيزة نُفِي الفايروتشانا التبتي بعد أن شهرَ رؤساء الأديرة الهنود به لكشفهِ أكثر من المسموح؛ لذا دَفَن المزيد من النصوص الدجونغتشينية كما فعل الفيمالاميترا الهندي.

الأجزاء الثلاثة لنصوص كنز نيينغما

من خلال نصوص الكنز التي دفنَها فايروتشانا وفيمالاميترا، وتلك التي دفنها قبلهما غورو رينبوتشي، انقسمت التعاليم الدزوغتشينية لاحقًا إلى ثلاثة أجزاء:

1. سيمدي (جُزء العقل)، الذي يؤكد على الوعي الخالص بصفته قاعدةً لكل الأجزاء (السنسكريتية: ألايا)،

2. لونغدي (جُزء المساحة المفتوحة)، الذي يؤكد على جانب المساحة الإدراكية المفتوحة للوعي الخالص بصفته قاعدةً لكل الأجزاء.

3. مينغاغ-دي (جزء التعاليم الجوهرية)، الذي يُدعى كذلك نيينغتيغ (جزء جوهر القلب)، الذي يؤكد على أن الوعيَ الخالصَ خالصٌ من حيث المنشأ.

ينشأ الجزءان الأولان من نصوص الكنز التي دفَنَها الراهب التبتي فايرونتشانا، وغير المعتمَدة في الممارسة كثيرًا هذه الأيام. أما جزء العقل فيأتي من النصوص الهندية التي ترجَمَها فايروتشانا؛ ويأتي جزء المساحة المفتوحة من تعاليمه الشفهية. وأما جزء التعاليم الجوهرية ففيه قِسمان يعودان إلى المعلميْن الهندييْن، أحدهما من غورو رينبوتشي: كادرو نيِينغتيغ (تعاليم جوهر القلب الداكينية). والآخر من فيمالاميترا: فيما نيِينغتيغ (تعليم جوهر القلب الخاصة بفيمالاميترا).

اضطهادُ البوذية

عيَّن الإمبراطور رالباتشين (مُتعصبٌ بوذي)، عام 821 م رئيس دير سمياي رئيسًا لمجلس الدولة، وذلك بعد توقيع اتفاقية السلام مع الصين (كاملةً مع أضحيات الحيوانات). وأصدرَ فرمانًا ينصُّ على أن كل راهبٍ في التبت تدعمه سبع عائلاتٍ. كما شكَّل مجلسًا لإنشاء مصطلحاتٍ تكون مشمولةً في مُلخصٍ سنسكريتي-تبتي ضخم لمصطلحات الترجمة التي أعطى أمرَه باعتمادها ماهافيوتباتي "[المعجَم] الضخم لفهم [المصطلحات] العينية." لم يُضَم أية مصطلحات تانترية إلى المعجم. قرر الإمبراطورُ ومجلسُه ما تُرجِم، وأجازوا ممارسة المستوييْن الأوليْن من التانترا.

وبسبب إفراط الإمبراطور رالباتشين أغلق خليفتُه الإمبراطور لانغدارما الأديرة، واضطهد الرهبان بين العاميْن 836 – 842 م. غير أن المكتبات البوذية وتقليد النغاغبا (التانترية) العلماني كانت محفوظةً.

وقد اكتُشفِت نصوص الكنز البونية التي دفنت في بادئ الأمر صُدفةً في سمياي عام 913 م.

مدارس الانتقال الجديد

أُرسِل أتيشا من الهند في أواخر القرن العاشر لحل حالات سوء التفاهم المتعلقة بالبوذية، خصوصًا في موضوع التانترا، في أمور تخص الجنس والأضحيات. جرَت الترجمات الجديدة عن السنسكريتية بدءًا بعمل رينتشين-جانغبو.

وخلال أوائل القرن الحادي عشر تطورت تقاليد الكادام (الذي أصبح غيلوغ لاحقًا) والساكيا والكاغيو لتصبح مدارس السارما (الانتقال الجديد والتانترا الجديدة). على النقيض من ذلك تُعتبر النيينغما مدرسة الانتقال القديم أو التانترا القديمة.

وقد انتعشت البونية في هذه الفترة كذلك، غير أن مضامينها الآن أصبحت بوذية بدرجة كبيرة. وقد أُشير إلى النصوص البونية بالرمز 1017 – التي تشمل في الغالب نصوصًا غير دزوغتشينية في الفئات الرئيسة من الأدبيات البوذية. وفي القرن الحادي عشر عثر الشخص نفسه لاحقًا على المزيد من النصوص النيينغماوية والبونية في كثيرٍ من الأحيان.

سلالتي نصوص الكنز الجنوبية والشمالية

في النصف الأول من القرن الرابع عشر جمع معلم الساكيا بوتون “مخطوط شالو”، الذي كان المخطوط السابق لـ “كانغيور” (كلماتُ بوذا). ولم يكن فيه أية مواد دزوغتشينية، أو أية ترجماتٍ للتانترا تعود إلى فترة الانتقال القديم.

دمج لونغتشينبا الذي عاصَرَ بوتون “كادرو نيِينغتيغ” و” فيما نيِينغتيغ” في “زابمو نيينغتيغ” (“تعاليم جوهر القلب العميقة“)، وجمَعَ ورتبَ نصوص الدزوغتشين المتوافرة في ذلك الوقت. ومنه نشأت سلالة نصوص الكنز الجنوبية.

أما البونية فأشارت إلى ما يُكافئ الـ “كانغيور” لدينا بالرموز في النصف الثاني من القرن الرابع عشر لتضم الدزوغتشين.

في حين بدأ ريغدجين غودم جي بسلالة نصوص الكنز الشمالية للنيينغما في أواخر القرن الرابع عشر، وهو سليلُ أوائل الملوك التبتيين، ويُدعى مؤسس هذه السلالة “ريغدجين تشينبو“.

تجميع شريعة النيينغما المُعتمَدة والنصوص الرئيسة

في أوائل القرن الخامس عشر اجتمع راتنا لينغبا معا “نيينغما غىوبوم” (“مئات الآلاف من تانترا النينغما”) جمع كل النصوص الدزوغتشين وكل ترجمات التانترا التي تعود إلى فترة الانتقال القديم، ووسَّع عمل لونغتشينبا.

ونقَّح جيغمي لينغبا في أواخر القرن الثامن عشر مؤلف لونغتشينبا، “زامبو نيِنغتيغ”، وحوله إلى “لونغتشين نيِنغتيغ” (تعاليم جوهر القلب الخاصة بلونغتشينبا) وهو نظام النيينغما الدجوغتيشني الرئيس الذي يمارس هذه الأيام. في حين كتب تلميذه الدوبروبتشين الأول نصًّا طقسيًّا عن الممارسات التمهيدية له، واسمه “لونغتشين نغوندرو.

كتب بيلترول تعليمات، واحدة من التناسخات جيغمي لينغبا، “إرشادية من مُرشدي الروحي الممتاز تمامًا (سامانتابادرا)”، (”كلماتٌ كاملة من معلمي الممتاز”، “كونزانغ لامي جيلونغ”). يُتعبر نص النيينغما هذا الأكثر تفصيلاً بالتساوي مع “لام-ريم” (المراحل المُدرجة للطريق) والتمهيدات لـ “لونغتشين نيِينغتيغ”.

حرَكة ريمي اللا-طائفية

أيضا في الجيل القادم بعد جيغمي لينغبا من بين المؤسسين الثلاثة الرئيسيين لريمي (حركة لا-طائفية): كونغترول، جاميانغ-كيِنتسي-وانغبو، وميبام، وقد كتب الأخير التفاسير النيينغما الرئيسة للنصوص الهامة.

وكان تشوغغىور لىنغبا كلا من التلميذ والمعلم كونغترول و جاميانغ-كيِنتسي-وانغبو . ويتبع له دورة “تىرما” (“النصوص الكنز تشوغلىنغ”) من التقاليد النيينغما و الكارما كاغيو.

كتب الدودرَوبتشين الثالث، الطالب جاميانغ-كيِنتسي-وانغبو و بيلترول، أوضح التفاسير عن الدزوغتشين – “دورات دزوغتشين” و”كتابات متفرقة حول الدزوغتشين” – ووضعا الدزوغتشين في سياق تقاليد البوذية التبتية الأخرى، وهناك تفاسير يعتمد عليها صاحب القداسة الدالاي لاما الرابع عشر كثيرًا باعتبارها مصدر شروحاته لنظريةٍ موحدة لكل التقاليد التبتية الأربعة.

هل الدزوغتشين بوذية أم بونية ؟

هل البونية بوذية أم غير بوذية؟ كِلاهما يقود إلى التنور، وكِلاهما يستخدم مصطلح البوذية. فقد ادعى المعلم الهندي دارماكيرتي من القرن السابع أنه عندما يتفق عمل ما مع الأفكار الرئيسة لبوذا، فإن ذلك العمل يُعتَبرُ من تعاليم بوذا. وبذلك يُعتبر كل من النيينغما والدزوغتشين البونية تعاليمَ بوذية ماهايانوية؛ لأن كليهما لديه خصائص يشترك فيها مع الماهايانا سوترات. ولكل منهما بالطبع خصائصه المميزة الاستثنائية، بالإضافة إلى ذلك فسواء أقلنا إن الدزوغتشين جزءٌ من التانترا أم تتجاوز أجزاء السوترا والتانترا، فإن النيينغما والدزوغتشين البونية تشتركان كذلك في خصائص مع مستويات متنوعة من التانترا.

وبما أن النيينغما والبونية تدعيان أنهما سبب منشأ الدزوغتشين، وأنه نسخَها عنهما، فهناك ثلاثة احتمالات:

1. نشأت الدزوغتشين في البوذية منذ فترةٍ مبكرةٍ جدًّا، وحصلت عليها البونية من خلال الانتشار الأول للبوذية في إيران وآسيا الوُسطى عبر شانغ-شُنغ. وبذلك يكون للدزوغتشين البونية منشأٌ بوذي، ولكن ليس منشأً بوذيًّا هنديًّا مباشرًا.

2. عرفت البونية بالدزوغتشين من غورو رينبوتشي في سمياي حيث دفنها عندما رُحِّلت طائفة البون الشانغ-شُنغية عام 784 م، غالبًا إلى جيلجيت (شمال باكستان).

3. عندما رُحِّل البونيون الجانغ-جَنيون إلى جيلجيت عرفوا بها بصورةٍ منفصلةٍ عن غورو رينبوتشي.

وليس في الإمكان التوصل إلى استنتاجٍ حاسم حول صِحة أحد الاحتمالات.

الدزوغتشين في تقاليد الكاغيو

نجد الدزوغتشين في الدروغبا كاغيو كذلك، حيث أنشأها مؤسسِها أواخرَ القرن الثاني عشر: تسانغبا غياراي.

وقدَّم الكارمابا الثالث الدزوغتشين إلى الكارما كاغيو في أوائل القرن الرابع عشر، وألَّف الكارما نيِنغتيغ (تعاليم جوهر القلب الخاصة بالكارمابا). ودرس الدزوغتشين مع كوماراراجا، وهو معلم الدزوغتشين نفسه الذي كان للونغتشينبا. وبذلك يتصور غورو رينبوتشي في قلب الكارمابا الثاني كارما باكشي في ممارسة الكارما باكشي، كما أن هناك ممارسة كارما كاغيو معروفة لغورو رينبوتشي.

دخلت الدزوغتشين إلى تقليد دريكونغ كاغيو عن طريق نصوص الكنز التي اكتشفها في القرن السادس عشر المعلمان دريكونغ راتن والدريكونغ الرابع لهو جيدرَنغ.

الدزوغتشين والدالاي لامات

في منتصف القرن السابع عشر كان للدلاي لاما الخامس رؤًى خالصة عن الدزوغتشين، جمعها ضمن حَملِ ختمِ السرية، وقدَّم هذه الممارسات الدجونغتشينية إلى دير نامغيال الخاص به، وهو الذي يمارس تمارين الغيلوغ غالبًا بطريقة أخرى.

تنبأَ غورو رينبوتشي بأنه إذا انقطعت سلالة الملوك التبتيين الأوائل – الذين كان أحفادهم من سلالة ريغدجين-تشينبو، رؤساء سلالة نص الكنز الشمالية – فسيُلحقُ ذلكَ الضررَ بالتبت. وهكذا حوَّل الدالاي لاما الخامس سلالات الدزوغتشين الخاصة به كذلك إلى الريغدجين-تشينبو قي وقته، وبالتالي تُمارس سلالة نص الكنز الشمالية كذلك تعاليمَ الدزوغتشين الخاصة بالدالاي لاما الخامس.

ثم نقل الريغدجين-تشينبو التالي تعاليم الدزوغتشين الخاصة بالدالاي لاما الخامس إلى دير نيتشُنغ، وهو دير عرّاف الدولة نيتشُنغ، وقد عيِّن غورو رينبوتشي عرّافَ نيتشُنغ في سمياي لحماية التبت، وكان هناك تواصل شخصي بين الدالاي لامات وعراف نيتشُنغ منذ عهد الدالاي لاما الثاني، وذلك عندما انتقل من دير تاشيلهونبو إلى دير دريبنغ.

كما عيَّن الدالاي لاما الخامس صاحب عرش دير نينغما ميندرولينغ ("مينلينغ تريتشين") رئيسًا لسلالة نص الكنز الجنوبية. وهكذا دعمَ الدالاي لاما الخامس سلالتيْ نيينغما الرئيستيْن. وكان هناك تواصلٌ قريب بين سلالة الدالاي لامات وتقليد النيينغما منذ ذلك الحين
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://elswesry22.yoo7.com/
بقايا جروح
مشرف المنتدي الأدبيمشرف المنتدي الأدبي
بقايا جروح


انثى
ســآعـتي :
التسجيل : 10/01/2010
المساهمات : 7226
عدد النقاط : 11523
المزاج : كل شي عن البوذيين  .. مميز. Qatary22
المهنة : كل شي عن البوذيين  .. مميز. Studen10
الهوايه : كل شي عن البوذيين  .. مميز. Travel10
الدولة : كل شي عن البوذيين  .. مميز. Female16
الأوسمة : كل شي عن البوذيين  .. مميز. 3h210
التميز : كل شي عن البوذيين  .. مميز. 1510

كل شي عن البوذيين  .. مميز. Empty
مُساهمةموضوع: رد: كل شي عن البوذيين .. مميز.   كل شي عن البوذيين  .. مميز. I_icon_minitimeالسبت 28 يناير 2012, 7:46 pm

التاريخ المختصرلديركاتوغ


أسَّس كادامبا ديشيغ (1122 - 1192 م) ديرَ كاتوغ دورجيدين (دير كاتوغ)، الواقع في منطقة ديرغي جنوب شرقي مقاطعة كام التبتية، عام 1159 م، ويُعَدُّ أحد أديرة النيينغما الرئيسة الستة.

كان الغورو رينبوتشي بادماسامبافا قد تنبَّأ أنه شرقَ كام، على منحدرات جبل صخري على هيئة الأسد، فهناك سيكون الدير المسمَّى كا، الذي سيكون ذا فائدة غير قابلة للنقض إلى التعاليم والأتباع المستقبليين. علاوة على ذلك فإن معلم دامبا ديشيغ جامتون رينبوتشي كان قد أخبره أنه إذا ذهب إلى كاتوغ (حرفيًّا : على قمة "كا")، فإنه سيكون مفيدًا جدًّا لممارسة الكائنات اللامعدودة. واعتمادًا على هذه التنبوءات فقد بحث دامبا ديشيغ عن هذا المكان، ووجده على منحدرات جبل يولري. ولم يكن للجبل فقط الشكل المشابه للأسد، بل وُجِد عليه أيضًا حرف كا مكتوب بصورة طبيعية على الصخر، وبنى دامبا ديشيغ المعبد الرئيس للدير على قمة "كا" وسمَّاه "كاتوغ". وبهذه الطريقة تحقَّقت جميع التنبوءات.

دامبا ديشيغ نفسه كان قد تنبَّأ به من قبل بادماسامبافا، الذي قال: "في المستقبل سأنبثق في شكل راهب، وأُؤسِّس كاتوغ، وسأؤيد التانترا، وأدعم جميع التعاليم، وأقود أولئك بالاتصال مع الأرض الطاهرة سوكافاتي". وكان دامبا شيغبا قد أتقن الكاغيو ماهامودرا (الختم الكبير) وتعاليم كادامبا تحت إشراف غامبوبا (1079 - 1153 م)، وذلك قَبْل أن يَدرُس تقليد اللنيينغما مع جامتون رينبوتشي.

وكان لدى دير كاتوغ 112 ديرًا فرعيًّا، ليس في التبت فقط، لكن في منغوليا والصين الداخلية ويوننان وسيكيم أيضًا. فعلى سبيل المثال أَسَّس كاتوغ ريغدزين- تسيوانغ – نوربو (1698 - 1755 م) الفرع الكبير في سيكيم، وعندما زار التاي سيتو رينبوتشي الثامن سيتو بانتشين تشوكيي - جونغني (1700 - 1744 م) الصين استقرَّ في فرع دير كاتوغ في جبل مانجوشري ذي القمم الخمس (جبل ووتاي شان باللغة الصينية)، جنوبَ غرب بكين.

ريغدزين تسيوانغ – نوربو مشهور لنقله وجهة نظر الـ "شين تونغ" (فراغ آخر) إلى سيتو بانتشين. وقد وجدت وجهة النظر هذه أصلاً وسط سلالة الجونانغ من الساكيائيين، وقد تعرَّضت للقمع خلال زمن الدالاي لاما الخامس نغاوانغ- لوزانغ-غياتسو (1617 - 1682 م). وقد أظهر سيتو بانتشين، وهو من سلالة الكارما كاغيو، وجهة نظر الفراغ الآخر مرة ثانية، وهي موجودة على نحو خاص بين العديد من معلمي مدارس الكارما كاغيو والشانغبا كاغيو واللنيينغما. وقد تعددت أشكالها فيما بينهم واختلفت عن الأشكال الأخرى المزعومة والمنسوبة إلى الجونانغبات، وهي التي رفضها المعلمون من جميع التقاليد التبتية الأربعة، وعلاوة على ذلك فتفسيرات كلٍّ من الكاغيو واللنيينغما مختلفة بعضُها عن بعض.

المنهاج التقليدي للدراسة والممارسة في دير كاتوغ يتضمَّن السوترا والتانترا والطب والتنجيم والنحو والشعر. وقد ضمَّ الدير في أوج قوته 1050 راهبًا وذلك عام 1959 م
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://elswesry22.yoo7.com/
بقايا جروح
مشرف المنتدي الأدبيمشرف المنتدي الأدبي
بقايا جروح


انثى
ســآعـتي :
التسجيل : 10/01/2010
المساهمات : 7226
عدد النقاط : 11523
المزاج : كل شي عن البوذيين  .. مميز. Qatary22
المهنة : كل شي عن البوذيين  .. مميز. Studen10
الهوايه : كل شي عن البوذيين  .. مميز. Travel10
الدولة : كل شي عن البوذيين  .. مميز. Female16
الأوسمة : كل شي عن البوذيين  .. مميز. 3h210
التميز : كل شي عن البوذيين  .. مميز. 1510

كل شي عن البوذيين  .. مميز. Empty
مُساهمةموضوع: رد: كل شي عن البوذيين .. مميز.   كل شي عن البوذيين  .. مميز. I_icon_minitimeالسبت 28 يناير 2012, 7:47 pm

التاريخ المختصر لدير دورجي-دراغ


يُعَدُّدير توبتن دورجي-دراغ إيوام-تشوغار، والمعروف أيضًا بـ: دورجي-دراغ ، الديرَ الرئيس الذي نقل تقليد نص كنز النيينغما الشمالي، ويقع هذا الدير في منطقة لوكا جنوبَ التبت المركزية، وهو أحد أديرة النيينغما الستة: ميندرول-لينغ ودورجي دراغ في وسطالتبت المركزية وجنوبها،وكاتوغ وباليول في كام (جنوب شرق التبت)، وشي تشن ودزوغتشين في الوسط.

وفي بداية القرن السادس عشر الميلادي أسَّس نغاري بانتشين بيما وانغيال (1487 - 1542 م) دير إيوام-تشوغار،ثم زاد فيه ووسَّعهتناسخه البوذا الحي: جانغداغ تاشي-توبغيال وانغبودي (1550 - 1602 م) ، واستقر فيه العديد من المعلمين المشهورين، وأصبح الدير مركزًا لدراسة وممارسة السوترا والتانترا، ومجالات المعرفة البوذية التقليدية؛ مثل الطب وعلم التنجيم،وكان النظام الرئيسالذي يُدرَّس هناك من "تانترا الماياغوهياغاربها" ("تانترا جوهر الوهمالمخفي").

واتَّضحفي وقت مبكر أن موقع الدير غير مناسب له، وفي 1630 مفجاء ريغدزين نغاغ غي-وانغبو (1580 - 1639 م)،ويُعَدُّ حامل سلالة دورجي-دراغ الثالث،وهو ابن جانغداغ وانغبودي،وأعاد تأسيس الدير في موقعه الحالي؛ لأن الجبل الصخري وراء الدير يضم أَثَر قدم الغورو رينبوتشي بادماسامبافا، وتقاطع فاجرا المُشكَّل طبيعيًّا،وقد رأى الناس هذا الموقع الجديد مميزًا جدًّا،وسُمِّيَ الدير دورجي-دراغ،ويعنيحَرفيًّا: صخرة فاجرا،وذلك تكريمًا لهذا الأثر الميمون، أما الاسم الكامل للدير،وهو: توبتين دورجي دراغ إيوام-تشوغار، فهو مزيج من هذا الاسم والاسم الأصلي.

ثم عَيَّن الدالاي لاما الخامس:نغاوانغ-لوزانغ-غياتسو (1617 - 1682 م) حاملَسلالة دورجي دراغ الرابع: ريغدزين- كونزانغ-بيما-ترينلي (1641 - 1718 م) كاهنًاللدير، وقد تمت توسعة الدير بصورة كبيرة بالتزامن مع رعاية الدالاي لاما الخامسدير ميندرول-لينغ،وقدمُنِح دير دورجي-دراغ مهمة تأدية طقوس محددة للحكومة التبتية،تلك الطقوس الذي ما زال ديره الذي أعيد تأسيسه في المنفى يواصل تأديتها.

وفي عام 1717 م دَمَّر جيش الدزونغار المنغوليين دير دورجي-دراغ، ثم بدأت عملية إعادة بنائه عام 1720 م برعاية الدالاي لاما السابع: كالتزانغ-غياتسو (1708 - 1757 م). ووصل عدد الرهبان فيهعام 1959 م حوالي 170 راهبًا،ثم دمَّرهالصينيون مرة ثانية،وفي عام 1985 م بدأت عملية إعادة بنائه.

سلسلة تناسخات ريغدزين غوديم جي (1337 - 1408 م) سيحملون لقب:ريغدزين تشينبو،وحملة السلالة الكبار كانوا الرؤساء التقليديين لدير دورجي-دراغ، وكان ريغدزين غوديم جي واحدًا من المظهرين الأساسيين لنصوص الكنز الشمالي، ونجدتحت الريغدزين تشينبوات خطي الغيلساي تولكو رينبوتشي وتشوسانغ تولكو رينبوتشي، الذين يخدمون بوصفهم أوصياء على حامل العرش أثناء فترة طفولة الريغدزين تشينبو، أو بين تناسخاته، وريغدزين توبتين-جيغمي-نامغيال-غياتسو (ولد عام 1936 م) هو حامل سلالة دورجي دراغ الحالي،وهو العاشر من هذا الخط،وما زال باقيًا في التبت.

الدالاي لاما الخامس كان المظهر الكبير لنصوص كنز النيينغما، وقد استُمِدَّت مجموعة الـ 25 ممارسة إلهية من "السانغ وا غياتشين"("الذي يحمل ختم السرية") من رؤاه الصافية، وقد نقلها الدالاي لاما الخامس إلى حامل سلالة دورجي-دراغالرابع:ريغدزين-كونتسانغ-بيما-ترينلي. ثم أدخلها حامل سلالة دورجي-دراغ الخامس:ريغدزين-كيلزانغ-بيما-وانغتشوغبدوره إلى دير نيتشونغ لعراف نيتشونغ الرسمي. ونقلها الدالاي لاما الخامس أيضًا إلى ديره نامغيل،وقد حافظت الأديرة الثلاثة جميعها على ممارستها منذ ذلك الوقت.

وقد وافق الدالاي لاما الخامس على تقليد نص الكنز الشمالي من دورجي- دراغ،بما أن حاملي سلالته كانوا سليلي دم الملوك الدينيين العظماء للتبت،وكان الغورو رينبوتشيبادماسامبافا قد حذره من إنه في حال عدم تأييده ودعمه لهذه السلالة فسوف يُسبِّبُ ضررًا كبيرًا للتبت،لذلك يتَّبع دير نامغياللدالاي لامات، وديرَيْ نيتشونغ وغادونغلعرَّافي التبت الرسميين تقليد نص الكنز الشمالي لدورجي- دراغ.

يواصل الرهبان في دورجي-دراغدراسة وممارسة السوترا والتانترا والحقول البوذية التقليدية للمعرفة، وكان التأكيد بشكل خاصٍّ على ممارسة الأنظمة الإلهية التانترية المختلفة، ويجب على الرهبان أداء ممارسات روحية تأملية فترةًتبدأ من سنة إلى ثلاث سنوات. وقد حافظ الدير على قواعد انضباط صارمة جدًّا؛فالكحول واللحم مُحرَّم،فإذا كان اللحم سيستعمل في طقوس القربان فإنه يجب أن يكون من حيوان مات موتًا طبيعيًّا، وليس من حيوان مذبوح.

وقد أُعِيد تأسيس دير دورجي-دراغثانية في شيملا في ولاية هيماتشال براديش بالهند،وذلك تحت إشراف تاغلونغ تسيترول رينبوتشي، وما زال الدير على علاقة وثيقة بأديرة نامغيال ونيتشونغ وغادونغ في دهارماسالا
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://elswesry22.yoo7.com/
بقايا جروح
مشرف المنتدي الأدبيمشرف المنتدي الأدبي
بقايا جروح


انثى
ســآعـتي :
التسجيل : 10/01/2010
المساهمات : 7226
عدد النقاط : 11523
المزاج : كل شي عن البوذيين  .. مميز. Qatary22
المهنة : كل شي عن البوذيين  .. مميز. Studen10
الهوايه : كل شي عن البوذيين  .. مميز. Travel10
الدولة : كل شي عن البوذيين  .. مميز. Female16
الأوسمة : كل شي عن البوذيين  .. مميز. 3h210
التميز : كل شي عن البوذيين  .. مميز. 1510

كل شي عن البوذيين  .. مميز. Empty
مُساهمةموضوع: رد: كل شي عن البوذيين .. مميز.   كل شي عن البوذيين  .. مميز. I_icon_minitimeالسبت 28 يناير 2012, 7:49 pm

التاريخ المختصر لدير ميندرول-لينغ

دير أوغيين ميندرول- لينغ هو دير النيينغما الرئيس لتقليد نص الكنز الجنوبي، وقد أسَّسه عام 1676 م جنوبَ لاسا تيرداغ لينغبا غيورمي-دورجي،المعروف أيضًا بوصفه تيرتشين تشوكيي غيالبو (1641 - 1719 م). وتيرداغ لينغبا أحد المُظهِرين النيينغماالعظماء لنصوص الكنز،وكان معلمًا وتابعًا للدالاي لاما الخامس:نغاوانغ-لوزانغ-غياتسو(1617 - 1682 م)،وقد منحه الدالاي لاما الخامس السلطة وجميع التسهيلات لتأسيس ديره اعتمادًا على عدة أديرة أقدم منه، ومنذ ذلك الوقت فصاعدًاعُهِد إلى دير ميندرول-لينغ تأدية طقوس لأجل الحكومة التبتية،ويواصل تأدية هذه الوظيفة فرعهالذي أعيد تأسيسهثانية في المنفىفي الهند.

وقد دمَّر ديرَ ميندرول-لينغ عام 1718 م الدزونغارالمنغوليون من تركستان الشرقية، وأعيد بناؤه خلال عهد الدالاي لاما السابع: كالزانغ-غياتسو(1708 - 1757 م)، وقد أشرف دونغساي رينتشين نامغيال وجيتسون ميغيور بيلدرون ،وهما ابن وابنة تيرداغلينغبا، وكان الابن قد هرب إلى كام، والابنة إلى سيكيم، خلال اضطهاد الدزونغار لأتباع النيينغما،وقد حظيت عملية إعادة بناء الدير هذه وإحياء سلالته برعاية الوصي على عرش التبت بولهاناي،الذي طَرد الدزونغار من التبت عام 1720 م بتقدم جيش المانتشو.

وفي عام 1959 م كان هناك 300 راهب تقريبًا في ميندرول-لينغ،ثم دَمَّر الديرَ ثانيةًبعد ذلك الصينيون،وفي الوقت الحالي يعاد بناء الدير في التبت،ولكن ببطء.

منصب حامل عرش ميندرول-لينغ توارثه الأبناء عن الآباء، ابتداءً من تيرداغ لينغباحتى تسعة أجيال. وحامل عرش ميندرول-لينغ العاشر كان البوذا الحي لتناسخ تيرداغ لينغبا،المُسمَّى كونغا-تيندزين،وهو المنحدر من مظهر نص الكنز تيرتون رانغريغ-دورجي رينبوتشي.

وحامل عرش ميندرول-لينغ الحادي عشر كان دوندروب-وانغ غيال، وهو ابن كونغا-تيندزين،وقد عزله الدالاي لاما الثالث عشر: توبتين غياتسو (1876 - 1933 م) بصورة دائمة،بعدما اكتشف سلوكيات معينة معيبة عند دوندروب-وانغ غيال،ثم عيَّن الوصي على حامل العرش: دوردزين نامدرول- غياتسو.

وخلال فترة طفولة الدالاي لاما الرابع عشر: تيندزين-غياتسو ( وُلِد عام 1935 م)، عيَّن الوصيُّ على التبت رادرينغ رينبوتشي نغاوانغ-تشودراغ، وهو أخُو دوندروب-وانغ غيال،وذلك ليكونالوصيَّ التالي على حامل عرش ميندرول-لينغ.وبعد فترة من تولي الدالاي لاما الرابع عشر لمنصبه أصبح كونزانغ-وانغ غيال، وهوابن دوندروب-وانغ غيال، حاملَ عرش ميندرول-لينغ الثاني عشر، ويعيش حاليًّا في منفاه بالهند.

رئيس دير ميندرول-لينغ الأول كان غيالسايتينباي-نييما، وهو أخوتيرداغ لينغبا،ثم ظل المنصب متوارَثًا في أبنائه طوال ثمانية أجيال، وهكذا ظل حملة العرش ورؤساء دير ميندرول-لينغ من سلالة عائلة تيرداغ لينغباطيلة قرنين من الزمان تقريبًا.

هناك ثلاثة أنواع للتعاليم المنقولة في تقليد النيينغما، وهي: السلالة البعيدة لكلمات بوذا التنويرية،والسلالة القريبة لنصوصالكنز، والسلالة العميقة للرؤى الصافية. وقد دمج منهج الدراسة والممارسة في ميندرول-لينغ تعاليم من النوع الأول في النوعين الأخيرين.

يدرس الرهبان دزوغتشين (الكمال الكبير) اعتمادًا على أوامر توجيهية لنصوص جُلِبت من الهند،كانت قد دُفِنَت في التبت وبوتان، ثم اكتُشفِت فيما بعد بوصفها التقليد الجنوبي لنصوص الكنز. بالإضافة إلى ذلك كان ميندرول-لينغمركزًا لدراسةوممارسةالمجالات البوذية التقليدية للمعرفة؛ مثل الطب وعلم التنجيم والنحو، وقد تدرَّبالعديد من العلماء هناك من مقاطعة يو التبتية المركزية،بالإضافة إلى المقاطعات الشرقية؛ مثل:كام وآمدو.

ضمن سياق دراسةالنصوص الكبيرة وممارستهاكان ميندرول-لينغ يؤكددائمًا على الممارسة،ففي كلِّ سنة ينشغل الدير في الطقوس الكاملة لأنظمة ماندالا التانترية الثمانية، بالإضافة إلى ذلك درس الرهبان بشكل تقليدي نصوص السوترا والتانتراالرئيسة الثلاث عشرة،وقد استمد كثير من التفسير من تيرداغ لينغبا.وحاليا أُعيد تأسيس دير ميندرول-لينغفي بلدة كلمنت بولاية آوتاربراديش بالهند
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://elswesry22.yoo7.com/
بقايا جروح
مشرف المنتدي الأدبيمشرف المنتدي الأدبي
بقايا جروح


انثى
ســآعـتي :
التسجيل : 10/01/2010
المساهمات : 7226
عدد النقاط : 11523
المزاج : كل شي عن البوذيين  .. مميز. Qatary22
المهنة : كل شي عن البوذيين  .. مميز. Studen10
الهوايه : كل شي عن البوذيين  .. مميز. Travel10
الدولة : كل شي عن البوذيين  .. مميز. Female16
الأوسمة : كل شي عن البوذيين  .. مميز. 3h210
التميز : كل شي عن البوذيين  .. مميز. 1510

كل شي عن البوذيين  .. مميز. Empty
مُساهمةموضوع: رد: كل شي عن البوذيين .. مميز.   كل شي عن البوذيين  .. مميز. I_icon_minitimeالسبت 28 يناير 2012, 7:51 pm

أصل القبعة الصَّفراء التي يرتديها الرهبان في تقليد الغيلوغ


في ظلِّ حُكم الملك لانغدارما كان هناك اضطهادٌ شديدٌ للبوذيَّة، كان ذلك - حسب بعض المصادر - بين عامي 836 و842 م. وحسب مصادر أخرى من عام 901 حتى 907 م. وتعرَّض كلُّ الرهبان للقتل، أو أُجبروا على خلع ثيابهم، عدا ثلاثة: مار شاكيا، ويو غيجونغ، وتسانغ رابسيل. فقد هرب الثلاثة من خلال المرور عبر التبت الغربية، واللجوء بشكل مؤقَّت إلى المنطقة التركيَّة القراخانيَّة في كاشغار في تركستان الشرقيَّة (شينجيانغ). ثم استمرُّوا عبر المناطق الثقافية التبتية أكثر فأكثر نحو الشرق إلى دونهوانغ وقانسو البعيدة عن لاسا، والتي كانت خارج إطار الاضطهاد.

وحسب بعض المصادر المنغوليّة فقد مرَّ الثلاثةُ عبر منغوليا التي يحكمها القرغيز، وفي النهاية اختبئوا على الشواطئ الشرقيَّة لبحيرة بايكال في سيبيريا، وهناك قدَّموا نواياهم وتعاليمهم إلى هورتسا ميرغين حفيد الملك المنغوليِّ بورتي تشيني، وهو الحفيد الخامس لجنكيز خان. وحسب مصادر أخرى فقد مُنحوا حقَّ اللجوء في المملكة البوذيَّة التانغوتيَّة التي يحكمها مي-نياغ، التي امتدَّت لتشمل المنطقة من شمال أمدو حتى منغوليا الداخليَّة. غير أنَّ هناك مصادر أخرى تُحدِّد بصورة دقيقة هذه المنطقة التي سكنوا فيها في بادئ الأمر، وهي أنها كانت جزءًا من مملكة تسونغكا في ذلك الوقت، وقد بُنِي الدير الكهفيُّ مارتسانغ في شمال أمدو لاحقًا في الكهف الذي سكنوا فيه كما يَزعَمون.

وبعد عدَّة سنوات انتقل الرهبان التبتيون الثلاثة إلى جنوب شرق مقاطعة خام التبتية؛ حيث مكثوا في معزل دِنتيغشيل. وحدث أن رغب أحد الرعاة المحلِّيين في أن يصبح راهبًا، فقدَّموا له نذور المبتدئين، واسمًا أوليًّا: غيوارابسيل، ولكنهم لم يستطيعوا أن يقدِّموا له نذور الرهبان كاملة؛ لأنه ينبغي أن يشترك خمسة رهبانٍ في عملية السيامة حتى تكون كاملة.

في ذلك الوقت هرب لالُنغ بيلغيي-دورجي - الذي اغتال الملك لانغدارما - إلى منطقة قرب لونغتانغ، وقد طُلبَ منه المساعدة في عمليات السيامة، لكَّنه أوضح أنَّه لم يعد مؤهَّلاً للقيام بهذا الدور، ثم وعدَ بالمساعدة في إيجاد رهبان آخرين، فوجدَ راهبيْن صينييْن: كي-بانغ وغيي-بان، فأرسلهما ليكملا العَدد. وبهذه الطريقة، ومع وجود تسانغ رابسِل رئيسًا للدير، حصل الراعي السابق على نذور الرهبان الكاملة، واسم السيامة الكاملة: غونغبا-رابسيل في حضرة هؤلاء الخمسة. وفي فترات لاحقة أضاف الناس لقب: لاتشِن (المتفوِّق العظيم) قبل اسمه.

ثم سمع بعض الشباب من مقاطعات التبت الوُسطى في يو وتسانغ عن الرهبان في خام، فقاد لومي تسوتريم-شيراب مجموعة مؤلَّفة من عشرة أشخاص يرغبون في الحصول على سيامة كاملة، وكان ذلك بعد 53 أو 70 سنة من الاضطهاد الذي مارسه لانغدارما. ثم طلبوا أن يكون تسانغ راسبيل رئيسًا للدير، لكنَّه رفض ذلك بسبب سِنِّه المتقدِّمة، فطلبوا ذلك من غونغبا-رابسيل، ولكنه تعلَّل بأنَّه لم يمضِ على سيامته كاهنًا إلا خمس سنوات، وأنه ليس مؤهّلاً بعدُ؛ لأنه حسب النصوص يجب أن يكون الكاهن قد مر على سيامته عشر سنوات ليصبح رئيسَ دير، ورغم ذلك منحه تسانغ-راسبيل إذنًا خاصًّا ليعمل رئيسًا للأديرة، وأخذت مجموعة العشرة نذور الراهب الكاملة.

وقد قضى لومي سنةً واحدةً يدرس قوانين الفينايا الخاصَّة بالانضباط الرهبانيِّ، في الوقت الذي عاد فيه التسعة الآخرون إلى التبت الوسطى. وقبل أن يرحل لومي طلب غونغبا-رابسيل منه أن يصبغ قبعته البونية باللون الأصفر، كما طلب منه أن يرتديها ليتذكر دراساته وممارساته. وعاد لومي إلى التبت الوسطى وأنشأ عدَّة معابد فيها، ليكون هو أول من نشر التعاليم البوذية هناك وخاصة نذور الراهب.

وبعد عدَّة قرون انحسر المجال الرهبانيِّ في التبت مرَّة أخرى، وبدأ تسونغخابا (1357 م – 1419 م) إصلاحًا تطوَّرَ إلى تقليد كادام أو غيلوغ جديد. وقد طلب من تلاميذه الرهبان أن يرتدوا قبَّعاتٍ صُفرًا، وفَسَّر ذلك بأنه سيكون علامةً مُبشِّرةً لهم ليكونوا قادرين على استرجاع مجالٍ أخلاقيٍّ صرفٍ إلى الأديرة في التبت، تمامًا كما فعل لومي في الأزمنة السابقة. وبهذه الطريقة أصبح تقليد الغيلوغ كذلك يُعرف بتقليد القُبَّعات الصُّفر.

أمَّا أصحاب القبعات الحُمر في التقاليد البوذية التبتية المُبكِّرة الأخرى فيتبعون عادةَ ارتداء الأساتذة (المعلِّمين المتمرِّسين) قبعةً حمراء في دير نالاندا البوذيِّ الهنديّ
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://elswesry22.yoo7.com/
بقايا جروح
مشرف المنتدي الأدبيمشرف المنتدي الأدبي
بقايا جروح


انثى
ســآعـتي :
التسجيل : 10/01/2010
المساهمات : 7226
عدد النقاط : 11523
المزاج : كل شي عن البوذيين  .. مميز. Qatary22
المهنة : كل شي عن البوذيين  .. مميز. Studen10
الهوايه : كل شي عن البوذيين  .. مميز. Travel10
الدولة : كل شي عن البوذيين  .. مميز. Female16
الأوسمة : كل شي عن البوذيين  .. مميز. 3h210
التميز : كل شي عن البوذيين  .. مميز. 1510

كل شي عن البوذيين  .. مميز. Empty
مُساهمةموضوع: رد: كل شي عن البوذيين .. مميز.   كل شي عن البوذيين  .. مميز. I_icon_minitimeالسبت 28 يناير 2012, 7:53 pm

الحصول على السلام الداخلي والإحساس بالإنجاز


أهمية التحقق من حقيقة موقف ما


تتعلق سَكِينة الإنسان براحته الذهنية، أما ما يعاني منه طبيعيًّا فإنه لا يؤثر في راحته الذهنية ضرورةً، وإذا كنا نستمتع بالراحة الذهنية فراحة الجسد لا تهم كثيرًا.

إذن، فهل ننمي سكينتنا بالعبادة؟ لا! فهل ننميها بالتربية الجسدية؟ لا! فهل ننميه بتحصيل العلم؟ لا! وهل نجده بقتل مشاعرنا؟ لا! فما الوسيلة إلى ذلك؟ السبيل الوحيد هو أن الإنسان عندما يواجه موقفًا ما صعبًا وهو مدرك لعواقبه خيرًا كانت أو شرًّا، فساعتها سيرتاح عقله ولا ينشغل ذهنيًّا، وبالتالي ستحقق سكينته وسلامه الداخلي.

فالرحمة والواقعية شيئان في غاية الأهمية، وإذا كانت النتائج غير متوقعة وتجلب معها خوفًا شديدًا فهذا يدل على أننا لم نكن واقعيين. وفي الحقيقة فإن هذه النتائج تدل على عدم الوعي بالمشكلة وعدم فهمها، وخوفنا ناتج من عدم التحقق المناسب منها. فنحن في حاجة إلى النظر إلى جهات الموضوع كلها، ولا نقتصر على النظر فوق رءوسنا وتحت أرجلنا كي نحصل على الرؤية الكاملة. فهناك دائمًا فجوة بين حقيقة الأمر وصورته الظاهرة، فلا بد إذن من النظر إلى الجوانب كلها.

وليس من المستطاع الحكمُ على الأمر بكونه إيجابيًّا أو سلبيًّا بمجرد النظر إليه، فنحن لن نتمكن من ذلك إلا إذا أخضعناه للاختبار [اختبرناه بشكل تام و] تحققنا من صحته. إذن فنحن في حاجة إلى التحليل العقلي لظروفنا، وإذا بدأنا من منطق الأماني: "أريد هذه النتيجة أو تلك". فسوف يصبح تحليلنا منحازًا. يقول تقليد نالاندا الهندي: إننا بحاجة دائمًا إلى أن نشك في كل شيء، وأن نفحص كل شيء بموضوعية حتى الدين نفسه.

أهمية انفتاح الذهن تجاه الآخرين

إذن ينشأ عدم السلام الداخلي وعدم الاطمئنان من وجود باعث التمركز الذاتي إلى أقصى حد، ومن حق الفرد أن يتغلب على المعاناة وأن ينال السعادة، ولكن لو كنا نفكر في أنفسنا فقط يصبح تفكيرنا سلبيًّا، ونتيجة لذلك ستبدو المشكلة البسيطة كأنها كارثة، وسنصبح مضطربين، ولكننا إذا فكرنا في الآخرين مثل تفكيرنا في أنفسنا وأحببناهم فسينفتح تفكيرنا ويتسع، ونتيجة لذلك ستبدو المشكلة الكبيرة كأنها غير موجودة. فهناك فرق شاسع بين العواطف ذاتها بناءً على المنظور الذي ننظر من خلاله إلى الأشياء، فهل ننظر من منظورنا نحن أم من منظور الجميع؟

إذن هناك عاملان أساسيان لهما أهميتهما فيما يتعلق بالسلام الداخلي:
•أولهما: هو الوعي بالواقع. وإذا تناولنا المشاكل بأسلوب واقعي فلن تكون هناك نتائج غير متوقعة.
•ثانيهما: هو الشفقة التي تفتح ما يُسمَّى بالباب الداخلي، بينما يبعدنا الشك والخوف عن الآخرين.

عدم الاهتمام بمظاهرنا الخارجية

[هناك أمر آخر يؤدي إلى فقدان السلام الداخلي وهو أننا نهتم بمظاهرنا]، فعندما زرت بكين لأول مرة، على سبيل المثال، لم تكن لديَّ أية خبرة، فكنت خائفًا بعض الشيء وقلقًا، ثم شاهدت أناسًا يهتمون كثيرًا بظاهرهم إلى درجة أن وجوههم تحمر خجلاً إذا رأوا أي خطأً ولو كان صغيرًا، ولكن إن كانوا متفتحين وغير مهتمين بحدوث شيء مزعج فلن تكون هناك أية مشكلة.

فعلى سبيل المثال، عندما كنت في بكين سنة 1954 جاءني أحد سفراء الهند زائرًا في غرفتي، وكان الصينيون قد أعدوا تجهيزات هائلة من الأزهار والثمار وما إلى ذلك، وأصروا على أن نستخدم مترجمًا صينيًّا، فكان الكلام يتراوح بين التبتيَّة والصينية والإنجليزية، بالرغم من أن بعض المسئولين لديَّ كانوا يجيدون الإنجليزية، ثم حدث أن سقطت بعض الثمار على الأرض، فإذا بالموظفين الصينيين - الذين كانوا قبل ذلك حريصين على المظهر الرزين المبالغ فيه - يزحفون على أيديهم ورُكَبهم على الأرضية لجمع الثمار، فلم تكن ثمة أية مشكلة لو لم يبالوا قبل ذلك بظاهرهم. ولكنه كان مزعجًا جدًّا بالنسبة لهم.

وحدث مرة في مدينة المكسيك، في اجتماع بين الديانات، أن حضر راهب ياباني، وكانت في يده مسبحة، فانقطع خيطها، ولكن الرجل ظل يحرك المسبحة بالرغم من أن الخرزات كانت قد سقطت على الأرض، فحفاظًا على مظهره العام لم يلتقط الحبات الساقطة وظهر منزعجًا ومتضايقًا إلى حد كبير.

و على أية حال، فللتسامح والإيثار والصدق والإخلاص أهميتهم في إيجاد الهدوء الداخلي أو السكينة، ولا أهمية للاهتمام بالظاهر. إنني لن أقول إني رجل فذٌّ، ولكن بناءً على خبرتي فأنا لا أحس بخجل من تصرفاتي في حضور الآلاف من الرجال، وأنا أحادث الآلاف في المحاضرات كهذه، وأحس كأنني أمام أناس قليلي العدد، وإذا حدث خطأ فسوف أنساه بدون أية مشكلة، وإذا أخطأ الآخرون فربما أبتسم فقط.

التحول الداخلي

أما ما يتعلق بالتحوُّلات الداخلية فهناك تحول على مستوى العواطف، وهناك نوع من التحول يحدث بسبب السنِّ، ونوع آخر منه ينشأ بسبب الظروف الخارجية. هذه الأنواع من التحولات الداخلية تحدث تلقائيًّا، وهناك أنواع أخرى تحدث لدينا بجهدنا، وهذا هو التحول الذي نريد أن نُحدِثه؛ التحول حسب إرادتنا، هذا هو معناه الأساسي.

فنحن لسنا نتكلم هنا عن حياتنا المقبلة أو الخلاص أو الجنة، لكننا نتكلم عن كيفية الاحتفاظ في هذه الحياة بأسلوب أسعد وأسلم بالرغم من المشاكل والصعوبات، والعوامل المهمة التي يتوجب علينا معالجتها؛ وهي الغضب والبغض والخوف والحسد والشك والعزلة والضغط وما إلى ذلك. إن كل واحد من هذه العوامل له صلة باتجاهنا الذهني الأساسي، وينشأ من كوننا مهتمين بأنفسنا أكثر مما ينبغي، وبالنسبة لنا تكون النفس أهم شيء عندما نعاني من هذه الأشياء، وهذا الأمر يسبب الحقد، من أجل اعتزازنا بأنفسنا نغضب لأتفه الأمور. والغضبُ يسبب الخوفَ. ولا نبالي بالآخرين، بل نهتم بأنفسنا فقط، ونظن أن الآخرين أيضًا يهتمون بأنفسهم فقط، ولا شك أنهم لا يبالون بنا، ومن أجل ذلك نحس بالوحدة. ونحن نظن أننا: "لا نستطيع أن نعتمد على الآخرين". وبالتالي نشك فيمن أمامنا، وفيمن بجانبنا، ونشك أكثر فيمن وراء ظهورنا.

تقتضي الفطرة الإنسانية أساسًا - لو فكَّرنا بها - بتقدير الصداقة. ولو وسعنا مفهوم الصداقة فسوف يتواصل معنا الآخرون بطريقة إيجابية، أما فيما يتعلق بهذه العواطف السلبية التي تسبب القلق وما إلى ذلك، فنحن في حاجة إلى بعض التدابير المضادة لمعارضتها. فعلى سبيل المثال لو كنا نحس بالحرِّ فسوف نقلل من درجة الحرارة، أو إذا أردنا القضاء على الظلمة فلا سبيل إلى ذلك إلا بالإتيان بالنور، وينطبق هذا على المستوى الطبيعي. والتغير يحدث من أجل إطلاق القوة المضادة، أي من أجل الفطرة. ولكن ذلك لا ينطبق على المستوى الطبيعي فحسب، بل أيضًا على المستوى الفكري.

خذ على سبيل المثال زهرة صفراء، فإذا قلت إنها بيضاء لسبب من الأسباب، ثم اعتبرتها بعد ذلك صفراء، فهذان منظوران متناقضان، لا يمكن أن ينطبقا معًا، فأنت حين أدركت اللون الأصفر يختفي إدراك اللون الأبيض؛ لأن أحدهما يناقض الآخر. إذن هناك أسلوب واحد للحصول على السلام الداخلي؛ وهو خلق حالة ذهنية مضادة.

هناك سبب محتمل آخر وراء الشقاء، وهو الجهل المجرد، والقوة المضادة له هي الدراسة والتحليل والاستكشاف؛ ذلك بأن الجهل مبني على عدم رؤية الحقيقة، ويعد التحليل القوة المبطلة للجهل، وكذلك فإن القوة المبطلة للاعتزاز بالنفس هي الاهتمام بالآخرين، وهو يعتبر تربيةً للذهن [أو تصفية لتصرفاتنا].

الأخلاقيات العلمانية

و فيما يتعلق بمسألة كيف نربي أذهاننا [أو تصفية لتصرفاتنا]، فهل يجب أن تكون لها علاقة بالدين أو الروحانية ؟ أنا لا أظن أن الدين له علاقة بذلك أصلاً.

أما الروحانية فلها نوعان: نوع يوجد مع الدين والعقيدة، ونوع آخر بدونهما. والنوع الذي لا علاقة له بهما أسميه بـ "الأخلاقيات العلمانية". ولا يعني كون الشيء علمانيًّا أنه يتنكر للدين، بل يعني أنه موقف متساوٍ تجاه جميع الديانات، واحترام كل منها. فالدستور الهندي، على سبيل المثال، يحترم كل الديانات؛ لأنه دستور علماني، وبالتالي وبالرغم من كون البارسيين أو الجالية الزَّرادشتيَّة أقلية في الهند - عدد الزرادشتيين في الهند لا يزيد عن مئة ألف نسمة من أصل بليون نسمة هو التعداد العام للهند - فإنها تتمتع بالوجود المتساوي في القوات المسلحة وفي مجال السياسة.

وعندما نتحدث عن الأخلاقيات العلمانية فإنها أخلاقيات الملحدين. حتى يمكننا أن نوسِّع إطار أخلاقياتنا لتشمل احترام الحيوانات بناءً على فكرة الأخلاقيات العلمانية، فمن الناحية العلمانية ينبغي لنا أن نهذب أذهاننا كما ينبغي أن نشجع الأخلاقيات العلمانية، وينبغي فعل ذلك لستة مليارات من الناس على هذه الكرة الأرضية، أما الأنظمة الدينية ففي وسعها أن تساعد في تقوية التهذيب الكلي للأخلاقيات العلمانية، فهي تُعتبَر أسلوبًا إضافيًّا لذلك، ولا شك أن القصد من ورائها ليس إضعافه.

إذن فعندما نتكلم عن الأخلاقيات العلمانية يكون موقفنا غير طائفي. فلو كان أحد متبعي إحدى الديانات يعمل لتنمية الأخلاقيات العلمانية فسوف يعتبر عاملاً حقيقيًّا بتعاليم تلك الديانة، وإذا لم يقم بذلك فأنا أشك في إخلاصه لدينه
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://elswesry22.yoo7.com/
بقايا جروح
مشرف المنتدي الأدبيمشرف المنتدي الأدبي
بقايا جروح


انثى
ســآعـتي :
التسجيل : 10/01/2010
المساهمات : 7226
عدد النقاط : 11523
المزاج : كل شي عن البوذيين  .. مميز. Qatary22
المهنة : كل شي عن البوذيين  .. مميز. Studen10
الهوايه : كل شي عن البوذيين  .. مميز. Travel10
الدولة : كل شي عن البوذيين  .. مميز. Female16
الأوسمة : كل شي عن البوذيين  .. مميز. 3h210
التميز : كل شي عن البوذيين  .. مميز. 1510

كل شي عن البوذيين  .. مميز. Empty
مُساهمةموضوع: رد: كل شي عن البوذيين .. مميز.   كل شي عن البوذيين  .. مميز. I_icon_minitimeالسبت 28 يناير 2012, 7:58 pm

كيف نحيا حياة خُلُقية؟


المصلحة الشخصية في مقابل مصلحة الآخرين أساس الحياة الأخلاقية

تتجلى روح الديانة البوذية في الأصل القائل: "إذا كنا نستطيع أن نساعد الآخرين فعلينا ذلك، وإن لم نستطع فعلى الأقل يجب ألاَّ نضرَّهم". وهذه هي روح الحياة الخلقية.

كل عمل له دافع، فإذا كنا نريد أن نضر الآخرين فهذا نفسه دافع، ولو كنا نساعد الآخرين فهذا أيضًا نوع من الدوافع. إذن نحن في حاجة إلى دافع يدفعنا إلى مساعدة الآخرين وخدمتهم، وحتى نحصل على ذلك نحتاج بعض الأفكار، فلماذا نساعد الآخرين، ولماذا لا نضرهم؟

فعلى سبيل المثال عندما نكاد نضر شخصًا ما، فنحن عندها نمتلك وعيًا معينًا يجعلنا نمتنع عن الضرر، وهذا يعني أننا نحتاج إلى نوعٍ من العزم [حتى نمتنع عن ضرِّ ذلك شخص]. فكأن جانبا من عقلنا يريد أن يضر شخصا ما، والجانب الآخر يوحي لنا أن ذلك فعل سيئ وقبيح. ولأننا نرى أنه فعل سيئ يجب أن ننمي إرادتنا فنجتنبه، ونحن في حاجة لكل من الخيارين [أي الضرر أو الامتناع عنه] إلى الوعي بأن أفعالاً معينةً سوف تنتج عواقب طويلة الأمد، وهذه العواقب إذا شاهدناها امتنعنا عن هذه الأفعال على الفور.

يمكننا أن ننظر إلى هذا الموقف من منظورين:
•المنظور الأول أن نفكر بالنظر إلى مصالحنا نحن، وإذا استطعنا مساعدة الآخرين فعَلْنا ذلك، وإن لم نستطع امتنعنا [عن الضرر].
•المنظور الثاني أن نفكر بالنظر إلى مصالح الآخرين، ونساعدهم إذا استطعنا، وإلاَّ فيجب أن نمتنع [عن الضرر]. وبلغة الامتناع عن الضرر يُعَّد الامتناع عن الضرر من أجل فكرة أني "لو قمت بهذا الفعل فسوف أواجه نتائج سلبية، بما فيها النتائج القانونية!". من العلل المبنية على المصالح الذاتية. وبلغة مصالح الآخرين كعلة امتناعنا عن الضرر بهم سوف نفكر: "إنما الآخرون مثلي لا يريدون المعاناة والألم، وبالتالي فسوف أمتنع عن الضرر بهم".

وإذا ربَّينا [أذهاننا] فسوف نفكر في بداية الأمر بلغة مصالحنا نحن، ثم نفكر في الآخرين بحماس. والتفكير في الآخرين بحماس أقوى من تأثيره. وبلغة مبدأ براتيموكشا - أي نذور التحرر الشخصي في منهاج فينايا للتربية الرهبانية - الأساس الأولي هو الاهتمام بمصالحنا الشخصية، وبناءً على ذلك نمتنع عن ضرر الآخرين؛ وذلك لأننا نهدف إلى خلاصنا. وفي الجانب الآخر - بلغة ممارسة بوديساتفا - السبب الأساسي للامتناع عن الضرر هو النظر إلى مصالح الآخرين. وربما هناك صلة قوية بين الامتناع عن ضرر الآخرين، وبين المسئولية الكلية التي أتكلم عنها مرارًا.

فطرتنا الإنسانية الأساسية

عمومًا نحن البشر حيوانات اجتماعية، ويتوقف بقاء أي واحد منا كائنًا من كان على الناس الآخرين، ولأن بقاء الفرد وصلاحه يتوقف على سائر المجتمع فإن الحاجة إلى اعتبار مصالح الآخرين والاهتمام بها تخرج من أعماق فطرتنا، فإذا نظرنا إلى قرد السعدان مثلاً وجدنا أن الكبير منهم يأخذ المسئولية الكاملة للقطيع، وإذا كان الآخرون يأكلون فيظل يراقبهم، ويعتني الأقوى منهم بالمجموعة الباقية من أجل مجتمع القردة.

لم نكن نمتلك في أزمنة قبل التاريخ أي تعليم أو تكنولوجيا، وكان المجتمع الإنساني الأساسي بسيطًا، فكان الناس يعملون معًا ويتقاسمون معيشتهم معًا. ومن هنا يقول الاشتراكيون: إن ذلك كان أصل الاشتراكية؛ فكل فرد كان يعمل ويتنعم إلى جانب الآخرين، ثم تطورت الثقافة ونتجت الحضارة، وأصبح الذهن الإنساني معقدًا بصورة أكبر، وازداد الطمع، ثم ظهر البغض والحسد، وازدادا قوة بمرور الوقت.

واليوم في القرن الحادي والعشرين حدثت تغيرات كثيرة [في المجتمع الإنساني؛ حيث ظهر التفاوت فيما بيننا؛ تفاوتات في] التعليم والوظائف والخلفيات الاجتماعية، حتى الأعمار والسلالات، ولكن كل هذه الأنواع من التفاوتات ثانوية، فعلى مستوى أساسي نبقى جميعًا بشرًا فقط، ولا فرق فيما بيننا، ويوجد هذا المستوى منذ آلاف السنين، وهذا الأمر مثل ما يوجد بين الأطفال، فهم لا يبالون بأية خلفية اجتماعية أو ديانة أو سلالة أو لون للأطفال الآخرين، فيلعب الجميع معًا، وهم رفقاء حقيقون في اللعب، ما داموا أصدقاء مع بعضهم البعض. ونحن الكبار نظن أننا أذكى، وقد تطورنا كثيرًا، ولكننا ننظر للآخرين على أساس خلفياتهم الاجتماعية، ويفكر الواحد منا بالمنطق التالي: "لو أني ابتسمت فسوف أحصل على ما أريد، ولكنني لو عبست فهل أخسر شيئًا؟"

المسئولية الشاملة

تعمل المسئولية الشاملة أو العالمية على المستوى الإنساني، فنحن نعتني بالآخرين بسبب فكرة: "إني منهم، ويتوقف صلاحي عليهم بغض النظر عن التفاوت". فإن التفاوت موجود دائمًا، ولكنه مفيد.

لم يكن عدد سكان الأرض لقرون عديدة يزيد على بليون واحد، أما الآن فهو يزيد على ستة بلايين، ولا يمكن لبلد أن يغذي شعبه ويزودهم بالموارد اللازمة بمفرده من أجل كثرة عدد السكان، فاقتصادنا لذلك اقتصاد عالمي، وبالتالي وَفْق واقع اليوم فإن العالم صغير جدًّا ومترابط بقوة، وهذا هو الواقع. وعلى رأس ذلك نجد مشكلة البيئة الكبرى، وهي الاحتباس الحراري، وهذه المشكلة تهم الستة بلايين من سكان الأرض، ولا تهم بلدًا أو بلدين فقط. ويقتضي هذا الواقع الإحساس بالمسئولية العالمية.

فعلى سبيل المثال في الماضي كان البريطانيُّون هنا يهتمون بأنفسهم فقط، و استغلوا أحيانًا بقاعًا أخرى من الأرض، ولم يبالوا بأحاسيس واحتياجات الآخرين. لكن هذا كان في الماضي! والأمور تختلف الآن، وقد تغيرت كثيرًا، فلا بد أن نهتم بالبلاد الأخرى.

و في الحقيقة كان للمستعمرين البريطانيِّين بعض الأمور الإيجابية أيضًا؛ فقد جاءوا إلى الهند بتعليم جيد باللغة الإنجليزية، ويجب على الهند أن تعترف بهذا، كما جاء البريطانيُّون بالتكنولوجيا ونظام القطارات، وهذا من ضمن المحاسن التي تعوِّض عن الاستغلال الذي ذكرناه. وكان بعض الغانديين لا يزالون على قيد الحياة عند قدومي إلى الهند، ونصحوني بالمناهج السِّلْمية الغاندية، وكنت آنذاك أحس بأن الإمبريالية البريطانية سيئة للغاية، ثم لاحظت وجود محكمة هندية حرة، ووجود إعلام حر، ووجود حرية في التعبير عن الرأي، وما إلى ذلك. وعندما فكرت بشكل عميق رأيت أن هذه الأشياء حسنة جدًّا.

فهناك اليوم اعتماد قوي متبادل بين كل بلد وبلد آخر، وقارة وأخرى، ونحن في حاجة إلى مسئولية عالمية حسب هذا الواقع، فتتوقف مصالحك على مصالح الآخرين وتطورهم. فعليك أن تهتم بالآخرين لمصلحتك أنت، وقد حصل ذلك في ميدان الاقتصاد. فلا بد أن نتعامل فيما بيننا، وإن كانت إيديولوجياتنا مختلفة، وإن كان بعضنا لا يثق في بعض. فلا بد أن نتعاون داخل منظومة الاعتماد المتبادل للاقتصاد العالمي.

ونحن في حاجة إلى أن نعتبر الآخرين إخوة وأخوات لنا، وأن يحصل لدينا إحساس بالتقارب، ولا صلة لهذا بالدين، بل هو شيء نحتاج إليه حقًّا. وفكرة "نحن" و"هم" يمكن اللجوء إليها على مستوى معين، لكن العالم كله في حاجة إلى التفكير بلغة "نحن"، فمصالح جيراننا مصلحتنا نحن أيضًا.

القناعة

إن الحياة الخلقية عبارة عن عدم ضرر الآخرين، ومساعدتهم إن أمكن ذلك. [وفي سبيل ذلك] لو اعتبرنا مصلحة الآخرين أساسًا لخلقنا فسوف يصبح لذلك مدى أوسع للأخلاقيات، فلا بد أن نأخذ هذه العناصر بجدية لنجعلها من أسلوب حياتنا.

هناك فجوة شاسعة بين الأغنياء والفقراء حتى في الولايات المتحدة الأمريكية، فلو نظرنا إلى أمريكا - أغنى بلدٍ في العالم - وجدنا أنه ما زالت هناك مجموعات من السكان يعانون من الفقر، فقد كنت مرة في واشنطن العاصمة، عاصمة أغنى بلد، لاحظت مناطق فقيرة كثيرة، وحاجات هؤلاء الفقراء غير موجودة. كذلك، وعلى المستوى العالمي، فإن الشمال الصناعي أغنى وأكثر تطورًا من باقي بلاد الكرة الأرضية، بينما تموت كثير من البلاد جوعًا في النصف الجنوبي، وهذا ليس خطأ من الناحية الأخلاقية فحسب، بل إنه مصدر للمشاكل الضخمة، إذن فمن الضروري بالنسبة لبلاد معينة أن تعيد النظر في أسلوب حياتها، وأن تتحلى بالقناعة.

وعبَّرت مرة في اليابان أمام الناس عن اعتقادي أن الذي افترضتموه من أنه لابد للاقتصاد أن ينمو كل سنة، وأن يحدث التطور المادي كل سنة، خطأ كبير. ففي يوم من الأيام سوف تجدون اقتصادكم قد انكمش، فلا بد أن تكونوا مستعدين لذلك؛ حتى لا تكون صادمة لتفكيركم عند حصوله، وبعد بضع سنوات حدث ذلك فعلاً.

إن أسلوب الحياة لبعض الناس متر جدًّا، فالبعض يمتلك أموالاً هائلة بدون سرقة أو نهب أو خداع، ومن منظور مصلحتهم الشخصية، ولا بأس بذلك ما دامت طريقة الحصول على المال شرعية، وإن لم يكن به بأس بالنسبة لهم، لكنه من منظور مصلحة الآخرين ومن الناحية الأخلاقية ليس جيدًا، فالكثيرون يعانون من المجاعة، ولو كان الجميع يتمتع بنفس أسلوب الحياة لجاز ذلك، وحتى يحصل ذلك يستحسن بنا أن نزيد من القناعة في أساليب حياتنا، وهذا ما اختبرته في اليابان والولايات المتحدة وبلاد أخرى أكثر غنًى، فالقناعة هي ما نحتاج إليه.

وفي بلاد كثيرة تمتلك أسرة واحدة سيارتين أو ثلاث سيارات، تصور أن الصين والهند يصل مجموع عدد سكان هذين البلدين إلى أكثر من بليونين من الناس، ولو كان عند بليونين من الناس بليونان من السيارات فسوف تحدث مشكلة كبيرة؛ حيث نعاني من كوارث تتعلق بوقود السيارات، والموارد المادية والطبيعية، وما إلى ذلك. وهذا سوف يؤدي إلى مشاكل معقدة جدًّا.

الحفاظ على البيئة

من النواحي الإضافية للحياة الخلقية الحفاظ على البيئة، فمثلاً وفيما يتعلق باستخدامنا للماء، يمكن أن يكون إسهامي ضئيلا جدًّا، لأنني منذ سنوات كثيرة لا أستحم في حوض الاستحمام، ولكنني أستخدم الدش فقط؛ لأن حوض الاستحمام يستخدم ماءً كثيرًا، وربما كان من السخيف أن أقول: إنني أستحم بالدُّش مرتين يوميًّا. فربما أستخدم كمية من الماء مساوية لحوض الاستحمام، ولكن بالنسبة للمصابيح الإلكترونية مثلاً، فأنا أطفئها كلما خرجت من الغرفة، وبالتالي أسهم إسهامًا يسيرًا في الحفاظ على البيئة، فالحياة الفاضلة بمقدار معين تأتي من الإحساس بالمسئولية العالمية.

كيف تساعد الآخرين

وفيما يتعلق بمساعدة الآخرين فهناك عدة طرق، وتلعب الظروف دورًا مهمًّا في هذا المجال، فعندما كنت صغيرًا، وكان عمري سبعة أعوام أو ثمانية، وكنت منهمكًا بدراستي، وكان أستاذي لنغ رينبو تشي يحمل معه سوطًا دائماً، وأنا وأخي الأكبر مني مباشرة كنا ندرس معًا، وفي الواقع كان هناك سوطان؛ أحد السوطين كان لونه أصفر، وهو سوط خاص مقدس لضرب صاحب القداسة الدالاي لاما. ولكنك لو استخدمت السوط المقدس لا أعتقد أنه سيكون هناك "ألم مقدس"! تبدو طريقة استخدام السوط قاسية جدًّا، ولكنها في الحقيقة مفيدة جدًّا.

وفي النهاية كون الفعل مفيدًا أو مضرًّا مبني على الدوافع، فيمكن أن تكون الأساليب خشنة من أجل الاهتمام الصادق بالمصالح طويلة الأمد للآخرين، حتى في بعض الأحيان يكون شيء من الكذب مفيدًا؛ فمثلاً لو كان هناك صديق حميم، أو أحد الوالدين مريضًا، أو على وشك الموت في بلدة بعيدة، وأنت تعلم ذلك، ولكنك تعلم أيضًا أنك لو أخبرت الآخر أن والده أو والدته على وشك الموت فسوف يقلقه ذلك، حتى إنه من الممكن أن يغمى عليه، إذن فقد تقول: "هو/هي بخير". وبالرغم من أن الكذب خطأ من وجهة نظر مصلحتك الشخصية، ولكنك إذا كنت تهتم بالآخرين مئة بالمئة فسوف يكون ذلك مناسبًا من وجهة نظر الآخرين.

العنف مقابل اللاعنف

كيف نساعد إذن الآخرين؟ إنه أمر صعب جدًّا، فنحن في حاجة إلى الحكمة، والوعي الواضح بالظروف، والمرونة في استخدام الأساليب المختلفة حسب اختلاف الظروف. وأهم شيء في هذا المجال هو دافعنا، فلا بد أن يكون لدينا شعور صادق بالاهتمام بالآخرين.

فعلى سبيل المثال، فإن كون أسلوب ما عنيفًا أو غير عنيف يتوقف كثيرًا على الدافع، مع أن الكذبة البريئة في ذاتها تعتبر عنفًا، ولكنها يمكن أن تكون طريقة لمساعدة الآخرين من ناحية الدوافع، فمن ذلك المنظور تعتبر نوعًا من اللاعنف، وفي الجانب الآخر لو كنا نريد أن نخدع الآخرين، ونقدم هدية إليهم، فهذا الفعل لين في بادئ الأمر، ولكنه في نهاية الأمر أسلوب عنيف؛ لأننا نريد أن نخدع الآخرين، وأن نستغلهم. فالعنف أو اللاعنف إذن يتوقفان على الدوافع والبواعث، كما يتوقف نوع ما على الأهداف، ولكن الأمر يصعب إذا كان الغرض هو الهدف نفسه، ويكون الدافع هو الغضب، ففي النهاية تعتبر الدوافع أهم العناصر.

التوافق المشترك بين الأديان

وفيما يتعلق بما يمكنكم أن تتعلموه من مناقشتنا هذه هنا فمن المهم أن نطور السلام الداخلي، لا بد أن نفكر به وننشِئَه فينا، وإذا كان مِن بين المستمعين لي مَن يتبع دينًا معينًا وهو من المخلصين له، فإحدى الفوائد التي أؤكدها دائمًا هو التوافق بين الأديان، أعتقد أن الأديان السائدة توجد لديها فلسفة أو علم الكلام، بينما لا نجد ذلك عند الديانات الصغرى التي تعبد الشمس أو القمر، ولأن الديانة تُبنى على فلسفة ما فهي محتفظة بها عبر آلاف السنوات، وبالرغم من وجود الفلسفات المختلفة فإن إتباع الحب والرحمة هو العمل الأسمى في سائر الأديان.

يصاحب الرحمة تلقائيًّا الإحساس بالمغفرة، ثم التسامح، والقناعة. وهذه العناصر الثلاثة تولد الرضا، وهذا الأمر متفق عليه بين جميع الأديان، وهذه العناصر لها أهميتها في نشر القيم الإنسانية الأساسية التي ما تكلمنا عنها. ففي هذا الصدد تساعدنا الأديان جميعًا؛ بمعنى أنها تروِّج لما هو أساس لسعادتنا، أي حياتنا الخلقية، ولأن الأديان كلها تحمل الرسالة نفسها، فإن كلاًّ منها يمتلك القدرة نفسها على مساعدة الإنسانية.

ظهرت التعاليم المختلفة في الأزمنة المختلفة وفي الأماكن المختلفة. وكان ذاك ضروريًّا، فطورت تلك الأساليب للحياة في الأزمنة والأماكن المختلفة من أجل الخلافات البيئية، وبناءً على ذلك ظهرت الخلافات الدينية، وناسبت أفكار دينية معينة كل واحد من تلك العصور [وتبناها الناس]. تشتمل كل ديانة عمرها ألف سنة على تقاليد خاصة بها، ونحن نحتاج إلى هذا التنوع من التقاليد الزاخرة، فهي تسد حاجات أنواع مختلفة من الناس، فلا يمكن لديانة واحدة أن تناسب الجميع وتسد حاجاتهم.

كانت توجد في الهند تقاليد متعددة غير البوذية في زمن ظهور بوذا، ولم يحاول بوذا أن يحول الهنود كلهم إلى البوذية، فكانت الديانات الأخرى حسنة من وجهة نظره، وإن كانت هناك بعض المناقشات بينها أحيانًا، خاصة بعد أن ظل الأساتذة بعد بوذا يناظرون بعضهم بعضًا قرونًا عديدة، وكانت تلك المناظرات مفيدة جدًّا، خاصة في الأبستمولوجيا. فيقوم العالم من ديانة واحدة، ويلقي نظرة انتقادية على فلسفة ديانة أخرى وعقائدها، وهذا الأمر يجعل الجميع يفكر في دينه وتقاليده ويناقش، وهذا بالطبع يأتي بالتطور الفكري. ولسوء الحظ في بعض الأحيان كان هناك شيء من العنف في هذه المناظرات، ولكن الظاهر كان تطورًا إيجابيًّا على العموم.

فالهند إذن مثال جيد للتسامح الديني الحقيقي، وهو الذي ظل تقليدًا في ذاته عبر القرون، وما زال موجودًا في الهند حتى اليوم، وهذا يعد نموذجًا جيدًّا لسائر دول العالم.

وكان الناس في العصور القديمة يعيشون منعزلين. ولا بأس بذلك! ولكننا نعيش ظروفًا مختلفة، فلندن - على سبيل المثال - مجتمع ذو ديانات كثيرة، وبالتالي فالتسامح الديني مهم جدًّا. وأناشد المؤمنين منكم بأية ديانة: ساهموا في هذا المجال كلما أتيحت لكم الفرصة
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://elswesry22.yoo7.com/
 
كل شي عن البوذيين .. مميز.
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 2انتقل الى الصفحة : 1, 2  الصفحة التالية
 مواضيع مماثلة
-
» ((( فضل يوم الجمعة )) مميز>>
» ][ حلو مميز وعجيب ][
» مكتبة افلام النجم فان دايزل Vin Diesel 14 فيلم مترجم علي اكثر من سيرفر
» حيــــــــــــــآآآكمـ معناً (5)عسل...(10)ملك...(15)قمر...(20)مميز...!!
» ((( حلو مميز بالصوور )))

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
 :: المنتــــــدي الفنــــــي :: الأفلام الوثائقيـــة-
انتقل الى: