موضوع: المشتاقون إلي الله.. ~ الثلاثاء 04 يونيو 2013, 12:21 am
إن العبادة الحقة هي التي يكون صاحبها بين الخوف والرجاء، قال - سبحانه -: " أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا" (57) سورة الإسراء).
كما قال في وصف هؤلاء المشتاقين إلى الله: " أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ" (9)سورة: الزمر).
فالمشتاقون إلى الله - تعالى - هم الذين تكون حياتهم بين الرغبة والرهبة كما قال - تعالى - في آل زكريا - عليهم السلام -: " إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ" (90) سورة: الأنبياء).
فالعبد الصالح تارة يمده الرجاء والرغبة، فيكاد يطير شوقاً إلى الله، وطوراً يقبضه الخوف والرهبة فيكاد أن يذوب من خشية الله - تعالى -، فهو دائب في طلب مرضاة ربه مقبل عليه خائف من عقوباته، ملتجئ منه إليه، عائذ به منه، راغب فيما لديه.
قال الشاعر:
خف الله وارجوه لكلِّ عظيمةٍ *** ولا تطع النَّفس الّلجوج فتندما
وكن بين هاتين من الخوف والرَّجا *** وأبشر بعفو الله إن كنت مسلما
ولقد ضرب الأنبياء الكرام مثلاً طيبا في حسن الشوق إلى الله - تعالى -، فها هو نبي الله موسى - عليه السلام - حين قال لله: "رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ" (الأعراف 143)، يطلب النظر إلى الله شوقاً إلى الله - عز وجل - لا شكاً في وجوده، ويدل عليه سؤال الله له وما تلك بيمينك، قال - تعالى -: " وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى (17) قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى" (18) سورة: طه).
قال المفسرون: وقد كان يكفى موسى - عليه السلام - في الجواب أن يقول: هي عصاي، ولكنه أضاف إلى ذلك أتوكأ عليها وأهش بها على غنمي. لأن المقام يستدعى البسط والإطالة في الكلام، إذ هو مقام حديث العبد مع خالقه، والحبيب مع حبيبه.
قال ابن القيم:
أنا الفقير إلى رب البريات *** أنا المسكين في مجموع حالاتي
أنا الظلوم لنفسي وهي ظالمتي *** والخير إن يأتنا من عنده يأتي
لا أستطيع لنفسي جلب منفعة *** ولا عن النفس لي دفع المضرات
والمشتاقون إلى الله هم السابقون بالخيرات إليه تصديقا لقوله - سبحانه -: "فَالسَّابِقَاتِ سَبْقًا" (4) النازعات).
قال مقاتل: هي الملائكة تسبق بأرواح المؤمنين إلى الجنة، وقال الربيع: هي أنفس المؤمنين تسبق إلى الملائكة شوقا إلى الله.
وقال قتادة والحسن: هي النجوم تسبح في أفلاكها كما في قوله: "وكل في فلك " وقال عطاء: هي السفن تسبح في الماء، وقيل هي أرواح المؤمنين تسبح شوقا إلى الله. قال الشاعر:
جَرّبوا الدّنيا فلمّا عَرفوا *** أنَّها ليست لِحيّ سَكنًا
جعلوها لُجَّة واتَّخذوا *** صالحَ الأعمال فيها سُفنا
قال الغزالي في بيان معنى الشوق إلى الله - تعالى -: أعلم أن من أنكر حقيقة المحبة لله - تعالى -فلا بد وأن ينكر حقيقة الشوق إذ لا يتصور الشوق إلا إلى محبوب ونحن نثبت وجود الشوق إلى الله - تعالى -وكون العارف مضطرا إليه بطريق الاعتبار والنظر بأنوار البصائر وبطريق الأخبار والآثار".
وعلي بن سهل بن الأزهر أبو الحسن الأصبهاني، كان أولا مترفا ثم صار زاهدا عابدا يبقى الأيام لا يأكل فيها شيئا، وكان يقول: ألهاني الشوق إلى الله عن الطعام والشراب .. ومن جميل ما قاله ابن القيم في إغاثة اللهفان " فلو سمع أحدهم القرآن من أوله إلى آخره لما حرك له ساكنا، ولا أزعج له ظاهرا ولا باطنا، ولا أثار فيهم وجدا، ولا قدح فيهم من لواعج الشوق إلى الله زندا، حتى إذا تلي عليهم قرآن الشيطان، وولج مزموره أسماعهم، فجرت ينابيع الوجد من قلوبهم على أعينهم فجرت، وعلى أقدامهم فرقصت، وعلى أيديهم فصفقت، وعلى بقية أعضائهم فاهتزت وطربت، وعلى أنفاسهم فتصاعدت، وعلى زفراتهم فتزايدت".
قال عبد الواحد بن زيد يقول يا إخوتاه ألا تبكون شوقا إلى الله ألا إنه من بكى شوقا إلى سيده لم يحرم النظر إليه يا إخوتاه ألا تبكون خوفا من النار ألا إنه من بكى خوفا من النار أعاذه الله منها يا إخوتاه ألا تبكون خوفا من العطش يوم القيامة ألا إنه من بكى خوفا من ذلك سقي على رؤوس الخلائق يوم القيامة يا إخوتاه ألا تبكون بلى فابكوا على الماء البارد أيام الدنيا لعله أن يسقيكموه في حظائر القدس مع خير الندماء والأصحاب من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا ثم جعل يبكي حتى غشي عليه.
يقول ابن الجوزي في " المواعظ " بعض العابدات كانت تقول: والله لقد سئمت الحياة حتى لو وجدت الموت يباع لاشتريته شوقاً إلى الله وحباً للقائه، فقيل لها: على ثقةٍ أنت من عملك؟ قالت: لا والله؛ لحبي إياه وحسن ظني به، أفتراه يعذبني وأنا أحبه: يتبع
ولَو قدِرتَ ركبتَ الريح نحوَكُم *** فإِنَّ بُعدِى عَنكم قد حَنَا حين
قال وكيع قال سمعت سفيان يقول: لو أن اليقين استقر في القلوب لطارت شوقاً أو حزناً إما شوقاً إلى الله - عز وجل - وإما فرقاً من النار. عن ابن جابر: إن عَبد الله بن أَبي زكريا كان يقول: لو خيرت بين أن أعُمَر مئة سنة من ذي قبل في طاعة الله أو أن أقبض في يومي هذا، أو في ساعتي هذه، لاخترت أن أقبض في يومي هذا، أو في ساعتي هذه شوقا إلى الله، وإلى رسوله، وإلى الصاحين من عباده
قال الشاعر:
قومي هم صنعوا التاريخ إذ ملكوا *** أعفة عظماء النفس والهمم
مشوا إلى جنبات الأرض في يدهم *** فرقان ربي يهدي الخلق للسلم
دعوا إلى الله فانقاد الأنام لهم *** شوقًا إلى الله والتوحيد والقيم
المشتاقون إلى الله - تعالى - هم الذين يجعلون حب الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - فوق كل شيء، فوق حبهم لأنفسهم وأزواجهم وأولادهم وأموالهم وآباءهم وأمهاتهم والناس أجمعين.. قال - تعالى -: " وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ" (165) سورة البقرة).
موضوع: المشتاقون إلي الله...الجزء الثالث الثلاثاء 04 يونيو 2013, 12:24 am
المشتاقون إلى الله - تعالى - هم الذين يحبون قراءة القرآن ويتخلقون بأخلاقه. عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوفي عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَىُّ الْعَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ؟ قَالَ: الْحَالُّ الْمُرْتَحِلُ، قَالَ: وَمَا الْحَالُّ الْمُرْتَحِلُ؟ قَالَ: الَّذِى يَضْرِبُ مِنْ أَوَّلِ الْقُرْآنِ إِلَى آخِرِهِ كُلَّمَا حَلَّ ارْتَحَلَ)
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: (إِنِّي أُحِبُّ هَذِهِ السُّورَةَ (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ)، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: حُبُّكَ إِيَّاهَا أَدْخَلَكَ الْجَنَّةَ).