موضوع: خلق ادم عليه السلام الخميس 10 سبتمبر 2009, 4:08 pm
عملية الخلق التي مر بها آدم عليه السلام تشير إلى مظهر من مظاهر قدرة الله تعالى، لكننا في نفس الوقت نتعلم منها درسا مهما جدا لتحقيق عبوديتنا الحقة لله وهو الخضوع والخشوع والتواضع بين يدي الله.
كيف خُلق آدم؟ تقرأ في بعض آيات القرآن أن آدم خلق من تراب، قال تعالى: {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ}
وتقرأ أنه خُلِق من صلصال، قال تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ}، وفي غيرها أنه خلق من طين، قال تعالى: {إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِن طِينٍ}.
وتجد آية تقول بأنه خُلِق من طين لازب، قال تعالى: {فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَم مَّنْ خَلَقْنَا إِنَّا خَلَقْنَاهُم مِّن طِينٍ لَّازِبٍ}. وفي غيرها أنه خلق من صلصال من حمأ مسنون، أو أنه خُلِق من فخار، فاقرأ معي قوله تعالى: {ولقد خلقنا الإنسان من صلصال من فخار}..
فمن أي شيء خلق آدم؟
وبداية نقول إن آدم خلق من كل ما سبق، فهذه كلها مراحل خلق آدم.. فآدم لم يخلق بـ {كُن فيكون}؛ لكنه خُلق بمراحل متعددة؛ كل مرحلة تؤدي إلى التي تليها حتى اكتمل خلق آدم.
لقد مر خلق آدم بست مراحل، أراد الله في كل مرحلة أن يرسل إلينا رسالة ومعنى.
مراحل خلق آدم
المرحلة الأولى:
خلقُه من تراب، يقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث رواه الترمذي: "إن الله خلق آدم من قبضة قبضها من تراب الأرض".. وفي رواية أخرى "من جميع تراب الأرض، فجاء بنو آدم على قدر الأرض"..
لقد اختلف بنو آدم ولم يأتوا متشابهين لاختلاف التربة التي جاءوا منها، فصفاتهم مختلفة باختلاف الأرض التي دخلت في تكوينهم، منهم الأحمر والأبيض والأسود، وجاء منهم السهل والصعب والخبيث والطيب، فهناك أرض خصبة طيبة، وهناك أرض خبيثة، وهناك أرض صعبة غليظة، وهناك أرض سهلة بسيطة؛ وكذلك الناس.. فاقرأ الحديث مرة أخرى: "إن الله خلق آدم من قبضة قبضها من تراب الأرض، فجاء بنو آدم على قدر الأرض فجاء منهم الأحمر والأبيض والأسود وجاء منهم السهل والحَزْن –أي الغليظ-والخبيث والطيب"..
لقد صنع الله سبحانه من التراب بشرا يفكر ويتكلم ويركب سفن فضاء ويصعد للسماء، سبحان الله خلق من التراب بشرا يتحرك في الأرض، والمعنى الذي أريد أن أذكرك به هو أنك من تراب ضعيف فكيف تعصي الله؟ كيف تقول لربنا لا لن أفعل؟ كيف استطعت أن تزني وتشرب الخمر وأنت قبضة من تراب الأرض؟ وكيف لا تصلي؟ كيف تقدم مصلحة التراب –كما تظنها- على أحب عمل إلى الله وهو الصلاة؟ يقول الله تبارك وتعالى: {قُتِلَ الإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ، مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ، مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ، ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ، ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ، ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ}.الحقيقة أنك لابد أن تتعلم التواضع والخضوع، انظر لبدء خلقك وستعرف أن أهم درس نفهمه هو الخضوع والتواضع لله.. فاقرأ هذا الحديث، يقول النبي صلى الله عليه وسلم للسيدة عائشة: "يا عائشة لو شئت لسارت معي جبال الذهب. قالت كيف يا رسول الله؟ قال: جاءني ملك من السماء يقول: يا رسول الله إن الله يقرئك السلام ويخيرك بين أن تكون ملكا نبيا أو عبدا نبيا، يقول النبي: فنظرت إلى جبريل فأشار إليّ أن ضع نفسك يا محمد فاخترت أن أكون عبدا نبيا".. وانظر إلى الحديث القدسي: "من تواضع لي هكذا -وجعل النبي يخفض بطن يده إلى الأرض، رفعته هكذا -وجعل النبي يرفع بطن يده إلى السماء"، ولذلك سمي آدم بـ"آدم" لأنه من أديم الأرض -أي من تراب الأرض- لكي يرتبط دائما اسم أبو البشر جميعهم بالتراب، فنحن بنو آدم، وآدم من تراب..
المرحلة الثانية:
التراب بُلِل بالماء فأصبح طينا، وهذا هو معنى قول الله سبحانه وتعالى: {إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِن طِينٍ}.. يقصد المرحلة الثانية من خلق آدم، وهناك معنى جميل، حول اختيار الله للعنصرين "التراب والماء" ليخلق منهما الإنسان، ثم علمنا أن التراب والماء وظيفتهما الأساسية هي التنقية والطهارة؛ فلا طهارة بغير ماء، وفي حالة عدم وجود الماء نتيمم، والأرض كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: {جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا}، فالأصل في الأرض أنها طاهرة، فكأن الله أراد أن يقول لك أيها الإنسان إن معدنك طاهر نظيف، وإنك خلقت من أكثر الأشياء طهارة ونقاء..
المرحلة الثالثة:
بدأ الطين يتلاصق مع بعضه ويتجمع إلى أن أصبح متماسكا سميكا، يقول الله تبارك وتعالى: {إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ لازِبٍ} أي طين متماسك ومتلاصق ويسهل تشكيله، وكأن المعنى أن في تركيبتك قوة وتماسكا، لا تشتت نفسك؛ فمعنى التماسُك عدم التشتيت، فإذا ابتعدت أيها الإنسان عن الله فأنت متفرق ومشتت فلابد أن تتعب، ولهذا تجد كل من بَعُد عن ربه في تعب ومشقة من كثرة تشتته وقد ابتعد عن مصدر توحده.
المرحلة الرابعة:
تشكيل الله بيديه الكريمتين للإنسان، فربنا شكل آدم كالصلصال طبقا لقول الله تعالى: {قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ}.. فيا من خلقك الله بيديه الكريمتين، أتتواضع أم لا؟
النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "ثلاث خلقهن الله بيديه ولم يخلق شيئا بيديه إلا الثلاثة؛ آدم، وجنة عدن، والألواح التي كتبها الله سبحانه وتعالى لموسى"، وكل المخلوقات الأخرى خلقها الله بقوله: {كُن فيكون}.
المرحلة الخامسة:
ترك الصلصال حتى يجف؛ فتغير لونه فصار كالحمأ المسنون -وهو الصلصال الذي يميل بعد تغير لونه للسمرة- وفي هذا يقول الله تبارك وتعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ}، ولو أردنا أن نخرج بمعنى من هذه المرحلة الخامسة فهي أنك مخلوق ضعيف.
المرحلة السادسة:
وهي مرحلة ما بعد أن جف الصلصال فجوّف -أي أصبح فيه تجويف من الداخل- فصار كالفخار المجوف، ليبدو تمثالا من صلصال، ولو طرقت على هذا التمثال فإنه يصنع صوتا.
يقول الله تبارك وتعالى: {خَلَقَ الْإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ}؛ فأصبح إبليس يطوف بهذا الجسد ويُقلِبه وكلما قلبه أصدر صوتا، وعلى هذا فليس هناك تعارض بين الآيات وبعضها، فالتراب تحول إلى "طين مبلل" ثم إلى "طين لازب" متماسك مجمع، وتشكّل بيد الله الكريمتين فأصبح صلصالا في شكل إنسان، وترك حتى جف فأصبح صلصالا من حمأ مسنون، ثم صنع فيه تجويفا فأصبح كالفخار... فكأننا نراه الآن تمثالا ضخما عملاقا لا حراك فيه، تمثالا خاليا من الروح.. ثم تُرك هكذا مدة من الزمن حوالي أربعين يوما، وهي المرحلة التي سبقت دخول الروح.
وهذه المدة التي ترك الله فيها آدم بدون روح -كالتمثال- هي المقصودة بقول الله تعالى: {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئاً مَّذْكُوراً}.. فإذا تساءلنا لماذا تعددت مراحل خلق الإنسان ولم يخلق بـ {كُن فيكون}، فأول ما يطالعنا من إجابة: كي تعرف ضعفك وقدرة ربك ومدى احتياجك إليه، ولنتعرف على مظهر من المعجزة التي جعلت التراب يتحرك..
لقد طاف إبليس حول آدم ليعرف نقطة ضعفه، وقد عرف أن هذا الكائن الجديد لا يستطيع أن يملك نفسه عند الشهوة، ولهذا فإن نقطة الضعف ليس لها إلا حل واحد كما يقول الله تبارك وتعالى: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ...}؛ فالحل هو اللجوء إلى الله والاستعانة به ولا شيء غيره..
فاللهم ارحم ضعفنا.. وعلمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا إنك أنت العليم الخبير.