هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 أهمية هذا القسم

اذهب الى الأسفل 
+3
عيون القلب
MOURAD
الأب الروحي
7 مشترك
انتقل الى الصفحة : 1, 2  الصفحة التالية
كاتب الموضوعرسالة
الأب الروحي
أهمية هذا القسم Vip
الأب الروحي


ذكر
ســآعـتي :
التسجيل : 18/06/2008
المساهمات : 11243
عدد النقاط : 31079
المزاج : أهمية هذا القسم Qatary14
المهنة : أهمية هذا القسم Profes10
الهوايه : أهمية هذا القسم Writin10
الدولة : أهمية هذا القسم Male_e10
الأوسمة : أهمية هذا القسم 3h510
التميز : أهمية هذا القسم Domain10

أهمية هذا القسم Empty
مُساهمةموضوع: أهمية هذا القسم   أهمية هذا القسم I_icon_minitimeالجمعة 05 نوفمبر 2010, 7:25 pm

أهمية هذا القسم 68762
أهمية هذا القسم 338902



لما كانت الدعوة إلى الله هي المهمة التي كلف الله بها رسوله صلى الله عليه وسلم

قال تعالى: {يا أيها المدثر* قم فأنذر}
وكلف الله بها هذه الأمة كما قال تعالى: {كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله}.
فأنني أحببت أن أجمع رسالة قصيرة توضح لكل مسلم مكلف بالدعوة أصول هذه الدعوة، وكيف يدعو إلى الله؟
وذلك حتى تكون دعوته على بصيرة
كما قال تعالى: {قل هذه سبيلي ادعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين}.
واني لأسأل الله سبحانه وتعالى أن ينفع بهذه الرسالة،
ويكتب لها القبول،
وأن يقوم المسلمون جميعاً بواجب الدعوة إلى الله على بصيرة ليشرق نور الله في الأرض كلها،
ويعلو دين الله على كل الأرض، إنه هو السميع البصير والعلي العظيم.
لذا فقد اقترحت هذه الفكره علي الاخ الفاضل مدير الموقع الدكتور مراد

وها هو قد قام بما وعد به
وخصص لنا هذا القسم لموضوع هام جداً
وهو خطبة الجمعة وما يتعلق بها من أهداف تعود بالفائده علي كل مسلم

والآن سوف اقوم بوضع خطبه كل أسبوع بموضوع مختلف
لكي يكون بين أيدينا
باقه كاملة من الخطب المفيدة لتحقق الرساله
والله الموفق

[/b][/center]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
الأب الروحي
أهمية هذا القسم Vip
الأب الروحي


ذكر
ســآعـتي :
التسجيل : 18/06/2008
المساهمات : 11243
عدد النقاط : 31079
المزاج : أهمية هذا القسم Qatary14
المهنة : أهمية هذا القسم Profes10
الهوايه : أهمية هذا القسم Writin10
الدولة : أهمية هذا القسم Male_e10
الأوسمة : أهمية هذا القسم 3h510
التميز : أهمية هذا القسم Domain10

أهمية هذا القسم Empty
مُساهمةموضوع: " نور القرآن الكريم "    أهمية هذا القسم I_icon_minitimeالسبت 06 نوفمبر 2010, 10:52 am

أهمية هذا القسم 68762
أهمية هذا القسم 338902
" نور القرآن الكريم "




إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له واشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له واشهد أن محمداً عبده ورسوله. { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ } ، { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً } ، { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} .

أما بعد فإن أصدق الحديث كتاب الله وأحسن الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار .



* ما أحوجنا في ظلمة الحياة إلى نور يهدينا ويأخذ بأيدينا ، وكتاب الله نور من تلاه أو استمعه بقلب حاضر اطمأنت نفسه وانشرح صدره وفاضت عينه وخشعت جوارحه وزاد إيمانه وقوي يقينه ، ( يا أيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم وأنزلنا إليكم نورا مبينا) .

أخرج البخاري عن عبد الله بن مسعود قال : قال لي رسول الله " اقرأ علي " قلت : أقرأ عليك وعليك أنزل ؟ قال : " إني أحب أن أسمعه من غيري " ، فقرأت عليه سورة "النساء" حتى بلغت " فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا " قال : " أمسك " فإذا عيناه تذرفان " .

لماذا سالت دموع المصطفي وفاضت عيناه وخشع قلبه ؟ إنه الشعور بالمسئولية والأمانة ، فهو لا يسمع القرآن بأذنيه فحسب ، بل يسمعه بقلبه ويعيش أحداثه كأنها رأي العين ، فلابد للحياة من نهاية ، ولا مفر من العودة إلي الله الملك الحق ، وكان يوقن بهذا كله ، لذلك في حجة الوداع قال للناس : " وإنِّي قد تركت فيكم ما لن تضلّوا بعده إن اعتصمتم به : كتاب الله ، وأنتم مسئولون عنِّي ، فما أنتم قائلون ؟ " . قالوا : نشهد أنك قد بلَّغت وأديت ونصحت ، ثم قال بأصبعه السبابة يرفعها إلى السماء وينكتها إلى الناس : " اللهم اشهد ، اللهم اشهد ، اللهم اشهد ". رواه أبو داود وابن ماجه عن جابر بن عبد الله . " فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين " .

* القرآن نعمة تستحق الحمد والشكر ، فالحمد لله علي نعمة القرآن ، وهكذا يجب أن يُسمع القرآن الكريم : بآذان صاغية ، وقلوب حاضرة خاشعة ، وعقول واعية مفكرة متدبرة ، ومن أوصاف القرآن الكريم : أنه هدي ، ورحمة ، وشفاء ، ونور ، وروح .

1- هدي : :( إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا كبيرا) . يدلنا علي المقاصد والغايات والسبل والوسائل ، فمنه نتعلم مَنْ نجا كيف نجا ومَنْ هلك كيف هلك ، الشاب الذي ظهرت في حياته فتنة المرأة فليقرأ سورة يوسف ليتعلم كيف تنتصر الإرادة علي الشهوة ، وكيف يستعلي الإيمان في الصدور علي كل معصية ، " إنه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين " . مع الله لن تضيع ، ومع الله لن تري قلقلا ولا حيرة ولا شتاتا .

كيف أربي ولدي ؟ وضع القرآن منهجا لتربية الولد يبدأ من تربية الوالد ليكون صالحا ، فالوالد قدوة لولده ، وبصلاحه ينصلح الولد وينتفع هو بصلاح ولده بعد موته ، " وكان أبوهما صالحا " ، والدعاء للذرية من سنة الأنبياء ، " رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي ربنا وتقبل دعاء " ، ومن دعاء عباد الرحمن : " ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما " ، وهذا دعاء أم مريم لابنتها : " وإني سميتها مريم وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم " .

ثم تأتي مرحلة التعليم والدعوة بالصبر مع الحكمة : " وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها لا نسألك رزقا نحن نرزقك والعاقبة للتقوى " ، " يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة " .

وخير ميراث من الآباء للأبناء هو صلاح الآباء وتقواهم لله " وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم فليتقوا الله وليقولوا قولا سديدا " .

وهكذا في كل ميدان من ميادين الحياة : الاقتصاد . والاجتماع . الفرد والأسرة . الأمة . أمور الدنيا والآخرة " ما فرطنا في الكتاب من شيء " .



2- ورحمة : تُغفر بتلاوته الذنوب وتنزل السكينة وتزداد الأجور ، روي مسلم أن أسيد بن حضير ، بينما هو في ليلة يقرأ في مربده ، إذ جالت فرسه ، فقرأ ثم جالت أخرى فقرأ ، ثم جالت أيضا. قال أسيد: فخشيت أن تطأ يحيى. فقمت إليها. فإذا مثل الظلة فوق رأسي. فيها أمثال السرج. عرجت في الجو حتى ما أراها. قال فغدوت على رسول الله فقلت: يا رسول الله! بينما أنا البارحة من جوف الليل أقرأ في مربدي. إذ جالت فرسي. فقال رسول الله : " اقرأ. ابن حضير!" قال: فقرأت . ثم جالت أيضا. فقال رسول الله : " اقرأ. ابن حضير!" قال : فقرأت. ثم جالت أيضا. فقال رسول الله : " اقرأ. ابن حضير!" قال فانصرفت. وكان يحيى قريبا منها. خشيت أن تطأه. فرأيت مثل الظلة. فيها أمثال السرج. عرجت في الجو حتى ما أراها. فقال رسول الله :" تلك الملائكة كانت تستمع لك. ولو قرأت لأصبحت يراها الناس. ما تستتر منهم". وفي رواية لمسلم أيضا : عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ :كَانَ رَجُلٌ يَقْرَأُ سُورَةَ الْكَهْفِ، وَعِنْدَهُ فَرَسٌ مَرْبُوطٌ بِشَطَنَيْنِ ، فَتَغَشَّتْهُ سَحَابَةٌ، فَجَعَلَتْ تَدُورُ وَتَدْنُو، وَجَعَلَ فَرَسُهُ يَنْفِرُ مِنْهَا، فَلَمَّا أَصْبَحَ أَتَى النَّبِيَّ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ.
فَقَالَ: "تِلْكَ السَّكِينَةُ، تَنَزَّلَتْ لِلْقُرْآنِ".




3- وشفاء : ولم يقل دواء ، بل جاء بالنتيجة مباشرة ، فهو شفاء القلوب من الحيرة والشك والريبة والوساوس والأهواء ، فالقلق مرض والحيرة عذاب والوساوس داء ، والقرآن شفاء لذلك كله ، لأنه يصل القلب بالله فيسكن ويطمئن ، " وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين " .



4- ونور : يكشف لنا الطريق ، فلا يترك الإنسان لهواه واندفاعه ونزعاته ، وإنما ينير له السبيل ليفرق بين الحق والباطل والحلال والحرام ، " وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا وإنك لتهدي إلي صراط مستقيم . صراط الله الذي له ما في السموات وما في الأرض ألا إلي الله تصير الأمور " .

فهو روح يسري في جسد الأمة فيبعث فيها الحياة ، ( ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور) . وينعكس نور القرآن على حياتنا فنتعامل به في أخذنا وعطائنا وبيعنا وشرائنا، فإذا تكلمنا تكلمنا بصدق، وإذا نصحنا نصحنا بحكمة وعلم، وإذا أعطينا أعطينا بأمانة، وإذا عملنا عملنا بإتقان، وإذا أخذنا أخذنا بحق، فنكون بذلك مقتدين بنبينا الذي وصفته السيدة عائشة بقولها :كان خلقه القرآن .

روي أحمد والترمذي والنسائي وابن حبان عن عمر قال : " كان رسول اللّه لا يزال يسمر عند أبي بكر الليلة كذلك في الأمر من أمر المسلمين، وأنه سمر عنده ذات ليلة وأنا معه، فخرج رسول اللّه ، وخرجنا معه، فإذا رجل قائم يصلي في المسجد – وهو عبد الله بن مسعود - ، فقام رسول اللّه يسمع قراءته، فلما كدنا أن نعرفه، قال رسول اللّه : " من سره أن يقرأ القرآن رطباً كما أنزل، فليقرأ على قراءة ابن أم عبد " ثم جلس الرجل يدعو فجعل رسول اللّه يقول : " سل تعط، قلت: واللّه لأغدون إليه فلأبشرنه ، فغدوت إليه لأبشره فوجدت أبا بكر قد سبقني إليه، فبشره واللّه ما سابقته إلى خير إلا سبقني إليه". وفي رواية أنه قال في دعائه : اللّهم إني أسألك إيماناً لا يرتد، ويقيناً لا ينفد، ومرافقة محمد في أعلى عليين في جنات الخلد " .



* الفائدة من قراءة القرآن موقوفة علي قيامنا بحقوقه علينا ، فما هي حقوق القرآن علينا ؟



أولا : حسن التلاوة : قال تعالي : " ورتل القرآن ترتيلا " ، وروى مسلم عن عائشة قالت: قال رسول الله : " الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة ، والذي يقرأ القرآن ويتتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران " . التتعتع : التردد في الكلام عِيًّا وصعوبة ، وإنما كان له أجران من حيث التلاوة ومن حيث المشقة ، ودرجات الماهر فوق ذلك كله، لأنه قد كان القرآن متعتعا عليه، ثم ترقى عن ذلك إلى أن شُبه بالملائكة . والله أعلم . وروى الترمذي عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله : " من قرأ حرفا من كتاب الله فله به حسنة والحسنة بعشر أمثالها ، لا أقول الم حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف " . قال: حديث حسن صحيح غريب .

وروى أبو داود عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله : " يُقال لصاحب القرآن اقرأ وارتق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها " . وفي مسند أبي داود الطيالسي - وهو أول مسند ألف في الإسناد - عن عبد الله بن عمرو عن رسول الله : " من قام بعشر آيات لم يكتب من الغافلين ، ومن قام بمائة آية كتب من القانتين ، ومن قام بألف آية كتب من المقنطرين " .



ثانيا : حسن الفهم والتدبر : فالقرآن لا يعطي كنوزه وأسراره إلا لأصحاب القلوب المفتوحة المهيأة للفهم والاستقبال ، قال الله تعالي " أفلا يتدبرون القرآن أم علي قلوب أقفالها " ، هذه عائشة تقوم ليلة تردد هذه الآية وتبكي : " إنا كنا من قبل في أهلنا مشفقين . فمن الله علينا ووقانا عذاب السموم . إنا كنا من قبل ندعوه إنه هو البر الرحيم " .

وهذا عمر يركب بغلته في إحدى طرقات المدينة ويسمع قارئا يقرأ : " إن عذاب ربك لواقع . ما له من دافع " فيخر مغشيا عليه ، وحملوه إلي بيته يعودونه شهرا وما به إلا الخوف من الله .



ثالثا : حسن التطبيق والعمل : وهذا هو المقصود الأعظم من نزول القرآن ، أن يكون منهج حياة وأن يعمل بما فيه من أوامر ، ويجتنب ما نهي عنه من منهيات ومعاص ، يقول ابن مسعود : إذا سمعت الله يقول " يا أيها الذين آمنوا " فارعها أذنك ، فإنها خير يأمر به ، أو شر ينهي عنه .

وأهل القرآن هم الذين يعملون به لا من يرددونه وأعمالهم تخالف أقوالهم ، فالقرآن يوم القيامة حجة علي الإنسان أو حجة عليه ، يقوده إلي الجنة إن عمل به ، أو يسوقه إلي النار إن هجره وخالف ما فيه . عن النواس بن سمعان قال سمعت رَسُول اللَّهِ يقول: " يؤتى يوم القيامة بالقرآن وأهله الذين كانوا يعملون به في الدنيا تقدمه سورة البقرة وآل عمران، تحاجان عن صاحبهما " رواه مسلم



رابعا : حسن البلاغ والدعوة : من حق القرآن علي من تعلمه أن يعلمه غيره ، روي البخاري عن عثمان بن عفان قال : قال رسول الله : "خيركم من تعلم القرآن وعلمه " . ومن حق الولد علي أبيه أن يعلمه الكتاب . وأخرج البخاري عن عبد الله بن عمرو عن النبي قال : " بلغوا عني ولو آية " .

ويظهر جمال نور القرآن حينما يخالط القلوب، فيغير ضلالها إلى هدى وعصيانها إلى طاعة ، حتى إن جمال نوره جعل الجن يستمعون إليه ثم يولون إلى قومهم منذرين ، وسجل القرآن الكريم ذلك فقال : " قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن فقالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا . يهدي إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا " وبعد استماعهم لآيات القرآن الهادية إلى طريق الله المستقيم أنذروا بها قومهم فقالوا : " يا قومنا أجيبوا داعي الله وآمنوا به يغفر لكم من ذنوبكم ويجركم من عذاب أليم " .

اللهم أكرمنا ببركة القرآن واجعله لنا في الدنيا نورا وهاديا وإماما ، ويوم القيامة شفيعا ، وعلى الصراط نورا ، وإلى الجنة دليلا ، ومن النار سترا وحجابا .













الخطبة الثانية


الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام علي سيد المرسلين ، سيدنا ومولانا محمد ، وعلي آله وأصحابه وأزواجه أمهات المؤمنين ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلوات الله وسلامه عليه، سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم .



روى الطبراني عن أبي ذر قال : قلت يا رسول الله أوصني ؟ قال : " أوصيك بتقوى الله فإنه رأس الأمر كله، قلت: زدني، قال: عليك بتلاوة القرآن وذكر الله، فإنه نور لك في الأرض وذكر لك في السماء " ، وكانت آخر آية نزلت من كتاب الله هي قوله سبحانه : " واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون " .

المؤمن يعيش طاهرا طيبا ، ويموت تائبا صالحا موحدا ، فالمشغول بربه لا يشغله الشيطان بغفلة ولا معصية ، فليس عند المؤمن فراغ يتحير فيه لأنه لا وقت في العمر يضيعه في غير طاعة يزداد بها حبا لربه ، وقربا من رحمته .

والقرآن كتاب الله لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد ، وهو الهادي إلى طريق الله المستقيم ، وهو منهج ودستور حياة المسلمين ، به تحيا القلوب، وتسكن النفوس، وتستقيم الجوارح، من قال به صدق ومن حكم به عدل ومن دعا إليه هدي إلى صراط مستقيم ، وهو حبل الله الممدود من السماء إلى الأرض ، روى الطبراني وابن حبان عن أبي شريح الخزاعي قال : خرج علينا رسول الله فقال[b] :" أبشروا ، أليس تشهدون أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله ؟ قالوا : بلى ، قال : فإن هذا القرآن سبب، طرفه بيد الله، وطرفه بأيديكم، فتمسكوا به فإنكم لن تضلوا ولن تهلكوا بعده أبدا " .[/b]

البيوت العامرة بالقرآن لا تقربها الشياطين وتتنزل عليها الملائكة وتغشاها السكينة والرحمة ، يقول ابن سيرين : البيت الذي يقرأ فيه القرآن تحضره الملائكة وتخرج منه الشياطين ويتسع بأهله ويكثر خيره ، والبيت الذي لا يقرأ فيه القرآن تحضره الشياطين ، وتخرج منه الملائكة ، ويضيق بأهله ويقل خيره . فرحم الله والدا أعان ولده على حفظ كتاب الله وتلاوته ، فهذا خير ميراث الآباء للأبناء .

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
الأب الروحي
أهمية هذا القسم Vip
الأب الروحي


ذكر
ســآعـتي :
التسجيل : 18/06/2008
المساهمات : 11243
عدد النقاط : 31079
المزاج : أهمية هذا القسم Qatary14
المهنة : أهمية هذا القسم Profes10
الهوايه : أهمية هذا القسم Writin10
الدولة : أهمية هذا القسم Male_e10
الأوسمة : أهمية هذا القسم 3h510
التميز : أهمية هذا القسم Domain10

أهمية هذا القسم Empty
مُساهمةموضوع: " أفلا يتدبرون القرآن ؟ "    أهمية هذا القسم I_icon_minitimeالسبت 06 نوفمبر 2010, 10:56 am

أهمية هذا القسم 68762
أهمية هذا القسم 338902
" أفلا يتدبرون القرآن ؟ "




إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له واشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له واشهد أن محمداً عبده ورسوله. { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ } ، { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً } ، { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} .

أما بعد فإن أصدق الحديث كتاب الله وأحسن الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار .



* كم لله علينا من نعمة ظاهرة وباطنة ، ومن أجلّ النعم نعمة القرآن الكريم الذي أنزله الله في شهر رمضان شهر الصيام والقيام ، " شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان " .

القرآن كلام الله نور يهدينا ويأخذ بأيدينا ، هو الفصل ليس بالهزل ، من جعله أمامه قاده إلى الجنة ، ومن جعله خلفه ساقه إلى النار ، من قال به صدق ، ومن حكم به عدل ، ومن دعا إليه هُدي إلى صراط مستقيم ، من تلاه أو استمعه بقلب حاضر اطمأنت نفسه وانشرح صدره وفاضت عينه وخشعت جوارحه وزاد إيمانه وقوي يقينه ، " يا أيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم وأنزلنا إليكم نورا مبينا " .

أخرج مسلم عن أبي أمامة قال : قال رسول الله " اقرءوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه " .

اللهم لا تجعلنا ممن هجر القرآن فهجره القرآن ، " وقال الرسول يارب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا " ، واجعلنا بفضلك ممن يتلونه حق تلاوته ، وشفعه فينا يوم العرض عليك ، يوم يشفع القرآن لصاحبه فيقول : أي رب منعته النوم بالليل فشفعني فيه .



* القلوب التي سمعت القرآن أول مرة انبهرت بعذب بيانه وبلاغة ألفاظه ، وعجائب آياته ، حتى الكفار الذين سمعوه أول مرة نطقت فطرتهم بالحق ، وما حال بينهم وبين الإيمان به إلا الكبر والغطرسة والاستعلاء بالباطل ، لقد كان هذا أثر القرآن في عقل وقلب كل من سمعوه :

قال ابن كثير : وذكر محمد بن إسحاق ، عن الزهري ، في قصة أبي جهل حين جاء يستمع قراءة النبي من الليل ، هو وأبو سفيان صخر بن حرب والأخنس بن شريق ، ولا يشعر واحد منهم بالآخر . فاستمعوها إلى الصباح ، فلما هجم الصبح تفرقوا ، فجمعتهم الطريق ، فقال كل منهم للآخر : ما جاء بك؟ فذكر له ما جاء له ثم تعاهدوا ألا يعودوا ، لما يخافون من علم شباب قريش بهم ، لئلا يفتتنوا بمجيئهم فلما كانت الليلة الثانية جاء كل منهم ظنا أن صاحبيه لا يجيئان ، لما تقدم من العهود ، فلما أجمعوا جمعتهم الطريق ، فتلاوموا ، ثم تعاهدوا ألا يعودوا . فلما كانت الليلة الثالثة جاؤوا أيضا ، فلما أصبحوا تعاهدوا ألا يعودوا لمثلها [ ثم تفرقوا ] . – ثلاث ليالي لا يستطيعون أن يملكوا أنفسهم عن سماع القرآن ، أي نور وعظمة وأي جاذبية وجلال وبهاء لهذا القرآن حتى أسر قلوب أعدائه قبل قلوب المؤمنين به ؟؟ -
فلما أصبح الأخنس بن شريق أخذ عصاه ، ثم خرج حتى أتى أبا سفيان بن حرب في بيته ، فقال : أخبرني يا أبا حنظلة عن رأيك فيما سمعت من محمد ؟ قال : يا أبا ثعلبة ، والله لقد سمعت أشياء أعرفها وأعرف ما يراد بها ، وسمعت أشياء ما عرفت معناها ولا ما يراد بها . قال الأخنس : وأنا والذي حلفت به .
ثم خرج من عنده حتى أتى أبا جهل ، فدخل عليه في بيته فقال : يا أبا الحكم ، ما رأيك فيما سمعت من محمد ؟ قال : ماذا سمعت؟ تنازعنا نحن وبنو عبد مناف الشرف : أطعموا فأطعمنا وحملوا فحملنا ، وأعطوا فأعطينا ، حتى إذا تجاثينا على الركب ، وكنا كفرسي رهان ، قالوا : منا نبي يأتيه الوحي من السماء! فمتى ندرك هذه؟ والله لا نؤمن به أبدا ولا نصدقه ، قال : فقام عنه الأخنس وتركه .



* هذا الوليد بن المغيرة حينما سمع من النبي آيات من سورة فصلت قال : والله ما هذا بكلام إنس ولا جن ، إن له لحلاوة وإن عليه لطلاوة ، وإن أسفله لمغدق وإن أعلاه لمثمر ، وإنه ليعلو ولا يعلي عليه ، وما هذا بقول البشر . وكان الوليد يسمي ريحانة قريش ومن أغناهم وأكثرهم مالا وخافوا إن أسلم أن يتبعه آخرون ، ولكنه أبي واستكبر وولى معرضا .

" لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون " .

هكذا فعل الوليد بن المغيرة عند سماع الحق ، فهل فعل هكذا عمر بن الخطاب عندما لامس نور القرآن قلبه أول مرة ، عمر هذا الجبار في الجاهلية ، كيف لان قلبه وهو يفتح مسامع قلبه لآيات بينات هاديات ، فما هي القصة ؟

التجأ ليلة إلى المبيت خارج بيته فجاء إلى الحرم ، ودخل في ستر الكعبة ، والنبي قائم يصلي وقد استفتح سورة ( الحاقة ) فجعل عمر يستمع إلى القرآن ، ويعجب من تأليفه ، قال : فقلت ـ أي في نفسي ـ هذا والله شاعر كما قالت قريش ، قال : فقرأ ( إنه لقول رسول كريم . وما هو بقول شاعر قليلا ما تؤمنون ) قال : قلت : كاهن . قال : ( ولا بقول كاهن قليلا ما تذكرون . تنزيل من رب العالمين ) إلى آخر السورة : قال فوقع الإسلام في قلبي . كان هذا أول وقوع نواة الإسلام في قلبه .

وكان من حدة طبعه وفرط عداوته لرسول الله أنه خرج يوما متوشحا سيفه ، يريد القضاء على النبي فلقيه رجل من بني زهرة فقال أين تعمد يا عمر ؟ قال : أريد أن أقتل محمدا قال : كيف تأمن من بني هاشم ومن بني زهرة وقد قتلت محمدا ؟ فقال له عمر : ما أراك إلا قد صبوت وتركت دينك الذي كنت عليه ، قال أفلا أدلك على العجب يا عمر ! إن أختك وختنك قد صبوا ، وتركا دينك الذي أنت عليه ، فمشى عمر ذامرا حتى أتاهما وعندهما خباب بن الأرت معه صحيفة فيها طه يقرئهما إياها ـ وكان يختلف إليهما ويقرئهما القرآن فلما سمع خباب حس عمر توارى في البيت ، وسترت فاطمة ـ أخت عمر ـ الصحيفة ، وكان قد سمع عمر حين دنا من البيت قراءة خباب إليهما ، فلما دخل عليهما قال : ما هذه الهينمة التي سمعتها عندكم ؟ فقالا : ما عدا حديثا تحدثناه بيننا .

قال فعللكما قد صبوتما . فقال له ختنه : يا عمر أرأيت إن كان الحق في غير دينك ؟ فوثب عمر على ختنه فوطئه وطأ شديدا . فجاءت أخته فرفعته عن زوجها فنفحها نفحة بيده ، فدمى وجهها ـ وفي رواية ابن إسحاق أنه ضربها فشجها ـ فقالت ـ وهي غضبى ـ : يا عمر إن كان الحق في غير دينك ، أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمدا رسول الله . فلما يئس عمر ، ورأى ما بأخته من الدم ندم واستحى ، وقال : أعطوني هذا الكتاب الذي عندكم فأقرؤه فقالت أخته : إنك رجس ، ولا يمسه إلا المطهرون ، فقم فاغتسل فقام فاغتسل ، ثم أخذ الكتاب ، فقرأ (بسم الله الرحمن الرحيم ) فقال : أسماء طيبة طاهرة . ثم قرأ : (طه) حتى انتهى إلى قوله : ( إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني وأقم الصلاة لذكرى ) فقال: ما أحسن هذا الكلام وأكرمه ؟ دلوني على محمد .

الآن لان قلبك يا عمر ؟ أسلم عمر ولكن بعدما سالت دماء أخته الطاهرة الصالحة ... هذا الدين فادح التضحيات ، يا من تريد جنة عالية قطوفها دانية هل يكون بضياع الليالي في السهرات والغفلات في لغو باطل ؟ هل يكون بالنوم الطويل والأكل الكثير ، كلا والله فدين الله أغلى من هذا وسلعة الله الجنة ليست رخيصة ، بل سلعة الله غالية ، لن تنال إلا بالتضحية بالغوالي ، وحُق لهذا الدين العظيم أن يُضحى له المضحون .



* الانتفاع بالقرآن مرهون بتدبره وحسن تلاوته والعمل بما فيه : " كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب " ، كم في القرآن من أنوار فأين القلوب التي تستقبلها ؟ وكم فيه من أسرار فأين العقول التي تبحث عنها ؟ " أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها " .

فالقرآن لا يعطي كنوزه وأسراره إلا لأصحاب القلوب المفتوحة المهيأة للفهم والاستقبال ، هذه عائشة تقوم ليلة تردد هذه الآية وتبكي : " إنا كنا من قبل في أهلنا مشفقين . فمن الله علينا ووقانا عذاب السموم . إنا كنا من قبل ندعوه إنه هو البر الرحيم " .

وهذا عمر يركب بغلته في إحدى طرقات المدينة ويسمع قارئا يقرأ : " إن عذاب ربك لواقع . ما له من دافع " فيخر مغشيا عليه ، وحملوه إلي بيته يعودونه شهرا وما به إلا الخوف من الله .

القرآن نعمة تستحق الحمد والشكر ، فالحمد لله علي نعمة القرآن ، وهكذا يجب أن يُسمع القرآن الكريم : بآذان صاغية ، وقلوب حاضرة خاشعة ، وعقول واعية مفكرة متدبرة .



* وهذه وقفات مع بعض الآيات نتلوها ونتدبرها ونرى فيها عظمة الله ، القرآن الذي يتلى فيطهر القلوب ويزكي النفوس :

أ . فإذا قرأنا بتدبر قوله تعالى " يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير " ، أدركنا أن اختلاف البشر سنة كونية غايتها التعارف ، وأن التقوى هي ميزان التفاضل بين البشر ، وعندها فلن نحقر من خلق الله أحدا ، فالقرآن يعلمنا احترام الإنسان الذي كرمه الله وفضله على كثير ممن خلق تفضيلا .

ب . وإذا تدبرنا قوله عز وجل " من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون " أيقنا أن العمل الصالح هو مفتاح السر للحياة الطيبة ، فليس هو المال ولا الجاه ، وأن المرأة مساوية للرجل في العمل والأجر، بل كم من امرأة تقية صالحة فاقت الرجال بعلمها وعملها وما قدمته من خير وطاعة انتفعت بها كل الأمة .

ج . ولو تأملنا في قوله تبارك وتعالى " قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون " تأكدت عقيدتنا في أخوة الأنبياء وعلو منزلتهم عند الله ، وأنهم جميعا دعاة للتوحيد والإيمان ، لا نفرق بين أحد من رسله .

د . ولو قرأنا قوله سبحانه :" الصابرين والصادقين والقانتين والمنفقين والمستغفرين بالأسحار " لقمنا نستغفر بالأسحار ونستجيب لرب العزة وهو يقول : " هل من مستغفر فأغفر له ؟ هل من تائب فأتوب عليه هل من داع فأجيبه ؟ " .

اللهم أكرمنا ببركة القرآن واجعله لنا في الدنيا نورا وهاديا وإماما ، ويوم القيامة شفيعا ، وعلى الصراط نورا ، وإلى الجنة دليلا ، ومن النار سترا وحجابا .

























الخطبة الثانية


الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام علي سيد المرسلين ، سيدنا ومولانا محمد ، وعلي آله وأصحابه وأزواجه أمهات المؤمنين ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلوات الله وسلامه عليه، سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم .



قال تعالي : " ورتل القرآن ترتيلا " ، وفي مسند أبي داود الطيالسي - وهو أول مسند ألف في الإسناد - عن عبد الله بن عمرو عن رسول الله : " من قام بعشر آيات لم يكتب من الغافلين ، ومن قام بمائة آية كتب من القانتين ، ومن قام بألف آية كتب من المقنطرين " .

حق القرآن علي من تعلمه أن يعلمه غيره ، روي البخاري عن عثمان بن عفان قال : قال رسول الله : "خيركم من تعلم القرآن وعلمه " . ومن حق الولد علي أبيه أن يعلمه الكتاب . وأخرج البخاري عن عبد الله بن عمرو عن النبي قال : " بلغوا عني ولو آية " .

ويظهر جمال نور القرآن حينما يخالط القلوب، فيغير ضلالها إلى هدى وعصيانها إلى طاعة ، حتى إن جمال نوره جعل الجن يستمعون إليه ثم يولون إلى قومهم منذرين ، وسجل القرآن الكريم ذلك فقال : " قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن فقالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا . يهدي إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا " وبعد استماعهم لآيات القرآن الهادية إلى طريق الله المستقيم أنذروا بها قومهم فقالوا : " يا قومنا أجيبوا داعي الله وآمنوا به يغفر لكم من ذنوبكم ويجركم من عذاب أليم " .



البيوت العامرة بالقرآن لا تقربها الشياطين وتتنزل عليها الملائكة وتغشاها السكينة والرحمة ، يقول ابن سيرين : البيت الذي يقرأ فيه القرآن تحضره الملائكة وتخرج منه الشياطين ويتسع بأهله ويكثر خيره ، والبيت الذي لا يقرأ فيه القرآن تحضره الشياطين ، وتخرج منه الملائكة ، ويضيق بأهله ويقل خيره . فرحم الله والدا أعان ولده على حفظ كتاب الله وتلاوته ، فهذا خير ميراث الآباء للأبناء .

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
الأب الروحي
أهمية هذا القسم Vip
الأب الروحي


ذكر
ســآعـتي :
التسجيل : 18/06/2008
المساهمات : 11243
عدد النقاط : 31079
المزاج : أهمية هذا القسم Qatary14
المهنة : أهمية هذا القسم Profes10
الهوايه : أهمية هذا القسم Writin10
الدولة : أهمية هذا القسم Male_e10
الأوسمة : أهمية هذا القسم 3h510
التميز : أهمية هذا القسم Domain10

أهمية هذا القسم Empty
مُساهمةموضوع: " كيف نستفيد من القرآن الكريم ؟ "    أهمية هذا القسم I_icon_minitimeالسبت 06 نوفمبر 2010, 10:59 am

أهمية هذا القسم 68762
أهمية هذا القسم 338902
" كيف نستفيد من القرآن الكريم ؟ "




إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له واشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له واشهد أن محمداً عبده ورسوله. { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ } ، { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً } ، { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} .

أما بعد فإن أصدق الحديث كتاب الله وأحسن الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار .



* أخرج البخاري عن عبد الله بن مسعود قال : قال لي رسول الله " اقرأ علي " قلت : أقرأ عليك وعليك أنزل ؟ قال : " إني أحب أن أسمعه من غيري " ، فقرأت عليه سورة "النساء" حتى بلغت " فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا " قال : " أمسك " فإذا عيناه تذرفان " .

لماذا سالت دموع المصطفي وفاضت عيناه وخشع قلبه ؟ إنه الشعور بالمسئولية والأمانة ، فهو لا يسمع القرآن بأذنيه فحسب ، بل يسمعه بقلبه ويعيش أحداثه كأنها رأي العين ، فلابد للحياة من نهاية ، ولا مفر من العودة إلي الله الملك الحق ، وكان يوقن بهذا كله ، لذلك في حجة الوداع قال للناس : " وإنِّي قد تركت فيكم ما لن تضلّوا بعده إن اعتصمتم به : كتاب الله ، وأنتم مسئولون عنِّي ، فما أنتم قائلون ؟ " . قالوا : نشهد أنك قد بلَّغت وأديت ونصحت ، ثم قال بأصبعه السبابة يرفعها إلى السماء وينكتها إلى الناس : " اللهم اشهد ، اللهم اشهد ، اللهم اشهد ". رواه أبو داود وابن ماجه عن جابر بن عبد الله . " فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين " .

* القرآن نعمة تستحق الحمد والشكر ، فالحمد لله علي نعمة القرآن ، وهكذا يجب أن يُسمع القرآن الكريم : بآذان صاغية ، وقلوب حاضرة خاشعة ، وعقول واعية مفكرة متدبرة ، ومن أوصاف القرآن الكريم : أنه هدي ، ورحمة ، وشفاء ، ونور ، وروح .

1- هدي : يدلنا علي المقاصد والغايات والسبل والوسائل ، فمنه نتعلم مَنْ نجا كيف نجا ومَنْ هلك كيف هلك ، الشاب الذي ظهرت في حياته فتنة المرأة فليقرأ سورة يوسف ليتعلم كيف تنتصر الإرادة علي الشهوة ، وكيف يستعلي الإيمان في الصدور علي كل معصية ، " إنه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين " . مع الله لن تضيع ، ومع الله لن تري قلقلا ولا حيرة ولا شتاتا .

كيف أربي ولدي ؟ وضع القرآن منهجا لتربية الولد يبدأ من تربية الوالد ليكون صالحا ، فالوالد قدوة لولده ، وبصلاحه ينصلح الولد وينتفع هو بصلاح ولده بعد موته ، " وكان أبوهما صالحا " ، والدعاء للذرية من سنة الأنبياء ، " رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي ربنا وتقبل دعاء " ، ومن دعاء عباد الرحمن : " ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما " ، وهذا دعاء أم مريم لابنتها : " وإني سميتها مريم وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم " .

ثم تأتي مرحلة التعليم والدعوة بالصبر مع الحكمة : " وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها لا نسألك رزقا نحن نرزقك والعاقبة للتقوى " ، " يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة " .

وخير ميراث من الآباء للأبناء هو صلاح الآباء وتقواهم لله " وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم فليتقوا الله وليقولوا قولا سديدا " .

وهكذا في كل ميدان من ميادين الحياة : الاقتصاد . والاجتماع . الفرد والأسرة . الأمة . أمور الدنيا والآخرة " ما فرطنا في الكتاب من شيء " .



2- ورحمة : تُغفر بتلاوته الذنوب وتنزل السكينة وتزداد الأجور ، روي مسلم أن أسيد بن حضير ، بينما هو في ليلة يقرأ في مربده ، إذ جالت فرسه ، فقرأ ثم جالت أخرى فقرأ ، ثم جالت أيضا. قال أسيد: فخشيت أن تطأ يحيى. فقمت إليها. فإذا مثل الظلة فوق رأسي. فيها أمثال السرج. عرجت في الجو حتى ما أراها. قال فغدوت على رسول الله فقلت: يا رسول الله! بينما أنا البارحة من جوف الليل أقرأ في مربدي. إذ جالت فرسي. فقال رسول الله : " اقرأ. ابن حضير!" قال: فقرأت . ثم جالت أيضا. فقال رسول الله : " اقرأ. ابن حضير!" قال : فقرأت. ثم جالت أيضا. فقال رسول الله : " اقرأ. ابن حضير!" قال فانصرفت. وكان يحيى قريبا منها. خشيت أن تطأه. فرأيت مثل الظلة. فيها أمثال السرج. عرجت في الجو حتى ما أراها. فقال رسول الله :" تلك الملائكة كانت تستمع لك. ولو قرأت لأصبحت يراها الناس. ما تستتر منهم". وفي رواية لمسلم أيضا : عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ :كَانَ رَجُلٌ يَقْرَأُ سُورَةَ الْكَهْفِ، وَعِنْدَهُ فَرَسٌ مَرْبُوطٌ بِشَطَنَيْنِ ، فَتَغَشَّتْهُ سَحَابَةٌ، فَجَعَلَتْ تَدُورُ وَتَدْنُو، وَجَعَلَ فَرَسُهُ يَنْفِرُ مِنْهَا، فَلَمَّا أَصْبَحَ أَتَى النَّبِيَّ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ.
فَقَالَ: "تِلْكَ السَّكِينَةُ، تَنَزَّلَتْ لِلْقُرْآنِ".




3- وشفاء : ولم يقل دواء ، بل جاء بالنتيجة مباشرة ، فهو شفاء القلوب من الحيرة والشك والريبة والوساوس والأهواء ، فالقلق مرض والحيرة عذاب والوساوس داء ، والقرآن شفاء لذلك كله ، لأنه يصل القلب بالله فيسكن ويطمئن ، " وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين " .



4- ونور : يكشف لنا الطريق ، فلا يترك الإنسان لهواه واندفاعه ونزعاته ، وإنما ينير له السبيل ليفرق بين الحق والباطل والحلال والحرام ، " وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا وإنك لتهدي إلي صراط مستقيم . صراط الله الذي له ما في السموات وما في الأرض ألا إلي الله تصير الأمور " .

فهو روح يسري في جسد الأمة فيبعث فيها الحياة . روي أحمد والترمذي والنسائي وابن حبان عن عمر قال : " كان رسول اللّه لا يزال يسمر عند أبي بكر الليلة كذلك في الأمر من أمر المسلمين، وأنه سمر عنده ذات ليلة وأنا معه، فخرج رسول اللّه ، وخرجنا معه، فإذا رجل قائم يصلي في المسجد – وهو عبد الله بن مسعود - ، فقام رسول اللّه يسمع قراءته، فلما كدنا أن نعرفه، قال رسول اللّه : " من سره أن يقرأ القرآن رطباً كما أنزل، فليقرأ على قراءة ابن أم عبد " ثم جلس الرجل يدعو فجعل رسول اللّه يقول : " سل تعط، قلت: واللّه لأغدون إليه فلأبشرنه ، فغدوت إليه لأبشره فوجدت أبا بكر قد سبقني إليه، فبشره واللّه ما سابقته إلى خير إلا سبقني إليه". وفي رواية أنه قال في دعائه : اللّهم إني أسألك إيماناً لا يرتد، ويقيناً لا ينفد، ومرافقة محمد في أعلى عليين في جنات الخلد " .



* الفائدة من قراءة القرآن موقوفة علي قيامنا بحقوقه علينا ، فما هي حقوق القرآن علينا ؟



أولا : حسن التلاوة : قال تعالي : " ورتل القرآن ترتيلا " ، وروى مسلم عن عائشة قالت: قال رسول الله : " الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة ، والذي يقرأ القرآن ويتتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران " . التتعتع : التردد في الكلام عِيًّا وصعوبة ، وإنما كان له أجران من حيث التلاوة ومن حيث المشقة ، ودرجات الماهر فوق ذلك كله، لأنه قد كان القرآن متعتعا عليه، ثم ترقى عن ذلك إلى أن شُبه بالملائكة . والله أعلم . وروى الترمذي عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله : " من قرأ حرفا من كتاب الله فله به حسنة والحسنة بعشر أمثالها ، لا أقول الم حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف " . قال: حديث حسن صحيح غريب .

وروى أبو داود عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله : " يُقال لصاحب القرآن اقرأ وارتق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها " . وفي مسند أبي داود الطيالسي - وهو أول مسند ألف في الإسناد - عن عبد الله بن عمرو عن رسول الله : " من قام بعشر آيات لم يكتب من الغافلين ، ومن قام بمائة آية كتب من القانتين ، ومن قام بألف آية كتب من المقنطرين " .



ثانيا : حسن الفهم والتدبر : فالقرآن لا يعطي كنوزه وأسراره إلا لأصحاب القلوب المفتوحة المهيأة للفهم والاستقبال ، قال الله تعالي " أفلا يتدبرون القرآن أم علي قلوب أقفالها " ، هذه عائشة تقوم ليلة تردد هذه الآية وتبكي : " إنا كنا من قبل في أهلنا مشفقين . فمن الله علينا ووقانا عذاب السموم . إنا كنا من قبل ندعوه إنه هو البر الرحيم " .

وهذا عمر يركب بغلته في إحدى طرقات المدينة ويسمع قارئا يقرأ : " إن عذاب ربك لواقع . ما له من دافع " فيخر مغشيا عليه ، وحملوه إلي بيته يعودونه شهرا وما به إلا الخوف من الله .

وهذا أعرابي يسمع قارئا يقرأ قوله تعالي : " واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداءا فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم علي شفا حفرة من النار فأنقذكم منها " فقال الرجل : والله ما أنقذكم منها وهو يريد أن يدخلكم فيها !!! فعجب لها ابن عباس وقال : خذوها من غير فقيه .



ثالثا : حسن التطبيق والعمل : وهذا هو المقصود الأعظم من نزول القرآن ، أن يكون منهج حياة وأن يعمل بما فيه من أوامر ، ويجتنب ما نهي عنه من منهيات ومعاص ، يقول ابن مسعود : إذا سمعت الله يقول " يا أيها الذين آمنوا " فارعها أذنك ، فإنها خير يأمر به ، أو شر ينهي عنه .

وأهل القرآن هم الذين يعملون به لا من يرددونه وأعمالهم تخالف أقوالهم ، فالقرآن يوم القيامة حجة علي الإنسان أو حجة عليه ، يقوده إلي الجنة إن عمل به ، أو يسوقه إلي النار إن هجره وخالف ما فيه . عن النواس بن سمعان قال سمعت رَسُول اللَّهِ يقول: " يؤتى يوم القيامة بالقرآن وأهله الذين كانوا يعملون به في الدنيا تقدمه سورة البقرة وآل عمران، تحاجان عن صاحبهما " رَوَاهُ مُسلِمٌ



رابعا : حسن البلاغ والدعوة : من حق القرآن علي من تعلمه أن يعلمه غيره ، روي البخاري عن عثمان بن عفان قال : قال رسول الله : "خيركم من تعلم القرآن وعلمه " . ومن حق الولد علي أبيه أن يعلمه الكتاب . روي الحاكم عن بريدة عن النبي قال : " من قرأ القرآن وتعلمه وعمل به ألبس يوم القيامة تاجا من نور ضوءه مثل ضوء القمر ، ويكسى والده حلتان لا تقوم لهما الدنيا ، فيقولان : بما كسينا هذا ؟ فيقال : بأخذ ولدكما القرآن " . وأخرج البخاري عن عبد الله بن عمرو عن النبي قال : " بلغوا عني ولو آية " .





























الخطبة الثانية


الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام علي سيد المرسلين ، سيدنا ومولانا محمد ، وعلي آله وأصحابه وأزواجه أمهات المؤمنين ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلوات الله وسلامه عليه، سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم .



روى الطبراني عن أبي ذر قال : قلت يا رسول الله أوصني ؟ قال : " أوصيك بتقوى الله فإنه رأس الأمر كله، قلت: زدني، قال: عليك بتلاوة القرآن وذكر الله، فإنه نور لك في الأرض وذكر لك في السماء، قلت: زدني، قال: إياك وكثرة الضحك! فإنه يميت القلب ويذهب بنور الوجه، قلت: زدني، قال عليك بالصمت إلا من خير، فإنه مطردة للشيطان عنك وعون لك على أمر دينك، قلت: زدني، قال: عليك بالجهاد، فإنه رهبانية أمتي، قلت: زدني، قال: أحب المساكين وجالسهم، قلت: زدني، قال: انظر إلى من تحتك ولا تنظر إلى من فوقك، فإنه أجدر أن لا تزدري نعمة الله عندك، قلت: زدني، قال: لا تخف في الله لومة لائم، قلت: زدني، قال: قل الحق وإن كان مرا، قلت: زدني، قال: ليردك عن الناس ما تعرف من نفسك، ولا تجد عليهم فيما يأتي، وكفى بك عيبا أن تعرف من الناس ما تجهل من نفسك أو تجد عليهم فيما تأتي، يا أبا ذر! لا عقل كالتدبير، ولا ورع كالكف؛ ولا حسب كحسن الخلق " .

المؤمن يعيش طاهرا طيبا ، ويموت تائبا صالحا موحدا ، فالمشغول بربه لا يشغله الشيطان بغفلة ولا معصية ، فليس عند المؤمن فراغ يتحير فيه لأنه لا وقت في العمر يضيعه في غير طاعة يزداد بها حبا لربه ، وقربا من رحمته .

ولا ميدان لليأس مهما تلبد الجو بالغيوم ، فالكون كله في قبضة الله ، والتغيير له سنن كلها تبدأ من تغيير النفس ، والنفس تتغير حينما تشغلها بالأعمال مهما كانت ثقيلة تحتاج إلي مجاهدة ، فلا يغير الأحوال إلا صلاح الأعمال . روي أحمد والبخاري في الأدب المفرد عن أنس عن النبي قال : " إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة، فإن استطاع أن لا يقوم حتى يغرسها فليغرسها " . ازرع الخير حيثما كنت وأينما كنت .

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
MOURAD
أهمية هذا القسم Copy_o10
MOURAD


ذكر
ســآعـتي :
التسجيل : 12/06/2008
المساهمات : 23392
عدد النقاط : 69617
المزاج : أهمية هذا القسم Qatary28
المهنة : أهمية هذا القسم Collec10
الهوايه : أهمية هذا القسم Sports10
الدولة : أهمية هذا القسم Male_e10
الأوسمة : أهمية هذا القسم 3h110
رقم العضوية : 1
التميز : أهمية هذا القسم Ss610

أهمية هذا القسم Empty
مُساهمةموضوع: رد: أهمية هذا القسم   أهمية هذا القسم I_icon_minitimeالسبت 06 نوفمبر 2010, 9:48 pm

أهمية هذا القسم 338902

موضوع مميز جدااااااااااااا

جزاك الله عنه كل خير


جعله الله في ميزان حساناتك


أهمية هذا القسم 6beeb110
أهمية هذا القسم 147cb510
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://mouradfawzy.yoo7.com
الأب الروحي
أهمية هذا القسم Vip
الأب الروحي


ذكر
ســآعـتي :
التسجيل : 18/06/2008
المساهمات : 11243
عدد النقاط : 31079
المزاج : أهمية هذا القسم Qatary14
المهنة : أهمية هذا القسم Profes10
الهوايه : أهمية هذا القسم Writin10
الدولة : أهمية هذا القسم Male_e10
الأوسمة : أهمية هذا القسم 3h510
التميز : أهمية هذا القسم Domain10

أهمية هذا القسم Empty
مُساهمةموضوع: رد: أهمية هذا القسم   أهمية هذا القسم I_icon_minitimeالسبت 13 نوفمبر 2010, 11:25 am

أهمية هذا القسم 68762
أهمية هذا القسم 338902
" وظيفة الرسل وطبيعة الرسالة "
" آيات من سورة الأنعام : 48- 58 "

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له واشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له واشهد أن محمداً عبده ورسوله. { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ } ، { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً } ، { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} .
أما بعد فإن أصدق الحديث كتاب الله وأحسن الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار .

روي الترمذي عن أنس قال : قال رسول الله : " تكون بين يدي الساعة فتن كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل فيها مؤمنا ويمسي كافرا ويمسي مؤمنا ويصبح كافرا، يبيع أقوام دينهم بعرض من الدنيا " .
إن من أشراط الساعة كثرة الفتن حتى تتوارد بعضها علي بعض كقطع الليل المظلم ، والعاقل يصبح في حيرة حينما يرى مقاييس الناس مقلوبة ، ولا ينجيه من ظلمة الحيرة إلا أن يستعين بربه ويستعمل عقله ويستجمع إرادته ويتابع سنة نبيه في منهج حياته كلها ، فقد أرسله الله رحمة للعالمين ، وهو قد دلَّنا علي ما سيكون في أمته من فساد في السلوك ونكسة في الفهم والتصور ، فهو الصادق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوى ، وعلي المؤمن الصادق أن يمشي خلف نبيه ولا تفترق به السبل ، ويصل الحبال التي بينه وبين الله ، ولا يبالي بكثرة الهالكين والغرقى من الفجرة والعصاة ، فقد حذرنا الله تعالي بقوله : " وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله " ، وقال جلّ شأنه : " قل لا يستوي الخبيث والطيب ولو أعجبك كثرة الخبيث فاتقوا الله يا أولي الألباب لعلكم تفلحون " . من مشى خلف الناس هلك وأضلوه عن صراط الله المستقيم ، ومن مشى خلف نبيه نجا وعصمه الله من الفتن ، فلا يبالي بكراهية كاره ولا سخرية ساخر ، لأن رضا الله عنه هي غاية المنتهى .

* " وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ . وَالَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا يَمَسُّهُمُ الْعَذَابُ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ " . ما علي الرسول إلا البلاغ ، فهو ينذر العصاة بالمصير الأسود الذي ينتظرهم ، ويبشر الطائعين برحمة من الله ورضوان ، وما علي العاقل إلا أن يختار فليس هناك رجعة بعد الموت ، ويا ويل من ضاعت أيامه في الغفلة ، ويا ويل من خرج من الدنيا مضيعا لدينه ويأتي يوم القيامة مفرطا في حق الله .
الإيمان ليس دعوى باللسان ولا شعارا يرفعه الإنسان ، ولكنه منهج عمل يثمر صلاحا في النفس وإصلاحا للجوارح يظهر سلوكا وأخلاقا وأعمالا ، وأول ثمرة من ثمار الصلاح والتقوى هي الراحة والطمأنينة في القلب والسكينة في النفس ، وهذه هي الجواهر الغالية التي يبحث عنها كل البشر ولكنهم يضلون الطريق في الوصول إليها ، فلم يجد الراحة من جمع المال الوفير ولا من تحصل علي المنصب الرفيع ، ولا من تمتع بالصحة والعافية ، وإنما الإيمان وحده هو الذي يسكب الطمأنينة في النفس ، " الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب " ، روي مسلم وأحمد والنسائي عن زيد بن أرقم قال : قال رسول الله : " اللهم آت نفسي تقواها ، وزكِّها أنت خير من زكَّاها ، أنت وليها ومولاها " .

* كثير من الناس يريد من وراء الطاعة وفرة المال أو سعة الأرزاق وقضاء المصالح ، فهذا يعبد الله علي حرف ويشترط علي ربه شروطا ليُقبل علي طاعته ، ولا يفهم أنه عبدٌ لله ، والله يجري علي عبده قدره الذي يصلحه ، والله يُبيِّن لعباده طبيعة الرسالة التي جاء بها الأنبياء أنها ليست سبيلا لمغنم ولا حصول متعة ومال ، فمن أرادها لذاتها وجد طمأنينة القلب وانشراح الصدر ، وفهم كيف يتعامل مع ربه ، ومن أراد الدين سبيلا لدنيا يريدها فلن يجني إلا الحسرة والندامة ، ثم يضيق صدره ويقسو قلبه إلا أن يتداركه الله برحمته : " قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ اللّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلاَ تَتَفَكَّرُونَ . وَأَنذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَن يُحْشَرُواْ إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُم مِّن دُونِهِ وَلِيٌّ وَلاَ شَفِيعٌ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ " . روي البخاري ومسلم عن أم سلمة زوج النبي أن رسول الله قال : " إنما أنا بشر ، وإنكم تختصمون إليَّ ، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض ، فأقضي له على نحو ما أسمع منه ، فمن قضيت له بشيء من حق أخيه فلا يأخذنه ، فإنما أقطع له قطعة من النار " . في هذا الحديث تأكيد علي بشرية الرسول وأنه لا يعلم الغيب ولا يعلم بواطن الأمور وإنما يحكم بحسب ما ظهر له من علانية وأما السرائر فهي إلي الله ، وهذا تأكيد مهم علي التفريق بين مقام النبوة الذي يتعلق بتبليغ الرسالة وبين ومقام الألوهية المتعلق بالله الحي القيوم الذي وسع كل شئ رحمة وعلما .

* " وَلاَ تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِم مِّن شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ . وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لِّيَقُولواْ أَهَؤُلاء مَنَّ اللّهُ عَلَيْهِم مِّن بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ . وَإِذَا جَاءكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَن عَمِلَ مِنكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِن بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ . وَكَذَلِكَ نفَصِّلُ الآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ " .
العباد أمام الله سواسية ، ليس لأحد فضل علي أخيه إلا بالتقوى ، وأتباع الرسل عامتهم من البسطاء وعوام الناس ، وليس هذا عيبا فالمادة دائما ما تحجب القلب عن رؤية الحق ، وكم من كبار وأغنياء منعتهم دنياهم ومناصبهم وأموالهم عن الطاعة والإيمان والعمل الصالح ، فهم محجوبون عن ربهم بهذا الحجاب ، وفي قلوبهم ظلمة لا يرون معها رؤية الحقيقة ، فلن يفهموا أن للإيمان حلاوة ولذة لا تعدلها حلاوة الأموال والمناصب .
روى مسلم عن سعد بن أبي وقاص قال: كنا مع النبي ستة نفر ، فقال المشركون للنبي : اطرد هؤلاء عنك لا يجترئون علينا قال : وكنت أنا وابن مسعود ورجل من هذيل وبلال ورجلان لست أسميهما، فوقع في نفس رسول الله ما شاء الله أن يقع ، فحدَّث نفسه ، فأنزل الله عز وجل : " ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه " .
وروي ابن ماجة في سننه عن خباب في قول الله عز وجل: "ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي" إلى قوله : " فتكون من الظالمين " قال : جاء الأقرع بن حابس التميمي وعيينة بن حصن الفزاري فوجدا رسول الله مع صهيب وبلال وعمار وخباب ، قاعدا في ناس من الضعفاء من المؤمنين فلما رأوهم حول النبي حقروهم فأتوه فخلوا به وقالوا: إنا نريد أن تجعل لنا منك مجلسا تعرف لنا به العرب فضلنا ، فإن وفود العرب تأتيك فنستحي أن ترانا العرب مع هذه الأعبد ، فإذا نحن جئناك فأقمهم عنك ، فإذا نحن فرغنا فاقعد معهم إن شئت ، قال : " نعم " قالوا : فاكتب لنا عليك كتابا ، قال : فدعا بصحيفة ودعا عليا ليكتب ونحن قعود في ناحية فنزل جبريل عليه السلام فقال : " ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ما عليك من حسابهم من شيء وما من حسابك عليهم من شيء فتطردهم فتكون من الظالمين " ، ثم ذكر الأقرع بن حابس وعيينة بن حصن فقال: " وكذلك فتنا بعضهم ببعض ليقولوا أهؤلاء من الله عليهم من بيننا أليس الله بأعلم بالشاكرين" ثم قال: " وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلام عليكم كتب ربكم على نفسه الرحمة" قال : فدنونا منه حتى وضعنا ركبنا على ركبته وكان رسول الله يجلس معنا فإذا أراد أن يقوم قام وتركنا ، فأنزل الله عز وجل " واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا " [الكهف: 28] ولا تجالس الأشراف " ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا " يعني عيينة والأقرع ، " واتبع هواه وكان أمره فرطا " ، أي هلاكا . قال خباب : فكنا نقعد مع النبي فإذا بلغنا الساعة التي يقوم فيها قمنا وتركناه حتى يقوم .
هذا الموقف يؤصل أمورا هامة في طبيعة الرسالة التي أرسل الله بها الرسل وأهمها :
1- احترام الإنسان يقوم علي إيمانه وتقواه وليس علي أمواله ومنصبه وجاهه ، فمقياس التفاضل هو التقوى ، فالأكرم عند الله هو الأتقى وليس الأغنى ولا الأقوى .
2- دين الله غال لا يحتاج لأحد ، فمن أراد الإيمان فهو المنتفع المستفيد وحده ، فالله غني عن جميع خلقه ، ودينه منصور بنا أو بغيرنا ، فالذي يأتي إلي الدين يأتي مفتقرا طالبا راغبا محتاجا إلي ما عند الله ، ولا يأتي متكبرا شامخا بأنفه يظن أن الدين في حاجة إليه ، فالله أعزنا بالإسلام وبالإسلام وحده ، ولو ابتغينا العزة في غيره لأذلنا الله كما قال الفاروق عمر .
3- فتنة المنصب والمال تحول بين الإنسان وبين التواضع لخلق الله ، فمن رزقه الله هذه النعم فعليه شكرها والثناء علي الله بها واستعمالها فيما يرضيه ، وليس التكبر والاستعلاء بها علي عباد الله .
4- ليس للفقر فضيلة وإنما الفضيلة للسبق في الدين وتقوى الله ، فقد ترى غنيا متواضعا وفقيرا متكبرا مغرورا ، وهنا معايير التفاضل بين الناس لا تقوم علي الفقر والغنى وإنما علي الإيمان والتقوى.
5- من زلَّت قدمه وأخطأ فباب التوبة مفتوح ، وعليه أن يصطلح علي ربه ويعمل صالحا ، ويجالس الطيبين الصالحين ويدخل في زمرة عباد الله الطائعين الصابرين .

* لقد أمر الله نبيه ومصطفاه أن يخبر الناس بمنهجه وشريعته ، فلا مجال للهوى ولا للتخليط والتدليس ، فكثير من الناس يتعلل بالظروف وأحوال الحياة ، ويريد أن يلوي عناق الدين ليمشي خلف ظروفه وهواه ، بينما ظروف الحياة كلها يعلمها الله قبل أن يخلقها ، فالمؤمن الحق هو الذي يطوع حياته حتى تنقاد خلف أوامر الله ، وإلا كان في ضلال وعمى .
وهذا هو ما أوحاه الله لنبيه بقوله : " قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ قُل لاَّ أَتَّبِعُ أَهْوَاءكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذًا وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُهْتَدِينَ . قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَكَذَّبْتُم بِهِ مَا عِندِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ . قُل لَّوْ أَنَّ عِندِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ " .
وفي الآيات تلويح بالعقوبة علي من خالف وعصى ، فالعاصي يأتيه العذاب بغتة إن لم يستيقظ ويغير مسار حياته ، وعلينا أن نجلس مع أنفسنا كل يوم ساعة نتفكر فيها في عظمة الله الذي نعبده ، وإذا رأينا الأرض تموج بالفجور والمعصية نقول كما قال أبو بكر الصديق وهم يضربونه في مكة : رب ما أحلمك . رب ما أحلمك . نعم... واتقوا غضب الحليم إذا غضب .
فما من شئ يحدث علي الأرض إلا والله يعلمه والملائكة تكتبه وتسجله ، ثم لنا رجعة إلي الله للفصل والحساب ، والمَلَك الموكل بالنفخ في الصور ينتظر الأمر من الله للنفخ فيه نفخة واحدة بها تُمزق السماء وتتناثر النجوم وتُدمر الأرض وتتطاير الجبال كالعهن المنفوش وتتبخر البحار والأنهار ويُصعق من في السموات والأرض إلا من شاء الله ، فلا يبقى مَلَك ولا إنس ولا جن إلا صُعق . وإذا كانت هذه قوة نفخة واحدة من المَلَك فكيف بقوة هذا المَلَك ؟ بل سل نفسك كيف بقوة رب المَلَك الذي خلقه من عدم ؟ لا إله إلا أنت سبحانك ظلمنا أنفسنا ظلما كثيرا ، وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين .
أهل الباطل لهم أهواء ، ويريدون دينا يناسب أهواءهم ، فيضيقون علي الداعي ليحرف الكلم عن مواضعه ، ويخرج عليهم بدين يناسب أهواءهم ، فيبحثون عمن يحلل لهم الربا باسم الفائدة ، والإباحية والعري باسم الحرية ، والتطاول علي كتاب الله وسنة رسوله والصحابة والأئمة باسم الإبداع وحرية الفكر ، والرشوة والسرقة وأكل أموال الناس بالباطل باسم الذكاء ولغة السوق ، وهدم العقيدة والسخرية من العبادة وتشويه الطائعين والطائعات باسم التطور والحضارة ومقتضيات العصر ونبذ التخلف والظلام . كم من مكر في الصدور ، ولكن الباطل هو الباطل ولو لبس ألف وجه ، تعرفه الفطرة ولا تنخدع به وتعلم أنه غثاء كغثاء السيل ، سيذهب هباءا منثورا ولن يبقى في الأرض إلا ما ينفع الناس ، وتلك سنة الله في خلقه إلي يوم الدين .






















الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام علي سيد المرسلين ، سيدنا ومولانا محمد ، وعلي آله وأصحابه وأزواجه أمهات المؤمنين ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلوات الله وسلامه عليه، سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم .

أخرج أحمد عن أبي ذر قال: قال رسول الله : " أعطيت خمسا لم يعطهم أحد قبلي : بعثت إلى الأحمر والأسود ، وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا ، وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد كان قبلي ، ونصرت بالرعب فيرعب العدو وهو مني مسيرة شهر ، وقال لي : سل تعطه . فاختبأت دعوتي شفاعة لأمتي وهي نائلة منكم إن شاء الله من لقي الله لا يشرك به شيئا ، وأحلت لأمتي الغنائم " . وذكر السيوطي في الدر المنثور : أخرج ابن سعد عن خالد بن معدان أن رسول الله قال : " بعثت إلى الناس كافة ، فإن لم يستجيبوا لي فإلى العرب ، فإن لم يستجيبوا لي فإلى قريش ، فإن لم يستجيبوا لي فإلى بني هاشم ، فإن لم يستجيبوا لي فإلي وحدي " .
كان كل نبي يُبعث في قومه خاصة ، ونبينا إلي الناس كافة فلا نبي بعده ولا أمة بعدنا ، وبعد وفاته حمّل أمته أمانة الدعوة والبلاغ إلي الناس في مشارق الأرض ومغاربها ، فهناك نفوس تتوق إلي معرفة الحق وليس هناك من يدلها علي الطريق ، فتلك هي مهمة الأمة الخاتمة التي أخرجت للناس وجعلها الله خير أمة .
الهداية تبدأ من القلب ، فهو سلطان الجوارح ، وحِفْظ الجوارح سبب لحفظ القلب من العمى والطمس ، فالقلب يستقبل من المصَبَّات الثلاثة : السمع والبصر واللسان فيتأثر بما يدخل فيه منها ، فإذا أرسل جوارحه في المعاصي امتلأ قلبه ظلمة ، ومن ثمّ يفقد القدرة علي التمييز ، فيرى الحق باطلا والباطل حقا ، ويرى الحلال حراما والحرام حلالا ، وهذه الانتكاسة في القلب سببها معاصي الجوارح ولا شفاء للقلب من مرضه التي قد يفضي إلي موته إلا بالتوبة النصوح ، والمسارعة إلي الخيرات والتنافس في الطاعات ، حتى يصبح بصيرا في مواطن الفتن ، ويحفظه الله من شرور النفس الأمارة بالسوء وكيد الشيطان اللعين .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
الأب الروحي
أهمية هذا القسم Vip
الأب الروحي


ذكر
ســآعـتي :
التسجيل : 18/06/2008
المساهمات : 11243
عدد النقاط : 31079
المزاج : أهمية هذا القسم Qatary14
المهنة : أهمية هذا القسم Profes10
الهوايه : أهمية هذا القسم Writin10
الدولة : أهمية هذا القسم Male_e10
الأوسمة : أهمية هذا القسم 3h510
التميز : أهمية هذا القسم Domain10

أهمية هذا القسم Empty
مُساهمةموضوع: رد: أهمية هذا القسم   أهمية هذا القسم I_icon_minitimeالسبت 13 نوفمبر 2010, 11:28 am

أهمية هذا القسم 68762
أهمية هذا القسم 338902
"إنما بعثتم ميسرين "




إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له واشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له واشهد أن محمداً عبده ورسوله. { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ } ، { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً } ، { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} .

أما بعد فإن أصدق الحديث كتاب الله وأحسن الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار .



* أرسل الله نبيه رحمة للعالمين ، يأخذ بأيدي الناس من الظلمات إلي النور ومن الضلالة إلي الهداية ، وجعل شريعته سمحة سهلة لا حرج فيها ولا عنت ولا مشقة ، فاستنارت بها العقول وطهرت بها القلوب ووجد الناس في ظل الإسلام طعم الراحة والرحمة والطمأنينة والأمان . روى البخاري ومسلم عن عائشة قالت : " ما خير رسول الله بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثما فإذا كان إثما كان أبعد الناس منه " ، " لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم " ، شريعته سمحة ، دينه ينسجم مع الفطرة السوية و يصافح العقول السليمة ، لا تري فيه مظهرا للغلو والحرج والعنت " هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شهيدا عليكم وتكونوا شهداء علي الناس فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واعتصموا بالله هو مولاكم فنعم المولي ونعم النصير " .



* حينما عرضت دعوة الإسلام علي البشرية دخل الناس في دين أفواجا ، بل من دخلوا فيه أصبحوا دعاة إليه ، أسلموا طواعية دون إكراه ، ودعوا إليه حبا وتعظيما لما لمسوه فيه من طهر وسماحة وتيسير، ما هو السر في هذا ؟ السر هو ما لمسوه في هذا الدين من العدل والرحمة والتيسير ، دين يهدي إلي حياة طاهرة نقية ، لا شر فيها ولا ظلم ولا فجور ولا فساد ، يري الناس في ظله الأمان والطمأنينة ، ويتذوقوا في الحياة طعم اليسر وحلاوة الإيمان بمعرفة الله ، ومن هنا فليس هناك آفة أضر علي الدين وتنخر في أساسه وتقوض بنيانه وتهدم أركانه أشد من الغلو في الدين والشدة والتعسير ، روي البيهقي عن عائشة والبزار عن جابر عن النبي قال : " إن هذا الدين متين فأوغلوا فيه برفق فإن المنبت لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقي " ، وروي البخاري عن أبي هريرة عن النبي قال : " إن الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه فسددوا وقاربوا وأبشروا ، واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة " . وحينما أرسل رسول الله أبا موسي الأشعري ومعاذ بن جبل إلي اليمن قال لهما فيما رواه البخاري : " يسرا ولا تعسرا ، وبشرا ولا تنفرا ، وتطاوعا ولا تختلفا " هذه سنته وهذا منهجه .



* إن التوسط فضيلة بين رذيلتين الإفراط والتفريط ، وبعث نبينا بالحنيفية السمحة ، وإذا رأي من أصحابه تشديدا يوقعهم في الحرج والعنت فكان يطامن من هذا الغلو في العلو ، وإذا رأي ضعفا في الهمم وفتورا في العزائم كان يستنهض همة الضعيف ليرتفع به إلي أفق ذوي الهمم العالية ، فخير الأمور أوسطها . لقد كان يري أحيانا في أصحابه همة عالية تجاوز حد الاعتدال فكان يأخذ بزمام صاحبها إلي ما يضمن له ديمومة الطاعة ودوام الاستقامة حتى لا يبغض أحد إلي نفسه طاعة الله ، وهذه مظاهر الغلو التي ردها إلي التوسط والاعتدال :

1- روي البخاري ومسلم عن أنس قال : دخل المسجد فوجد حبلا ممدودا بين ساريتين فقال : " لمن هذا الحبل ؟ " قالوا : لزينب حتى إذا فترت تعلقت به ، فقال : " حلوه ليصلي أحدكم نشاطه فإذا تعب فليرقد " . فليست العبادة تعذيبا للبدن ولا أغلالا وقيودا يعذب بها الإنسان نفسه ، وإنما هي أنس ومناجاة وسعادة في خلوة العبد بالرب .

2- روي البخاري عن ابن عباس قال : بينما النبي يخطب، إذا هو برجل قائم ، فسأل عنه فقالوا : أبو إسرائيل ، نذر أن يقوم ولا يقعد، ولا يستظل، ولا يتكلم، ويصوم . فقال النبي : " مره فليتكلم وليستظل وليقعد، وليتم صومه " .

3- روي البخاري عن أنس : أن النبي رأى شيخا يهادي بين ابنيه، قال: " ما بال هذا ؟ " . قالوا. نذر أن يمشي . قال : " إن الله عن تعذيب هذا نفسه لغني ". وأمره أن يركب.

4- ولما فرض الحج قال أبو هريرة : خطبنا رسول اللّه فقال : " أيها الناس قد فرض عليكم الحج فحجوا "، فقال رجل: أكل عام يا رسول اللّه ؟ فسكت حتى قالها ثلاثاً، فقال رسول اللّه : "لو قلت نعم لوجبت ولما استطعتم"، ثم قال: "ذروني ما تركتكم فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم، وإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم ، وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه " رواه مسلم وأحمد ، وروي مسلم وأبو داود عن سعد قال : قال رسول الله : " إن أعظم المسلمين في المسلمين جرما من سأل عن شيء لم يحرم على المسلمين فحرم عليهم من أجل مسألته " .

إن النبي هو المعلم والمربي لهذه الأمة ، وإن كان ما مر صور من الغلو لم يشفع لها حسن نية أصحابها وعلو همتهم ، فهناك صور أخري من الغلو وراءها سوء النية والأدب وكانت سببا في فتن كثيرة للأمة .



* وشريعة الإسلام خاتمة الشرائع فلا نبي بعد نبينا ولا أمة بعدنا ، فهي صالحة للناس في مشارق الأرض ومغاربها للذكر والأنثى والقوي والضعيف والغني والفقير والعالم والجاهل والصحيح والمريض ، وجعلها الله ميسورة الفهم سهلة التطبيق لا غموض فيها ولا طلاسم ، تسع الناس جميعا ويطيقها كل المكلفين ، فلا يكلف الله نفسا إلا وسعها ، ومن هنا فالتيسير مقصد من مقاصد هذا الدين العظيم ، وصفة في كل أحكامه ومعاملاته ، أينما وجهت وجهك في أي تشريع ترى اليسر والرحمة والرفق بالضعف الذي خلق به الإنسان " يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر " . روي مسلم عن عائشة عن النبي قال : " إِنَّ اللهَ لَمْ يَبْعَثْنِي مُعنِّتًا ولا مُتَعَنِّتًا، ولَكِنْ بَعَثَنِي مُعَلِّمًا مُيَسِّرًا " .



* مظاهر اليسر في هذه الشريعة كثيرة وكلها تراعي أحوال المكلفين وما يطرأ عليهم من أعذار كسفر ومرض وشدة واضطرار ، فما هي مظاهر تيسير الشريعة علي الناس ؟



أولا : في العبادات :

1- إذا لم يجد الماء أو وجده وشق عليه استعماله أو وجده وكان في حاجة إليه للشرب انتقل إلي التيمم .

2- ويصلي قائما ، فإن لم يستطع فقاعدا ، فإن لم يستطع فعلى جنبه ، ويجمع بين الصلاتين : الظهر والعصر ، والمغرب والعشاء عند الحاجة جمع تقديم أو جمع تأخير ، والمسافر يقصر الصلاة الرباعية ركعتين . وقَدْ أَمرَ النَّبِيُّ الإمامَ فِي الصَّلاةِ بِمُراعاةِ أَحْوالِ المُصَلِّينَ تخفيفًا عَلَيْهِم، فعَنْ أَبِى مَسْعُودٍ الأنصاري قَالَ : قَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ لاَ أَكَادُ أُدْرِكُ الصَّلاَةَ مِمَّا يُطَوِّلُ بِنَا فُلاَنٌ . فَمَا رَأَيْتُ النبي في مَوْعِظَةٍ أَشَدَّ غَضَباً مِنْ يَوْمِئِذٍ ، فَقَالَ :" أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّكُمْ مُنَفِّرُونَ ، فَمَنْ صَلَّى بِالنَّاسِ فَلْيُخَفِّفْ ، فَإِنَّ فِيهِمُ الْمَرِيضَ وَالضَّعِيفَ وَذَا الْحَاجَةِ " رواه البخاري .

3- من لم يستطع الصوم لعذر من مرض أو سفر أفطر وقضى مكانه عدة من أيام أخر ، ورفع الصوم والصلاة عن المرأة حال الحيض والنفاس فإذا طهرت قضت الصوم ولم تقض الصلاة .



ثانيا : في المعاشرات والمعاملات :

1- أمرَ رَسُولُ اللهِ بالتيسيرِ فِي المهورِ فقالَ :" إِنَّ أَعْظَمَ النِّسَاءِ بَرَكَةً أَيْسَرُهُنَّ صَدَاقًا " رواه أحمد البيهقي في السنن عن عائشة .

2- وأمرَ بالاقتصادِ فِي النَّفَقَةِ ، وحَثَّ علَى التلطُّفِ فِي المُطالبَةِ بالدَّينِ وإِنْظارِ المُعْسِرِ، فَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا والآخرةِ، قالَ تعالَى :] وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَن تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ [ .

3- كمَا أمَرَ بالتيسيرِ عَلَى العُمَّالِ والأُجَرَاءِ والخَدَمِ فقالَ : " إِخْوَانُكُمْ جَعَلَهُمُ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ فَأَطْعِمُوهُمْ مِمَّا تَأْكُلُونَ ، وَأَلْبِسُوهُمْ مِمَّا تَلْبَسُونَ ، وَلاَ تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ ، فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ فَأَعِينُوهُمْ " رواه البخاري ومسلم عن أبي ذر .



ثالثا : في تطبيق الأحكام :

1- روي البخاري عن أبي هريرة قال: جاء رجل إلى النبي فقال: هلكت، قال: (وما شأنك). قال: وقعت على امرأتي في رمضان، فقال: (هل تجد ما تعتق رقبة). قال: لا، قال: (فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين). قال: لا، قال: (فهل تستطيع أن تطعم ستين مسكيناً). قال: لا أجد، فأتي النبي بعرق فيه تمر، فقال: (خذ هذا فتصدق به). فقال: أعلى أفقر منَّا؟ ما بين لابتيها أفقر منَّا ، ثم قال : ( خذه فأطعمه أهلك ) .

2- روي أبو داود عن أبي سعيد الخدري قال : خرج رجلان في سفر فحضرت الصلاة وليس معهما ماء فتيمما صعيدا طيبا فصليا، ثم وجدا الماء في الوقت فأعاد أحدهما الصلاة بالوضوء ولم يعد الآخر، ثم أتيا رسول الله فذكرا ذلك له فقال للذي لم يعد : " أصبت السنة وأجزأتك صلاتك " وقال للذي توضأ وأعاد : " لك الأجر مرتين " . وما الحرج أن يتعدد الصواب مع الأدب واحترام الآخرين دون سب وتجريح أو قذف بالبدعة والفسوق ؟؟!! .



* لا يعسر اليسير إلا من وقع في واحدة من اثنين : جهل أو هوى . جهل بمقاصد الشرع ، أو هوى يطوع به النصوص لينسج لنفسه دينا من خياله ، فيقع في العسر ويصد عن سبيل الله وينفر الناس من طاعة ربهم وهذا ما يريده الشيطان ليخرج الناس من الحق بالحق .

هذه أمة مبعوثة ولها رسالة خاتمة وهي للبشرية إمامة وقائدة ، ابتعثها الله لتخرج الناس من عبادة العباد إلي عبادة رب العباد ، ومن جور الأديان إلي عدل الإسلام ، ومن ضيق الدنيا إلي سعتها .

روي البخاري ومسلم والترمذي عن أبي هريرة قال : دخل أعرابي المسجد والنبي جالس فصلى فلما فرغ قال : اللهم ارحمني ومحمدا ولا ترحم معنا أحدا ، فالتفت إليه النبي فقال : لقد تحجرت واسعا ، فلم يلبث أن بال في المسجد فأسرع إليه الناس فقال النبي : " أهريقوا عليه سجلا من ماء أو دلوا من ماء " ثم قال: "إنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين " .

هذه أخلاق نبينا وهذا هو ديننا ، والمؤمن هين لين سهل يرى الناس فيه الرحمة والرأفة ، وإن أخطأوا وانحرفوا وجدوا فيه شفقة الطبيب الناصح الأمين .




































الخطبة الثانية


الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام علي سيد المرسلين ، سيدنا ومولانا محمد ، وعلي آله وأصحابه وأزواجه أمهات المؤمنين ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلوات الله وسلامه عليه، سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم .



" فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل علي الله " ، المسلمون أسعد الناس بدينهم وكتابهم ونبيهم وشريعتهم ، يتمتعون بالحلال الطيب ويرضون ربهم في حياة طيبة وعدهم الله بها في كتابه ، فاليسر كله في صدق المتابعة للكتاب والسنة ، أما قال الله تعالي لنبيه ومصطفاه " ونيسرك لليسرى " .

لقي أبو بكر حنظلة فقال: كيف أنت يا حنظلة ؟! قال قلت: نافق حنظلة. قال: سبحان الله! ما تقول؟ قال قلت: نكون عند رسول الله . يذكرنا بالنار والجنة. حتى كأنا رأي عين. فإذا خرجنا من عند رسول الله ، عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات. فنسينا كثيرا. قال أبو بكر: فوالله! إنا لنلقى مثل هذا. فانطلقت أنا وأبو بكر، حتى دخلنا على رسول الله . قلت: نافق حنظلة. يا رسول الله! فقال رسول الله : "وما ذاك ؟ " قلت : يا رسول الله! نكون عندك . تذكرنا بالنار والجنة . حتى كأنا رأى عين. فإذا خرجنا من عندك ، عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات. نسينا كثيرا. فقال رسول الله : "والذي نفسي بيده! إن لو تدومون على ما تكونون عندي، وفي الذكر، لصافحتكم الملائكة على فرشكم وفي طرقكم . ولكن، يا حنظلة! ساعة وساعة " ثلاث مرات رواه مسلم .

الذي فرط في دينه وضيع حق الله وحق عباده فهذا تفريط مذموم ، والذي عسر يسيرا وضيق واسعا وألزم نفسه بما لم يلزمه به الشارع وشدد علي نفسه وعلي الأمة حتى أوقعها في الحرج فهذا غلو وإفراط مذموم ، إذا ما هي صفة هذه الأمة ؟ القرآن يجيب : " وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء علي الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا " .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
الأب الروحي
أهمية هذا القسم Vip
الأب الروحي


ذكر
ســآعـتي :
التسجيل : 18/06/2008
المساهمات : 11243
عدد النقاط : 31079
المزاج : أهمية هذا القسم Qatary14
المهنة : أهمية هذا القسم Profes10
الهوايه : أهمية هذا القسم Writin10
الدولة : أهمية هذا القسم Male_e10
الأوسمة : أهمية هذا القسم 3h510
التميز : أهمية هذا القسم Domain10

أهمية هذا القسم Empty
مُساهمةموضوع: رد: أهمية هذا القسم   أهمية هذا القسم I_icon_minitimeالسبت 13 نوفمبر 2010, 11:31 am

أهمية هذا القسم 68762
أهمية هذا القسم 338902
" العالم والمتعلم "




إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له واشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له واشهد أن محمداً عبده ورسوله. { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ } ، { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً } ، { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} .

أما بعد فإن أصدق الحديث كتاب الله وأحسن الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار .



* من دعاء القرآن " وقل رب زدني علما " فعلمنا ما هو الذي الشيء الثمين الغالي الذي نطلب الزيادة منه ، فلم يقل رب زدني مالا ولم يقل زدني عمرا أو زدني صحة وقوة وإنما طلب الزيادة من الباقيات الصالحات " وتزودوا فإن خير الزاد التقوي " ، ومن دعاء نبينا : " اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع ومن قلب لا يخشع ومن نفس لا تشبع ومن دعوة لا يستجاب لها " رواه مسلم عن زيد بن أرقم ، روي ابن ماجه عن أم سلمة أن النبي كان يقول إذا صلى الصبح حين يسلم : " اللهم إني أسألك علما نافعا ورزقا طيبا وعملا متقبلا " ، ودعا لمن يعلمون الناس سنته وينشرون هديه فقال : " نضر الله امرأ سمع منا شيئا فبلغه كما سمعه، فرب مبلغ أوعى من سامع " رواه أحمد والترمذي عن ابن مسعود .

ومما تفتخر به هذه الأمة أن أول ما نزل من الوحي علي نبيها هو الدعوة إلي العلم والفهم والبصيرة ، فهذه الأمة ستكون إمامة لغيرها من الأمم ما استمسكت بدينها ، نزل جبريل بهذه الآيات " اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ * الذي علم بالقلم * علم الإنسان ما لم يعلم " ، وقد امتن الله علي رسوله بما علمه وأوحي إليه فقال " وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيما " ، فالعلم في شريعتنا دين ، والدين علم ، ولا يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون ، كما لا يستوي الأحياء والأموات ، والأحياء هم العلماء والموتي هم الجهلاء ، ولله در القائل :

وفي الجهــل قبل الـموت موت * لأهــله وأجسادهم قبل القبـور قبور

إن الله يحي القلوب الميتة بنور العلم كما يحي الأرض بوابل المطر ، وعلو الدرجات عند الله ليس بالأموال والمناصب ولا بالأحساب والأنساب، بل الأكرم عند الله هو الأتقى ، والأعلى درجة ومقاما هو الأعلم ، والأرفع منزلة والأقرب إلي الفردوس الأعلي هو الأخشع لله الذي خاف مقام ربه ونهي النفس عن الهوي" يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ " .



* أمور عجيبة أمام الإنسان في الحياة يحار فيها عقل اللبيب ، وظلمات متراكمة لا مخرج منها إلا بنور العلم ، فالعلم يهدينا ويأخذ بأيدينا ، ويخرجنا الله به من الظلمات إلي النور ، " كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ " ، كيف يربي الأب أولاده ؟ وكيف يتعامل مع زوجته وأهل بيته ؟ كيف يحترم الصغير الكبير ؟ وكيف يوقر المتعلم العالم ؟ كيف ننزل الناس منازلهم ؟ كيف نراقب ربنا في بيعنا وشرائنا وكسبنا ومعاشنا ؟ هذا كله ثمرة العلم ، فمن لا علم له لا بصيرة له ولا فهم له ، وعامة مصائب الناس إنما هي من الجهل بما لهم وما عليهم ، لهذا ليس عبثا أن تأتي السنة بكل هذا الترغيب في مجالسة العلماء وطلب العلم .

متي سجد الملائكة لآدم سجود تعظيم لا سجود عبادة ؟ إن السجود جاء بعد أمر الله لهم ولكنه جاء بعد إقامة الحجة علي عظمة سلطان العلم الذي علمه الله لآدم " وعلم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم علي الملائكة فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين . قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم . قال يا آدم أنبئهم بأسمائهم فلما أنبأهم بأسمائهم قال ألم أقل لكم إني أعلم غيب السموات والأرض وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون . وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس " .



* والعلم النافع تراه في مواضع كثيرة من القرآن مقرونا بالرحمة ، فالعلم بغير رحمة دمار وعذاب تشقي به البشرية ، " ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما " ، " فوجدا عبدا من عبادنا آتينا رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما " ، والقرآن خير الكلام وخير العلم هو أيضا هدي ورحمة ، والعلماء رفع الله قدرهم وجعلهم في مقام الشهادة علي التوحيد بعد شهادة الله والملائكة فقال سبحانه : " شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُو الْعِلْمِ قَائِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ " .

والعلم النافع يورث الخشية لله وتعظيم حرماته ، وكل من ازداد علما فلم يزدد معه خشية لله لم يزدد من الله إلا بعدا ، ويصبح علمه حجة عليه لا له ، وأشد الناس حسرة يوم القيامة عالم لم ينفعه علمه ، " إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ " .

من أين تأتي الخشية ؟ ومن أين تأتي التقوي ؟ إنها تأتي ممن يعلمون حدود الله فلا يعتدوها ، ويوقنون بيوم الحساب فيخافون من غضب الله وعقابه ، " قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولوا الألباب " .



* العلم ميراث النبوة ، نبينا نبي أمي ولكنه علم أمة وصنع رجالا وطهر قلوبا وأصلح نفوسا وهدي بشرية ضالة حائرة ، والأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما ، وإنما ورثوا العلم ، والعلماء هم ورثة الأنبياء ، فما هو نصيبنا من هذا الميراث ميراث النبوة الذي تركه لنا نبينا ؟ روي أحمد والأربعة عن أَبِى الدرداء قالَ : قالَ رسولُ اللهِ : " مَنْ سَلَكَ طَرِيقاً يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْماً سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ طَرِيقاً إِلَى الْجَنَّةِ، وَإِنَّ الْمَلاَئِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا رِضاً لِطَالِبِ الْعِلْمِ، وَإِنَّ طَالِبَ الْعِلْمِ يَسْتَغْفِرُ لَهُ مَنْ فِى السَّمَاءِ وَالأَرْضِ حَتَّى الْحِيتَانُ فِى الْمَاءِ، وَإِنَّ فَضْلَ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِ الْقَمَرِ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ، إِنَّ الْعُلَمَاءَ هُمْ وَرَثَةُ الأَنْبِيَاءِ، إِنَّ الأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلاَ دِرْهَماً، إِنَّمَا وَرَّثُوا الْعِلْمَ، فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ " .

والكون كله يدعو لمن يعلمون الناس الخير وفوق ذلك صلاة الله وملائكته علي العلماء الذين يرشدون الضال ويأخذون بيد الحائر ، عن أبي أمامة أن رَسُول اللَّهِ قال : " فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم " ثم قال رَسُول اللَّهِ : " إن اللَّه وملائكته وأهل السماوات والأرض حتى النملة في جحرها وحتى الحوت ليصلون على معلمي الناس الخير " رَوَاهُ التِّرمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ . فالعالم والمتعلم شريكان في الخير ، ولا خير في الدنيا إلا لعالم أو متعلم .



* لماذا نتعلم وما هي الغاية من العلم ؟ أهم ثمار العلم هي الأخلاق وحسن المعاملة ومعرفة حقوق الله وحفظ حقوق العباد ، فالعالم يتواضع ويرفق ويرحم بمن يعلمه ، والمتعلم يوقر ويجل من يعلمه ، وهذه هي أخلاق ديننا ، ركب زيد بن ثابت يوما فأخذ ابن عباس بركابه ، فقال له : تنح يا ابن عم رسول الله ! فقال له : هكذا أمرنا أن نفعل بعلمائنا وكبرائنا ، فقال زيد: أرني يدك ، فأخرج يده ، فقبلها ، فقال : هكذا أمرنا أن نفعل بأهل بيت نبينا . هذا هو تواضع العالم وهذا أيضا هو أدب المتعلم ، وتلك أخلاق الصحابة رضي الله عنهم . روي أحمد وأبو داود والنسائي عن ابن عمر قالَ : قالَ رسولُ اللهِ : " ومن صنع إليكم معروفا فكافئوه ، فإن لم تجدوا ما تكافئونه فادعوا له حتى تروا أنكم قد كافأتموه " .

لنا قدوة في نبي الله موسي كليم الله كيف كان أدبه مع العبد الصالح عندما سافر إليه سفرا بعيدا ليتعلم منه العلم ؟

1- تواضعه : عرض عليه بأدب ورفق أن يصحبه ليتعلم منه " هل أتبعك علي أن تعلمن مما علمت رشدا " ، الذي يتعالي علي من يعلمه أو يتعنت معه في السؤال لن يأخذ من العلم ذرة لأن العلم كله أدب وكله أخلاق وكله تربية وتزكية للنفس والجوارح .

2- صبره : " ستجدني إن شاء الله صابرا " ، طلب العلم يحتاج إلي صبر ، لن نفهم الدين كله في جلسة واحدة ولا في خطبة واحدة وإنما بالطلب الصادق والصبر يعلمنا الله ويفتح علينا ، " إنما العلم بالتعلم وإنما الصبر بالتصبر " .

3- طاعته : " ولا أعصي لك أمرا " ، والإنسان عجول وفي طبعه العجلة يريد كل شيء علي عجل والعلم يحتاج إلي الصبر وتحمل المشقة والتأني .



* كما في القرآن نري الرابط بين العلم والإيمان ، فعلم بغير إيمان لا يربي أخلاقا ولا يصلح نفوسا ويكون سبب قطيعة بين العبد ومولاه ، والعلوم الدنيوية هي من دلائل قدرة الله في الكون لمن تأملها بنظر الإيمان ، يري في جسد الإنسان ما يبهر العقول من عقل وقلب ورئة وكبد وأمعاء وشرايين وأوردة " وفي أنفسكم أفلا تبصرون " ، في ورقة شجر في ريشة من جناح طائر في نجم ساطع وفلك دائر وسمك سابح وطير طائر وجبل شامخ ونهر جار وبحر هائل ، هذا كله خلق من وإبداع من وصنع من ؟ " صنع الله الذي أتقن كل شيء " .

لما أراد سليمان أن يظهر لبلقيس أنه نبي لا ملك أمر أحد رعيته أن يأتي بعرشها إليه ، وعرشها باليمن وسليمان بالشام ، فقال عفريت من الجن أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك ، وكان مجلسه الذي يجلس فيه للقضاء بين الناس ، ولكن قال الذي عنده علم من الكتاب – وتلك هي قيمة العلم هنا – أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك ، قبل أن يعود بصرك من النظر تراه أمامك ، لأن العفريت من الجن نظر إلي المسافة وقدرته وقوته وحجم العرش فقدرها بهذا الوقت ، وهناك علاقة يعرفها الحسابيون تربط بين الزمن والمسافة والسرعة ، أما من عنده العلم فنظر إلي قدرة من يقول للشيء كن فيكون ، فلما رأي سليمان العرش نسب هذا الفضل كله لمن ؟ قال : " هذا من فضل ربي ليبلوني أأشكر أم أكفر ومن شكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن ربي غني كريم " ، وهذا هو الرباط بين العلم والإيمان ، كلما ازداد الإنسان قوة وعلما ازداد تواضعا وخشية لله ، لا أن يدعوه العلم إلي الكبر والطغيان والعصيان .

الإمام الخوارزمي كان يعالج بعض مسائل الميراث في الفقه ، فوجد نفسه يضع علم الجبر في الحساب وهو العلم الذي تدين له الدنيا كلها وبدايته كان لفقيه من فقهاء الأمة ، وابن رشد الحفيد مؤلف كتاب " بداية المجتهد ونهاية المقتصد " في الفقه المقارن هو مؤلف كتاب" الكليات " في الطب . والعلوم التي بين أيدينا وإلي يوم القيامة لا تساوي قطرة من بحر علم الله كما روي الشيخان في خبر موسي مع العبد الصالح وهما في السفينة فجاء عصفور فنقر في البحر نقرة ، فقال الخضر : يا موسي ما نقص علمي وعلمك من علم الله إلا كنقرة هذا العصفور في هذا البحر " ، نعم . " وما أوتيتم من العلم إلا قليلا " .













الخطبة الثانية


الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام علي سيد المرسلين ، سيدنا ومولانا محمد ، وعلي آله وأصحابه وأزواجه أمهات المؤمنين ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلوات الله وسلامه عليه، سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم .



روي مسلم والترمذي وهذا لفظه عن أبي هريرة قال : " دخل أعرابي المسجد والنبي جالس فصلى فلما فرغ قال : اللهم ارحمني ومحمدا ولا ترحم معنا أحدا ، فالتفت إليه النبي فقال : " لقد تحجرت واسعا " ، فلم يلبث أن بال في المسجد فأسرع إليه الناس فقال النبي أهريقوا عليه سجلا من ماء أو دلوا من ماء ثم قال: إنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين" .

نبينا خير معلم وخير مرب وهو قدوة لمن بعده في الرفق والرحمة بالناس ، فالعقول والأفهام متفاوتة ، ولا يتأتي تعليم إلا بصبر المعلم ورفقه علي من يعلمه ، ولا سيما الشباب ، فالشاب في امتحان شديد في مقتبل حياته وهو يشق الطريق وسط فتن وأعباء تحتاج في من حوله أن يفهموه ويوفروا له أسباب العلم ليتحصن به في حصن منيع ، كما أن لغة العقل والحوار هي التي يجب أن تسود وأن تحكم العلاقة بين المعلم والمتعلم .

روي أحمد بإسناد جيد عن أبي أمامة : أن شابا قال : " يا نبي الله ائذن لي في الزنا ؟ فصاح الناس به، فقال النبي : " قربوه ، أُدْن " ، فدنا حتى جلس بين يديه، فقال النبي " أتحبه لأمك ؟ " فقال : لا ، جعلني الله فداك ! قال : " كذلك الناس لا يحبونه لأمهاتهم . أتحبه لابنتك ؟ " قال : لا، جعلني الله فداك! قال : " كذلك الناس لا يحبونه لبناتهم . أتحبه لأختك ؟ " وزاد ابن عوف: حتى ذكر العمة والخالة وهو يقول في كل واحد : لا ، جعلني الله فداك ! وهو يقول : " كذلك الناس لا يحبونه " وقالا جميعا في حديثهما ، أعني ابن عوف والراوي الآخر، فوضع رسول الله يده على صدره وقال : " اللهم طهر قلبه واغفر ذنبه وحصن فرجه " ، فلم يكن شيء أبغض إليه منه ، يعني الزنا .

هذا هو معلم البشرية وهذا هو القدوة لكل معلم وهذا هو الرحمة المهداة .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
الأب الروحي
أهمية هذا القسم Vip
الأب الروحي


ذكر
ســآعـتي :
التسجيل : 18/06/2008
المساهمات : 11243
عدد النقاط : 31079
المزاج : أهمية هذا القسم Qatary14
المهنة : أهمية هذا القسم Profes10
الهوايه : أهمية هذا القسم Writin10
الدولة : أهمية هذا القسم Male_e10
الأوسمة : أهمية هذا القسم 3h510
التميز : أهمية هذا القسم Domain10

أهمية هذا القسم Empty
مُساهمةموضوع: رد: أهمية هذا القسم   أهمية هذا القسم I_icon_minitimeالسبت 13 نوفمبر 2010, 4:25 pm

أهمية هذا القسم 68762
أهمية هذا القسم 338902
" العلم وبداية عام جديد "




إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له واشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له واشهد أن محمداً عبده ورسوله. { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ } ، { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً } ، { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} .

أما بعد فإن أصدق الحديث كتاب الله وأحسن الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار .



* يمتن الله تعالى على نبيه قائلا : " وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيما " ، ونفى الله التسوية بين الجهال والعلماء كما لا يستوي الأحياء والأموات ، والأحياء هم العلماء والموتي هم الجهلاء فقال : " قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون " ، وأمر نبيه أن يدعو قائلا : " وقل رب زدني علما " ، ورفع الله منزلة العلماء فالله يحي القلوب الميتة بنور العلم كما يحي الأرض بوابل المطر ، وعلو الدرجات عند الله ليس بالأموال والمناصب ولا بالأحساب والأنساب، بل الأكرم عند الله هو الأتقى ، والأعلى درجة ومقاما هو الأعلم ، والأرفع منزلة والأقرب إلي الفردوس الأعلي هو الأخشع لله الذي خاف مقام ربه ونهي النفس عن الهويفقال : " يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات واللله بما تعملون خبير" .

ومما تفتخر به هذه الأمة أن أول ما نزل من الوحي علي نبيها هو الدعوة إلي العلم والفهم والبصيرة ، فهذه الأمة ستكون إمامة لغيرها من الأمم ما استمسكت بدينها ، نزل جبريل بهذه الآيات " اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ * الذي علم بالقلم * علم الإنسان ما لم يعلم " .



* أمور عجيبة أمام الإنسان في الحياة يحار فيها عقل اللبيب ، وظلمات متراكمة لا مخرج منها إلا بنور العلم ، فالعلم يهدينا ويأخذ بأيدينا ، ويخرجنا الله به من الظلمات إلي النور ، " كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ " ، كيف يربي الأب أولاده ؟ وكيف يتعامل مع زوجته وأهل بيته ؟ كيف يحترم الصغير الكبير ؟ وكيف يوقر المتعلم العالم ؟ كيف ننزل الناس منازلهم ؟ كيف نراقب ربنا في بيعنا وشرائنا وكسبنا ومعاشنا ؟ هذا كله ثمرة العلم ، فمن لا علم له لا بصيرة له ولا فهم له ، وعامة مصائب الناس إنما هي من الجهل بما لهم وما عليهم .

وليس عبثا أن تأتي السنة بكل هذا الترغيب في مجالسة العلماء وطلب العلم ، فالشيطان يدخل إلي القلوب من بابين عظيمين فيخرب أجهزة الاستقبال ويخدر النفوس بالشهوات حتي لا يلتفت أحد لدين ، ويصبح همه طعامه وشرابه وكسبه وشهواته ، المدخلان هما : الجهل والغفلة ، ودواء الجهل العلم ، ودواء الغفلة دوام ذكر الله علي كل حال .

متي سجد الملائكة لآدم سجود تعظيم لا سجود عبادة ؟ إن السجود جاء بعد أمر الله لهم ولكنه جاء بعد إقامة الحجة علي عظمة سلطان العلم الذي علمه الله لآدم " وعلم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم علي الملائكة فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين . قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم . قال يا آدم أنبئهم بأسمائهم فلما أنبأهم بأسمائهم قال ألم أقل لكم إني أعلم غيب السموات والأرض وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون . وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين " .



* والعلم النافع تراه في مواضع كثيرة من القرآن مقرونا بالرحمة ، فالعلم بغير رحمة دمار وعذاب تشقي به البشرية ، " ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما " ، " فوجدا عبدا من عبادنا آتينا رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما " ، والقرآن خير الكلام وخير العلم هو أيضا هدي ورحمة .

والعلم النافع يورث الخشية لله وتعظيم حرماته ، وكل من ازداد علما فلم يزدد معه خشية لله لم يزدد من الله إلا بعدا ، ويصبح علمه حجة عليه لا له ، وأشد الناس حسرة يوم القيامة عالم لم ينفعه علمه ، " إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ " .

من أين تأتي الخشية ؟ ومن أين تأتي التقوي ؟ إنها تأتي ممن يعلمون حدود الله فلا يعتدوها ، ويوقنون بيوم الحساب فيخافون من غضب الله وعقابه ، " واتقوا الله ويعلمكم الله والله بكل شئ عليم " .



* العلم ميراث النبوة ، نبينا نبي أمي ولكنه علم أمة وصنع رجالا وطهر قلوبا وأصلح نفوسا وهدي بشرية ضالة حائرة ، والأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما ، وإنما ورثوا العلم ، والعلماء هم ورثة الأنبياء ، فما هو نصيبنا من هذا الميراث ميراث النبوة الذي تركه لنا نبينا ؟ روي أحمد والأربعة عن أَبِى الدرداء قالَ : قالَ رسولُ اللهِ : " مَنْ سَلَكَ طَرِيقاً يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْماً سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ طَرِيقاً إِلَى الْجَنَّةِ، وَإِنَّ الْمَلاَئِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا رِضاً لِطَالِبِ الْعِلْمِ، وَإِنَّ طَالِبَ الْعِلْمِ يَسْتَغْفِرُ لَهُ مَنْ فِى السَّمَاءِ وَالأَرْضِ حَتَّى الْحِيتَانُ فِى الْمَاءِ، وَإِنَّ فَضْلَ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِ الْقَمَرِ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ، إِنَّ الْعُلَمَاءَ هُمْ وَرَثَةُ الأَنْبِيَاءِ، إِنَّ الأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلاَ دِرْهَماً، إِنَّمَا وَرَّثُوا الْعِلْمَ، فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ " .

والكون كله يدعو لمن يعلمون الناس الخير وفوق ذلك صلاة الله وملائكته علي العلماء الذين يرشدون الضال ويأخذون بيد الحائر ، عن أبي أمامة أن رَسُول اللَّهِ قال : " فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم " ثم قال رَسُول اللَّهِ : " إن اللَّه وملائكته وأهل السماوات والأرض حتى النملة في جحرها وحتى الحوت ليصلون على معلمي الناس الخير " رَوَاهُ التِّرمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ . فالعالم والمتعلم شريكان في الخير ، ولا خير في الدنيا إلا لعالم أو متعلم .



* لماذا نتعلم وما هي الغاية من العلم ؟ أهم ثمار العلم هي الأخلاق وحسن المعاملة ومعرفة حقوق الله وحفظ حقوق العباد ، فالعالم يتواضع ويرفق ويرحم بمن يعلمه ، والمتعلم يوقر ويجل من يعلمه ، وهذه هي أخلاق ديننا ، ركب زيد بن ثابت يوما فأخذ ابن عباس بركابه ، فقال له : تنح يا ابن عم رسول الله ! فقال له : هكذا أمرنا أن نفعل بعلمائنا وكبرائنا ، فقال زيد: أرني يدك ، فأخرج يده ، فقبلها ، فقال : هكذا أمرنا أن نفعل بأهل بيت نبينا . هذا هو تواضع العالم وهذا أيضا هو أدب المتعلم ، وتلك أخلاق الصحابة رضي الله عنهم .

لنا قدوة في نبي الله موسي كليم الله كيف كان أدبه مع العبد الصالح عندما سافر إليه سفرا بعيدا ليتعلم منه العلم ؟

1- تواضعه : عرض عليه بأدب ورفق أن يصحبه ليتعلم منه " هل أتبعك علي أن تعلمن مما علمت رشدا " ، الذي يتعالي علي من يعلمه أو يتعنت معه في السؤال لن يأخذ من العلم ذرة لأن العلم كله أدب وكله أخلاق وكله تربية وتزكية للنفس والجوارح .

2- صبره : " ستجدني إن شاء الله صابرا " ، طلب العلم يحتاج إلي صبر ، لن نفهم الدين كله في جلسة واحدة ولا في خطبة واحدة وإنما بالطلب الصادق والصبر يعلمنا الله ويفتح علينا ، " إنما العلم بالتعلم وإنما الصبر بالتصبر " .

3- طاعته : " ولا أعصي لك أمرا " ، والإنسان عجول وفي طبعه العجلة يريد كل شيء علي عجل والعلم يحتاج إلي الصبر وتحمل المشقة والتأني .

كما في القرآن نري الرابط بين العلم والإيمان ، فعلم بغير إيمان لا يربي أخلاقا ولا يصلح نفوسا ويكون سبب قطيعة بين العبد ومولاه ، " إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق " .



* روي مسلم والترمذي وهذا لفظه عن أبي هريرة قال :" دخل أعرابي المسجد والنبي جالس فصلى فلما فرغ قال : اللهم ارحمني ومحمدا ولا ترحم معنا أحدا ، فالتفت إليه النبي فقال : " لقد تحجرت واسعا " ، فلم يلبث أن بال في المسجد فأسرع إليه الناس فقال النبي أهريقوا عليه سجلا من ماء أو دلوا من ماء ثم قال : إنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين " .

وهذا هو الرحمة المهداة ، وهذا هو معلم البشرية وهذا هو القدوة لكل معلم في الرفق والرحمة بالناس ، روى مسلم عن عائشة أن النبي قال : " عليك بالرفق، فإن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه " .

فالعقول والأفهام متفاوتة ، ولا يتأتي تعليم إلا بصبر المعلم ورفقه علي من يعلمه ، ولا سيما الشباب ، فالشاب في امتحان شديد في مقتبل حياته وهو يشق الطريق وسط فتن وأعباء تحتاج في من حوله أن يفهموه ويوفروا له أسباب العلم ليتحصن به في حصن منيع ، كما أن لغة العقل والحوار هي التي يجب أن تسود وأن تحكم العلاقة بين المعلم والمتعلم .

وعلي الآباء ونحن علي أبواب عام جديد أن يعينوا أبناءهم علي تحصيل العلم النافع واختيار الصاحب الصالح والبعد عن الشقاق والخلاف في البيوت ليشيعوا فيها الطمأنينة والهدوء والأمان الذي يعين علي الفهم والنجاح والفوز ، " كلكم راع ، وكلكم مسئول عن رعيته " .



* كلمة أخيرة من كان يعبد رمضان فإن رمضان قد فات ، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت ، وعلامة قبول رمضان ما زرعه في نفوسنا من همم عالية وتوبة نصوح وعزيمة علي الطاعة ورغبة ونية علي الثبات والاستقامة ، وبرهان هذا كله أن نتبعه بطاعة وهذا ما دلنا عليه النبي بقوله فيما رواه مسلم عن أبي أيوب الأنصاري : " مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ " .

لا نريد أن يضيع ما جمعناه من أجور الطاعات في الصيام والقيام في رمضان بالغفلة والعصيان بعد رمضان ، كالذي هدم بناءا بعد كماله وتمامه ، أو كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا ، فيا من أبرمتم العقود والعهود في قلوبكم علي طاعة ربكم لا تنقضوا عهودكم مع الله ، يا من عمرتم بيوت الله بالصلاة والتهجد والقيام لا تهجروها بعد العمران ، يا من زينتم أصواتكم بذكر الله وتلاوة القرآن لا تهجروا القرآن ، فالله يحب أن يري عبده حيث أمره وأن يفتقده حيث نهاه .

بلال ما أذن لأحد بعد رسول الله حزنا على فراقه ، فقد جاء عن زيد بن أسلم عن أبيه قال : قدمنا الشام مع عمر فأذَّن بلال ، فذكر الناسُ النبي فلم أرَ يوما أكثر باكيا . فكان بالشام حتى قَدِم عُمَر الجابية فسأل المسلمون عمر أن يسأل لهم بلالاً يؤذِّن لهم ، فسأله فأذَّن يوما فلم يُرَ يوما كان أكثر باكيا من يومئذ ذِكْرًا منهم للنبي . وكان عمر أشدهم بكاءا .

ما الذي فعله أذان بلال حتى حرك القلوب وأبكى العيون ؟ ماذا فعلت بأذانك يابلال ؟ ترى لماذا فاضت دموع القوم وهم يسمعون أذان بلال ؟ إنهم تذكروا حبيبهم ومصطفاهم وحنت قلوبهم إلى لقياه وتذكروا بأذان بلال هذه الأيام الغالية التي عاشوها في كنف خير خلق الله ، إذا كان الجذع قد حن لفراقه فبكى ، ولكن كم من قلوب قاسية كالحجارة تنشق الحجارة من خشية الله ولا تتحرك في مآقيها دمعة واحدة من خشية الله ، اللهم غفرانك .

فإذا حدثتك نفسك بمعصية وغفلة فتذكر أيام الصيام وليالي التهجد والقيام كما تذكر الصحابة أيامهم المباركة الطيبة مع أرحم هذه الأمة بأمته رحمة الله للعالمين ، تذكر أيام طاعتك وكن من المؤنين الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضي نحيه ومنهم من ينتظر ولا تبدل تبديلا .

يا من عمرت بيوت الله وكنت في حلق القرآن لا تبدل تبديلا . يا من كنت تتقلب مع الساجدين والراكعين لا تبدل تبديلا . يا عزمت على الخير وجادت مفسك بالإحسان لا تبدل تبديلا ، يا من عاهدت الله على ان تطيعه لا تبدل تبديلا ، يا من هجرت المعصية وأهلها لا تبدل تبديلا . كن مع الصادقين ولا تبدل تبديلا .
الخطبة الثانية


الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام علي سيد المرسلين ، سيدنا ومولانا محمد ، وعلي آله وأصحابه وأزواجه أمهات المؤمنين ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلوات الله وسلامه عليه، سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم .



روى مسلم عن معاوية بن الحكم السلمي قال : بينا أنا أصلي مع رسول الله . إذ عطس رجل من القوم . فقلت : يرحمك الله! فرماني القوم بأبصارهم. فقلت : واثكل أمياه! ما شأنكم ؟ تنظرون إليّ . فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم. فلما رأيتهم يصمتونني. لكني سكت. فلما صلى رسول الله . فبأبي هو وأمي! ما رأيت معلما قبله ولا بعده أحسن تعليما منه . فوالله! ما كهرني ولا ضربني ولا شتمني. قال : " إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس. إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن " .

هذه هي حكمة المعلم ، وهذه لغة الحوار والعقل ، وهذا هو رقي الإسلام في تعليم الناس .

نصيحة نهمس بها في آذان الطلاب : وقروا المعلمين وأنزلوهم منازلهم ، فلولا جهودهم ما تعلمتم حرفا ، وديننا علمنا الوفاء لمن أخذوا بأيدينا ، والإحسان لمن أحسنوا إلينا .

ونقول للمعلمين أبناؤنا في أيديكم أمانة فكونوا لهم قدوة بالأعمال قبل الأقوال ، واغرسوا فيهم حب ربهم ودينهم ونبيهم وأمتهم ، وعلموهم أن ما تنعم به البشرية من نور العلم سطع من ديننا الذي أرسل الله به نبيه نورا وهدى ورحمة .

ونقول للآباء والأمهات بيوتكم هي المدرسة الأولى فلا تلقوا التبعة على غيركم ، الحياة مدرسة كبيرة أول دروسنا فيها نتعلمها من آبائنا وأمهاتنا فأنتم أول معلم فازرعوا فيهم الخير ، وتابعوا هذه الزرعة والنبتة الطيبة حتى تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها .

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
الأب الروحي
أهمية هذا القسم Vip
الأب الروحي


ذكر
ســآعـتي :
التسجيل : 18/06/2008
المساهمات : 11243
عدد النقاط : 31079
المزاج : أهمية هذا القسم Qatary14
المهنة : أهمية هذا القسم Profes10
الهوايه : أهمية هذا القسم Writin10
الدولة : أهمية هذا القسم Male_e10
الأوسمة : أهمية هذا القسم 3h510
التميز : أهمية هذا القسم Domain10

أهمية هذا القسم Empty
مُساهمةموضوع: رد: أهمية هذا القسم   أهمية هذا القسم I_icon_minitimeالسبت 13 نوفمبر 2010, 4:28 pm

أهمية هذا القسم 68762
أهمية هذا القسم 338902
" آداب المساجد "




إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له واشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له واشهد أن محمداً عبده ورسوله. { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ } ، { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً } ، { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} .

أما بعد فإن أصدق الحديث كتاب الله وأحسن الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار .



* أخرج البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال : قال رسول الله : " يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار، ويجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر ثم يعرج الذين بأتوا فيكم فيسألهم وهو أعلم بهم كيف تركتم عبادي؟ يقولون: تركناهم وهم يصلون وأتيناهم وهم يصلون " .

المسجد بيت كل تقي ، وهي مهبط الرحمة ومحط نزول الملائكة ، الذين يتوالى نزولهم علي أهل الإيمان في خير البقاع ، وزائر المسجد هو ضيف الله ، وحق علي المزور أن يكرم زائره ، ما أن يدخل بيته حتى يوكل به ملك يقول : اللهم اغفر له . الله ارحمه ما دام في مجلسه الذي صلى فيه حتى يخرج من المسجد ، والمؤمنون يحبون الله ويعمرون بيوته ، ويشغلون حياتهم بذكره وطاعته ، ويتأملون ويتفكرون في قدرته وعظمته ، فالمؤمن يسبح متأملا في الكون حوله ليري دلائل قدرة الله في ورقة شجر . في زهرة متفتحة ، في نجم ثاقب وبدر ساطع ، ونهر جار ، فإذا سبح ببصره سَبًح ، سَبًح بحمد مَنْ ؟ " سبح اسم ربك الأعلي " ، ثم يسبح ببصره متأملا في أحوال الدنيا وأحوال أهلها ، كم من عزيز أصبح ذليلا وكم من ذليل أصبح عزيزا ؟ كم من ضعيف أصبح قويا وكم من قوي صار ضعيفا ؟ كم من أحياء ماتوا وواراهم التراب ؟ وكم من أطفال يولدون كل يوم يبدأون مسيرة الحياة ؟ إنه في النهاية يسبح بحمد ربه الأعلي ، الذي خلق فسوي ، والذي قدر فهدي .



* من المساجد يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح ، وتجتمع فيها الأمة علي الطاعة من عبادة وصلاة ودعاء ومجلس علم ومدارسة قرآن وتلاوته ، فهي أحب البقاع إلي الله ، ومن دخلها فهو ضيف كريم علي الله ، أخرج مسلم عن أبي هريرة قال : قال رسول الله : " وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده " .

هذه الطاعات تملأ قلب المؤمن نورا ، وهذا النور ينضح علي جوارحه فيضيئ له طريقه في الحياة ، فهو لذلك علي نور من ربه ، لا تختلط عليه الأمور ولا يلتبس عليه الحق بالباطل ، ولا يتحير عند الحلال البين والحرام البين ، وإن اشتبه عليه أمر تركه لله ورعا وتقي وصيانة لقلبه ودينه عن شبهات قد تجره إلي الحرام ، وهذه كلها بركات المساجد حصون الأمة من شرور الفتن .

وعمارة المساجد علي وجهين :

1- عمارة مادية بالبناء والتطهير والنظافة ، روى أحمد عن ابن عباس قال : قال رسول الله : " من بنى لله مسجدا ولو كمفحص قطاة لبيضها بنى الله له بيتا في الجنة " ، روي أحمد َعَنْ عَائِشَة قَالَتْ : أَمَرَنَا رَسُول اللَّه بِبِنَاءِ الْمَسَاجِد فِي الدُّور وَأَنْ تُنَظَّف وَتُطَيَّب " . وروي البخاري ومسلم وابن ماجه عن أبي هريرة قال : أن امرأة سوداء كانت تقم المسجد . ففقدها رَسُول اللَّهِ . فسأل عنها بعد أيام .فقيل له : إنها ماتت . قال : " فهلا آذنتموني " فأتى قبرها ، فصلى عليها .

2- عمارة حقيقية بالأعمال والطاعات وهذه هي الغاية من بنائها وحقيقة عمارتها .



* " فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ " . المساجد هي خير البقاع ، ومهبط الملائكة وملتقي العابدين والخاشعين والعلماء والمتعلمين والدعاة إلي الله ، بيوت أمر الله أن ترفع وتنزه عن اللغو أو الغفلة فيها ، وعند الدخول إليها يدعو المؤمن ربه ليفتح له أبواب الخير ، َرَوَى مُسْلِم عَنْ أَبِي حُمَيْد أَوْ أَبِي أُسَيْد قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه : " إِذَا دَخَلَ أَحَدكُمْ الْمَسْجِد فَلْيَقُلْ : اللَّهُمَّ اِفْتَحْ لِي أَبْوَاب رَحْمَتك .وَإِذَا خَرَجَ فَلْيَقُلْ : اللَّهُمَّ اِفْتَحْ لِي أَبْوَاب فَضْلك" . ولها حقوق وآداب أمرنا ديننا بها تعظيما لحرمة بيت ليس ككل البيوت ولكنه بيت العظيم بيت الله سبحانه ومنها :

1- أخذ الزينة عند الذهاب إليها ولبس أفضل الثياب وأطهرها وأنفسها ، فتعظيم شعائر الله من تقوى القلوب ، " يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد " ، روى الطبراني عن ابن عمر قال : قال رسول الله : " إذا صلى أحدكم فليلبس ثوبيه فإن الله تعالى أحق من تزين له " .

2- البعد عن كل ما يؤذي المصلين ويؤذي الملائكة من رائحة كريهة ، روى مسلم عن جابر قال : قال رسول الله : " من أكل البصل والثوم والكراث فلا يقربن مسجدنا. فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم " ، إذا كان هذا ما تتأذى منه الملائكة من بصل وثوم وفيهما ما فيهما من الفوائد والمنافع ، فما بالنا بالدخان وهو سم قاتل للأبدان وهلكة للأموال ؟؟!!

3- المشي إليها بسكينة ووقار خاصة عند سماع الإقامة حتى لا يشوش علي المصلين بصوت وجلبة ، روى البخاري ومسلم وأصحاب السنن عن أبي هريرة قال : قال رسول الله : " إذا أقيمت الصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون ، وائتوها وأنتم تمشون وعليكم السكينة، فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا " ، وروى مسلم عن أبي هريرة عن النبي قال : " من غدا إلى المسجد أو راح أعد الله له نزلا في الجنة كلما غدا أو راح " . وعن بريدة عن النبي قال : " بشروا المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة " رَوَاهُ أبُو دَاوُدَ وَالتِّرمِذِيُّ ..

4- تنزيه المساجد عن لغو الدنيا فليست ميدانا للصفقات التجارية والبيع والشراء والسؤال عن المفقودات ، رَوَى مُسْلِم َعَنْ بُرَيْدَة أَنَّ رَجُلًا أَنْشَدَ فِي الْمَسْجِد فَقَالَ مَنْ دَعَا إِلَى الْجَمَل الْأَحْمَر فَقَالَ النَّبِيّ : " لَا وَجَدْت إِنَّمَا بُنِيَتْ الْمَسَاجِد لِمَا بُنِيَتْ لَهُ ". وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَة أَنَّ رَسُول اللَّه قَالَ : " إِذَا رَأَيْتُمْ مَنْ يَبِيع أَوْ يَبْتَاع فِي الْمَسْجِد فَقُولُوا لَا أَرْبَحَ اللَّه تِجَارَتك وَإِذَا رَأَيْتُمْ مَنْ يَنْشُد ضَالَّة فِي الْمَسْجِد فَقُولُوا لَا رَدَّهَا اللَّه عَلَيْك " رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَقَالَ حَسَن غَرِيب . كل ذلك للتأكيد علي حرمة المساجد وأنها بنيت لعبادة الله وذكره ، فلا ينبغي أن يُدخل إليها أحد أمرا من أمور دنياه ليشغل بها من شغلوا أنفسهم بطاعة الله ، وتركوا دنياهم وراء ظهرهم فرارا إلي المساجد حيث راحة قلوبهم وأنس نفوسهم ثم يأتي من يعكر هذه الصلة ويأتي بما فروا منه إليهم .



* ومَنْ هؤلاء الذين يعمرون بيوت الله بالأعمال ، ويسبحون الله فيها بالغدو والآصال ولا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله ؟ إنهم : رجال ... والرجال يختلفون عن الذكور ، فليس كل ذكر رجل ، إنما الرجولة مقام لا يليق إلا بأصحاب الصفات الراقية الإيمانية العالية ، " رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ " .

وقد جاء وصف الرجال في أربع مواطن هامة من القرآن الكريم :

· موطن الوحي : " وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم " .

· موطن الجهاد والدعوة : " من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه " .

· موطن العبادة : "يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله " .

· موطن الطهارة والعبادة : " فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين " .

فالرجال تراهم في مقام العبادة في المحاريب حيث الصلاة والذكر والتسبيح والدعاء ، وفي مقام الجهاد مع أعداء الله ، وفي مقام الدعوة إلي الله لإبلاغ الحق إلي الخلق ، وهذه أيضا صفة الرسل الكرام .



* وما هو الباعث علي ذلك كله ؟ وما هو الدافع إلي هذه الطاعة وتلك المجاهدة ؟ لماذا لا يلهون مع اللاهين ويعبثون مع العابثين ؟ " يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ . لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ " . إنهم يخافون يوما عصيبا تشيب له الولدان وتتقلب فيه القلوب والأبصار ، توهم لحظة موتك وأنت تودع هذا العالم وتقبل علي الحساب وتقول الملائكة لك : هيا لتقبل علي ربك وتقف بين يديه ، وفي قبرك لا تجد معك والدا ولا ولدا ولا صديقا ولا شفيعا ، هلا تأملت ماذا أنت فاعل هناك وحدك ؟ وكم من ميت رحل عنا وبكاه أهله ثم نسوه ، فإنك ستنسي ولن يتذكرك أحد إلا عملك ، وإذا حملت جنازة فسل نفسك : تري كم بقي لك من المرات حتي يأتي يومك وأنت محمول علي الأعناق ولا تحملك قدماك ؟ يا عباد الله : المؤمن الصادق لا يحزن من فوات دنياه ولا يكره لقاء ربه ، فلحظة موته هي لحظة عرسه عندما يزف إلي السماء ويري النعيم مما يجعله لا يريد العودة إلي الدنيا ، إلا ليسبح تسبيحة ، أو يسجد لله سجدة ، فهذا فضل الله وعطاؤه لأهل طاعته ، والله يرزق من يشاء بغير حساب .



* إذا مَنّ الله عليك بساعة في يومك فاجعلها هنا في بيت ربك ، تبث إليه همومك وشكواك ، تحفظ به جوارحك من المعاصي والغفلات ، تجد هنا عالما تقيا تستفيد منه علما أو أخا ناصحا تسمع منه حكمة ، أو يقع بصرك علي ساجد أو راكع أو قارئ للقرآن ، فهذه خير البقاع لن ترى فيها إلا ما يذكرك بالله والعبودبة لله والشوق إلي لقياه ، ولك في نبيك قدوة حسنة ، روى مسلم عن عائشة قالت : فقدت رسول اللّه ليلة من الفراش فالتمسته فوقعت يدي على بطن قدميه وهو بالمسجد وهما منصوبتان وهو يقول : " اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك وأعوذ بك منك، لا أحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك " .

هذه ليلة من لياليه عند أحب أزواجه إليه فكيف نقضي ليالينا ؟؟!!!

روي أحمد وأبو يعلي والبزار والحاكم في المستدرك وصححه عن ابن عمر قال: جاء رجل إلى النبي فقال : يا رسول الله، أي البقاع خير ؟ فقال: " لا أدري " فقال : أي البقاع شر ؟ فقال : " لا أدري " فقال : سل ربك . قال : فلما نزل جبرائيل قال رسول الله : " إني سئلت أي البقاع خير ؟ وأي البقاع شر ؟ فقلت : لا أدري ، فقال جبرائيل : وأنا لا أدري ، حتى أسأل ربي ، قال : فانتفض جبرائيل انتفاضة كاد أن يصعق منها محمد فقال الله : يا جبرائيل يسألك محمد أي البقاع خير ؟ فقلت : لا أدري ، فسألك : أي البقاع شر ؟ فقلت : لا أدري ، وإن خير البقاع المساجد ، وشر البقاع الأسواق " .

يا من يحب لقاء الله والنظر إلي وجهه الكريم هذه البشرى لك ، أخرج أحمد والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي عن جرير قال : قال رسول الله : " إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر لا تضامون في رؤيته ، فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها ، فافعلوا ". ثم قرأ : { وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها }.

















الخطبة الثانية


الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام علي سيد المرسلين ، سيدنا ومولانا محمد ، وعلي آله وأصحابه وأزواجه أمهات المؤمنين ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلوات الله وسلامه عليه، سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم .



الحر يوم القيامة شديد ، ومن السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله : رجل قلبه معلق بالمساجد . روى ابن ماجه والحاكم عن أبي هريرة قال : قال رسول الله : " ما توطن رجل مسلم المساجد للصلاة والذكر إلا تبشبش الله له من حين يخرج من بيته ، كما يتبشبش أهل الغائب بغائبهم إذا قدم عليهم " ومعنى تبشبش : أي فرح به ، كم يشتاق الأهل لرؤية محبوبهم الغائب من والد رحيم أو لد حبيب ؟ وكم هي فرحتهم برؤيته بعد غياب ؟ فالله يفرح برؤية عبده إذا أقبل عليه فأقبلوا على رب كريم غافر الذنب وقابل التوب .

والمساجد مجالس الكرام ، وبناؤها من أعظم الصدقات الجارية ، لأن من بنى مسجدا فكل من ركع فيه ركعة أو سجد فيه سجدة فهذه الأجور كلها في صحيفة من بنى المسجد ابتغاء وجه الله ، روى ابن ماجه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله : " إن مما يلحق المؤمن من عمله وحسناته بعد موته علما نشره، وولدا صالحا تركه، ومصحفا ورثه، أو مسجدا بناه، أو بيتا لابن السبيل بناه، أو نهرا أجراه، أو صدقة أخرجها من ماله في صحته وحياته، تلحقه من بعد موته " .

وهذا عطاء الله لمن لازم بيوت الله أن يجعل الملائكة في نصرته ومعيته ، لأنه يديم الجلوس فيها حتي صار من أوتادها ، أخرج أحمد عن أبي هريرة عن النبي قال : " إن للمساجد أوتاد ، الملائكة جلساؤهم ، إن غابوا يفتقدونهم ، وإن مرضوا عادوهم ، وإن كانوا في حاجة أعانوهم " .

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
الأب الروحي
أهمية هذا القسم Vip
الأب الروحي


ذكر
ســآعـتي :
التسجيل : 18/06/2008
المساهمات : 11243
عدد النقاط : 31079
المزاج : أهمية هذا القسم Qatary14
المهنة : أهمية هذا القسم Profes10
الهوايه : أهمية هذا القسم Writin10
الدولة : أهمية هذا القسم Male_e10
الأوسمة : أهمية هذا القسم 3h510
التميز : أهمية هذا القسم Domain10

أهمية هذا القسم Empty
مُساهمةموضوع: رد: أهمية هذا القسم   أهمية هذا القسم I_icon_minitimeالسبت 13 نوفمبر 2010, 4:31 pm

أهمية هذا القسم 68762
أهمية هذا القسم 338902
" المساجد منارت علم وحضارة "




إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له واشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له واشهد أن محمداً عبده ورسوله. { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ } ، { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً } ، { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} .

أما بعد فإن أصدق الحديث كتاب الله وأحسن الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار .

* يقول ربنا جل وعلا : " وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا " ، وروى مسلم عن أبي هريرة قال : قال رسول الله : " أحب البلاد إلى الله مساجدها، و أبغض البلاد إلى الله أسواقها " .

المساجد خير البقاع ، وهي مجالس الكرام ، وعبر الزمان حلية ومنارة ، ومرآة حضارة ومهبط الملائكة ومحل نزول الرحمة ، ومثوى الصالحين في الأرض، فيها يصل المسلم حباله بحبال السماء ، ويزكي نفسه ويطهر قلبه ، وزائر المسجد هو ضيف الله ، وحق علي المزور أن يكرم زائره ، ما أن يدخل بيته حتى يوكل به ملك يقول : اللهم اغفر له . اللهم ارحمه ما دام في مجلسه الذي صلى فيه حتى يخرج من المسجد ، فالمسجد بيت كل تقي .

وأول عمل قام به النبي بعد الهجرة هو بناء المسجد ، ليكون بيئة يصنع فيها الرجال ، ويخرج منها القادة والأئمة والأبطال ، ويربي فيها الأمة على منهج الله ، فما بنيت المساجد للصلاة والعبادة وحدها وإنما هي المحضن الطاهر النقي الذي تربت فيه خير أمة أخرجت للناس ، فكان فيه الدعوة إلى الله والقيام بواجب النصيحة ، وكان عامرا بحلق العلم ومدارسة القرآن وتلاوته ، وكان يسمع فيه دوي كدوي النحل من قراءة القرآن وذكر الله ، فكان الذي يدخل المسجد يجد أمة مقبلة على ربها في همة عالية وعزيمة صادقة ، فيشرق قلبه بنور الإيمان قبل أن يسمع عن الإسلام أي كلام .

* من المساجد يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح ، وتجتمع فيها الأمة علي الطاعة ، أخرج مسلم عن أبي هريرة قال : قال رسول الله : " وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده " .

هذه الطاعات تملأ قلب المؤمن نورا ، وهذا النور ينضح علي جوارحه فيضيئ له طريقه في الحياة ، فهو لذلك علي نور من ربه ، لا تختلط عليه الأمور ولا يلتبس عليه الحق بالباطل ، ولا يتحير عند الحلال البين والحرام البين ، وإن اشتبه عليه أمر تركه لله ورعا وتقي وصيانة لقلبه ودينه عن شبهات قد تجره إلي الحرام ، وهذه كلها بركات المساجد حصون الأمة من شرور الفتن .

وعمارة المساجد علي وجهين :

1- عمارة مادية بالبناء والتطهير والنظافة ، روى أحمد عن ابن عباس قال : قال رسول الله : " من بنى لله مسجدا ولو كمفحص قطاة لبيضها بنى الله له بيتا في الجنة " ، روي أحمد َعَنْ عَائِشَة قَالَتْ : أَمَرَنَا رَسُول اللَّه بِبِنَاءِ الْمَسَاجِد فِي الدُّور وَأَنْ تُنَظَّف وَتُطَيَّب " . وروي البخاري ومسلم وابن ماجه عن أبي هريرة قال : أن امرأة سوداء كانت تقم المسجد . ففقدها رَسُول اللَّهِ . فسأل عنها بعد أيام .فقيل له : إنها ماتت . قال : " فهلا آذنتموني " فأتى قبرها ، فصلى عليها .

2- عمارة حقيقية بالأعمال والطاعات وهذه هي الغاية من بنائها وحقيقة عمارتها . " إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش أحدا إلا الله فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين " . فمن عمّر بيت الله بالطاعة عمّر الله قلبه بالإيمان .

* " فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ " . المساجد هي ملتقي العابدين والخاشعين والعلماء والمتعلمين والدعاة إلي الله ، بيوت أمر الله أن ترفع وتنزه عن اللغو والغفلة ، وهي منازل أدب ووقار ، فلا رفع فيها لصوت ولا للغو ، ولا مجال فيها لبيع أو شراء، ولا يسمح فيها بإثارة الأهواء والمنازعات والمشاحنات ، قال رسول الله :" إن هذه المساجد ... إنما هى لذكر الله عز وجل والصلاة وقراءة القرآن " رواه مسلم وأحمد عن أنس .

وهي منازل طهر ونظافة وتجمل، قال تعالى :" يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد " .

للمساجد حقوق وآداب أمرنا ديننا بها تعظيما لحرمة بيت ليس ككل البيوت ولكنه بيت العظيم بيت الله سبحانه .

* ومَنْ هؤلاء الذين يعمرون بيوت الله بالأعمال ، ويسبحون الله فيها بالغدو والآصال ولا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله ؟ إنهم : رجال ... والرجال يختلفون عن الذكور ، فليس كل ذكر رجل ، إنما الرجولة مقام لا يليق إلا بأصحاب الصفات الراقية الإيمانية العالية ، " رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ " .

وقد جاء وصف الرجال في أربع مواطن هامة من القرآن الكريم :

· موطن الوحي : " وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم " .

· موطن الجهاد والدعوة : " من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه " .

· موطن العبادة : "يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله " .

· موطن الطهارة والعبادة : " فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين " .

فالرجال تراهم في مقام العبادة في المحاريب حيث الصلاة والذكر والتسبيح والدعاء ، وفي مقام الجهاد مع أعداء الله ، وفي مقام الدعوة إلي الله لإبلاغ الحق إلي الخلق ، وهذه أيضا صفة الرسل الكرام .

* وما هو الباعث علي ذلك كله ؟ وما هو الدافع إلي هذه الطاعة وتلك المجاهدة ؟ لماذا لا يلهون مع اللاهين ويعبثون مع العابثين ؟ " يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ . لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ " . إنهم يخافون يوما عصيبا تشيب له الولدان وتتقلب فيه القلوب والأبصار ، توهم لحظة موتك وأنت تودع هذا العالم وتقبل علي الحساب وتقول الملائكة لك : هيا لتقبل علي ربك وتقف بين يديه ، وفي قبرك لا تجد معك والدا ولا ولدا ولا صديقا ولا شفيعا ، هلا تأملت ماذا أنت فاعل هناك وحدك ؟ وكم من ميت رحل عنا وبكاه أهله ثم نسوه ، فإنك ستنسي ولن يتذكرك أحد إلا عملك ، وإذا حملت جنازة فسل نفسك : تري كم بقي لك من المرات حتي يأتي يومك وأنت محمول علي الأعناق ولا تحملك قدماك ؟ يا عباد الله : المؤمن الصادق لا يحزن من فوات دنياه ولا يكره لقاء ربه ، فلحظة موته هي لحظة عرسه عندما يزف إلي السماء ويري النعيم مما يجعله لا يريد العودة إلي الدنيا ، إلا ليسبح تسبيحة ، أو يسجد لله سجدة ، فهذا فضل الله وعطاؤه لأهل طاعته ، والله يرزق من يشاء بغير حساب .

* أخرج مسلم وأحمد والترمذي و النسائي عن معاوية أن رسول الله خرج على حلقة من أصحابه فقال: ما أجلسكم ؟ قالوا : جلسنا نذكر الله ونحمده على ما هدانا للإسلام ومن به علينا. قال آلله ماجلسكم إلا ذلك ؟ قالوا : آلله ما أجلسنا إلا ذلك . قال : أما أني لم أستحلفكم تهمة لكم ولكن أتاني جبريل فأخبرني أن الله يباهي بكم الملائكة " .

الله يباهي الملائكة بأهل الطاعة وأهل الذكر وأهل العلم ، فإذا كان في الأرض من هو مشغول بنفسه وشهواته وأمواله وطعامه وشرابه ، فهناك من شغلوا أنفسهم بالله وطاعته ، وما شرعت صلاة الجماعة إلا ليتزود المسلم العابد الخاشع بهذه الطاقة من الإيمان ليستعلي بها على الشهوات الحرام ، والمغريات التي يزينها الشيطان ليصرف بها القلوب عن ربها ومولاها .

حتى لو كنا في غمار الحياة وهمومها ما أن نسمع الأذان يُرفع : الله أكبر . حتى يستيقظ الغافل ويرتدع العاصي ويتذكر العابد الطائع ، أن ما في أيدينا كله صغير حقير فان ، فالله أكبر من مالك وأكبر من أهلك وولدك وأكبر من تجارتك ، الأذان دعوة تامة يدعوك إلى فلاحك وفوزك في الدنيا والآخرة .

الغنى كله من هنا من هذه البقاع التي أذن الله أن ترفع ويُذكر فيها اسمه ، وقد كان هشام عبد الملك يطوف - مرة - بالبيت الحرام ، فلقي سالم بن عبد الله - من أئمة التابعين - فسلّم عليه ، وقال : سلني حاجتك ! قال : أني استحي من ربي أن أسأل غيره وأنا في بيته ! فلما خرج قال : نحن الآن قد خرجنا من المسجد فسلني حاجتك ! قال : من أمر الدنيا أم من أمر الآخرة ؟ قال : من أمر الدنيا فأمر الآخرة لا أملكه ! قال : أما الدنيا فما سألتها من يملكها فكيف أسأل من لا يملكها !

أيها الموحد جعل الله لك كرامة فلماذا تريق ماء وجهك بذل السؤال لعبد ضعيف صغير فقير مثلك ؟ إذا سألت فاسأل الله ، فالذي أعطاه يعطيك ، والذي أغناه يغنيك ، فلا تتعلق بغير ربك الكبير المتعال .

* ومن منابر المساجد يصدع الخطباء بأمر الله في قضايا الإيمان والعبادات والمعاملات والأخلاق والسلوك وكل ما يتعلق بأمر الأمة ، ولا نستهين بدعاء المنابر يوم الجمعة فكم له من أثر عجيب في كشف الكربات ونزول النصر وتثبيت الأقدام ، فقد جاء ملك الروم سنة 462 هـ لغزو الشام في ثلاث مائة ألف مقاتل، وقتل الرجال، وسَبَى نساءهم وأولادهم.
وفزع المسلمون فزعًا عظيمًا، ولكن القائد المسلم " ألب أرسلان " سار إليه في خمسة عشر ألفًا، وكله إيمان بالله، ويقين بأن الله ناصر دينه.
وأشار عليه الفقيه "أبو نصر البخاري" أن يكون يوم الجمعة بعد الصلاة هو موعد اللقاء مع الأعداء، بعد أن يدعو جميع الخطباء للمجاهدين في سبيل الله على المنابر، وصلى بهم الفقيه البخاري، وبكى السلطان، فبكى الناس لبكائه، ودعا ودعوا معه، ثم قال لهم : من أراد الانصراف فلينصرف، فما ههنا سلطان يأمر وينهي. ثم أخرج السلطان كفنه ليراه جنوده ليحفزهم على الشهادة ففعلوا مثله.
وبدأ الزحف إلى الروم، فلما اقترب السلطان منهم نزل عن فرسه، وسجد لله-عز وجل-ومَرَّغَ وجهَه في التراب، ودعا الله، وطلب منه النصر على أعدائه، وأخذ في التضرع والبكاء، ثم ركب فرسه، وهجم على العدو فحمل جنوده معه، وكان نصر الله على الرغم من قلة عدد المسلمين وكثرة أعدائهم، لكن النصر من عند الله ينصر من يشاء، وهو القوي العزيز ، ووقع ملك الروم في الأسر وصارت وقعة عجيبة تسير بأخبارها الركبان .
وكان موقف القائد قويّا، يستمد قوته من عزة المسلم الذى يستمد عزته من عزة الله سبحانه ، وكم كان لدعاء المنابر قوة في نزول النصر وثبات القلوب عند اللقاء .


هل كان قائد المسلمين وحده في الميدان ؟ لا والله ، بل كان مسنودا بدعاء ألوف المسلمين وهم يؤمنون على دعاء الخطباء على المنابر يوم الجمعة ، هل يضيع الله أقداما سعت إليه ؟ هل يضيع الله جباها سجدت بين يديه ؟ هل يضيع الله عيونا فاضت بالدموع من خشيته ؟ ما أظن هذا والله ضائعا .

* إذا مَنّ الله عليك بساعة في يومك فاجعلها هنا في بيت ربك ، تبث إليه همومك وشكواك ، تحفظ به جوارحك من المعاصي والغفلات ، تجد هنا عالما تقيا تستفيد منه علما أو أخا ناصحا تسمع منه حكمة ، أو يقع بصرك علي ساجد أو راكع أو قارئ للقرآن ، فهذه خير البقاع لن ترى فيها إلا ما يذكرك بالله والعبودبة لله والشوق إلي لقياه ، ولك في نبيك قدوة حسنة ، روى مسلم عن عائشة قالت : فقدت رسول اللّه ليلة من الفراش فالتمسته فوقعت يدي على بطن قدميه وهو بالمسجد وهما منصوبتان وهو يقول : " اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك وأعوذ بك منك، لا أحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك " .

هذه ليلة من لياليه عند أحب أزواجه إليه فكيف نقضي ليالينا يا خير أمة أخرجت للناس ؟؟!!!





الخطبة الثانية


الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام علي سيد المرسلين ، سيدنا ومولانا محمد ، وعلي آله وأصحابه وأزواجه أمهات المؤمنين ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلوات الله وسلامه عليه، سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم .



الحر يوم القيامة شديد ، ومن السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله : رجل قلبه معلق بالمساجد . يا من يحب لقاء الله والنظر إلي وجهه الكريم هذه البشرى لك ، أخرج أحمد والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي عن جرير قال : قال رسول الله : " إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر لا تضامون في رؤيته ، فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها ، فافعلوا ". ثم قرأ : { وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها }.



وإذا كانت المساجد مجالس الكرام ، وبناؤها من أعظم الصدقات الجارية ، وذلك أن من بنى مسجدا فكل من ركع فيه ركعة أو سجد فيه سجدة فهذه الأجور كلها في صحيفة من بنى المسجد ابتغاء وجه الله ، روى البخاري عن عثمان قال : قال رسول الله : " من بنى لله مسجداً يبتغي به وجه الله بنى الله له مثله بيتاً في الجنة " .

ومن لازم بيوت الله يجعل الله الملائكة في نصرته ومعيته ، لأنه يديم الجلوس فيها حتي صار من أوتادها ، وجليس المسجد على ثلاث خصال: أخ مستفاد، أو كلمة محكمة، أو رحمة منتظرة ، أخرج أحمد عن أبي هريرة عن النبي قال : " إن للمساجد أوتاد ، الملائكة جلساؤهم ، إن غابوا يفتقدونهم ، وإن مرضوا عادوهم ، وإن كانوا في حاجة أعانوهم " .

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
الأب الروحي
أهمية هذا القسم Vip
الأب الروحي


ذكر
ســآعـتي :
التسجيل : 18/06/2008
المساهمات : 11243
عدد النقاط : 31079
المزاج : أهمية هذا القسم Qatary14
المهنة : أهمية هذا القسم Profes10
الهوايه : أهمية هذا القسم Writin10
الدولة : أهمية هذا القسم Male_e10
الأوسمة : أهمية هذا القسم 3h510
التميز : أهمية هذا القسم Domain10

أهمية هذا القسم Empty
مُساهمةموضوع: رد: أهمية هذا القسم   أهمية هذا القسم I_icon_minitimeالسبت 13 نوفمبر 2010, 4:33 pm

أهمية هذا القسم 68762
أهمية هذا القسم 338902
" أهمية الأقصى "
[ ألقيت هذه الخطبة ردا على اعتداءات اليهود على المسجد الأقصى
2 ربيع الأول 1431 هــ 19 مارس 2010 ]




إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له واشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له واشهد أن محمداً عبده ورسوله. { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ } ، { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً } ، { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} .

أما بعد فإن أصدق الحديث كتاب الله وأحسن الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار .



روى البخاري ومسلم عن أبي ذر قال : قلت يا رسول الله أي مسجد وضع أول ؟ قال : المسجد الحرام . قلت : ثم أي ؟ قال : المسجد الأقصى ، قلت : كم بينهما ؟ قال : " أربعون سنة".

وهذا يؤكد أن الذي بنى المسجد الأقصى هو الخليل إبراهيم ، وأما سليمان فقد أعاد بناءه ودعا ربه لمن يأتي للصلاة فيه .

وذكر في القرآن الكريم الأرض المقدسة والأرض المباركة والأرض التي باركنا فيها ، فما هي هذه الأرض التي باركها الله وكانت مأوى لكثير من الأنبياء والعباد والصالحين ؟ إنها بيت المقدس ، وفيها المسجد الأقصى الذي بارك الله حوله ، فما بالنا بالبركة التي أودعها الله فيه ؟

وصف القرآن الكريم أرض بيت المقدس بصفات البركة والطهر والقدسية في آيات متعددة منها قوله تعالى {.. يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم.. } وقوله {سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله} وقوله {ونجيناه ولوطا إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين} وقوله {فلما أتاها نودي من شاطئ الوادي الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة أن يا موسى إني أنا الله رب العالمين} .

وقال ابن تيمية رحمه الله : أن الخلق والأمر ابتدءا من مكة المكرمة أم القرى فهي أم الخلق ، وفيها بدأت الرسالة المحمدية وجعل الله بيت المقدس وما حوله محشر خلقه ، فإلى بيت المقدس يعود جميع الخلق ، وهناك يحشر الخلق .

وبيت المقدس منبت الأنبياء من إبراهيم الخليل ، ولهذا اجتمعوا هناك لخاتم الأنبياء والمرسلين نبينا محمد ، فأمهم في المسجد الأقصى ، فدل على أنه الإمام المعظم ..

وكانت صلاته بالأنبياء ليلة الإسراء إقراراً بأن الإسلام كلمة الله الأخيرة إلى البشر، أخذت تمامها على يد محمد وكانت الصلاة بالمسجد الأقصى دلالةً على أن آخر صبغة للمسجد الأقصى هي الصبغة الإسلامية فالتصق نسب المسجد الأقصى بالأمة الإسلامية التي أم رسولها الكريم سائر الأنبياء .. ولاشك أن في اقتران الإسراء بالنبي إلى السماوات العلى بالمسجد الأقصى دليلاً باهراً على مدى ما لهذا البيت من مكانة وقدسية عند الله تعالى ودليل على أن المسجد الأقصى فوق مركز الدنيا وأنه المصعد من الأرض إلى السماء...

وقال الإمام البيضاوي في قوله تعالى : " بَارَكْنَا حَوْلَه " ببركات الدين والدنيا ؛ لأنه مهبط الوحي ومتعبد الأنبياء من لدن موسى ، ومحفوف بالأنهار والأشجار .



* وقد قام الفاروق أمير المؤمنين عمر بن الخطاب بالسفر إلى بيت المقدس عندما اشترط أهلها أن يتسلم مفاتيحها أمير المؤمنين بنفسه وكان لهم ما أرادوا، وهذه هي المدينة الوحيدة في عهد الخلفاء الراشدين التي تولى خليفة بنفسه تسلم مفاتيحها، فلم يذهب عمر لفتح المدائن عاصمة الفرس ، ولا لبصري بالشام عاصمة الروم ، وإنما ذهب ليتسلم مفاتيح بيت المقدس والمسجد الأقصى لما لهذه البقاع المباركة من منزلة عظيمة ومكانة عالية .

فكان الفتح العُمَري لبيت المَقدس سنة 15هـ 636م، عندما دَخَلَها الخليفة عمر بن الخطاب سلمًا، وأعطى لأهلها الأمان من خلال وثيقته التي عُرِفَتْ بالعهدة العُمَريَّة .



* روى أحمد والنسائي وابن ماجه عن عبد اللّه بن عمرو أن رسول اللّه قال : " إن سليمان بن داود لما بنى بيت المقدس سأل الله عز وجل خلالا ثلاثة : سأل الله حكما يصادف حكمه فأوتيه ، وسأل الله ملكا لا ينبغي لأحد من بعده فأوتيه ، وسأل الله حين فرغ من بناء المسجد أن لا يأتيه أحد لا ينهزه إلا الصلاة فيه أن يخرجه من خطيئته كيوم ولدته أمه ، أما اثنتان فقد أعطيهما وأرجو أن يكون قد أعطى الثالثة " .

وإذا كانت المساجد بيوت الله هي خير بقاع الأرض ، فإن أعظم هذه المساجد حرمة علي وجه الأرض هي : المسجد الحرام بمكة ، ثم مسجد النبي ، ثم المسجد الأقصى ، فكل من هذه المساجد بناه نبي من أنبياء الله ، فهي بيوت الله في الأرض للطائعين والساجدين والراكعين من عباد الله الصالحين ، فكيف يحمي الله تعالي بيوته ممن أرادها بسوء ؟؟ وفي أصحاب الفيل عبرة لمن يخشى ، ولكن التقصير في حماية هذه البقاع المباركة جريمة وذنب وإثم عظيم ، لأنه أمانة في عنق كل مسلم ، وكل يستطيع لو أراد أن يخدم دينه :

بالاستقامة والطاعة فالله لا ينصر أمة غافلة لاهية ، نهارها غفلة وليلها شهوة ، ثم بالدعاء لهم بالتثبيت والنصر ، ثم بتقديم يد العون لهم بالنصرة كل بما يملكه ويستطيعه ، وذلك حتى لا تغيب الأمة عن وعيها بدينها وعقيدتها ، فلا خير للحياة بغير دين ، ولا أمان بغير إيمان .



* إن جراح أهلنا ببيت المقدس غائرة ، ومصابهم هو مصابنا في رجالهم ونسائهم وشبابهم وأطفالهم ، وهم يحمون بصدورهم وأجسادهم بيتا من بيوت الله فرض على الأمة أن تحافظ عليه وتحميه وتفديه بأرواحها ونفوسها ، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم إليه الأمر من قبل ومن بعد وإليه المصير

وللمسجد الأقصى مكانة عظيمة في صدور المسلمين وجاء ذكره في الكتاب والسنة حتى لا تفقد الأمة الذاكرة وهي تتلو كتاب ربها وتقرأ سنة نبيها :

1- فهو مسرى نبينا في رحلة الإسراء والمعراج ، وهو بقعة مباركة قال الله عنها " الذي باركنا حوله " فالبركة تحيط به من كل مكان البركة في أرضه وفي شجره وفي ثمره وفي هوائه .

2- الأقصى هو القبلة الأولى للمسلمين: فلقد صلي رسول الله بالمسلمين وهو في المدينة سبعة عشر شهرا حتى نزل الأمر من الله تعالي بالتوجه للمسجد الحرام قال الله تعالي : " قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ " .

3- الصلاة فيه تعدل خمسمائة صلاة .

4- أحد المساجد الثلاثة التي لا تشد الرحال إلا إليها .

5- وفي فضله روي ابن جرير عن أبي أمامة قال : قال رسول الله : " لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لعدوهم قاهرين ، لا يضرهم من خالفهم إلا ما أصابهم من لأواء وهم كالإناء بين الأكلة حتى يأتيهم أمر الله وهم كذلك ، قالوا : يا رسول الله! وأين هم ؟ قال : ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس" .

6- لقد حثّ النبي المسلمين على التواصل بينهم وبين المسجد الأقصى ، وذلك بإتيانه والصلاة فيه، أو بإرسال الزيت للإسراج في قناديله وإضاءتها، وهذا من المبشرات بأن القدس سيفتحها الإسلام وستكون للمسلمين، وقد كان ؛ ففتحت القدس في العام الخامس عشر للهجرة .
روى الإمام أبو داود في سننه عَنْ مَيْمُونَةَ مَوْلَاةِ النَّبِيِّ أَنَّهَا قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفْتِنَا فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ ؟ فَقَالَ: "ائْتُوهُ فَصَلُّوا فِيهِ". وَكَانَتْ الْبِلَادُ إِذْ ذَاكَ حَرْبًا، "فَإِنْ لَمْ تَأْتُوهُ وَتُصَلُّوا فِيهِ، فَابْعَثُوا بِزَيْتٍ يُسْرَجُ فِي قَنَادِيلِه " .



* والآن جاء واجب الأمة : هل نقف من هذه المصائب موقف المتفرج نمصمص الشفاه ونذرف الدموع وتغلي الدماء في العروق وتفيض العواطف من القلوب ؟ أم علينا فرض واجب يفرضه علينا ديننا وتفرضه علينا أخوة الإسلام وغيرة الإيمان ونخوة وشهامة الرجال ؟ أقل الواجب في هذه الأيام أن نقف مع أهلنا ببيت المقدس :

أولا : بالدعاء في الصلوت وجوف الليل : " يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين " . ولله در القائل :

أتهزأ بالدعاء وتزدريه *** وماتدري بما صنع الدعاء
سهام الليل نافذة ولكن *** لها أمد وللأمد انقضاء
فيمسكها إذا ماشاء ربي *** ويرسلها إذا نفذ القضاء

ثانيا : بالكف عن مظاهر الفجور والعصيان وتجديد التوبة ، فلا يرفع الله البلاء عن قوم إلا بتغيير ما بأنفسهم .

وثالثا : يذكر أهله وولده بقدر المسجد الأقصى ومنزلته عند الله حتى تخرج الأمة من دائرة اللاوعي ولا يغيب أو يغيب عنها مسئولية جعلها الله في عنق كل مسلم موحد ، فالمسلم الحق يعيش لقضايا الأمة ، فمن لم يهتم بأمر المسلمين كيف يكون منهم ؟؟؟

لسنا بعون الله ممن يحرص على حياة أي حياة ، حياة رخيصة مهينة ذليلة ، ولسنا كمن قال الله فيهم : " ولتجدنهم أحرص الناس على حياة " ، فهذا مراد عدونا أن تتحول حياة المسلم إلى دائرة مغلقة من الشهوات والتنافس المستميت على المال ، والشغف بالحياة والزينة والمتاع ، حتى تتفرنج حياته ويتفرنج عقله وفكره وطموحه وآماله واهتماماته ، ويتفرنج أولاده وزوجته وبيته وذريته وكلامه .

أيها الموحد : دينك دينك لحمك دمك ، دينك أمانة ، إسلامك أمانة ، نصرة الأمة أمانة ، لا عزة بالمال والثروة ، ولا عزة بالترف والصحة ، العزة بالإسلام ، قالها عمر عندما ذهب يتسلم مفاتيح بيت المقدس ، قالها لأبي عبيدة بن الجراح : يا أبا عبد الرحمن ، لقد كنا أحقر الناس ، وأفقر الناس ، وأذل الناس ، فأعزنا الله بالإسلام ، ولو ابتغينا العزة في غيره لأذلنا الله .

هذه الحكمة العمرية هي ميثاق عمل لهذه الأمة المرحومة المنصورة بإذن الله .

































الخطبة الثانية




الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام علي سيد المرسلين ، سيدنا ومولانا محمد ، وعلي آله وأصحابه وأزواجه أمهات المؤمنين ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلوات الله وسلامه عليه، سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم .



يقول ربنا سبحانه : " وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر " ، نصرة المسلم واجبة ، فهذه الأمة كما أراد لها ربها كالجسد الواحد ، يصيبها الألم إذا اشتكى عضو من أعضائها ، هذا إذا كانت الأمة حية ، أما الأمة الميتة فإنها تقطع وتمزق ولا حياة لمن تنادي ، كما قال الشاعر :

لقد أسمعت لوناديت حيا ... ولكن لا حياة لمن تنادي
ولو نارا نفخت بها أضاءت ... ولكن أنت تنفخ في رمادي

إن الغيرة على الأعراض والحرمات من أعظم الأعمال الصالحة وأجلِّ القربات ، وهذا واجب الأمة الآن وهو فرض عين لرفع الظلم وفك أسر المسجد الأقصى ورد الأذى العدوان ، واجب الأمة صغارا وكبارا دفع الضر عن أهلنا ببيت المقدس فهي نصرة واجبة وتأمين روعاتهم وستر عوراتهم ليثبت الله أقدامهم وينصرهم على عدوه وعدوهم ، ويخرجوا بإذن الله منصورين رؤوسهم مرفوعة ، فالمسلم يحيا واقفا مرفوع الرأس موفور الكرامة ، ولا يعيش منبطحا راكعا للعبيد والمهازيل ، المسلم يموت واقفا ولا يحيا راكعا لأحد إلا لله وحده ، يحيا كريما ويموت شهيدا ، وكلنا إلى الله راجعون .

يخطئ من يفهم أن الحياة ميدان للاستجمام والراحة والخلود إلى الدعة والهدوء فهذه ليست جنتنا ، " الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر " .

الحياة الطيبة الكريمة هي حياة الطاعة والاستقامة والتي بها تطيب الحياة ، أما أن تُفهم على أنها طعام وشراب ومال وراحة أجساد ، فلا هذه حياة نبينا ولا حياة الأنبياء من قبله ولا حياة أصحابه والصالحين من بعده : " لا راحة للمؤمن دون لقاء الله " .

" حُفت الجنة بالمكاره ، وحُفت النار بالشهوات " .

" أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب " .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
الأب الروحي
أهمية هذا القسم Vip
الأب الروحي


ذكر
ســآعـتي :
التسجيل : 18/06/2008
المساهمات : 11243
عدد النقاط : 31079
المزاج : أهمية هذا القسم Qatary14
المهنة : أهمية هذا القسم Profes10
الهوايه : أهمية هذا القسم Writin10
الدولة : أهمية هذا القسم Male_e10
الأوسمة : أهمية هذا القسم 3h510
التميز : أهمية هذا القسم Domain10

أهمية هذا القسم Empty
مُساهمةموضوع: رد: أهمية هذا القسم   أهمية هذا القسم I_icon_minitimeالسبت 13 نوفمبر 2010, 4:35 pm

أهمية هذا القسم 68762
أهمية هذا القسم 338902
" اللغة العربية "




إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له واشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له واشهد أن محمداً عبده ورسوله. { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ } ، { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً } ، { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} .

أما بعد فإن أصدق الحديث كتاب الله وأحسن الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار .



كم لله من آية تشهد بعظمة الله وكبريائه وعظمته ، انظر فيمن حولك وسل نفسك : كلنا لآدم وآدم من تراب فكيف اختلفت ألوان الناس وألسنتهم ؟ أليست هذه آية تحرك العقول وتستوقف النظر : " ومن آياته خلق السموات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآيات للعالمين " .

مما نحمد الله عليه نعمة اللسان العربي المبين ، لغة القرآن ولغة النبي الكريم ، ولغة العلم والاقتصاد والحضارة التي كان الناس في الماضي يتشرفون ويتفاخرون بالنطق بها فهل هانت على أهلها حتى زهدوا فيها ؟



* حينما سمع المشركون القرآن أول مرة أخذ بمجامع قلوبهم ، ولكنهم أبوا الهداية كبرا وعلوا ، هذا الوليد بن المغيرة حينما سمع من النبي آيات من سورة فصلت قال : والله ما هذا بكلام إنس ولا جن ، إن له لحلاوة وإن عليه لطلاوة ، وإن أسفله لمغدق وإن أعلاه لمثمر ، وإنه ليعلو ولا يعلي عليه ، وما هذا بقول البشر .

وكان الوليد يسمي ريحانة قريش ومن أغناهم وأكثرهم مالا وخافوا إن أسلم أن يتبعه آخرون ، فذهب إليه أبو جهل بخبث ودهاء مظهرا للحزن والأسى ، فقال : ما لي أراك حزينا ؟ قال : إن قومك يجمعون لك مالا لأنك تدخل علي محمد وأبي بكر فتأكل من طعامهما !! فغضب وقال : يجمعون لي وقد علموا أني من أكثرهم مالا ؟؟ فقال : إن قومك لا يرضون بما قلته فيه فقل لهم قولا يشفي صدورهم ، فنظر وعبس وبس وفكر وقدر ثم خرج عليهم بقوله : إن هذا إلا سحر يؤثر ، سحر يفرق به بين المرء وزوجه !! فنزل قوله تعالي : " ذرني ومن خلقت وحيدا ..."



* جعل الله لهذه الأمة حصونا منيعة يحفظها بها من الزوال والدمار والهلاك ، فهناك أربع حصون منيعة تتحصن بها الأمة علي مدار التاريخ وعبر الأجيال أمام ضربات أعدائها القاتلة ومكرهم الدؤوب لاستئصال هذه الأمة من جذورها وزوالها من الوجود .

1- أهم هذه الحصون المنيعة عقيدتها النقية الصافية الواضحة التي لا لبس فيها ولا غموض .

2- وثانيها حصن المنهج الواصل المستقيم من مصدريه الكريمين : كتاب الله وسنة نبيه .

3- وثالث هذه الحصون أخلاقها العالية التي أفضت إلي هداية الناس ، حتى شاع بين كتاب التاريخ من غير المسلمين قولهم : ما وجد العالم فاتحا أرحم ولا أعدل من العرب .

4- وحصن اللغة التي تشرفت بنزول القرآن بها وكان سببا في حفظها وبقائها ، فكم من لغات ظهرت في دنيا الناس ثم اندثرت وماتت وأصبحت أثرا بعد عين ، فاللغات لها عمر كالإنسان ، فإذا أهملها أهلها ماتت وانقضي عمرها ، إلا لغة العرب لغة القرآن ، ففي كتاب الله إشارة إلي بقائها وعدم زوالها وهذا من فضل القرآن علي اللغة وهذا يستدل عليه من قول الله تعالي : " إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون " وإذا كان ربنا وعد بحفظ كتابه فاللغة ضمنا محفوظة معه لأنه نزل بلسان عربي مبين .

ولغة العرب من أعجب ما وقع في تاريخ البشر ، فليس لها طفولة ولا شيخوخة ، فهي في شباب دائم ، ولم لا وقد نزل القرآن الكريم بها ، فتعجب منه الأدباء وعجز عنه الفصحاء ، وما استطاع أحد أن يأتي بسورة من مثله لإعجازه في نظمه ، وحلاوة منطقه ، وعذوبة لفظه ، وإقامته الحجة على الآخرين " قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا " .



* من نعم الله علينا هذا اللسان العربي وتلك اللغة لغة القرآن ، وفي معرض تعداد النعم يذكرنا ربنا سبحانه بهذه النعمة الغالية فيقول :" الرحمن . علم القرآن . خلق الإنسان . علمه البيان". لم يقل علمه الكلام وإنما قال : علمه البيان ، وهناك فرق هائل بين الكلام والبيان ، فليس كل كلام بيان ، كم من كلام رخيص تافه غامض لا قيمة له ولا معني ، أما البيان فهو ما يفصح به الإنسان عما في نفسه مبينا قصده ورغبته ومراده .

ولغة العرب هي التي نزل بها القرآن الكريم : " نزل به الروح الأمين . على قلبك لتكون من المنذرين . بلسان عربي مبين " .



* ومن أكبر أسباب حفظ هذه اللغة هو القرآن الكريم المحفوظ بعناية الله وحفظه ، لهذا ليس عبثا أن يتكرر في مواضع عديدة من القرآن الكريم التأكيد علي عربية القرآن وأنه قرآن عربي نزل بلسان عربي مبين " كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا لقوم يعلمون " ، " وكذلك أنزلناه قرآنا عربيا وصرفنا فيه من الوعيد لعلهم يتقون أو يحدث لهم ذكرا " ، " إنا أنزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون " .

ما سر هذا الاهتمام وذلك التأكيد ؟؟ السر هو أن اللغة حصن من حصون الأمة المنيعة فإذا ضاعت اللغة استعجم فهم القرآن والسنة ومعه يضيع العمل ، لهذا يستميت أعداء الأمة ليغيبوا الأمة ويحولوا بينها وبين لغتها العربية لأنها لغة الكتاب والسنة ولا يستطيع أحد فهم الآية والحديث إلا بمفتاح اللغة ، وكنز بلا مفتاح كيف يستفاد منه ؟؟



* قيل للحسن في قوم يتعلمون العربية قال: أحسنوا، يتعلمون لغة نبيهم . وقيل للحسن : إن لنا إماما يَلحن ، قال : أخِّروه . وكتب عمر بن الخطاب : أن تفقهوا في الدين، وأحسنوا عبارة الرؤيا، وتعلموا العربية . وقال : تعلموا العربية، فإنها تنبت العقل، وتزيد في المروءة.

يقول ابن عباس كما في صحيح البخاري : ضمني رسول الله إلي صدره وقال : اللهم علمه الحكمة ، وفي رواية ابن ماجه : " اللهم علمه الحكمة وتأويل الكتاب " ، فكان حبر هذه الأمة وترجمان القرآن ومن أعرف الناس بلغة العرب ، لأن اللغة هي المدخل لفهم القرآن الكريم ومعرفة أوامره ونواهيه وما فيه من حلال وحرام وناسخ ومنسوخ ومجمل ومفصل .



* لقد حرص العرب علي اللغة حتى جعلوا لها معرضا يتباهون فيه بما تفتقت عقولهم وملكاتهم الشعرية والبلاغية ، نعم معرضا للكلمة فهي غذاء العقل ، كما يقيم الناس معارض للسلع وهي زينة الجسد ومتاع الحياة .

وإذا كان نبينا هو آخر الأنبياء فلا نبي بعده ، وكل نبي كان يأتي بمعجزة تناسب قومه وزمانه وتدل علي صدقه يؤيده بها ربه ، فإذا رآها القوم الذين أرسل إليهم آمنوا ، ومن رآها فلم يؤمن فقد أقيمت عليه الحجة ولا عذر له عند الله يوم القيامة ، فمعجزة نبينا هي هذا القرآن المعجز الذي يتحدي إلي يومنا هذا وإلي يوم القيامة من يأتي بمثله . بعشر سور من مثله . بسورة من مثله . بآية . بل الإعجاز حتى في الحرف الواحد منه .

وسائل يسأل : المعجزات تنتهي بعد ظهورها أو بموت النبي الذي ظهرت علي يديه ، والمعجزات التي أظهرها الله علي يد حبيبه ومصطفاه قد رآها من رآها في زمنه ، أما نحن ومن سبقونا ومن سيأتي بعدنا فلم نر شيئا من هذه المعجزات ، فأين هو نصيبنا في رؤية آية مادية حسية ؟؟!!

والجواب : لا ، هناك معجزة باقية إلي يومنا هذا وهي هذا القرآن الكريم المعجز الذي أبهر العقول وأخذ بمجامع القلوب وطهر النفوس وشرح الصدور ، كلام الله لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد . ولماذا أكبر المعجزات ؟؟ لأنه كلام الله .



* لغتنا لغة حية لا ميتة ، لغة ولود لا عقيم ، لغة غنية بمعانيها وألفاظها وليست فقيرة تستعير وتستجدي من غيرها ، ولم لا وقد اختارها الله تعالي لتكون لغة القرآن الكريم كلامه سبحانه .

من أكبر أسباب حفظ اللغة : حفظ القرآن الكريم وحسن تلاوته فهو الذي يقوم اعوجاج الألسنة ، ويطهرها من العجمة التي أصابتها ، ومن حفظ اللغة نشرها وتعليمها ، وهكذا كان الدعاة من قبل ، فيقولون في التاريخ : حيثما وصل المسلم وصل الإسلام ، لأن المسلم يدعو إلي دينه وينير الحياة بنور التوحيد والإيمان ، وينفض ركام الغفلة عن القلوب والعقول فتبصر الحق وتهتدي إليه ، وتتعلم القرآن ولغة القرآن ، وإنك لتعجب ممن دخلوا في الإسلام حديثا كيف عشقوا هذا الدين وتعلموا العربية الفصحى ونطقوا بها بطلاقة مع شعورهم بالعزة والفخر والكرامة أنهم أصبحوا منتسبين إلي خير دين لخير أمة ، وتري طفلا صغيرا من غير العرب يحفظ القرآن عن ظهر قلب ولغة القرآن غير لغته ، ولكن يزول العجب حينما نتلوا قوله سبحانه : " ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر ".



* أخرج مسلم أن النبي قال لابن مسعود : " اقرأ علي القرآن " فقلت : يا رسول الله أقرأ عليك وعليك أنزل ؟ قال : " نعم إني أحب أن أسمعه من غيري " ، قال : فافتتحت سورة النساء حتى جئت إلي قوله تعالي : " فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك علي هؤلاء شهيدا " فقال : حسبك الآن ، فالتفت إليه فإذا عيناه تذرفان .

هذا هو أثر القرآن في القلوب الطاهرة الصافية التقية النقية ، تسمع كلام ربها خاشعة متدبرة متأملة ، فيفيض عليها نورا وعلما وهدي ورحمة ، وإذا خشعت القلوب دمعت العيون ، ومن سمع القرآن بلا قلب فكيف تفيض عينه وتخشع جوارحه ؟؟ " إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلي ربهم يتوكلون " .



































الخطبة الثانية


الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام علي سيد المرسلين ، سيدنا ومولانا محمد ، وعلي آله وأصحابه وأزواجه أمهات المؤمنين ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلوات الله وسلامه عليه، سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم .



روي البيهقي وعبد الرزاق عن عمر بن الخطاب أن النبي قال : " إنما بعثت فاتحا وخاتما، وأعطيت جوامع الكلم وفواتحه، واختصر لي الحديث اختصارا " .

ومما دل على فصاحته وحكمته جوابه لمن يسأله بكلمات قليلة وتنضح بمعان كثيرة ، ومنها قوله لسفيان بن عبدالله الثقفي وقد قال له: يا رسول الله، قل لي في الإسلام قولا لا أسأل عنه أحدا بعدك . قال : " قل آمنت بالله ثم استقم " . رواه مسلم

يُراد لهذه اللغة أن تموت فهذا كيد العبيد ، فرحم الله من تكلم بها وعلمها واحترمها واحتضنها وعلمها ولده وأهله ، وأعظم سبب نعتصم به لحفظ اللغة هو القرآن الكريم ، نحفظه ونتعلمه ونعلمه أبناءنا وبناتنا ، ونتعلم من السيرة كم بكي رسول الله عند سماع القرآن ؟ كم فاضت عيونه علي خده حتى بللت لحيته وهو في الصلاة ؟ إنه بسنته وسلوكه يعلمنا كيف نقرأ القرآن بقلوب حاضرة تري بنور البصيرة النور الذي بين السطور ، ولا يري أنوار القرآن إلا من كسر قفل القلب : " أفلا يتدبرون القرآن أم علي قلوب أقفالها " .

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
الأب الروحي
أهمية هذا القسم Vip
الأب الروحي


ذكر
ســآعـتي :
التسجيل : 18/06/2008
المساهمات : 11243
عدد النقاط : 31079
المزاج : أهمية هذا القسم Qatary14
المهنة : أهمية هذا القسم Profes10
الهوايه : أهمية هذا القسم Writin10
الدولة : أهمية هذا القسم Male_e10
الأوسمة : أهمية هذا القسم 3h510
التميز : أهمية هذا القسم Domain10

أهمية هذا القسم Empty
مُساهمةموضوع: رد: أهمية هذا القسم   أهمية هذا القسم I_icon_minitimeالسبت 13 نوفمبر 2010, 4:37 pm

أهمية هذا القسم 68762
أهمية هذا القسم 338902
" اللغة العربية حصن من حصون الأمة "




إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له واشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له واشهد أن محمداً عبده ورسوله. { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ } ، { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً } ، { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} .

أما بعد فإن أصدق الحديث كتاب الله وأحسن الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار .



أخرج مسلم أن النبي قال لابن مسعود : " اقرأ علي القرآن " فقلت : يا رسول الله أقرأ عليك وعليك أنزل ؟ قال : " نعم إني أحب أن أسمعه من غيري " ، قال : فافتتحت سورة النساء حتى جئت إلي قوله تعالي : " فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك علي هؤلاء شهيدا " فقال : حسبك الآن ، فالتفت إليه فإذا عيناه تذرفان .



* هذا هو أثر القرآن في القلوب الطاهرة الصافية التقية النقية ، تسمع كلام ربها خاشعة متدبرة متأملة ، فيفيض عليها نورا وعلما وهدي ورحمة ، وإذا خشعت القلوب دمعت العيون ، ومن سمع القرآن بلا قلب فكيف تفيض عينه وتخشع جوارحه ؟؟ " إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلي ربهم يتوكلون " .

حينما سمع المشركون القرآن أول مرة أخذ بمجامع قلوبهم ، ولكنهم أبوا الهداية كبرا وعلوا ، هذا الوليد بن المغيرة حينما سمع من النبي آيات من سورة فصلت قال : والله ما هذا بكلام إنس ولا جن ، إن له لحلاوة وإن عليه لطلاوة ، وإن أسفله لمغدق وإن أعلاه لمثمر ، وإنه ليعلو ولا يعلي عليه ، وما هذا بقول البشر . وكان الوليد يسمي ريحانة قريش ومن أغناهم وأكثرهم مالا وخافوا إن أسلم أن يتبعه آخرون ، فذهب إليه أبو جهل بخبث ودهاء مظهرا للحزن والأسى ، فقال : ما لي أراك حزينا ؟ قال : إن قومك يجمعون لك مالا لأنك تدخل علي محمد وأبي بكر فتأكل من طعامهما !! فغضب وقال : يجمعون لي وقد علموا أني من أكثرهم مالا ؟؟ فقال : إن قومك لا يرضون بما قلته فيه فقل لهم قولا يشفي صدورهم ، فنظر وعبس وبس وفكر وقدر ثم خرج عليهم بقوله : إن هذا إلا سحر يؤثر ، سحر يفرق به بين المرء وزوجه !! فنزل قوله تعالي : " ذرني ومن خلقت وحيدا ..."



* جعل الله لهذه الأمة حصونا منيعة يحفظها بها من الزوال والدمار والهلاك ، فهناك أربع حصون منيعة تتحصن بها الأمة علي مدار التاريخ وعبر الأجيال أمام ضربات أعدائها القاتلة ومكرهم الدؤوب لاستئصال هذه الأمة من جذورها وزوالها من الوجود .

1- أهم هذه الحصون المنيعة عقيدتها النقية الصافية الواضحة التي لا لبس فيها ولا غموض .

2- وثانيها حصن المنهج الواصل المستقيم من مصدريه الكريمين : كتاب الله وسنة نبيه .

3- وثالث هذه الحصون أخلاقها العالية التي أفضت إلي هداية الناس ، حتى شاع بين كتاب التاريخ من غير المسلمين قولهم : ما وجد العالم فاتحا أرحم ولا أعدل من العرب .

4- وحصن اللغة التي تشرفت بنزول القرآن بها وكان سببا في حفظها وبقائها ، فكم من لغات ظهرت في دنيا الناس ثم اندثرت وماتت وأصبحت أثرا بعد عين ، فاللغات لها عمر كالإنسان ، فإذا أهملها أهلها ماتت وانقضي عمرها ، إلا لغة العرب لغة القرآن ، ففي كتاب الله إشارة إلي بقائها وعدم زوالها وهذا من فضل القرآن علي اللغة وهذا يستدل عليه من قول الله تعالي : " إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون " وإذا كان ربنا وعد بحفظ كتابه فاللغة ضمنا محفوظة معه لأنه نزل بلسان عربي مبين .



* من آيات الله في خلقه التي تستوقف النظر والعقل اختلاف ألسنة الناس وألوانهم رغم أنهم من أب واحد وأم واحدة " ومن آياته خلق السموات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآيات للعالمين " ، فلو قام أهل الأرض جميعا وفي صعيد واحد مع اختلاف أصواتهم وألسنتهم ولغاتهم يدعون ربهم وكل منهم يبث له رجاءه وشكواه ، لسمعهم في آن واحد دون أن تختلف عليه الأصوات أو اللغات ، فسبحان من وسع سمعه الأصوات ولا تختلف عليه اللغات ، أنت لا تستطيع أن تسمع خمسة يتكلمون في آن واحد ، ولكن ربك لا تخفي عليه خافيه وسع كل شيء رحمة وعلما .



* من نعم الله علينا هذا اللسان العربي وتلك اللغة لغة القرآن ، وفي معرض تعداد النعم يذكرنا ربنا سبحانه بهذه النعمة الغالية فيقول :" الرحمن . علم القرآن . خلق الإنسان . علمه البيان". لم يقل علمه الكلام وإنما قال : علمه البيان ، وهناك فرق هائل بين الكلام والبيان ، فليس كل كلام بيان ، كم من كلام رخيص تافه غامض لا قيمة له ولا معني ، أما البيان فهو ما يفصح به الإنسان عما في نفسه مبينا قصده ورغبته ومراده .



* ومن أكبر أسباب حفظ هذه اللغة هو القرآن الكريم المحفوظ بعناية الله وحفظه ، لهذا ليس عبثا أن يتكرر في مواضع عديدة من القرآن الكريم التأكيد علي عربية القرآن وأنه قرآن عربي نزل بلسان عربي مبين " كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا لقوم يعلمون " ، " وكذلك أنزلناه قرآنا عربيا وصرفنا فيه من الوعيد لعلهم يتقون أو يحدث لهم ذكرا " ، " إنا أنزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون " .

ما سر هذا الاهتمام وذلك التأكيد ؟؟ السر هو أن اللغة حصن من حصون الأمة المنيعة فإذا ضاعت اللغة استعجم فهم القرآن والسنة ومعه يضيع العمل ، لهذا يستميت أعداء الأمة ليغيبوا الأمة ويحولوا بينها وبين لغتها العربية لأنها لغة الكتاب والسنة ولا يستطيع أحد فهم الآية والحديث إلا بمفتاح اللغة ، وكنز بلا مفتاح كيف يستفاد منه ؟؟



* قيل للحسن في قوم يتعلمون العربية قال: أحسنوا، يتعلمون لغة نبيهم . وقيل للحسن : إن لنا إماما يَلحن ، قال : أخِّروه . وكتب عمر بن الخطاب : أن تفقهوا في الدين، وأحسنوا عبارة الرؤيا، وتعلموا العربية . وقال : تعلموا العربية، فإنها تنبت العقل، وتزيد في المروءة.

يقول ابن عباس : ضمني رسول الله إلي صدره وقال : اللهم علمه الحكمة وتأويل الكتاب " رواه البخاري ، فكان حبر هذه الأمة وترجمان القرآن ومن أعرف الناس بلغة العرب ، لأن اللغة هي المدخل لفهم القرآن الكريم ومعرفة أوامره ونواهيه وما فيه من حلال وحرام وناسخ ومنسوخ ومجمل ومفصل .



* لقد حرص العرب علي اللغة حتى جعلوا لها معرضا يتباهون فيه بما تفتقت عقولهم وملكاتهم الشعرية والبلاغية ، نعم معرضا للكلمة فهي غذاء العقل ، كما يقيم الناس معارض للسلع وهي زينة الجسد ومتاع الحياة .

وإذا كان نبينا هو آخر الأنبياء فلا نبي بعده ، وكل نبي كان يأتي بمعجزة تناسب قومه وزمانه وتدل علي صدقه يؤيده بها ربه ، فإذا رآها القوم الذين أرسل إليهم آمنوا ، ومن رآها فلم يؤمن فقد أقيمت عليه الحجة ولا عذر له عند الله يوم القيامة ، فمعجزة نبينا هي هذا القرآن المعجز الذي يتحدي إلي يومنا هذا وإلي يوم القيامة من يأتي بمثله . بعشر سور من مثله . بسورة من مثله . بآية . بل الإعجاز حتى في الحرف الواحد منه .

وسائل يسأل : المعجزات تنتهي بعد ظهورها أو بموت النبي الذي ظهرت علي يديه ، والمعجزات التي أظهرها الله علي يد حبيبه ومصطفاه قد رآها من رآها في زمنه ، أما نحن ومن سبقونا ومن سيأتي بعدنا فلم نر شيئا من هذه المعجزات ، فأين هو نصيبنا في رؤية آية مادية حسية ؟؟!!

والجواب : لا ، هناك معجزة باقية إلي يومنا هذا وهي هذا القرآن الكريم المعجز الذي أبهر العقول وأخذ بمجامع القلوب وطهر النفوس وشرح الصدور ، كلام الله لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد . ولماذا أكبر المعجزات ؟؟ لأنه كلام الله ، كما أن البشرية قد بلغت مرحلة من النضج والوعي تخطت به التأثر بالحس والمادة إلي التأثر بالحجة والبرهان الذي تقنع به العقول وتستنير به القلوب .



* لغتنا لغة حية لا ميتة ، لغة ولود لا عقيم ، لغة غنية بمعانيها وألفاظها وليست فقيرة تستعير وتستجدي من غيرها ، ولم لا وقد اختارها الله تعالي لتكون لغة القرآن الكريم كلامه سبحانه .

من أكبر أسباب حفظ اللغة : حفظ القرآن الكريم وحسن تلاوته فهو الذي يقوم اعوجاج الألسنة ، ويطهرها من العجمة التي أصابتها ، ومن حفظ اللغة نشرها وتعليمها ، وهكذا كان الدعاة من قبل ، فيقولون في التاريخ : حيثما وصل المسلم وصل الإسلام ، لأن المسلم يدعو إلي دينه وينير الحياة بنور التوحيد والإيمان ، وينفض ركام الغفلة عن القلوب والعقول فتبصر الحق وتهتدي إليه ، وتتعلم القرآن ولغة القرآن ، وإنك لعجب ممن دخلوا في الإسلام حديثا كيف عشقوا هذا الدين وتعلموا العربية الفصحى ونطقوا بها بطلاقة مع شعورهم بالعزة والفخر والكرامة أنهم أصبحوا منتسبين إلي خير دين لخير أمة ، وتري طفلا صغيرا من غير العرب يحفظ القرآن عن ظهر قلب ولغة القرآن غير لغته ، ولكن يزول العجب حينما نتلوا قوله سبحانه : " ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر ".



* روى الحاكم وغيره : كان النبي يسمر بعد العشاء أحينا مع أبي بكر وعمر فيما يخص قضايا الأمة ، وليلة بعدما فرغوا وهموا بالانصراف سمعوا رجلا يقرأ القرآن في المسجد بصوت عذب ، فوقف النبي يستمع إلي قراءته حتى فرغ منها وبدأ يدعو ، فقال : " سل تعط ، سل تعط " .

وكان هذا القارئ هو عبد الله بن مسعود ، فقال النبي : " من أراد أن يسمع القرآن غضا طريا كما أنزل فليسمعه من ابن أم عبد " ، كان ذلك في جنح الظلام بالليل ولا يدري ابن مسعود أن هناك من كان يسمع لقراءته .

وفي الصباح ذهب عمر يبشر ابن مسعود أن النبي أمن علي دعائه ودعا له بالقبول وقال : سل تعط ، ثم سأله : بأي شيء دعوت الله ؟ - ما الذي قلته في دعائك – فقال لقد قلت : اللهم إني أسألك إيمانا لا يرتد ، ونعيما لا ينفد ، وقرة عين الأبد ، ومرافقة نبيك محمدا في أعلي جنة الخلد ...






























الخطبة الثانية


الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام علي سيد المرسلين ، سيدنا ومولانا محمد ، وعلي آله وأصحابه وأزواجه أمهات المؤمنين ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلوات الله وسلامه عليه، سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم .



روي مسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي تلي قول اللَّه عَزَّ وَجَلَّ في إبراهيم : " رب إنهن أضللن كثيراً من الناس فمن تبعني فإنه مني " الآية (إبراهيم 36) ، وقول عيسى : " إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم " (المائدة 118) فرفع يديه وقال: "اللهم أمتي أمتي" وبكى. فقال اللَّه عَزَّ وَجَلَّ: يا جبريل اذهب إلى محمد - وربك أعلم - فسله ما يبكيه؟ فأتاه جبريل فأخبره رَسُول اللَّهِ بما قال وهو أعلم . فقال اللَّه تعالى : يا جبريل اذهب إلى محمد فقل : إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوؤك .

كم بكي رسول الله عند سماع القرآن ؟ كم فاضت عيونه علي خده حتى بللت لحيته وهو في الصلاة ؟ إنه بسنته وسلوكه يعلمنا كيف نقرأ القرآن بقلوب حاضرة تري بنور البصيرة النور الذي بين السطور ، ولا يري أنوار القرآن إلا من كسر قفل القلب " أفلا يتدبرون القرآن أم علي قلوب أقفالها " .

حقوق القرآن علينا خمسة : 1- حسن الاستماع والإنصات .

2- حسن التلاوة والقراءة .

3- حسن الفهم والتدبر .

4- حسن التطبيق والعمل .

5- حسن البلاغ والدعوة . " بلغوا عني ولو آية"

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عيون القلب
أهمية هذا القسم Vip
عيون القلب


انثى
ســآعـتي :
التسجيل : 31/07/2008
المساهمات : 7898
عدد النقاط : 20302
المزاج : أهمية هذا القسم Qatary21
المهنة : أهمية هذا القسم Office10
الهوايه : أهمية هذا القسم Travel10
الدولة : أهمية هذا القسم Female12
الأوسمة : أهمية هذا القسم 3h210
التميز : أهمية هذا القسم Xxtt710

أهمية هذا القسم Empty
مُساهمةموضوع: رد: أهمية هذا القسم   أهمية هذا القسم I_icon_minitimeالجمعة 14 يناير 2011, 2:13 pm


موضوع مميزجدااااااااااااا

ننتظر المزيد من مشاركاتك وابداعاتك المميزة دائما

جزاك الله عنه خيراااا

وجعله الله في ميزان حسناتك

أهمية هذا القسم 9ower.com-4c6b29b477
أهمية هذا القسم 5589b3d0f3

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
الأب الروحي
أهمية هذا القسم Vip
الأب الروحي


ذكر
ســآعـتي :
التسجيل : 18/06/2008
المساهمات : 11243
عدد النقاط : 31079
المزاج : أهمية هذا القسم Qatary14
المهنة : أهمية هذا القسم Profes10
الهوايه : أهمية هذا القسم Writin10
الدولة : أهمية هذا القسم Male_e10
الأوسمة : أهمية هذا القسم 3h510
التميز : أهمية هذا القسم Domain10

أهمية هذا القسم Empty
مُساهمةموضوع: رد: أهمية هذا القسم   أهمية هذا القسم I_icon_minitimeالجمعة 14 يناير 2011, 7:04 pm

أهمية هذا القسم 68762
أهمية هذا القسم 338902
" أعمال صالحة تشفع لأصحابها "




إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له واشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ } ، { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً } ، { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} .

أما بعد فإن أصدق الحديث كتاب الله وأحسن الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار .



* الحمد لله الذي بلغنا شهر رمضان ، وأهله علينا بالأمن والإيمان ، شهر الصيام والقيام ، شهر أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان ، شهر رحمة ومغفرة وبركة وعتق للرقاب من النار ، فاللهم اجعلنا فيه من المقبولين ، وأعتق رقابنا فيه من النار ، واجعله شاهدا لنا لا علينا ، وشفعه فينا يوم نلقاك ، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم .



* الوقوف بين يدي الله آت لا محالة ، فيوم القيامة لا ريب فيه ، وعند الحساب كلنا يحتاج إلي شفيع يشفع له بين يدي ربه ، هناك شفاعة الرسل والأنبياء ، وهناك شفاعة من أذن الله لهم بالشفاعة من عباده الصالحين ، وهناك أعمال صالحة تشفع لصاحبها بين يدي ربه ، وعلى رأس هذه الأعمال الصيام وتلاوة القرآن :

روى أحمد ومسلم عن أبي أمامة قال: قال رسول الله : " اقرؤا القرآن، فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه " .

وروى أحمد والطبراني والبيهقي عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله : " الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة ، يقول الصيام : أي رب إني منعته الطعام والشهوات بالنهار فشفعني فيه ، ويقول القرآن : أي رب منعته النوم بالليل فشفعني فيه ، قال : فيشفعان " .

وما أحوجنا إلي هذه الشفاعة يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه ؟؟

المؤمن يشفع له صومه ، ويشفع له بكاؤه وتضرعه ودعاؤه ، تشفع له صدقته وبره وإحسانه ، ويشفع له القرآن الذي رطب لسانه بتلاوته حق تلاوته آناء الليل وأطراف النهار .



* والسؤال : أي صيام هو الذي سيشفع لأصحابه ؟ هل هو صيام البطون عن الطعام والشراب والشهوات ؟ أم هو صيام الجوارح عن المعاصي والذنوب ؟ أم هو صيام القلوب عن التعلق بغير الله ؟

وأي تلاوة للقرآن هي التي ستشفع لصاحبها ؟ وكيف يكون القرآن حجة لنا لا علينا ؟

الصيام الذي تتحقق شفاعته هو لمن صام رمضان إيمانا واحتسابا ، تصديقا بموعود الله ورغبة في الأجر والمغفرة ، الصائم فيه يراقب ربه ويحفظ جوارحه عن الحرام ، ويهجر المعصية وأماكنها وأهلها ، وينأى بنفسه عن لغو القول ولغو العمل ، فلا يهدر وقته في غفلة ، ولا يضيع أيامه ولياليه في الحرام ، فلا غيبة ولا نميمة ولا بهتان ، ولا فحش في القول ولا بذاءة في اللسان ، ولا سباب ولا شتم ولا قول الزور أو عمل به ، روى أحمد والبخاري عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : " من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه " .

وروى ابن خزيمة والبيهقي والحاكم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : " ليس الصيام من الأكل والشرب، إنما الصيام من اللغو والرفث ؛ فإن سابك أحد أو جهل عليك فقل: " إني صائم ، إني صائم " .

التقوى ثمرة من ثمرات الصيام ، وهذه هي أخلاق الصائم لله حقا ، فالصوم يترك بصمة وعلامة علي أصحابه في كلامهم ونظرات عيونهم وحركات جوارحهم ، ومن يراهم يشهد لهم بأنهم أهل إحسان ودين وتقى . ليس الصيام تعذيبا للأبدان ولا حرمانا من طيبات أحلها الله لنا ، ولكنه تمرين للنفس وتزكية وتربية كيف تتحكم في الإرادة أمام الشهوة ، فمن خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فهذا هو التقي في أعلى درجات العلا ومأواه الجنة ، اللهم اجعلنا منهم .



* والقرآن يشفع لأصحابه إذا كانوا يتلونه حق تلاوته ، وحق التلاوة يتحقق بخمس أمور هي من حقوق القرآن علينا :

· حسن التلاوة والقراءة . روى البخاري ومسلم عن عائشة قالت : قال رسول الله : " الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة ، والذي يقرأ القرآن ويتتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران " . وروى أبو داود عن عبد الله بن عمرو قال : قال رسول الله : " يقال لصاحب القرآن اقرأ وارتق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا ، فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها " .

· حسن الاستماع والإنصات إليه عند تلاوته . " وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون " .

· حسن التدبر والفهم لمعانيه وأوامره ونواهيه . " أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها ". وروى مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : " وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده " .

· حسن العمل به والتطبيق . روى مسلم عن النواس بن سمعان قال سمعت رَسُول اللَّهِ يقول : " يؤتى يوم القيامة بالقرآن وأهله الذين كانوا يعملون به في الدنيا تقدمه سورة البقرة وآل عمران ، تحاجان عن صاحبهما " . أي تدفعان عنه وتشفعان له .

· حسن الدعوة إليه وتبليغه للناس . روى البخاري عن عثمان قال: قال رسول الله : " خيركم من تعلم القرآن وعلمه " . روى البخاري عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله : " بلغوا عني ولو آية " .



* ومن مفاخر هذه الأمة تشريع عجيب لم تسبقها به أمة من الأمم وهو تشريع الوقف لأرض أو مزرعة أو بناء أو عقار ، ينتفع بهذا الوقف مع بقاء الأصل علي شروط الواقف ليصبح الخير جار لأجيال وأجيال ، والأجر كذلك موصول لمن كان سببا فيه وتقرب إلي الله به ، كم من وقف انتفعت به ألوف وملايين وأصحابها في التراب واراهم النسيان ، ولكن أجورهم موصولة ، وهذا هو باب الخير المفتوح بعد ممات الإنسان ، فإذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث : صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له .

قد يقول قائل : أحتاج إلي من يعينني كيف أعين غيري ؟ ابدأ بنفسك فأعن غيرك ليعينك ربك ، فالله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه ، كم من بيوت مسلمة فقيرة عفيفة ولكنها سخية كريمة ، وببركة سخائها وجودها أغناها الله من فضله وفتح عليها من خزائن جوده وفضله ورحمته ، أرزاقا ظاهرة وخفية تنعم بها هي وذريتها دهورا طويلة ، فالمعروف عند الله لا يضيع ، روي مسلم عن أبي هريرة عن النبي قال : " من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة ، ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة ، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه " .

وتتأكد المسارعة لهذا الخير في رمضان الذي كان فيه الرسول الكريم أجود بالخير من الريح المرسلة ، فنبينا قدوتنا وهو خير من صام وقام ، ورمضان شهر الإطعام ولا ينبغي للأمة أن تجعله شهر الطعام ، " كلوا واشربوا ولا تسرفوا " . وكم في الأمة من جراح وآلام تحتاج إلي من يمسحها ، وكم ساهم الوقف في كفالة يتيم وأرملة وقضاء دين ورعاية مسن وعلاج مريض ، روى البزار عن أنس قال: قال رسول الله : " سبع يجري للعبد أجرهن وهو في قبره بعد موته : من علم علما ، أو أجرى نهرا ، أو حفر بئرا ، أو غرس نخلا ، أو بنى مسجدا ، أو ورث مصحفا ، أو ترك ولدا يستغفر له بعد موته " .

يا من تبحثون عن الأسهم الرابحة هذه هي الأسهم الرابحة ، فاعرض هذه السبع على نفسك وسل : أي سهم لك منها ؟ فهذه أسهم رابحة وأرباحها تأتي كل حين بإذن ربها .

كن أهل فضل ومعروف وإحسان ، ولا تنتظر من أحد علي معروفك شكرا ولا ثناءا ، وكن من عباد الله الذين وصفهم بقوله : " ويطعمون الطعام علي حبه مسكينا ويتيما وأسيرا . إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاءا ولا شكورا . إنا نحاف من ربنا يوما عبوسا قمطريرا . فوقاهم الله شر ذلك اليوم ولقاهم نضرة وسرورا . وجزاهم بما صبروا جنة وحريرا " ، اللهم اجعلنا منهم بفضلم ومنك وكرمك يا أجود الأجودين ويا أكرم الأكرمين .



الخطبة الثانية


الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام علي سيد المرسلين ، سيدنا ومولانا محمد ، وعلي آله وأصحابه وأزواجه أمهات المؤمنين ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلوات الله وسلامه عليه، سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم .



روي البخاري ومسلم عن البراء قال :" كان رجل يقرأ سورة الكهف . وعنده فرس مربوط بشطنين. فتغشته سحابة. فجعلت تدور وتدنو. وجعل فرسه ينفر منها. فلما أصبح أتي النبي فذكر ذلك له. فقال : " تلك السكينة . تنزلت للقرآن " .

وأخرج مسلم عن أسيد بن حضير أنه : بينما هو ليلة يقرأ في مربده . إذ جالت فرسه. فقرأ . ثم جالت أخرى . فقرأ . ثم جالت أيضا . قال أسيد : فخشيت أن تطأ يحيى . فقمت إليها. فإذا مثل الظلة فوق رأسي . فيها أمثال السرج . عرجت في الجو حتى ما أراها . قال فغدوت على رسول الله فقلت: يا رسول الله ! بينما أنا البارحة من جوف الليل أقرأ في مربدي . إذ جالت فرسي ..... فقال رسول الله : " تلك الملائكة كانت تستمع لك . ولو قرأت لأصبحت يراها الناس . ما تستتر منهم " . ببركة تلاوة القرآن تتنزل الملائكة وتنزل السكينة وتغشانا الرحمة .

يا من تريدون تفريج الهموم وأداء الديون وقضاء الحوائج وراحة البال وانشراح الصدور . هذا هو الطريق ، وهذه هي ليالي الصالحين ، ليالي رمضان مشرقة بنور القرآن فلا نطفئها بالغفلات والمعاصي ، رمضان غنيمة الصالحين من العام كله ، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون ، فأروا الله من أنفسكم خيرا حتى يباهي بكم ملائكته .

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
الأب الروحي
أهمية هذا القسم Vip
الأب الروحي


ذكر
ســآعـتي :
التسجيل : 18/06/2008
المساهمات : 11243
عدد النقاط : 31079
المزاج : أهمية هذا القسم Qatary14
المهنة : أهمية هذا القسم Profes10
الهوايه : أهمية هذا القسم Writin10
الدولة : أهمية هذا القسم Male_e10
الأوسمة : أهمية هذا القسم 3h510
التميز : أهمية هذا القسم Domain10

أهمية هذا القسم Empty
مُساهمةموضوع: رد: أهمية هذا القسم   أهمية هذا القسم I_icon_minitimeالجمعة 14 يناير 2011, 7:08 pm

أهمية هذا القسم 68762
أهمية هذا القسم 338902
أثر الإيمان في حياة الإنسان




إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له واشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له واشهد أن محمداً عبده ورسوله. { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ } ، { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً } ، { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} .

أما بعد فإن أصدق الحديث كتاب الله وأحسن الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار .



القلوب المؤمنة الطاهرة تحب ربها وتسارع في رضاه وطاعته ، فبين المؤمنين وبين ربهم صلة حب وود أكدها القرآن الكريم في مواضع منها قوله تعالى : " إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا " ، وقال سبحانه : " والذين آمنوا أشد حبا لله " ، وقال : " فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه " ، فاللهم ارزقنا حبك وحب من يحبك وحب كل عمل يقربنا إلى حبك ، واجعل حبك أحب إلينا من الأهل والمال والولد ومن الماء البارد على الظمأ .



* الإيمان نور في القلب يسكب فيه الطمأنينة والأمان ، ويطرد منه الظلمة والشكوك والأوهام ، والإيمان نور في الحياة يرى المؤمن به سبل السلام ، فالإيمان إقرار باللسان وعمل بالجوارح والأركان ، واعتقاد بالقلب والجنان ، الإيمان قوة دافعة وقوة عاصمة ، قوة دافعة تدفع إلى كل بر وطاعة ومعروف كالصلاة والزكاة ومعاملة الناس بالحسنى ، والإيمان قوة عاصمة تعصم صاحبها من الوقوع في الكبائر والمعاصي .

روى مسلم وأحمد والترمذي عن العباس عن النبي قال : " ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربا ، وبالإسلام دينا ، وبمحمد رسولا " .



* ما هو أثر الإيمان في حياة الإنسان ؟ سؤال يطرح نفسه لندرك عن يقين أن منافع الدين ليست محصورة فيما بعد الموت ، وإنما منافع الدين وبركات الدين نراها في الحياة قبل الرحيل إلى الدار الآخرة .

1- أعظم آثار الإيمان هي الطمأنينة والسكينة التي تغمر قلب المؤمن ، فلن يضيع في الحياة ولا يخشى فقرا ولا هلاكا ف الذي خلقه يطعمه ويسقيه وإذا مرض فهو يشفيه ، كل فم شقه الله ضمن له رزقه وأجله ولن يغادر الحياة قبل أن يستوفي رزقه وأجله ، " الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون " .

المؤمن لا يخاف مخلوقا ولا ينافق أحدا ولا يخدع إنسانا ولا يؤذي مؤمنا ، لأنه يرافب ربه الذي يسمعه ويراه في السر والعلانية ، الأمة كلها تعيش في ظل هذا الأمان وهو أثر وبركة من بركات الإيمان ، ولله در شاعر الهند بل أقول شاعر الإسلام محمد إقبال رحمه الله وهو يقول :

إذا الإيمان ضاع فلا أمان * ولا دنيا لمـــن لم يحي دينا
ومن رضي الحياة بغير دين
* فقد جـــعل الفناء لها قرينــا




فالنفس تطمئن إذا كانت في كنف قوي غني قادر سميع بصير ، لا تخفي عليه خافية ، ولا يعجزه شيء ، تجد عنده الملجأ والملاذ والحفاظة والحماية والرعاية ، بيده الرزق والأجل ، بيده العطاء والمنع والنفع والضر ، بيده العزة والذل والحياة والموت ، فمن هنا تأتي الطمأنينة في النفس علي قدر الله فيها فهي لا تغيب عن علمه طرفة عين ولا أقل منها : " قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير " .

الناس يبذلون ما يملكون للحصول علي طمأنينة القلب وراحة البال وهدوء النفس ، وهذه كلها من ثمار الإيمان وحده ، فلا تُستجلب بالأموال ولا المناصب ، لأنها تنبع من داخل الإنسان لا من خارجه ، يقول ربنا سبحانه :" الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب " .

سحرة فرعون من أين جاءتهم القوة وهم في مواجهة أعتى عتاة الدنيا فرعون ولم يخافوا من التهديد والوعيد ؟ كانوا يطمعون في الجوائز إن هم هزموا موسي ، فوعدهم فرعون بالمنح والعطايا العظيمة كما وعدهم بالقرب منه وعلو المنزلة ، ولكن ماذا قالوا بعد إيمانهم رغم تهديده لهم بالقتل في أبشع صورة ؟ ومن أين جاءتهم هذه الطمأنينة العجيبة وذلك الأمان والهدوء الذي غمر نفوسهم حتي استهانوا بفرعون وتهديده ووعيده ، بل صاروا يدعونه إلي الله ويذكرونه بالآخرة ؟ هذا هو فعل الإيمان وهذه الطمأنينة هي ثمرة من ثمار الإيمان ، فماذا قالوا :

" قالوا لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات والذي فطرنا فاقض ما أنت قاض إنما تقضي هذه الحياة الدنيا، إنا آمنا بربنا ليغفر لنا خطايانا وما أكرهتنا عليه من السحر والله خير وأبقى . إنه من يأت ربه مجرما فإن له جهنم لا يموت فيها ولا يحيى . ومن يأته مؤمنا قد عمل الصالحات فأولئك لهم الدرجات العلى . جنات عدن تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك جزاء من تزكى " .



*2- نرى أثر الإيمان في ترابط الأمة ، فقلب المؤمن قلب حي يشعر بمصائب المسلمين ويتألم لجراحهم ولا يقف من آلام الأمة يمصمص الشفاه موقف المتفرج ، ولكنه يبادر بالإنفاق من ماله أو بالإنفاق من دموعه يسكبها في الليل دعاءا بين يدي ربه ؟

روى الطبراني عن عمر بن الخطاب عن النبي قال : " أفضل الأعمال إدخال السرور على المؤمن ؛ كسوت عورته ، وأشبعت جوعته ، أو قضيت له حاجة " .

ماذا فعل عمر عندما حلت المصائب بالمسلمين عام الرمادة وهو قدوة هذه الأمة ؟ انتفض خائفا أن يكون هو سبب هلاك أمة محمد ، وقال في دعائه ودموعه علي لحيته : اللهم لا تجعل هلاك أمة محمد علي يدي !! وقام من فوره يشرف علي إطعام الناس وإيوائهم في هذه المجاعة التي حلت بالمسلمين :

أ- قال أسلم خادم عمر : كنا نقول : لو لم يرفع الله المحل – الجدب والقحط – عام الرمادة لظننا أن عمر يموت هَمًّا بأمر المسلمين . ولم لا ، أليس عمر هو القائل : لو أن بغلة عثرت بأرض العراق لخشيت أن أسأل عنها بين يدي الله : لِمَ لَمْ تمهد لها الطريق يا عمر ؟؟!!

ب- منع نفسه من أي طعام شهي حتي يأكله كل المسلمين ، وكان يأكل الخبز بالزيت حتي تقرقر بطنه واسود جلده من كثرة أكله للزيت ، فلما كلموه أن يأكل ويرفق بنفسه قال : كيف أشبع والناس جياع ؟؟!!



*3- نرى أثر الإيمان في الأسرة فالعلاقة الزوجية أقامها الإسلام على حق يقابله واجب ، فلا تقصر في واجباتك ثم تأتي تطالب بحقوقك ، عامل زوجتك بالرفق والإحسان والاحترام ، أحسن إليها واتق الله فيها واصبر عليها وعاشرها بالمعروف ، روى الترمذي وابن حبان عن أبي هريرة عن النبي قال : " أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا، وخياركم خياركم لنسائهم " .

وأثر الإيمان في المؤمنة توقر زوجها وتحترم رأيه ولا تتطاول عليه ولا تعيره بفقره وتقف إلى جواره عند أزماته ولا تحمله من الهموم والأعباء فوق ما يطيق ، هذه المؤمنة هي الدرة الغالية التي يضعها زوجها في عيونه قبل قلبه ، ترعى زوجها وتحسن أدب أولادها ولا تدخل في عراك وخصام وجدال مع زوجها على الصغيرة والكبيرة ، هذه هي التي تفتح لها أبواب الجنة وينادى عليها للدخول من أيها شاءت ، روى ابن حبان عن أبي هريرة عن النبي قال : " إذا صلت المرأة خمسها ، و صامت شهرها ، و حصنت فرجها ، وأطاعت زوجها ، قيل لها : ادخلي الجنة من أي أبواب الجنة شئت " .

وأيوب يُضرب به المثل في الصبر ، وما أصبح مضرب الأمثال إلا لثباته أمام المحنة ، ولم تغيره أحداث الحياة ولم يتلون أمام المصائب والشدائد ، بل ظل عبدا لله شاكرا له راضيا صابرا ، وقد ابتلي في جسده وولده وماله ورزقه ، سُلبت منه هذه النعم كلها للامتحان والابتلاء ، كان غنيا فصار فقيرا ، وكان صحيحا فصار مريضا ، وكان له أسرة وأهل وولد فذهب ذلك كله وانصرف عنه القريب والبعيد وصار وحيدا فريدا ولم تبق معه إلا زوجته صابرة معه تخدمه وترعى مصالحه .

صفات الزوجة الصالحة تظهر عند الشدائد ، فالمؤمنة لا تترك زوجها عند الشدة ولا تعيره بفقره ، ولا تتركه وقت المحن والبلايا ، فالأيام متغيره ومهما طال ليل فلابد له من فجر ، ولكن الأصيل الشريف يُعرف وقت الشدة والمحنة ، أما التي تترك زوجها وتخذله لضر أصابه فهي أسيرة للهوى والمنفعة والمصلحة ، ولا يمكن لبيت أن يقوم علي المصالح المادية وحدها ، فنظرة الإسلام للمرأة علي أنها كائن له احترامه وقلبه ومشاعره ، وهو يوصيها كذلك أن تكون سكنا ومحضنا هادئا لزوجها .

ماذا فعلت خديجة حينما جاءها النبي يرتجف مع أول لقاء له مع جبريل ؟ قالت له : " كلا والله ما يخزيك الله أبدا ، إنك لتصل الرحم ، وتحمل الكل ، وتكسب المعدوم ، وتقري الضيف ، وتعين على نوائب الحق " .

أقيموا البيوت علي المودة والمحبة والرحمة ، أيها المسلمون : اعلموا أن بيوتكم مستهدفة لتنهدم وتنهار ، أيها الرجال والنساء احرصوا علي استقرار وهدوء البيوت ، فخطة الشيطان الآن هي دمار البيوت المسلمة وانهيار اللبنة الصالحة بالطلاق والفراق ، ألا ما أسهل الهدم وأصعب البناء .



*4 - أثر الإيمان في الأبناء هو بر الآباء والإحسان إليهما كبارا أحياءا وبعد الموت ، فكم أنفق الأب وضحى ؟ وكم سهرت الأم وصبرت ، ولكن العاق الجاحد ينسى فهو أسير الأنانية ، يمص رحيق حياة والديه ثم يعرض عنهما كبارا أحوج ما يكونان إليه ، فهل جزاء الإحسان إلا الإحسان ؟

فالإيمان يعلم الذرية البر والإحسان إلي الوالدين واحترام وتوقير الكبار ، ويعلم الزوجة حسن العشرة لزوجها وطاعته والتودد إليه كما في المقابل يعلم الزوج إكرام زوجته وحسن العشرة معها ومعاملتها بالمعروف .



*5 - أثر الإيمان في العمل وإتقانه والعمل والكسب والاقتصاد ، فلا غش ولا كسل ولا نفاق للحصول على ما لا يستحق ، فالعامل يتق الله في عمله لله لا لصاحب العمل ، ويصفي لقمته الحلال التي يطعمن منها نفسه وزوجه وولده ، وكم من عقوق الأبناء وفساد الأزواج سببه أكل أموال الناس باباطل وأكل الربا وامتداد اليد إلى الشبهات والحرام ، نعم . نهب أموالاكثيرة وزادت ثروته ولكنه نهب حيات وعقارب وأدخلها بيته يوشك أن تلدغه عاجلا أو آجلا ، فالمال الحرام مال نجس ، إذا تعكرت عليك زوجتك وفسد وشرد ولدك ، فراجع نفسك لعل يدك امتدت إلى شبهة أو تهربت من العمل أو خنت الأمانة . اطلبوا الغنى بتقوى الله ، فهذا أثر الإيمان في نور بصيرة المؤمن ليدرك من أين يكون غناه ؟

أخرج البيهقي عن نافع قال: خرج ابن عمر في بعض نواحي المدينة ومعه أصحاب له ووضعوا سفرة لهم فمر بهم راعي غنم، فسلم فقال ابن عمر: هلم يا راعي، هلم فأصب من هذه السفرة، فقال له: إني صائم، فقال ابن عمر: أتصوم في مثل هذا اليوم الحار الشديد سمومه وأنت في هذه الجبال ترعى هذه الغنم؟ فقال له: إني والله أبادر أيامي الخالية، فقال له ابن عمر، وهو يريد أن يختبر ورعه: فهل لك أن تبيعنا شاة من غنمك هذه فنعطيك ثمنها ونعطيك من لحمها فتفطر عليه؟ فقال: إنها ليست لي بغنم، إنها غنم سيدي. فقال له ابن عمر: فما عسى سيدك فاعلا إذا فقدها فقلت أكلها الذئب؟ فولى الراعي عنه، وهو رافع إصبعه إلى السماء، وهو يقول: فأين الله؟ قال: فجعل ابن عمر يردد قول الراعي وهو يقول: قال الراعي: فأين الله؟ فلما قدم المدينة بعث إلى مولاه فاشترى منه الغنم والراعي، فأعتق الراعي ووهب منه الغنم .

" من عمل صالحا من ذكر أو أنثي وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون " .

ومن منافع الإيمان أن يتعايش الناس بالأمانة والديانة ، وأن تكون السلعة الرائجة في الأمة هي سلعة الدين والإيمان ، من العفة وعزة النفس عند الفقراء والكرم والجود والسخاء عند الأغنياء ، وإتقان العمل من الأجير ومكافأته من رب العمل وعدم بخسه حقا من حقوقه .

ومن منافع الإيمان تصفية القلب من الحزن علي الحظوظ الضائعة الفائتة ، وعدم طول الأمل والغرور بالنعم العاجلة ، فالمؤمن معتدل المزاج وسط بين الإفراط والتفريط " لكي لا تحزنوا علي ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم " .



الخطبة الثانية


الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام علي سيد المرسلين ، سيدنا ومولانا محمد ، وعلي آله وأصحابه وأزواجه أمهات المؤمنين ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلوات الله وسلامه عليه، سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم .



" إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ " . المؤمن يحيا آمنا مطمئنا عزيزا كريما سمحا رحيما عادلا صادقا أمينا ، يصبر عند البلاء ويشكر عند الرخاء ويحبه أهل الأرض والسماء ، روى مسلم والبيهقي عن صهيب قال: قال رسول الله : " عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير ، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن ، إن أصابته سراء فشكر كان خيرا ، وإن أصابته ضراء فصبر كان خيرا ".

منافع الإيمان ليست محصورة في الآخرة بعد الموت ، بل أثر هذه المنافع نراها في الدنيا ، وكم من النصوص تؤكد علي أن منافع الإيمان في هذه الدنيا معجلة للمؤمن قبل رحيله إلي الدار الآخرة .

إن تيسير الحياة علي المؤمن ثمرة لإيمانه ووعد صادق من ربه : " فأما من أعطي واتقي . وصدق بالحسني . فسنيسره لليسري " ، فالمؤمن أبعد ما يكون عن القلق والهلع والاكتئاب وأمراض العصر التي تفتك بألوف الناس ، لأنه يفهم معني الرضا والقناعة وغني النفس ، يؤمن بالقضاء والقدر ويفهمه فهما صحيحا يدعوه إلي التوكل علي الله والثقة به وليس فهما معكوسا خاطئا يدعوه إلي التواكل والتواني واستجداء صدقات المحسنين وفتات الآخرين .

كم من الصحابة كانوا بسطاء في معاشهم ودنياهم ، فلم يعيشوا في قصور فخمة ولم يركبوا دوابا فارهة ولم يلبسوا ثيابا ناعمة ، بل عاشوا زهادا حتي عند مجيء الدنيا عليهم ، لأنهم فهموا أن الراحة راحة القلوب والأرواح وليس راحة الأجسام والأبدان ، وهكذا كان الخيرة من سلف هذه الأمة وصالحيها عبر القرون والأزمان . لقد علمنا ديننا أن مع الأسباب الظاهرة هناك أسباب غيبية أنفع وأكثر وأعظم نفعا وبركة ، منها قوة اليقين والإيمان والدعاء والاستغفار :

قال تعالي : " ولو أن أهل القري آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض " ، وقال : " ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل علي الله فهو حسبه " ، وقال علي لسان نوح : " قلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا . يرسل السماء عليكم مدرارا . ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا " .

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
الأب الروحي
أهمية هذا القسم Vip
الأب الروحي


ذكر
ســآعـتي :
التسجيل : 18/06/2008
المساهمات : 11243
عدد النقاط : 31079
المزاج : أهمية هذا القسم Qatary14
المهنة : أهمية هذا القسم Profes10
الهوايه : أهمية هذا القسم Writin10
الدولة : أهمية هذا القسم Male_e10
الأوسمة : أهمية هذا القسم 3h510
التميز : أهمية هذا القسم Domain10

أهمية هذا القسم Empty
مُساهمةموضوع: رد: أهمية هذا القسم   أهمية هذا القسم I_icon_minitimeالجمعة 14 يناير 2011, 7:17 pm

أهمية هذا القسم 68762
أهمية هذا القسم 338902
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
الأب الروحي
أهمية هذا القسم Vip
الأب الروحي


ذكر
ســآعـتي :
التسجيل : 18/06/2008
المساهمات : 11243
عدد النقاط : 31079
المزاج : أهمية هذا القسم Qatary14
المهنة : أهمية هذا القسم Profes10
الهوايه : أهمية هذا القسم Writin10
الدولة : أهمية هذا القسم Male_e10
الأوسمة : أهمية هذا القسم 3h510
التميز : أهمية هذا القسم Domain10

أهمية هذا القسم Empty
مُساهمةموضوع: رد: أهمية هذا القسم   أهمية هذا القسم I_icon_minitimeالجمعة 14 يناير 2011, 7:27 pm

أهمية هذا القسم 68762
أهمية هذا القسم 338902
" الإسلام دين النظافة والطهارة "




إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ } ، { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً } ، { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} .

أما بعد فإن أصدق الحديث كتاب الله وأحسن الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار .



* روي مسلم عن أبي موسي الأشعري قال سمعت رسول الله يقول : " الطهور شطر الإيمان، و "الحمد لله" تملأ الميزان، و "سبحان الله" و "الحمد لله" تملآن أو تملأ ما بين السماء والأرض، والصلاة نور، والصدقة برهان، والصبر ضياء، والقرآن حجة لك أو عليك، كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها" . المؤمن يعيش طاهرا كريما ، ويموت طاهرا كريما ، فالجنة طاهرة طيبة ، شرابها طهور ، والأزواج فيها مطهرة ، ولا يدخلها إلا الطيبون ، الذين طابت قلوبهم بالإيمان بالله وتوحيده وحبه وخشيته ، وطابت جوارحهم بالطاعات وترك المنكرات ، وطابت أوقاتهم بذكر الله والدعاء وتلاوة القرآن .

الإسلام دين النظافة والطهارة ، جاء ليبني أمة طاهرة ، طاهرة في عقيدتها وعبادتها وفهمها وسلوكها ، وجاءت الطهارة في نصوص الكتاب والسنة بمعناها الواسع الشامل ليتطهر المسلم ظاهرا وباطنا ، فمما جاء في أوائل السور المكية قوله سبحانه :" يا أيها المدثر . قم فأنذر . وربك فكبر . وثيابك فطهر " ، والطهارة هنا كما قال العلماء هي طهارة القلب والنفس والبدن ، فالمسلم مأمور :

· بطهارة القلب من الشرك والهوي والتعلق بغير الله .

· وطهارة النفس والجوارح من المعاصي والذنوب .

· وطهارة الأبدان من الأدناس والأدران .

ومما يدل علي ذلك قوله سبحانه : " إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين " فجمع بين الطهارة من الذنوب والطهارة من الأذي والنجاسة ، فإذا كان الإنسان بفطرته السوية يأنف من أي نجس ظاهر يعلو بدنه ويسارع إلي تطهيره وتنظيفه وتعطيره ، فإن نجس المعاصي علي الجوارح أشد من نجاسة الأبدان ، وكلاهما واجب التطهير .



* وكان نبينا قبل النبوة وبعدها من أطهر الناس وأجمل الناس وأطيب الناس ظاهرا وباطنا ، وكانت رائحة عرقه أطيب من ريح المسك وإذا مشي من طريق عرفوا ذلك من طيب ريحه ، فهؤلاء أصحابه أشد الناس حبا واتباعا له فماذا كانوا يفعلون ؟؟ روي البخاري ومسلم أن النبي قال : " يا بلال! حدثني بأرجى عمل عملته عندك في الإسلام منفعة فإني سمعت الليلة دف نعليك بين يدي في الجنة " قال : ما عملت عملا أرجى عندي من أني لم أتطهر طهورا في ساعة من ليل أو نهارا إلا صليت بذلك الطهور ما كتب لي أن أصلي .

أول باب يبدأ به الفقه في ديننا هو العبادات وأول ما تبدأ به هو باب الطهارة ، فالوضوء مفتاح الصلاة ، والصلاة هي باب الدخول علي مناجاة الله والوقوف بين يديه ، ولله الحمد أن الوضوء كما يغسل الجوارح والأعضاء فإنه يغسل معه الذنوب والخطايا التي تلبست بها هذه الجوارح ، حتي يدخل المؤمن علي ربه طاهرا نظيفا ظاهرا وباطنا :

روي مسلم عن أبي هريرة عن النبي قال : " إذا توضأ العبد المسلم أو المؤمن فغسل وجهه خرج من وجهه كل خطيئة نظر إليها بعينيه مع الماء أو آخر قطر الماء ، فإذا غسل يديه خرج من يديه كل خطيئة كان بطشتها يداه مع الماء أو مع آخر قطر الماء ، فإذا غسل رجليه خرجت كل خطيئة كان مشتها رجلاه مع الماء أو مع آخر قطر الماء حتى يخرج نقيا من الذنوب " .



* وإذا كان من شروط صحة الصلاة طهارة المكان وطهارة الثياب وطهارة البدن ، فهل لذلك معني يريد الشارع الحكيم أن يغرسه في قلوب الأمة ؟ نعم . وهو أن حياة المسلم كلها طاهرة وعليه أن يتحري الطهر فيما يأخذ ويدع ، وهذا بداية للطهارة الكبري وهي طهارة القلوب وتزكية النفوس ليلقي المؤمن ربه بقلب سليم :

كان سلمان مع أي الدرداء بسوق دمشق وحان وقت الصلاة ، فقال سلمان لنبطية من أنباط الشام : يا أمة الله ألا يوجد هنا مكان طاهر لنصلي ؟ فقالت له : يا بني طهر قلبك وصلِّ حيث شئت !! فقال سلمان لأبي الدرداء : خذها حكمة من فم كافرة . ما معني أن الثياب نظيفة وموضع الصلاة طاهر بينما القلب نجس ؟ ولهذا عَظَّم الله أجر الخاشعين الذين يقبلون فيها علي الله بالقلوب قبل القوالب ، وبالأرواح والأفئدة قبل الأجساد والأبدان .



* كم من تشريع حكيم جاء به ديننا ليجعل المسلم مميزا عن غيره في فهمه وعقيدته وعبادته وسلوكه وشعائره ، فالحق لا يلتقي مع الباطل في أول الطريق ولا في منتصفه ولا في منتهاه .

شرع لنا ديننا كثير من أنواع الغسل المفروضة والمندوبة ، فأوجب علينا الغسل من الجنابة وكذا المرأة من الحيض والنفاس وأخبر أن الملائكة لا تدخل بيتا فيه صورة ولا كلب ولا جنب ، وشرع لنا غسل الميت رغم أنه في آخر عهده بالدنيا وأول عهده بالآخرة وسيدفن في القبر بين الدود والتراب ، وسَنَّ لنا غسل الجمعة والعيدين والإحرام لمن أراد حجا أو عمرة ، ورغب في الوضوء قبل النوم لينام المؤمن علي طهارة كما جاء في حديث البراء بن عازب أن النبي قال له : إذا أتيت مضجعك، فتوضأ وضوءك للصلاة، ثم اضطجع على شقك الأيمن، وقل: اللهم أسلمت وجهي إليك، وفوضت أمري إليك، وألجأت ظهري إليك ، رغبة ورهبة إليك ، لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك ، آمنت بكتابك الذي أنزلت، وبنبيك الذي أرسلت، فإنك إن مت من ليلتك مت على الفطرة وإن أصبحت أصبت خيرا ، واجعلهن آخر ما تقول " .

كم من نائم نام وما قام ، فما يدري الإنسان إذا نام لعلها آخر نومة لا يقظة بعدها فيكون قد نام طاهرا ، فقد روى الطبراني وابن حبان عن ابن عمر أن النبي قال: " طَهِّرُوا هَذِهِ الأَجْسَادَ طَهَّرَكُمُ اللَّهُ, فَإِنَّهُ لَيْسَ عَبْدٌ يَبِيتُ طَاهِرًا إِلا بَاتَ مَلَكٌ فِي شِعَارِهِ لا يَنْقَلِبُ سَاعَةً مِنَ اللَّيْلِ إِلا قَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِعَبْدِكَ فَإِنَّهُ بَاتَ طَاهِرًا " .

وهذا عمر بلغت به الحمية والغضب في جاهليته قبل إسلامه أن أخذ سيفه وانطلق ليقتل رسول الله فلقيه نعيم بن عبد الله العدوي ، أو رجل من بني زهرة، فقال أين تعمد يا عمر؟ قال: أريد أن أقتل محمداً. قال : كيف تأمن من بني هاشم ومن بني زهرة وقد قتلت محمداً ؟ فقال له عمر: ما أراك إلا قد صبوت وتركت دينك الذي كنت عليه . قال: أفلا أدلك على العجب يا عمر! إن أختك وختنك قد صبوا، وتركا دينك الذي أنت عليه. فمشى عمر غاضبا حتى أتاهما وعندهما خباب بن الأرت معه صحيفة فيها سورة طه يقرئهما إياها ـ وكان يختلف إليهما ويقرئهما القرآن فلما سمع خباب حسَّ عمر توارى في البيت ، وسترت فاطمة ـ أخت عمر ـ الصحيفة، وكان قد سمع عمر حين دنا من البيت قراءة خباب إليهما، فلما دخل عليهما قال: ما هذه الهينمة التي سمعتها عندكم ؟ فقالا: ما عدا حديثاً تحدثناه بيننا. قال: فلعلكما قد صبوتما. فقال له ختنه: يا عمر أرأيت إن كان الحق في غير دينك ؟ فوثب عمر على ختنه فوطئه وطأً شديداً. فجاءت أخته فرفعته عن زوجها فنفحها نفحة بيده، فدمى وجهها ـ وفي رواية ابن إسحاق أنه ضربها فشجها ـ فقالت ـ وهي غضبى : يا عمر إن كان الحق في غير دينك ، أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمداً رسول الله . فلما يئس عمر، ورأى ما بأخته من الدم ندم واستحى. وقال: أعطوني هذا الكتاب الذي عندكم فأقرؤه ، فقالت أخته : إنك مشرك نجس، ولا يمسه إلا المطهرون ، فقم فاغتسل، فقام فاغتسل، ثم أخذ الكتاب ، فقرأ " بسم الله الرحمن الرحيم " فقال: أسماء طيبة طاهرة. ثم قرأ: " طه " حتى انتهى إلى قوله : " إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي " فقال: ما أحسن هذا الكلام وأكرمه؟ دلوني على محمد. الآن لان قلبك يا عمر !! ما هو سر الغسل والطهارة ؟ ما هو سر القرآن العظيم في تغيير النفوس والقلوب ؟ إذا كانت طهارة البدن شرطا في مس المصحف ولا يمسه إلا المطهرون ، فإن طهارة القلب شرط في الفهم ،والقرآن لا يبوح بأسراره وأنواره إلا للطاهرة قلوبهم .

* بل تأمل في هذا الدعاء الذي كان يدعو به الحبيب عندما يصلي صلاة الجنازة علي ميت ، روى مسلم عن عوف بن مالك الأشجعي قال: صلى رسول الله على جنازة فحفظت من دعائه : " اللهم اغفر له، وارحمه وعافه واعف عنه ، وأكرم نزله ووسع مدخله ، واغسله بالماء والثلج والبرد، ونقه من الخطايا كما نقيت الثوب الأبيض من الدنس " . وعندما يستفتح الصلاة كان يقول : " اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب ؛ اللهم نقني من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس ، اللهم اغسلني من خطاياي بالماء والثلج والبرد " رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة .



* حب النبي لهذه الأمة لا حدود له ويتجلي في مواقف تعلن عن نفسها ولا تحتاج معها إلي دليل أو برهان ، روي مسلم ومالك في الموطأ عن أبي هريرة قال : أتي رسول الله المقبرة فقال : " السلام عليكم دار قوم مؤمنين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون ، وددت أنا قد رأينا إخواننا ، قالوا : أولسنا إخوانك ؟ قال: بل أنتم أصحابي وإخواننا الذين لم يأتوا بعد ، قالوا : كيف تعرف من لم يأت بعد من أمتك؟ قال: أرأيت لو أن رجلا له خيل غرّ محجلة بين ظهري خيل دُهْم بُهْم ألا يعرف خيله؟ قالوا: بلى قال: فإنهم يأتون يوم القيامة غرا محجلين من الوضوء وأنا فرطهم على الحوض " . الطهارة هي عنوان هذه الأمة المرحومة يوم القيامة ، وهي العلامة التي تميزها عن سائر الأمم ، والبشريات تأتيها وهي في هذه الدار قبل الإنتقال إلي الدار الآخرة ، روي مسلم عن عمر عن النبي قال : " ما منكم من أحد يتوضأ فيبلغ - أو فيسبغ الوضوء - ثم قال أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء " .

والطهارة سمة الأنبياء والصالحين من عباد الله ، ألم يعرض لوط بناته علي قومه قائلا : " هؤلاء بناتي هن أطهر لكم " ، ولما عزموا علي طرده من بلده كانت تهمته هي الطهارة " أخرجوهم من قريتكم إنهم أناس يتطهرون " ، فالكافر كله نجس وإن بدا في الظاهر جميل المنظر حسن الهيئة كما جاء في سورة التوبة : " إنما المشركون نجس " وأول سمة يعرفون بها أنهم لا يتطهرون ، ومن تشبه بهم عَرَّض نفسه لعذاب الله ، روي البخاري ومسلم عن ابن عباس أن النبي مر بقبرين فقال : " إنهما يعذبان وما يعذبان في كبير، بلى إنه كبير؛ أما أحدهما فكان يمشي بالنميمة، وأما الآخر فكان لا يستتر من بوله " وفي بعض الروايات " لا يستنزه من بوله " أي يتطهر منه .



* وماذا عن خير البقاع في الأرض وهي المساجد ، بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله و إقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار ليجزيهم الله أحسن ما عملوا ويزيدهم من فضله والله يرزق من يشاء بغير حساب .

أمرنا الله أن نعظم بيوته ، والتعظيم يبدأ عند الشروع في الذهاب إليها ، " يا أيها الذين آمنوا خذوا زينتكم عند كل مسجد "، فأنت تقبل علي بيت العظيم سبحانه ، ومن تعظيم شعائر الله تعظيم هذا اللقاء ، فالمساجد بيوت الله في الأرض ، وزوارها عمارها الذين يعمرونها بمجالس العلم وقراءة القرآن والصلاة والذكر والدعاء ، وهذه العمارة هي علامة الإيمان ، " إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتي الزكاة ولم يخش إلا الله فعسي أولئك أن يكونوا من المهتدين " .

ومدح الله قوما يعمرون بيوته ويحرصون علي الطهارة لأنها شعار هذه الأمة الطاهرة " لمسجد أسس علي التقوي من أول يوم أحق أن تقوم فيه فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين " .

وقد جعل الشارع الحكيم أحكاما متعلقة بهذه البقاع تعليما للأمة سنن النظافة والطهارة :

1- سَنَّ الغسل عند اجتماع عدد كبير من الناس فيها كالجمعة والعيدين .

2- سَنَّ لنا التطيب والتجمل بلبس أفضل الثياب وأكرمها عند القدوم عليها ولا سيما في الجمعة .

3- نهي عن كل ما يؤذي المسلم من رائحة كريهة ، ففي الحديث الذي رواه البخاري ومسلم : " من أكل ثوما أو بصلا فليعتزلنا وليعتزل مسجدنا، وليقعد في بيته " . ذلك لأن الملائكة تتأذي مما يتأذي منه بنو آدم ، إذا كان هذا في الثوم والبصل وفيهما ما فيهما من المنافع ، فكيف بالدخان وهو سرطان وسم قاتل لا منفعة فيه ؟؟!!

4- سَنَّ لنا سنن الفطرة وأنها من سنن المرسلين قبلنا ، فقال : " خمس من الفطرة: الختان، والاستحداد، وقص الشارب، وتقليم الأظفار، ونتف الإبط " رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة . ورغب في السواك لأنه مطهرة للفم فقال : " لَوْلاَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِى أَوْ عَلَى النَّاسِ لأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ مَعَ كُلِّ صَلاَةٍ " رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة .



* لقد أمر الله أبا الأنبياء وخليل الرحمن إبراهيم بتطهير بيته وتهيئته للطائفين والعاكفين والركع السجود : " وعهدنا إلي إبراهيم وإسماعيل أن طهرا بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود " ، تطهير من رجس الأوثان والأصنام وتطهير من النجس والأدران ، وفي هذا تنويه بشأن من يطهر بيت الله ، فقد يبدو ذلك في الظاهر مهنة يستهان بها ، ولكنها عند الله عظيمة في الميزان ، حتي كان يتقرب بها إلي الله بعض علماء الأمة وأئمتها الكبار تواضعا لله وكسرا لكبرياء النفس وغرورها وانتفاخها الكاذب .

في صحيح البخاري ومسلم عن أَبِى هُرَيْرَةَ : أن امرأة سوداء كانت تقم المسجد (أو شابا) ففقدها رسول الله . فسأل عنها (أو عنه) فقالوا : مات . قال :" أفلا كنتم آذنتمونى". قال : فكأنهم صغروا أمرها (أوأمره) . فقال : " دلوني على قبرها" فدلوه . فصلى عليها .

لا ندري أينا مقبول عند الله ، ولا ندري أي أعمالنا مقبولة عند الله ، فلا تحقرن من المعروف شيئا ولو أن تلقي أخاك بوجه طليق .



الخطبة الثانية


الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام علي سيد المرسلين ، سيدنا ومولانا محمد ، وعلي آله وأصحابه وأزواجه أمهات المؤمنين ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلوات الله وسلامه عليه، سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم .



جوارحنا أمانة ، وهي مستنطقة شاهدة يوم القيامة لنا أو علينا ، فالسمع أمانة والبصر أمانة واللسان أمانة ، والمؤمن أمين علي ما استودعه الله إياه ، " قل إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا " . من مداخل الشيطان إلي القلب العين ، وأمر الله المؤمنين والمؤمنات بحراسة القلوب من هذه البوابة الهامة حتي لا يدخل منها ما يعكر صفو القلب وأنسه بربه ، " قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ . وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا "

إذا خانت العين خان القلب ، والله لا يأتمن علي دينه خوان ، كم من بلاء تجنيه العين علي القلب ، كم من نظرة حرام تزرع في القلب شهوة ؟ فاحذروا هذه السهام المسمومة ، فقلب المسلم مستهدف وعقله مستهدف ، والبيت المسلم مستهدف ، وشياطين الجن والإنس يستميتون في الليل والنهار لتعكير الأجواء بما يدمر الأخلاق ويطفيء نبضة الإيمان التي في الصدور بكل وسيلة سمعية ومرئية .

فما هي صفة البيوت المسلمة ؟ البيوت المسلمة طاهرة نقية مميزة عن غيرها ، وتأتيها الملائكة لما فيها من ذكر وطاعة وبر ومعروف ، والسؤال : هل يخرج من بيوتنا في الليل مزمار الشيطان أم يخرج منها دوي كدوي النحل من قراءة القرآن وتلاوة آيات الرحمن ؟؟!!

قال عطاء دخلت على عائشة - بعد وفاة النبي - فقلت لها: أخبرينا بأعجب ما رأيت من رسول الله فبكت وقالت: وأي شأنه لم يكن عجبا؟ أتاني ليلة فدخل معي في فراشي - أو قالت في لحافي - حتى مس جلدي جلده ثم قال : " يا ابنة أبي بكر ذريني أتعبد لربي" فقالت: قلت إني أحب قربك لكني أوثر هواك فأذنت له ، فقام إلى قربة ماء فتوضأ فلم يكثر صب الماء ، ثم قام يصلي فبكى حتى سالت دموعه على صدره ثم ركع فبكى ثم سجد فبكى ثم رفع رأسه فبكى فلم يزل كذلك يبكي حتى جاء بلال فآذنه بالصلاة ، فقلت يا رسول الله : ما يبكيك وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ؟ قال : " أفلا أكون عبدا شكورا ولم لا أفعل ذلك وقد أنزل الله تعالى عليَّ : " إن في خلق السموات والأرض " الآية . أخرجه أبو الشيخ ابن حبان في كتاب أخلاق رسول الله ومن طريقه ابن الجوزي في الوفا وفيه أبو جناب واسمه يحيى بن أبي حية ضعفه الجمهور ورواه ابن حبان في صحيحه من رواية عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء دون قوله: وأي أمره لم يكن عجبا. وهو عند مسلم من رواية عروة عن عائشة مقتصرا على آخر الحديث.

هذه ليلة واحدة من ليالي نبينا المشرقة الطاهرة ، فأين ليلنا من ليله ، وأين همومنا من همومه ؟ أولسنا أحوج منه إلي عفو الله ومغفرته ورحمته ؟ فأين دليل هذه الحاجة وتلك الرغبة ؟؟

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
الأب الروحي
أهمية هذا القسم Vip
الأب الروحي


ذكر
ســآعـتي :
التسجيل : 18/06/2008
المساهمات : 11243
عدد النقاط : 31079
المزاج : أهمية هذا القسم Qatary14
المهنة : أهمية هذا القسم Profes10
الهوايه : أهمية هذا القسم Writin10
الدولة : أهمية هذا القسم Male_e10
الأوسمة : أهمية هذا القسم 3h510
التميز : أهمية هذا القسم Domain10

أهمية هذا القسم Empty
مُساهمةموضوع: رد: أهمية هذا القسم   أهمية هذا القسم I_icon_minitimeالجمعة 14 يناير 2011, 7:33 pm

أهمية هذا القسم 68762
أهمية هذا القسم 338902


" الإصلاح بين المتخاصمين "



إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ } ، { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً } ، { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} .

أما بعد فإن أصدق الحديث كتاب الله وأحسن الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار .



روى أحمد ومسلم عن أبي هريرة قال : قال رسول الله : " ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله " . وروى أحمد وأبو داود والترمذي عن أبي هريرة قال : قال رسول الله : " الصلح جائز بين ، المسلمين إلا صلحا أحل حراما، أو حرم حلالا " .

ما الذي يريده الناس من دنياهم ؟ يريدون الراحة ؟ يريدون العزة والكرامة ؟ يريدون الغنى والعافية ؟ هذا كله في خزائن من يقول للشئ كن فيكون .

طبائع الناس في هذه الدنيا مختلفة ، وأهواؤهم متقلبة ، ومصالحهم متباينة ، ولله في ذلك حكمة ، وهو القائل سبحانه : " ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين . إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم " .

وصراع الحياة على حطام الأرض لا ينتهي ، وقد تحدث بين الناس خصومة ومنازعة ، ومن هنا أوجب الإسلام الإصلاح بين المتخاصمين ، حتى ترجع النفوس إلى الحق ، وتصفو القلوب من دنس الدنيا وحطامها ، وتتعلق بخزائن الله الواسعة .

روى عبادة بن الصامت قال: خرج رسول الله إلى بدر فلقوا العدو فلما هزمهم الله اتبعتهم طائفة من المسلمين يقتلونهم ، وأحدقت طائفة برسول الله ، واستولت طائفة على العسكر والنهب فلما نفى الله العدو ورجع الذين طلبوهم قالوا : لنا النفل ، نحن الذين طلبنا العدو وبنا نفاهم الله وهزمهم . وقال الذين أحدقوا برسول الله : ما أنتم أحق به منا، بل هو لنا، نحن أحدقنا برسول الله لئلا ينال العدو منه غرة. وقال الذين استلووا على العسكر والنهب : ما أنتم بأحق منا ، هو لنا ، نحن حويناه واستولينا عليه ، فأنزل الله عز وجل : "يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين " . فقسمه رسول الله عن فواق بينهم . ذكره القرطبي في تفسيره .



* قوة هذه الأمة في عصمتها بدينها وتآلفها واتحاد كلمتها ، وكلما نزغ الشيطان بين المؤمنين بنار الفتنة قيَّض الله من عباده الأتقياء البررة من يخمد نارها ويصلح بين المتخاصمين ، " إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون " . فإصلاح ذات البين لا يأتي إلا بالخير ، وبه تآلف القلوب وطهارة النفوس وزوال الخلاف والفرقة وجمع الكلمة واتحاد الأمة .

جلس جمع من الأوس والخزرج في المدينة وهم يتحدثون وبينهم ألفة وحب ومودة ، فمر أحد اليهود فساءه ما هم عليه من اجتماع وألفة ومحبة ، فأرسل رجلا معه ليجلس بينهم ويذكرهم بأيام بعاث ، وهذه كانت حرب دارت بينهما مائة وعشرين عاما ، رغم أنهما قبيلتان لأب واحد وأم واحدة .

فحميت نفوسهم وغضب بعضهم علي بعض ونادوا بشعارهم يا للأوس يا للخزرج وأخذوا سلاحهم وتواعدوا الحرة للاقتتال فلما سمع بذلك النبي جاء مسرعا وجعل يسكتهم ويقول : أبدعوي الجاهلية وأنا بين أظهركم ؟ وتلا عليهم قوله تعالي : " واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون " . فندموا علي ما كان منهم وبكوا وتعانقوا وألقوا سلاحهم رضي الله عنهم .



* إصلاح النفوس فيه مشقة وعناء ، فليس تسلية ولا أمرا هينا ، لأن التعامل مع الحجارة والحديد قد يكون أيسر من التعامل مع بعض النفوس البشرية التي قد لا تلين كما يلين الحديد ، ولا تخشع كما تتفجر بعض الحجارة بالأنهار .

ومن هنا رغبنا ربنا جلَّ وعلا في مهمة الإصلاح بين الناس ووعد عليه أجرا سماه أجرا عظيما :

" لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات الله فسوف نؤتيه أجرا عظيما " .

روي الترمذي وابن ماجه والبيهقي عن أم حبيبة قالت : قال رسول الله : " كلام ابن آدم كله عليه لا له إلا أمرا بمعروف أو نهيا عن منكر ، أو ذكر الله عز وجل " .

كم يخوض الناس في مجالس وتناجي لا ثمرة لها ؟ وكم تضيع الأوقات والأعمار في غفلات ومعاصي ؟ فهنيئا لمن استعمله الله بطاعته ؟



* قد يضطر الإنسان للكلمة الطيبة الحانية يصلح بها بين اثنين ، فنفى الإسلام تهمة الكذب عن المصلح بين الناس ، روي البخاري ومسلم عن أم كلثوم بنت عقبة قالت : قال رسول الله : " ليس الكذاب بالذي يصلح بين الناس فيَنْمِي خيرا ، أو يقول خيرا " .

الإسلام ما حصر ثواب الطاعات في العبادات من صلاة وتهجد وصيام وتلاوة للقرآن ، بل جعل هناك درجة أفضل وأعلى عند الله من درجة صيام التطوع وصلاة النافلة وصدقة النافلة ، ما هو هذا العمل الذي يبلغنا هذه الدرجة ؟ روي أحمد والترمذي وأبو داود عن أبي الدرداء قال : قال رسول الله : " ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة ؟ قالوا : بلى . قال : إصلاح ذات البين " .

ومن أبى إلا المشاحنة وسواد القلب وكبر النفس ، فقد حرم نفسه من المغفرة وبات محروما من عفو الله عنه ، روي مسلم وأبو داود والترمذي عن أبي هريرة قال : قال رسول الله : " تُفتح أبواب الجنة يوم الإثنين ويوم الخميس ، فيغفر فيهما لكل عبد لا يشرك بالله شيئا إلا رجل كانت بينه وبين أخيه شحناء ، فيُقال : أنظروا هذين حتى يصطلحا " .



* إن الشيطان لا يهدأ إذا وجد مودة وحبا بين المؤمنين ، ويتميز غيظا إذا رآهم مجتمعين علي الطاعة متآلفين ، فينفث سمه ويوقد نار الفتنة والعداوة بينهم ، لأنه بفساد ذات البين تحل الهزائم وتتفرق الكلمة ويكون الفشل ، " ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا " .

وروي أحمد والترمذي عن الزبير بن العوام قال : قال رسول الله : " دب إليكم داء الأمم قبلكم : الحسد والبغضاء . هي الحالقة ، حالقة الدين لا حالقة الشعر . والذي نفس محمد بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ، ولا تؤمنوا حتى تحابوا . أفلا أنبئكم بشيء إذا فعلتموه تحاببتم ؟ أفشوا السلام بينكم " .

إن الأعلى مقاما وقدرا وقيمة ، والأقرب إلى الله والأتقى ، هو الذي يبادر بالسلام فالصلح خير ، وقد بيَّن النبي أن أفضل المتخاصمين هو الذي لا تأخذه العزة بالإثم ويبادر إلى أخيه بالسلام ، روي البخاري عن أبي أيوب الأنصاري قال : قال رسول الله : " لا يحل لرجل أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال ، يلتقيان : فيعرض هذا ويعرض هذا ، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام " .

وهذه صفة من صفات أهل الجنة نسأل الله أن يزين بها قلوبنا ، تُرى ما هي ؟ أن يبيت المسلم وليس في صدره غلا ولا حقدا لمسلم ، حينما أخبر النبي أصحابه قائلا : يطلع عليكم رجل من أهل الجنة ، ثلاثة أيام متوالية فصحبه عبد الله بن عمرو ليعرف العمل الذي بلغ به هذه المنزلة ، فلم يجد عنده مزيد عمل حتى كاد أن يستقل عمله الذي بلغ به هذه المنزلة ، فلما سأله عن عمله قال : هو ما رأيت غير أنني أبيت وليس في قلبي غلا لمسلم ، فقال عبد الله بن عمرو : هذه هي التي بلغت بك وهي التي لا نطيق . أي صفة غالية تحتاج إلي مجاهدة للنفس لا دعاوى باللسان .



* للصلح آداب ولا سيما إذا كان بين الزوجين ومنها أن يكون :

· مخلصا لوجه الله : كبقية الأعمال والطاعات لقوله سبحانه " ومن يفعل ذلك ابتغاء وجه الله فسون نؤتيه أجرا عظيما " ، فلا سمعة ولا تفاخر ولا رياء ، ولا سعيا في الإصلاح ابتغاء منفعة أو مصلحة من الطرفين .

· حكيما : متأنيا في التعامل مع الخصوم .

· أمينا : على الأعراض والحرمات وأسرار البيوت ، فلا يفشي لهم سرا ، ولا يشيع ما اطلع عليه من أسباب الخصومة وخاصة بين الأقارب والأزواج ، فالمجالس بالأمانة .

· عادلا : في إجراء الصلح لا جائرا ولا ظالما ، قال سبحانه : " فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين " .



* وهذا درس للأصهار يتعلمونه من حياة نبيهم وكيف كان حنانه وحرصه علي ابنته واستقرار بيتها وهي التي بقيت له بعد موت أمها وأخواتها ، ما كان لعلي اسم كنية أحب إليه من أبي تراب ، وإن كان ليفرح به إذا دعي بها ، روى البخاري عن سهل بن سعد قال : جاء رسول الله بيت فاطمة ، فلم يجد علياً في البيت ، فقال : " أين ابن عمك ؟ " . فقالت : كان بيني وبينه شيء ، فغاضبني فخرج فلم يقل عندي ، فقال رسول الله لإنسان : " انظر أين هو " . فجاء فقال : يا رسول الله هو في المسجد راقد ، فجاء رسول الله وهو مضطجع . قد سقط رداؤه عن شقه فأصابه تراب ، فجعل رسول الله يمسحه عنه وهو يقول : " قم أبا تراب ، قم أبا تراب " . وتهلل وجهه عندما أصلح بينهما ، فالخلاف وارد في البيوت الزوجية وليس ذلك مدعاة ليحرض أهل الزوجين كل منهما طرفه علي الآخر ويقف في صفه خصما للآخر ، وإنما يقتدي بنبيه حينما جعل نفسه كالأب الحنون الشفيق علي الطرفين فأصلح ما بينهما .

· كم من بيت كاد أن ينهدم بسبب خلاف تافه بين الزوج والزوجة وكاد الطلاق يعصف بالبيت ومن فيه ؟ وإذا بهذا المصلح الصالح بكلمة طيبة ونصيحة حانية وربما مال مبذول يصلح به بين زوجين ويمسك بيتا مسلما متماسكا خشية الانهيار ؟

· كم من قطيعة كادت أن تكون بين أخوين أو صديقين أو قريبين بسبب زلة أو هفوة ، وإذا بهذا المصلح الصالح يطفئ نار الفتنة والقطيعة ويصلح ما بينهما ؟

· كم عصم الله بالمصلحين من دماء وأموال ؟ كم أطفئ بهم نار فتن ومكائد شيطان كادت أن تشتعل لولا فضل الله ثم المصلحين ؟























الخطبة الثانية




الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام علي سيد المرسلين ، سيدنا ومولانا محمد ، وعلي آله وأصحابه وأزواجه أمهات المؤمنين ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلوات الله وسلامه عليه، سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم .



الكلمة الطيبة صدقة ، والمؤمن هين لين سهل ، والله يبغض الرجل الألد الخصم ، العنيد الغليظ الجافي . روي البخاري ومسلم عن عائشة قالت : سمع رسول الله صوت خصوم بالباب ، عالية أصواتهما ، وإذا أحدهما يستوضع الآخر ويسترفقه في شيء ، وهو يقول : والله لا أفعل ، فخرج عليهما رسول الله فقال : " أين المتألي على الله لا يفعل المعروف ؟ " . فقال : أنا يا رسول الله ، وله أي ذلك أحب " .

وروى البخاري أن كعب بن مالك تقاضى ابن أبي حدرد دَيْنا له عليه ، في عهد رسول الله في المسجد ، فارتفعت أصواتهما ، حتى سمعها رسول الله وهو في بيته ، فخرج إليهما رسول الله حتى كشف سجف حجرته ، ونادى : " يا كعب بن مالك ، يا كعب " . قال : لبيك يا رسول الله ، فأشار بيده أن : " ضع الشطر من دَيْنك " . قال كعب : قد فعلت يا رسول الله ، قال رسول الله : " قم فاقضه " .

يا صاحب الدَيْن قد يكون المدين معسرا مكروبا فلا تزده هلاكا على هلاكه ، واصبر عليه وارفق به ، أو ضع عنه جزءا من دينه رحمة به ، أو أنظره إلى حين ميسرة ، ويا من رأى بين المسلمين مثل هذا فكن مسارعا للخيرات مقتديا بنبيك وأصلح ما بين المسلمين واشفع للمكروبين بكلمة طيبة ، اشفعوا تؤجروا ويقضي الله ما يريد .

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
الأب الروحي
أهمية هذا القسم Vip
الأب الروحي


ذكر
ســآعـتي :
التسجيل : 18/06/2008
المساهمات : 11243
عدد النقاط : 31079
المزاج : أهمية هذا القسم Qatary14
المهنة : أهمية هذا القسم Profes10
الهوايه : أهمية هذا القسم Writin10
الدولة : أهمية هذا القسم Male_e10
الأوسمة : أهمية هذا القسم 3h510
التميز : أهمية هذا القسم Domain10

أهمية هذا القسم Empty
مُساهمةموضوع: رد: أهمية هذا القسم   أهمية هذا القسم I_icon_minitimeالجمعة 14 يناير 2011, 7:38 pm

أهمية هذا القسم 68762
أهمية هذا القسم 338902
" أبناؤنا نعمة وأمانة "




إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له واشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له واشهد أن محمداً عبده ورسوله. { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ } ، { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً } ، { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} .

أما بعد فإن أصدق الحديث كتاب الله وأحسن الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار .



* من دعاء خليل الرحمن إبراهيم " رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي ربنا وتقبل دعاء " ، ومن دعاء عباد الرحمن " ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما " ، فالولد الصالح والذرية الصالحة من أجَلِّ وأعظم نعم الله علي الإنسان وهي النافذة المفتوحة لاستقبال الأجر والثواب بعد الممات ، روي مسلم وأبو داود عن أبي هريرة قال : قال : " إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث : صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له " ، اللهم بارك لنا في ذرياتنا واجعلهم قرة عين لنا في الدنيا والآخرة يا أكرم الأكرمين ، من كان منا له ولد صالح فزد في صلاحه وتقواه ، ومن كان له ولد غير صالح فخذ بناصيته إلي الخير وحبب إليه الإيمان والطاعة وكَرِّه إليه الفسوق والعصيان .

الدعاء للذرية سنة من سنن الأنبياء ، فالولد غرس أبيه ، وإذا كان أولادنا نعمة تستوجب الشكر فإنهم أيضا أمانة في أعناقنا ورعية يُسأل عنها الراعي يوم القيامة هل حفظ الأمانة أم ضيعها ؟ " كفي بالمرء إثما أن يضيع من يقوت " رواه أحمد وأبو داود عن ابن عمرو ، يضيعه بالتقصير في قوت الأبدان كما يضيعه بالتقصير في قوت القلوب والأرواح ، أولادنا لهم علينا حقوق مادية يسألنا الله عنها يوم القيامة من طعام وشراب وكسوة ، كما لهم علينا حقوق إيمانية هي أولي وأوجب من حقوق الطعام والشراب ، فالقلوب المولودة علي الفطرة كالصفحة البيضاء تكتب فيها ما شئت أو كالأرض الخصبة الخالية تزرع فيها ما شئت ، فما الذي سنزرعه في قلوب أولادنا ؟ ما الذي نسطره في صفحة قلوبهم النقية نقاء الفطرة ؟ هذا هو أوجب الحقوق وأولها مساءلة يوم القيامة " وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها لا نسألك رزقا نحن نرزقك والعاقبة للتقوى " .



* أم مريم كان اسمها حنا وكانت لا تلد فرأت يوما طائرا يطعم صغاره فتحركت فيها عاطفة الأمومة وأحبت أن يكون لها ولد ، فأخبرت زوجها عمران فقال لها : إذا دعوت الله يستجب لك ، فحملت من يومها وما لبث زوجها أن مات ، ولما تحقق حملها نذرت أن تجعل ما في بطنها متفرغا لخدمة بيت المقدس في طاعة الله : " إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ " .

ولم تكن تعلم أنها تحمل أنثي ، فلما وضعتها قالت رب إني وضعتها أنثي والله أعلم بما وضعت وليس الذكر كالأنثي أي في خدمة بيت المقدس فقد كان كل من فيه رجال ، فكيف ستكون أنثي بين الرجال ؟ كان عند الصالحين عفة وكرامة ويخافون علي أعراضهم كنور عيونهم ، ولكن الأم الصالحة حينما وضعت وليدتها علمتنا ثلاثة أشياء هامة ، وهذه نصيحة للأمهات الحوامل في صحة النية في مولودها الذي تحمله قبل أن تري عيناه الدنيا ، وتعليم لنا في الغاية من الإنجاب والذرية :

1- حسن التسمية واختيار الاسم الحسن فهذا من حق الولد علي أبيه ، " وإني سميتها مريم " ومريم تعني المرأة الصالحة أو العابدة .

2- الدعاء لها بالحفاظة من الشيطان وهو سبب كل معصية وبلاء ، فلم تطلب الاستعاذة من المرض أو الفقر وإنما عوذتها بالله من الشيطان الرجيم : " وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم " ، ولم تقل من المرض الأليم أو الفقر الشديد ، وأدخلت في الدعاء ذريتها مع ابنتها ، أي فقه وأي فهم كان لهذه الأم التقية الصالحة ؟ وهذا درس للأمهات والجدات الصالحات ، فكم من قادة وعلماء وأئمة قادوا هذه الأمة إلي كل خير وفتح عظيم كان وراء نجاحهم أمهات صالحات قانتات عابدات .

3- أحسنت النية في هذه المولودة قبل ولادتها فنذرت هذا المولود لطاعة الله : " إني نذرت لك ما في بطني محررا فتقبل مني إنك أنت السميع العليم " ، محررا أى فارغا من كل عمل إلا من طاعة الله .

وهذا زكريا عندما رأي صلاح مريم وتقواها وما خصها الله به من كرامة ظاهرة في مجيء الرزق بغير أسباب تحركت فيه عاطفة الأبوة والرغبة في الولد رغم أنه شيخ كبير وامرأته عجوز عقيم ، ولكنه ما قطع حبل الرجاء والأمل فقال : " رب هب لي من لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعاء " . فأين جاءته البشري ؟ هل وهو جالس في مجلس غفلة ومعصية ؟ أم جاءته وهو في طاعة وعبادة وتهجد ؟ " فنادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب أن الله يبشرك بحييي " . هكذا تُقضي الحوائج وهكذا يُستجاب الدعاء ، قصص القرآن هو قصص الحق الذي يعلمنا النية في إنجاب الذرية ، ويعلمنا كيفية الدعاء لها بالخير ، ويعلمنا سنن الهدي التي يُنشئون عليها ليعرفوا حق ربهم وحق آبائهم وغاية وجودهم في الحياة .



* في الحكمة : ولدك ريحانتك سبعاً تشمه وتضمه ، وخادمك سبعاً يسعى في حوائجك ، ووزيرك سبعاً تنتصر به وتعتمد عليه وتستأنس برأيه ، وبعد ذلك فهو ولي حميم أو عدو مبين . يجب أن يراعي في كل مرحلة سنية زمنية آدابها في السنة ، فمن حياة النبي نتعلم كيف نزرع لنجني أعظم حصاد وأطيب ثمار ، فالولد غرس أبيه ، والأبوان يجنيان ثمرة غرسهما إذا كان الغرس صحيحا وعلي أصول راسخة متينة .

نري في السنة مراعاة ثلاثة أمور هامة في التعامل مع الأبناء :



أولا : الرحمة :



كان رسول الله أرحم الناس بالصبيان والصغار ، وإذا سمع بكاء الطفل خفف الصلاة رحمة بأمه وشفقة عليه ، ومرة صلي فأطال السجود حتي ظن الصحابة أنه قبض ، فقال لهم إن ابني هذا وأشار إلي الحسن أو الحسين قد اعتلي ظهري فكرهت أن أرفع قبل أن يقوم .

وروى النسائي عن معاوية بن قره عن أبيه قال : كان النبي إذا جلس يجلس إليه نفر من أصحابه وفيهم رجل له ابن صغير يأتيه من خلف ظهره فيقعده بين يديه ، فهلك فامتنع الرجل أن يحضر الحلقة لذكر ابنه فحزن عليه ، ففقده النبي فقال : مالي لا أرى فلانا ؟ قالوا يا رسول الله بنيه الذي رأيته هلك ، فلقيه النبي فسأله عن بنيه فأخبره أنه هلك ، فعزَّاه عليه ، ثم قال : يا فلان أيما كان أحبَّ اليك أن تُمتع به عمرك أولا تأتي غذا إلى باب من أبواب الجنة إلا وجدته قد سبقك إليه يفتحه لك ؟ قال : يا نبي الله بل يسبقني إلى باب الجنة فيفتحها لي لهو أحب إليَّ ، قال : " فذلك لك " .

كان أولاد عمر يلعبون علي بطنه وهو مستلق علي ظهره فدخل عليه أحد عماله فكأنه استنكر ما رأي فقال له عمر : وكيف أنت مع أهلك وولدك ؟ فقال : يا أمير المؤمنين إذا دخلت بيتي سكت الناطق ، فقال له : اعتزل عنا ، إذا كنت لا ترحم بأهلك وولدك فكيف ترحم بأمة محمد ؟



ثانيا : التعليم :



عقل الولد فارغ للبناء وصفحة بيضاء للكتابة فيها ، والولد يشيب علي ما شبَّ عليه ، والمراحل الأولي هي التي يستقبل فيها علومه وفهومه ، لهذا كان يحرص السابقون من صالحي هذه الأمة علي تعليم القرآن من الصغر لأنه الشفاء والنور والعلم والحكمة ، روي أبو داود في سننه والحاكم وصححه عن سهل بن معاذ الجهني عن أبيه أن رسول الله قال : " من قرأ القرآن وعمل بما فيه أُلبس والداه تاجاً يوم القيامة ضوءه أحسن من ضوء الشمس في بيوت الدنيا لو كانت فيكم ، فما ظنكم بالذي عمل بهذا ؟ " .

والسنة عامرة بتعليم الصغار للعقيدة الصحيحة والآداب والسنن والحلال والحرام :

· ففي العقيدة روى الترمذي عن ابن عباس قال كنت خلف النبي يوما فقال لي : " يا غلام إني أعلمك كلمات: احفظ اللَّه يحفظك، احفظ اللَّه تجده تجاهك، إذا سألت فسأل اللَّه، وإذا استعنت فاستعَنْ باللَّه، واعلم أن الأمة لو اجتمعت عَلَى أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه اللَّه لك، وإن اجتمعوا عَلَى أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه اللَّه عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف " .

· وفي السنن والآداب روي البخاري في صحيحه عن عمر بن أبي سلمى يقول :كنت غلاماً في حجر رسول الله وكانت يدي تطيش في الصحفة ، فقال لي رسول الله : " يا غلام ، سمِّ الله ، وكل بيمينك ، وكل مما يليك " .

· وفي تعليم الحلال والحرام روي أحمد والترمذي وصححه والدارمي وأبو يعلى وابن حبان والطبراني والبيهقي عن الحسن بن علي سمعت رسول الله يقول : " دع ما يريبك إلى ما لا يريبك ، فإن الصدق طمأنينة وإن الكذب ريبة " .

والتعليم بالقدوة له أبلغ الأثر من ألف مقال ، يقول سهل بن عبد الله التستري : كنت وأنا ابن ثلاث سنين أقوم بالليل فأنظر إلى صلاة خالي محمد بن سوار فقال لي يوما : ألا تذكر الله الذي خلقك ؟ فقلت : كيف أذكره ؟ فقال : قل بقلبك عند تقلبك ثلاث مرات من غير أن تحرك به لسانك ، الله معي ، الله ناظري ، الله شاهدي ، فقلت ذلك ليالي فوقع في قلبي حلاوته ثم أعلمته ، فلما كان بعد سنة ، قال لي خالي : احفظ ما علمتك ، ودُمْ عليه إلى أن تدخل القبر فإنه ينفعك في الدنيا والآخرة ، ثم قال لي يوما : يا سهل من كان الله معه وناظرا إليه وشاهده ، أيعصيه ؟ إياك والمعصية ، فمضيت إلى الكُتّاب ، فتعلمت القرآن وحفظته وأنا ابن ست سنين أو سبع سنين .



ثالثا : الصبر :



التربية تحتاج إلي صبر وحكمة دون ضجر وعجلة ، فالمربي حقيقة هو الله ونحن سبب ، انظر كيف ترفق إبراهيم مع ولده في أمر الذبح حتي رفع أفقه معه لأعلي مستوي للإيمان والتضحية ، فالولد يحتاج إلي احترام عقله وفكره وتقديره مع الصبر ، فبعض الآباء يغضب لنفسه ولا يغضب لربه ، فإذا عصي الولد أمر أبيه يكون الغضب والعقاب ، وإذا عصي الولد أمر ربه فترك الصلاة فلا أحد يبالي بكسر أوامر الله ، وإذا أمر الرجل أهله فهو يريدهم أن يطيعوه دون أن يلفت نظرهم إلي أن هذا طاعة لله قبل أن يكون طاعة لمخلوق من خلق الله ، " وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها " لماذا قال : اصطبر ولم يقل : اصبر ؟ أي ابدأ بنفسك فأحسنها وأتقنها وداوم عليها لتكون لهم قدوة ، والمؤمن في بيته عليه بالصبر علي أهله وولده ، فالنفس البشرية عنيدة ماردة شاردة لا تنقاد بالأوامر بقدر ما تنقاد بالترغيب والمثابرة ، ولا يكتفي بإعطاء الأوامر فما أيسر هذا ، بل يبدأ بنفسه فيكون لهم نعم القدوة الحسنة ، ولا يطالبهم بالكمال وفيه النقصان ، فالرحمة والصبر من صفات المتقين المحسنين الذين يحبهم الله ويباهي بهم الملائكة .



* عامة من كانوا حول النبي في بداية البعثة شبابا صغارا ولكنه غرس فيهم الرجولة فشبوا أئمة كبارا وقادة عظاما : في بداية البعثة كان سن عمر بن الخطاب ستة وعشرين عاما ، وفي أول الهجرة كان عمر أنس بن مالك عشر سنين ، وعند وفاة النبي كان سن عائشة سبعة عشر عاما وابن عباس كان سنه ثلاثة عشر عاما ، وأسامة بن زيد عَقد له لواء الجيش وسنه سبعة عشر عاما ، وأرسل معاذ بن جبل أميرا علي اليمن وسنه تسعة عشر عاما ومات وسنه ثلاثة وثلاثون عاما . والعبادلة الثلاثة رواة الأحاديث عبد الله بن عمر وعبد الله بن عمرو بن العاص وعبد الله بن مسعود كانوا شبابا صغارا ، بارك الله في شباب الأمة فهم الرجال إن شاء الله ، لا كما يُراد لهم من التخنث والميوعة والفساد ، وقد مدح القرآن سن الفتوة في مواضع منها : قصة أصحاب الكهف وكانوا شبابا : " إنهم فتية آمنوا بربهم " ، ومدح الله إبراهيم حينما كسر أصنام قومه فأججوا له نارا وهم يتساءلون من فعل هذا بآلهتنا ؟ فقالوا : " سمعنا فتي يذكرهم يقال له إبراهيم " ، ووقت الذبح لإسماعيل كان سن الذبيح ثلاثة عشر عاما وقيل غير ذلك .

الإجازات علي الأبواب ، والوقت أمانة وأولادنا أمانة فماذا نحن فاعلون ؟ اللهم ارزق أولادنا حفظ كتابك ، وحب نبيك ، وبر آبائهم ، وطاعة علمائهم .



الخطبة الثانية


الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام علي سيد المرسلين ، سيدنا ومولانا محمد ، وعلي آله وأصحابه وأزواجه أمهات المؤمنين ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلوات الله وسلامه عليه، سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم .



روي البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال : قال رسول الله : " ما من مولود إلا يولد على الفطرة ، فأبواه يهودانه ، أوينصرانه ، أويمجسانه " .

في الحديث إشارة إلي أن الإنسان يتأثر بالبيئة التي يعيش فيها شاء أم أبي ، لهذا من السنة عند ولادة المولود أن نؤذن في أذنه اليمني ونقيم الصلاة في أذنه اليسري ، وسائل يسأل : هل المولود يعي ويفهم ألفاظ الأذان وهو في هذه السن ؟ والجواب : هو لا يدرك معناه ولكن قلبه يتأثر بالذكر ، ليكون أول ما يسمعه في هذه الدنيا هو توحيد الله تعالي وتكبيره وتعظيمه ، فالأجنة في بطون الأمهات تتأثر بذكر الله عز وجل .

وإذا كان الإنسان يولد حافيا عاريا باكيا وأهله من حوله يضحكون سرورا، فكيف يعمل ليوم وفاته عندما يخرج من هذه الدنيا أيضا حافيا عاريا وأهله من حوله يبكون عليه حزنا وألما أن يكون هو في ذلك اليوم ضاحكا مسرورا ، لأنه تخلص من عناء الدنيا وأفضي إلي رب كريم رحيم ؟؟



الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
الأب الروحي
أهمية هذا القسم Vip
الأب الروحي


ذكر
ســآعـتي :
التسجيل : 18/06/2008
المساهمات : 11243
عدد النقاط : 31079
المزاج : أهمية هذا القسم Qatary14
المهنة : أهمية هذا القسم Profes10
الهوايه : أهمية هذا القسم Writin10
الدولة : أهمية هذا القسم Male_e10
الأوسمة : أهمية هذا القسم 3h510
التميز : أهمية هذا القسم Domain10

أهمية هذا القسم Empty
مُساهمةموضوع: رد: أهمية هذا القسم   أهمية هذا القسم I_icon_minitimeالجمعة 14 يناير 2011, 7:43 pm

أهمية هذا القسم 68762
أهمية هذا القسم 338902
" أهمية الصحبة الصالحة "


" سورة الصافات : 50 – 61 "



إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له واشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له واشهد أن محمداً عبده ورسوله. { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ } ، { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً } ، { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} .

أما بعد فإن أصدق الحديث كتاب الله وأحسن الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار .



روي أبو داود عن عمر بن الخطاب عن النبي قال : " إنَّ من عباد الله لأناساً ما هم بأنبياء ولا شهداء يغبطهم الأنبياء والشهداء يوم القيامة بمكانهم من الله تعالى" . قالوا : يا رسول الله تخبرنا من هم ؟ قال : " هم قومٌ تحابوا بروح الله على غير أرحامٍ بينهم ولا أموالٍ يتعاطونها ، فوالله إن وجوههم لنورٌ ، وإنهم على نور ٍ: لا يخافون إذا خاف الناس ، ولا يحزنون إذا حزن الناس وقرأ هذه الآية : {أَلاَ إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} [يونس: 62].

الله تعالي خلق الإنسان ضعيفا ، وحوله في هذه الدنيا أعداء غيبية لا يراها يريدون هلاكه ودماره ، ولكن الله لا يتركه وحده في هذا الصراع ، وإنما يمده بأسباب القوة والحفاظة حتى يواجه بها الإغراء والفتنة ، فلا تزل القدم مع العصاة ، ولا يهوي في مهاوي الضلالة مع الفجار .

ومن أكبر أسباب الحفاظة من الفتن هي الصحبة المؤمنة الصالحة التي تعين المؤمن علي الطاعة وذكر الله ، وعلي المؤمن أن يتخير صحبته ، فالمرء علي دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل ، فربما يعجز الشيطان عن الوصول إلي قلب ابن آدم فيأتيه من باب أصحابه وخلانه ، فيغرونه بالمعصية ويزينونها له ويشجعونه عليها ويأخذون بيده إلي المستنقع الآسن الذي سقطوا فيه ، فكل فاجر لا يريد أن يرى بارا صالحا في بره وصلاحه ، فإما أن يطعن فيه ليشوه صورته أمام الناس ، وإما أن يغريه بالفساد والفجور ليصبحوا جميعا في المعصية سواء ، وهؤلاء هم شياطين الإنس ، والمعصوم من هذا كله من عصمه الله نعالي .



* إن أصحاب النبي لم يُسموا تلامذة وإنما سُمُّوا صحابة لأنهم تعلموا الدين بالصحبة فلم يتركوا نبيهم في سفر ولا حضر ، وإنما لازموه وصاحبوه حتى فاض النور من مشكاته عليهم فأضاءت قلوبهم بنور الله وأشرقت فيها شمس الهداية ، فكانوا في الدنيا أئمة الهدى ومصابيح الحق والخير .

والله تعالي يأمر نبيه أن يُصَّبر نفسه معهم ولا ينشغل عن صحبتهم بأي عارض من العوارض ، " واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا " .



* إن أهل الجنة يذهبون إليها أفواجا ويدخلونها زمرا وجماعات وليس فرادى متفرقين : " وسيق الذين اتقوا ربهم إلي الجنة زمرا " ، فإذا استقروا فيها وعاينوا كرامة الله لهم أقبل بعضهم علي بعض في حديث وسمر عما مضى من أيامهم الخالية في الحياة الدنيا ، ومن هذا الحوار والحديث يأتينا القرآن بطرف مما يكون بين أهل الجنة من أحاديث وحوار نسأل الله أن نكون من أهلها :

" فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءلُونَ " أهل الجنة علي الأرائك يتنعمون ويتذكرون أيام الدنيا الخالية وما تحملوه فيها من تعب وعناء ثم أفضى بهم ذلك السعي المشكور إلي جنة عالية لا تسمع فيها لاغية ، وهم بين نعيم مقيم من طعام وشراب وسرور وفرح وأمان يتلذذون بما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر علي قلب بشر . أخرج البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال : قال رسول الله : " " أول زمرة تدخل الجنة على صورة القمر ليلة البدر والذين على أثرهم كأشد كوكب دري في السماء إضاءة قلوبهم على قلب رجل واحد ، لا اختلاف بينهم ولا تباغض ولا تحاسد ، لكل امرىء منهم زوجتان كل واحدة منهما يُرى مُخُّ سوقها من وراء لحمها من الحُسْن يسبحون الله بكرة وعشيا ، لا يسقمون ولا يمتخطون ولا يبصقون ، آنيتهم الذهب والفضة ، وأمشاطهم الذهب ووقود مجامرهم الألوة " .

" قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ . يَقُولُ أَئِنَّكَ لَمِنْ الْمُصَدِّقِينَ . أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَدِينُونَ " ، فالكافر يسخر من المؤمن ، والمنافق يريد تشويهه والطعن فيه ، والعاصي يريد أن يضله حتى يصيروا في المعصية سواء ، فهم يضحكون استهزاءا بالمؤمن وانتقاصا منه ، ويسخرون من هيئته وعبادته وهذا شأن المجرمين والفاسقين في كل زمان ومكان ، مهما تغيرت الأزمنة فسيرتهم لا تتغير ، فالكفر والنفاق أن يكون ملة واحدة : " إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون . وإذا مروا بهم يتغامزون . وإذا انقلبوا إلي أهلهم انقلبوا فكهين . وإذا رأوهم قالوا إن هؤلاء لضالون " .

فالمشرك يكون له صاحب من أهل الإيمان في الدنيا يقول له مستهزئا أءنك تصدق أن هناك بعث وحشر وحساب !!! إءذا كنا ترابا وعظاما هل نقوم من قبورنا ونحيا بعد موتنا ؟؟!! يقول ذلك استبعادا وسخرية وتكذيبا وشكا وريبة . فماذا كانت النتيجة ؟؟ يقول المؤمن المصدق بيوم الدين لإخوانه من المؤمنين بعد الفصل والحساب انظروا في النار هذا مصير الذي كان يوسوس لي بالشك والريبة أين مصيره الآن ؟؟!!



* " قَالَ هَلْ أَنتُم مُّطَّلِعُونَ . فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاء الْجَحِيمِ " . يعاين مكانه في النار وهو يصرخ ويئن ، ثم يُذَّكره بوسوسته له في الدنيا ليصرفه عن الطاعة ويكون سببا في هلاكه لولا أن أنقذه الله بنعمته وفضله . ذكر القرطبي في تفسيره : وروي أن الأعشى لما توجه إلى المدينة ليُسلم فلقيه بعض المشركين في الطريق فقالوا له: أين تذهب ؟ فأخبرهم بأنه يريد محمدا ، فقالوا : لا تصل إليه ، فإنه يأمرك بالصلاة ، فقال : إن خدمة الرب واجبة . فقالوا : إنه يأمرك بإعطاء المال إلى الفقراء . فقال : اصطناع المعروف واجب . فقيل له : إنه ينهى عن الزنا . فقال : هو فحش وقبيح في العقل، وقد صرت شيخا فلا أحتاج إليه . فقيل له : إنه ينهى عن شرب الخمر. فقال : أما هذا فإني لا أصبر عليه فرجع ، وقال : أشرب الخمر سنة ثم أرجع إليه ، فلم يصل إلى منزله حتى سقط عن البعير فانكسرت عنقه فمات . نعوذ بالله من سوء الخاتمة ، فهذه وسوسة شياطين الإنس صرفت إنسانا عن الهداية وأوردته موارد الهلكة ، وفي ذلك عبرة لمن يسوفون التوبة والعمل الصالح ، فقد ينتهي الأجل ويأتيهم الموت بغتة وهم مقيمون علي المعاصي فيُختم لهم بسوء العمل ، وفيها عبرة أيضا لاجتناب الصحبة الفاسدة وترك الاستماع لها أو أخذ النصح منها ، فالذي خان نفسه كيف ينصح غيره ؟ وعلي من همَّ بطاعة أن يبادر إليها دون تسويف ، وأن يدخل من أي باب خير فتحه الله له ، لأنه لا يدري متى يُغلق عنه .



* " قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدتَّ لَتُرْدِينِ . وَلَوْلَا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ " . إنه يخاطب الصاحب الفاسد ويؤكد قوله بالقسم أنه كان علي شفا الهاوية وحافة الهلاك إذا كان قد استمع لكلامه واستجاب له ، ولولا نعمة الله عليه أن منَّ عليه بنعمة الهداية والتوفيق للطاعة ، وسخَّر له من الصحبة الصالحة الطيبة التي تعينه علي مرضاة ربه لكان في عداد الهالكين .

وهنا ملمح هام وهو نسبة الفضل في الهداية إلي الله وليس إلي الذكاء والعقل ، وهذا اعتراف أهل الجنة عند دخولهم إليها أن المنة والفضل كله يرجع إلي الله وأنه لولا عنايته وتوفيقه لما اهتدى أحد إلي خير أبدا : " ونزعنا ما في صدورهم من غل تجري من تحتهم الأنهار وقالوا الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله لقد جاءت رسل ربنا بالحق ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون " . رغم أنهم نسبوا الفضل لله ولكن الله أثبت لهم السعي والعمل فقال في آخر الآية " أورثتموها بما كنتم تعملون " . فأصل دخول الجنة بفضل الله وهم يتقاسمونها في الدرجات بحسب أعمالهم . أخرج النسائي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : " كل أهل النار يرى منزله من الجنة، يقول: لو هدانا الله فيكون حسرة عليهم ، وكل أهل الجنة يرى منزله من النار، فيقول: لولا أن هدانا الله . فهذا شكرهم " .



*" أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ . إِلَّا مَوْتَتَنَا الْأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ " . هذا من كلام المؤمن مغتبطا فرحا مسرورا بنعمة ربه عليه ، فقد رزقه الهداية ووفقه في الدنيا لطاعته ، ثم أثابه عليها نعم الأجر والثواب يوم القيامة ، فلا موت بعد الموتة الأولي ، ومن دخل الجنة برحمة الله فهو بمأمن عن العذاب ولا يخرج من الجنة بعد دخولها . ثم قال الله تعالي : " إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ " .

مهما امتدت حبال الحياة فهي قصيرة ولا بد لها من نهاية ، والمؤمن دائما يتذكر الموت وعينه علي الخاتمة وهذه من علامات العقل واليقظة فيه ، لأن ذكر الموت يقوِّم مشاعر النفس ، فلا تيأس عند نزول البلاء ولا تتبطر وتتكبر عند وجود النعمة ، لأنها توقن أن الحياة كلها سراب ولهو لعب ، وأن لا بقاء لحي فيها ، فهي زائلة ونحن راحلون . ومما يوقظ القلب من رقدته ويرفع همة النفس عالية دوام التذكير بالحق والتواصي به وهذا يحتاج إلي الصحبة التي تعين المؤمن علي الثبات إلي الممات ، فإذا أحب الله عبدا رزقه خليلا صالحا إذا ذكر الله أعانه ، وإذا نسي الله ذكَّره .



* " لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلْ الْعَامِلُونَ " ، لمثل هذا المصير المحتوم واليوم المشهود ، فليشمر المجتهدون حتى لا يهلكوا مع الهالكين ، روي ابن حبان وابن ماجه عن أسامة بن زيد أن النبي قال : " ألا هل مشمر للجنة ؟ فإن الجنة لا خطر لها ، هي ورب الكعبة نور يتلألأ كلها وريحانة تهتز ، وقصر مشيد ، ونهر مطرد وثمرة ناضجة وزوجة حسناء جميلة ، وحلل كثيرة، وملك كبير في مقام أبدا في حبرة ونعمة ونضرة في دار عالية سليمة بهية ، قالوا : نعم يا رسول الله نحن المشمرون لها ، قال : فقولوا إن شاء الله ، فقال القوم : إن شاء الله " .

روي مسلم عن أبي موسى عن النبي قال : " إنما مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير فحامل المسك إما أن يُحذيك وإما أن تبتاع منه وإما أن تجد ريحا طيبة ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد ريحا خبيثة " . وأخرج البزار عن ابن عباس قال : قيل يا رسول الله أي جلسائنا خير ؟ قال : " من ذكركم بالله رؤيته ، وزاد في علمكم منطقه ، وذكركم بالآخرة عمله " .

فما هي أهم صفات الصاحب التقي الصالح ؟؟

1- الاستقامة والتقوى : فالصاحب ساحب ، والتقي يعلمك من تقواه والطائع يثبت قدميك علي الطاعة ، ويؤنس وحشتك في ظلمات هذه الحياة، ولهذا طلب موسى الصحبة ليكون عونا له علي أداء مهمة الدعوة وتثبيتا لقلبه ومؤازرة له في همه : " واجعل لي وزيرا من أهلي . هارون أخي . اشدد به أزري . وأشركه في أمري . كي نسبحك كثيرا . ونذكرك كثيرا . إنك كنت بنت بصيرا " . قال عمر : لا تعرض لما لا يعنيك واعتزل عدوك واحتفظ من خليلك إلا الأمين ، فإن الأمين من القوم لا يعدله شيء ، ولا أمين إلا من خشي الله ، ولا تصحب الفاجر ليعلمك من فجوره ، ولا تفش إليه سرك ، واستشر في أمرك الذين يخافون الله عز وجل " رواه ابن المبارك وابن أبي الدنيا .

2- العقل : فالأحمق يضرك من حيث يريد أن ينفعك ، ويصِّغر لك الكبير ويكبر لك الصغير ، أما العاقل فينفعه عقله عن كثير من الزلل ، وهو نعمة ونور لمن أحسن استعماله في مرضاة ربه .

3- السخاء والكرم : فالبخيل يبيع أمه وأباه من أجل درهمه وديناره ، أفلا يبيع صديقا من أجل مصلحته ، فالكرم والجود من صفات الأخيار الأطهار ، والكرم شيء هين بشاشة وجه وقول لَيِّن كما قال ابن عمر .
الخطبة الثانية


الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام علي سيد المرسلين ، سيدنا ومولانا محمد ، وعلي آله وأصحابه وأزواجه أمهات المؤمنين ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلوات الله وسلامه عليه، سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم .



أخرج أبو داود الترمذي وأحمد عن أبي سعيد الخدري أن النبي قال: " لا تصاحب إلا مؤمنا، ولا يأكل طعامك إلا تقي" ، وأخرج أبو داود الترمذي عن أبي هريرة أن النبي قال: " الرجل على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل " .

ثمرة الصحبة الصالحة العون علي الطاعة وتخفيف هموم الحياة ، والمؤازرة علي الحق ، والثبات عند مواجهة المصائب والشدائد والمحن .

فالمؤمن يتعرض في طريقه إلي الله إلي أعداء يريدون قطع الطريق عليه بالوسوسة والتزيين لشهوات الحياة الحرام والدعوة إلي الباطل وطول الأمل الذي يمنع حسن العمل ، وقد يجد نفسه وحيدا فيضعف وينهار أمام هذه المغريات ، ومن نعمة الله عليه أن يجد من يأخذ بيده إذا سقط ويقويه ويعينه إذا استقام ، فالصاحب الصالح هو طوق النجاة في أمواج الحياة المتلاطمة ، والصاحب الفاجر هو الخرق الذي يصيب السفينة لتسقط في القاع .

سورة العصر ثلاث آيات ولكن يقول الشافعي عنها لو أن الناس تدبروا ما فيها لكفتهم ، لأنها تضمنت شرائط النجاة من الخسران وهي أربعة :

1- الإيمان بالله . 2- والعمل الصالح . 3- والتواصي بالحق . 4- والتواصي بالصبر .

" والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر " ويوم القيامة الناس جميعا بينهم عداوات وخصومة إلا المؤمنون بينهم حب ومودة : " الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين " . أخرج أحمد والطبراني عن معاذ أن النبي قال: " قال الله تعالى : وجبت محبتي للمتحابين فيَّ ، والمتجالسين فيَّ ، والمتباذلين فيَّ ، والمتزاورين فيَّ " .

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
الأب الروحي
أهمية هذا القسم Vip
الأب الروحي


ذكر
ســآعـتي :
التسجيل : 18/06/2008
المساهمات : 11243
عدد النقاط : 31079
المزاج : أهمية هذا القسم Qatary14
المهنة : أهمية هذا القسم Profes10
الهوايه : أهمية هذا القسم Writin10
الدولة : أهمية هذا القسم Male_e10
الأوسمة : أهمية هذا القسم 3h510
التميز : أهمية هذا القسم Domain10

أهمية هذا القسم Empty
مُساهمةموضوع: رد: أهمية هذا القسم   أهمية هذا القسم I_icon_minitimeالجمعة 14 يناير 2011, 7:51 pm

أهمية هذا القسم 68762
أهمية هذا القسم 338902
" أسباب عزة الأمة "




إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له واشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له واشهد أن محمداً عبده ورسوله. { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ } ، { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً } ، { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} .

أما بعد فإن أصدق الحديث كتاب الله وأحسن الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار .



* أخرج البيهقي في الدلائل عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله قال : " أي الخلق أعجب إليكم إيمانا ؟ قالوا : الملائكة . قال : وما لهم لا يؤمنون ، وهم عند ربهم ؟ قالوا : فالأنبياء . قال: فما لهم لا يؤمنون ، والوحي ينزل عليهم ؟ قالوا : فنحن . قال : وما لكم لا تؤمنون وأنا بين أظهركم ؟ ألا إن أعجب الخلق إلي إيمانا ، لقوم يكونون من بعدكم يجدون صحفا فيها كتاب يؤمنون بما فيه " ورواه الطبراني عن ابن عباس بلفظ : " أصبح رسول الله يوما ... ثم قعد للناس فقال: يا أيها الناس من أعجب الخلق إيمانا ؟ قالوا: الملائكة . قال : كيف لا تؤمن الملائكة وهم يعاينون الأمر! قالوا : فالنبيون يا رسول الله. قال: كيف لا يؤمن النبيون والوحي ينزل عليهم من السماء! قالوا : فأصحابك يا رسول الله . فقال: وكيف لا تؤمن أصحابي وهم يرون ما يرون ، ولكن أعجب الناس إيمانا، قوم يجيئون بعدي يؤمنون بي ولم يروني ، ويصدقوني ولم يروني أولئك إخواني " . ورواه البزار عن عمر وأنس بنحوه .

هذه بشرى لكل من لم ير رسول الله ، وكان الحبيب يحب البشرى والأمل ، وينزع من صدور أصحابه وأمته كل معاني اليأس والإحباط والفشل . فأمته أمة مرحومة منصورة محبوبة ، وهي شاهدة علي الأمم يوم القيامة ، وأول أمة تدخل الجنة ، وما ذُكرت أمة من الأمم السابقة في القرآن إلا بالذم والتكذيب ، أما هذه الأمة فذكرت بالمدح والثناء : " كنتم خير أمة أخرجت للناس " .

وليس هناك نبي أحب أمته ودعا لها وكان حريصا علي هدايتها ونجاتها كما كان حرص هذا النبي الكريم الرحمة المهداة والنعمة المسداة ، ويشهد بذلك حديث عائشة : أنها جاءت هي وأبواها، أبو بكر، وأم رومان إلى النبي ، فقالا : إنا نحب أن تدعو لعائشة بدعوة، ونحن نسمع، فقال رسول الله : " اللهم اغفر لعائشة بنت أبي بكر الصديق مغفرة واجبة ، ظاهرة، باطنة " ، فعجب أبواها لحسن دعاء النبي لها. فقال: " تعجبان، هذه دعوتي لمن شهد أن لا إله إلا الله، وإني رسول الله " رواه الحاكم في المستدرك .



* فلا مجال لهذه الأمة أن تقطع حبل الرجاء والأمل ، وقد يتأخر النصر والعز والتمكين عنها لفترة من الزمن حتي تراجع نفسها مع ربها ، وترجع إلي دينها تتعلمه وتعمل به وتدعوا إليه ، فيرجع إليها كل هذه البشريات الموعودة بها في الكتاب والسنة : " ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين " .

والمحبوب عند الله من فيه صفتان : امتثال الأمر ، واجتناب النهي ، فمن أطاع الله في أمره وانتهي عما نهاه عنه فهو المحبوب الذي يباهي الله به الملائكة ، ولا يتركه لنفسه ولا يضيعه في دروب الحياة .

فالمسلم يبدأ بنفسه ولا ينظر لمن حوله ، لأنه سيموت وحده ويدخل قبره وحده ويُبعث وحده ويُحاسب وحده ، فما له وللناس ؟ " قل لا يستوي الخبيث والطيب ولو أعجبك كثرة الخبيث فاتقوا الله يا أولي الألباب لعلكم تفلحون " .



* ومن سنن الله الثابتة أن الأيام دول ، " وتلك الأيام نداولها بين الناس " ، ومن طبيعة الحياة أنها دار متقلبة : فيها الصحة والمرض ، والعسر واليسر ، والفقر والغني ، والنصر والهزيمة ، وقد ينهزم المسلمون في مرحلة زمنية ولكن هذا عارض سرعان ما يزول ، ويبقي الحق في الأرض ، وهذه أيضا من سنن الله : المنصور الذي انتصر في الحياة ليس هو الذي أخذ قطعة من الأرض غصبا ، أو سرق المال نهبا ، لأنه سرعان ما يموت ويرحل عن الأرض والمال ، إنما المنصور هو الذي خرج من الحياة دون أن يبيع عقيدته وإيمانه حتي لو خرجت روحه .

قد يقول قائل : هذه أساطير فهل عليها من دليل ؟ نعم . الدليل ليس كلاما أجوف ، وإنما نماذج عملية من صنع الإسلام العظيم :



1- حرام بن ملحان عندما جاءه سهم قاتل في حلقه فقال وهو في الرمق الأخير : فزت ورب الكعبة !! فقال الرجل الكافر الذي قتله : بأي شيء فاز هذا ؟! فقالوا له : فاز بجنة ربه . فقال : صدق والله وأنا علي دينه . وأسلم . لماذا أسلم ؟ لأنه نظر أن الإنسان يعيش ليربح ويفوز ، أما إذا غادر هذه الحياة فأي فوز وربح هنا سيتحصل عليه ؟ قد نري في الدنيا صورا كثيرة للفوز : من فاز بجائزة . منصب . سيارة . وظيفة ، أما هذا الذي يترك الحياة ويغادرها بما عليها ومن عليها بأي شيء فاز ؟ فاز بجنة ربه .

2- في القرن السادس الهجري حينما زحف التتار وخربوا بغداد ودمروا الشام ، ذهب إليهم مبعوث من البابا في روما ليستميلهم إلي دينه فأبوا ، ورجع إلي روما خاسئا .

وحينما كسرت شوكتهم وانهزموا ، دعاهم المسلمون إلي الإسلام فأسلموا وبنوا أعظم حضارة في وسط آسيا امتدت لثمانية قرون ، بنوا فيها المساجد والمدارس ، وصار منهم علماء وأئمة وحفاظ للقرآن وقوام بالليل . والذي يتصفح التاريخ يري أن النصر الحقيقي علي التتار ليس هو هزيمة أجسادهم في ساحات القتال ، وإنما هزيمة الكفر الذي في قلوبهم ، وكيف استطاعت أمة الإسلام أن تحول أمة همجية جاهلية عمياء هوجاء مثل أمة التتار إلي أمة صالحة مؤمنة عابدة تعمر الحياة بدل أن تدمر الحياة ؟؟



* " ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين " ، أسباب العزة والكرامة والثبات لهذه الأمة المرحومة المنصورة كثيرة منها :

أولا : أنها علي الحق ، ودينها دين الحق ، والذي يستند إلي الحق فهو قوي بالحق ، أما الباطل فهو يدمر النفس من داخلها ، ولا يعطيها القوة والقدرة علي الصمود أمام هموم الحياة .

بضاعتنا رائجة ويتشوف لها العالم كله ، ألوف يدخلون الإسلام كل يوم من القارات الخمس ، وهذا المد الهائل ليس طمعا في المال أو الجاه بل حبا في الإسلام وعشقا لنوره وجماله وهدوئه .

هل تجد دينا قد عني بالإنسان وخاطب ملكاته وخاطب عقله وقلبه كما تجد في الإسلام ؟ تجد فيه منهجا كاملا للاقتصاد والبيوع والمعاملات المالية ، ومنهجا واضحا للأسرة والزوجية والأبناء وعلاقة كلٍ ببعضه ، ومنهجا للعلاقات بين الدول والأمم والشعوب قد امتلأت بها كتب الفقه العامرة ، ومنهجا للعلاقة بين الناس في القضاء والقصاص ، ومنهجا للعبادة وتزكية النفوس ، ومنهجا للهو المباح والترويح عن النفس ، فهو دين للحياة الدنيا وللآخرة معا .

نعم . معنا الحق ، والله حق ، وأرسل رسوله بالحق ، فماذا بعد الحق إلا الضلال ؟



ثانيا : أنها أمة ظاهرة ودينها باق إلي يوم القيامة ، فلا نبي بعد نبينا ، ولا أمة بعد أمتنا ، حتي لو هُزم المسلمون مرة فلن يُهزم الإسلام لأنه دين الله ، وللإسلام رب يحميه .



ثالثا : أنها أمة تفهم معني الحياة ولا تقطعها عن الآخرة ، بعكس الكافر الذي يري الحياة الدنيا جنته فيريد كل شيء هنا ولو بالخطف والسرقة من الآخرين ، لأن الآخرة ساقطة من حسابه ، أما المؤمن فالزمان أمامه فسيح ممتد يعبر به عبر أسوار الحياة الفانية الزائلة إلي الآخرة الباقية فلا يخاف ، لأنه مهما عاش فسيموت وسيموت كل من حوله : " إن إلينا إيابهم . ثم إن علينا حسابهم " .

سيموت الظالم والمظلوم ، وهل من مات قد أُغلق أمره وانتهت قضيته ؟ كلا ، هناك حساب ، من قُتل مظلوما سيأتي يوم القيامة متشحطا في دمائه يمسك بيد قاتله ويقول : يا رب سل هذا لم قتلني ؟ من أكل أموال الناس بالباطل وهتك أعراضهم فسيأتي الخصوم أمامه يوم القيامة يطالبونه بحقوقهم ، يقولون : يا رب . هذا أكل أموالنا وهتك أعراضنا فنريد القصاص .

حتي المرأة التي أجهضت جنينها يأتي هذا الجنين يوم القيامة وله صوت كصوت الرعد ويبحث عن أمه التي أجهضته ويأتي بها بين يدي الله يقول : يا رب سل هذه لم قتلتني ؟ ، قال القرطبي في تفسيره : وروى عكرمة عن ابن عباس عن النبي قال: " إن المرأة التي تقتل ولدها تأتي يوم القيامة متعلقا ولدها بثدييها، ملطخا بدمائه، فيقول يا رب، هذه أمي، وهذه قتلتني " . " وإذا الموءودة سئلت . بأي ذنب قتلت " .

الحساب لم يبدأ بعد ، وإذا بدأ الحساب يوم تجتمع البشرية ليوم لا ريب فيه ، فهناك أمام الديان كيف سيكون حال العباد ؟ " وخشعت الأصوات للرحمن فلا تسمع إلا همسا . يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضي له قولا . يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون به علما " . الأمور لن تنتهي بالحياة الدنيا ، بل لابد من الحساب .



رابعا : هذه أمة قائدة لا مقودة ، متبوعة لا تابعة ، لها الإمامة والريادة لسائر البشرية فقط إذا استقامت علي دينها وأطاعت ربها ، فالبشرية في فترات طويلة من الزمن لم تجد طعم الأمان والهدوء والراحة والطمأنينة إلا في يد أمينة وهي يد المسلم ، الذي يحترم العهود والمواثيق ، ويقيم الموازين التي لا تحابي أحدا .

فالمسلم بهذه المقاييس عزيز ، وبغيرها تظل العزة لهذه الأمة حبيسة النصوص الشرعية وليس في واقع الحياة حتي يعرف المسلم : من هو ؟ ولماذا خُلق ؟ وما الذي يجب عليه فعله ؟ فالله جعل المسلم متوجا علي هامة البشرية ، وليس كناسا يجمع حطامها .

· من هو أول من فرض راتبا لكل مولود يولد في الإسلام ؟ أليس عمر بن الخطاب ؟

· من هو القائل لهذه العبارة التي صدروا بها قائمة حقوق الإنسان في العصر الحالي : " متي استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا ؟ " أليس هو عمر بن الخطاب ؟



* وهناك فرق بين العزة والغرور :

العزة لله ولرسوله وهذا مما لا خلاف عليه ، والعزة للمؤمنين موقوفة علي حالهم مع الله ومع دينهم ومدي ارتباطهم بكتاب ربهم وسنة نبيهم ، فمستندهم في ذلك هو الحق . أما الغرور فسنده الباطل وزينة الحياة : " حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلا أو نهارا فجعلناها حصيدا كأن لم تغن بالأمس " .

كانوا في السابق يعتزون بالأنساب والأموال والأحساب ، فغيَّر هذا الدين مفاهيم العزة وعلَّمهم : " إن أكرمكم عند الله أتقاكم " .



الخطبة الثانية


الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام علي سيد المرسلين ، سيدنا ومولانا محمد ، وعلي آله وأصحابه وأزواجه أمهات المؤمنين ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلوات الله وسلامه عليه، سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم .



روي مسلم وأحمد عن النعمان بن بشير عن النبي قال : " مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد: إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى " .

علامة الحياة في الجسد الحي أنه إذا أصيب منه عضو بالألم تداعي له سائر الجسد بالسهر والحمي ، وهذه الأمة ولله الحمد أمة حية وليست أمة ميتة ، وعند الشدائد تحيي سنة الدعاء والتضرع .

وكان النبي إذا حزبه أمر فزع إلي الصلاة كما روي أحمد وأبو داود عن حذيفة ، ونادي : أرحنا بها يا بلال " كما روي أحمد وأبو داود عن رجل ، وعلَّم أمته دعاء الكرب ، فكان يقول عند الشدائد ما رواه أحمد عن عبد الله بن جعفر أن النبي كان إذا حزبه أمر قال: " لا إله إلا الله الحليم الكريم ، سبحان الله رب العرش العظيم ، الحمد لله رب العالمين " .

فهذه الأمة ليس لها إلا الله تتعلق بدينه وتستقيم علي أمره فيحفظها الله من شرور أنفسها ومن شرور أعدائها ، يُروى عن الإمام مالك رحمه الله أنه قال : لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها . وقد أصلح الله أوائلها بالإيمان واليقين ، ويفسد آخرها بالبخل وطول الأمل .

ابدأ بنفسك فأصلحها ، وادع غيرك بالحكمة والموعظة الحسنة ، فالدال علي الخير كفاعله ، والأجور مضاعفة في آخر الزمان ، حينما تكثر الفتن ويقل الأعوان علي الخير ، ويصبح المؤمن غريبا في آخر الزمان ، فطوبي للغرباء .

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
الأب الروحي
أهمية هذا القسم Vip
الأب الروحي


ذكر
ســآعـتي :
التسجيل : 18/06/2008
المساهمات : 11243
عدد النقاط : 31079
المزاج : أهمية هذا القسم Qatary14
المهنة : أهمية هذا القسم Profes10
الهوايه : أهمية هذا القسم Writin10
الدولة : أهمية هذا القسم Male_e10
الأوسمة : أهمية هذا القسم 3h510
التميز : أهمية هذا القسم Domain10

أهمية هذا القسم Empty
مُساهمةموضوع: رد: أهمية هذا القسم   أهمية هذا القسم I_icon_minitimeالجمعة 14 يناير 2011, 7:53 pm

أهمية هذا القسم 68762
أهمية هذا القسم 338902
" أسباب عزة الأمة "




إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له واشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له واشهد أن محمداً عبده ورسوله. { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ } ، { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً } ، { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} .

أما بعد فإن أصدق الحديث كتاب الله وأحسن الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار .



* أخرج البيهقي في الدلائل عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله قال : " أي الخلق أعجب إليكم إيمانا ؟ قالوا : الملائكة . قال : وما لهم لا يؤمنون ، وهم عند ربهم ؟ قالوا : فالأنبياء . قال: فما لهم لا يؤمنون ، والوحي ينزل عليهم ؟ قالوا : فنحن . قال : وما لكم لا تؤمنون وأنا بين أظهركم ؟ ألا إن أعجب الخلق إلي إيمانا ، لقوم يكونون من بعدكم يجدون صحفا فيها كتاب يؤمنون بما فيه " ورواه الطبراني عن ابن عباس بلفظ : " أصبح رسول الله يوما ... ثم قعد للناس فقال: يا أيها الناس من أعجب الخلق إيمانا ؟ قالوا: الملائكة . قال : كيف لا تؤمن الملائكة وهم يعاينون الأمر! قالوا : فالنبيون يا رسول الله. قال: كيف لا يؤمن النبيون والوحي ينزل عليهم من السماء! قالوا : فأصحابك يا رسول الله . فقال: وكيف لا تؤمن أصحابي وهم يرون ما يرون ، ولكن أعجب الناس إيمانا، قوم يجيئون بعدي يؤمنون بي ولم يروني ، ويصدقوني ولم يروني أولئك إخواني " . ورواه البزار عن عمر وأنس بنحوه .

هذه بشرى لكل من لم ير رسول الله ، وكان الحبيب يحب البشرى والأمل ، وينزع من صدور أصحابه وأمته كل معاني اليأس والإحباط والفشل . فأمته أمة مرحومة منصورة محبوبة ، وهي شاهدة علي الأمم يوم القيامة ، وأول أمة تدخل الجنة ، وما ذُكرت أمة من الأمم السابقة في القرآن إلا بالذم والتكذيب ، أما هذه الأمة فذكرت بالمدح والثناء : " كنتم خير أمة أخرجت للناس " .

وليس هناك نبي أحب أمته ودعا لها وكان حريصا علي هدايتها ونجاتها كما كان حرص هذا النبي الكريم الرحمة المهداة والنعمة المسداة ، ويشهد بذلك حديث عائشة : أنها جاءت هي وأبواها، أبو بكر، وأم رومان إلى النبي ، فقالا : إنا نحب أن تدعو لعائشة بدعوة، ونحن نسمع، فقال رسول الله : " اللهم اغفر لعائشة بنت أبي بكر الصديق مغفرة واجبة ، ظاهرة، باطنة " ، فعجب أبواها لحسن دعاء النبي لها. فقال: " تعجبان، هذه دعوتي لمن شهد أن لا إله إلا الله، وإني رسول الله " رواه الحاكم في المستدرك .



* فلا مجال لهذه الأمة أن تقطع حبل الرجاء والأمل ، وقد يتأخر النصر والعز والتمكين عنها لفترة من الزمن حتي تراجع نفسها مع ربها ، وترجع إلي دينها تتعلمه وتعمل به وتدعوا إليه ، فيرجع إليها كل هذه البشريات الموعودة بها في الكتاب والسنة : " ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين " .

والمحبوب عند الله من فيه صفتان : امتثال الأمر ، واجتناب النهي ، فمن أطاع الله في أمره وانتهي عما نهاه عنه فهو المحبوب الذي يباهي الله به الملائكة ، ولا يتركه لنفسه ولا يضيعه في دروب الحياة .

فالمسلم يبدأ بنفسه ولا ينظر لمن حوله ، لأنه سيموت وحده ويدخل قبره وحده ويُبعث وحده ويُحاسب وحده ، فما له وللناس ؟ " قل لا يستوي الخبيث والطيب ولو أعجبك كثرة الخبيث فاتقوا الله يا أولي الألباب لعلكم تفلحون " .



* ومن سنن الله الثابتة أن الأيام دول ، " وتلك الأيام نداولها بين الناس " ، ومن طبيعة الحياة أنها دار متقلبة : فيها الصحة والمرض ، والعسر واليسر ، والفقر والغني ، والنصر والهزيمة ، وقد ينهزم المسلمون في مرحلة زمنية ولكن هذا عارض سرعان ما يزول ، ويبقي الحق في الأرض ، وهذه أيضا من سنن الله : المنصور الذي انتصر في الحياة ليس هو الذي أخذ قطعة من الأرض غصبا ، أو سرق المال نهبا ، لأنه سرعان ما يموت ويرحل عن الأرض والمال ، إنما المنصور هو الذي خرج من الحياة دون أن يبيع عقيدته وإيمانه حتي لو خرجت روحه .

قد يقول قائل : هذه أساطير فهل عليها من دليل ؟ نعم . الدليل ليس كلاما أجوف ، وإنما نماذج عملية من صنع الإسلام العظيم :



1- حرام بن ملحان عندما جاءه سهم قاتل في حلقه فقال وهو في الرمق الأخير : فزت ورب الكعبة !! فقال الرجل الكافر الذي قتله : بأي شيء فاز هذا ؟! فقالوا له : فاز بجنة ربه . فقال : صدق والله وأنا علي دينه . وأسلم . لماذا أسلم ؟ لأنه نظر أن الإنسان يعيش ليربح ويفوز ، أما إذا غادر هذه الحياة فأي فوز وربح هنا سيتحصل عليه ؟ قد نري في الدنيا صورا كثيرة للفوز : من فاز بجائزة . منصب . سيارة . وظيفة ، أما هذا الذي يترك الحياة ويغادرها بما عليها ومن عليها بأي شيء فاز ؟ فاز بجنة ربه .

2- في القرن السادس الهجري حينما زحف التتار وخربوا بغداد ودمروا الشام ، ذهب إليهم مبعوث من البابا في روما ليستميلهم إلي دينه فأبوا ، ورجع إلي روما خاسئا .

وحينما كسرت شوكتهم وانهزموا ، دعاهم المسلمون إلي الإسلام فأسلموا وبنوا أعظم حضارة في وسط آسيا امتدت لثمانية قرون ، بنوا فيها المساجد والمدارس ، وصار منهم علماء وأئمة وحفاظ للقرآن وقوام بالليل . والذي يتصفح التاريخ يري أن النصر الحقيقي علي التتار ليس هو هزيمة أجسادهم في ساحات القتال ، وإنما هزيمة الكفر الذي في قلوبهم ، وكيف استطاعت أمة الإسلام أن تحول أمة همجية جاهلية عمياء هوجاء مثل أمة التتار إلي أمة صالحة مؤمنة عابدة تعمر الحياة بدل أن تدمر الحياة ؟؟



* " ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين " ، أسباب العزة والكرامة والثبات لهذه الأمة المرحومة المنصورة كثيرة منها :

أولا : أنها علي الحق ، ودينها دين الحق ، والذي يستند إلي الحق فهو قوي بالحق ، أما الباطل فهو يدمر النفس من داخلها ، ولا يعطيها القوة والقدرة علي الصمود أمام هموم الحياة .

بضاعتنا رائجة ويتشوف لها العالم كله ، ألوف يدخلون الإسلام كل يوم من القارات الخمس ، وهذا المد الهائل ليس طمعا في المال أو الجاه بل حبا في الإسلام وعشقا لنوره وجماله وهدوئه .

هل تجد دينا قد عني بالإنسان وخاطب ملكاته وخاطب عقله وقلبه كما تجد في الإسلام ؟ تجد فيه منهجا كاملا للاقتصاد والبيوع والمعاملات المالية ، ومنهجا واضحا للأسرة والزوجية والأبناء وعلاقة كلٍ ببعضه ، ومنهجا للعلاقات بين الدول والأمم والشعوب قد امتلأت بها كتب الفقه العامرة ، ومنهجا للعلاقة بين الناس في القضاء والقصاص ، ومنهجا للعبادة وتزكية النفوس ، ومنهجا للهو المباح والترويح عن النفس ، فهو دين للحياة الدنيا وللآخرة معا .

نعم . معنا الحق ، والله حق ، وأرسل رسوله بالحق ، فماذا بعد الحق إلا الضلال ؟



ثانيا : أنها أمة ظاهرة ودينها باق إلي يوم القيامة ، فلا نبي بعد نبينا ، ولا أمة بعد أمتنا ، حتي لو هُزم المسلمون مرة فلن يُهزم الإسلام لأنه دين الله ، وللإسلام رب يحميه .



ثالثا : أنها أمة تفهم معني الحياة ولا تقطعها عن الآخرة ، بعكس الكافر الذي يري الحياة الدنيا جنته فيريد كل شيء هنا ولو بالخطف والسرقة من الآخرين ، لأن الآخرة ساقطة من حسابه ، أما المؤمن فالزمان أمامه فسيح ممتد يعبر به عبر أسوار الحياة الفانية الزائلة إلي الآخرة الباقية فلا يخاف ، لأنه مهما عاش فسيموت وسيموت كل من حوله : " إن إلينا إيابهم . ثم إن علينا حسابهم " .

سيموت الظالم والمظلوم ، وهل من مات قد أُغلق أمره وانتهت قضيته ؟ كلا ، هناك حساب ، من قُتل مظلوما سيأتي يوم القيامة متشحطا في دمائه يمسك بيد قاتله ويقول : يا رب سل هذا لم قتلني ؟ من أكل أموال الناس بالباطل وهتك أعراضهم فسيأتي الخصوم أمامه يوم القيامة يطالبونه بحقوقهم ، يقولون : يا رب . هذا أكل أموالنا وهتك أعراضنا فنريد القصاص .

حتي المرأة التي أجهضت جنينها يأتي هذا الجنين يوم القيامة وله صوت كصوت الرعد ويبحث عن أمه التي أجهضته ويأتي بها بين يدي الله يقول : يا رب سل هذه لم قتلتني ؟ ، قال القرطبي في تفسيره : وروى عكرمة عن ابن عباس عن النبي قال: " إن المرأة التي تقتل ولدها تأتي يوم القيامة متعلقا ولدها بثدييها، ملطخا بدمائه، فيقول يا رب، هذه أمي، وهذه قتلتني " . " وإذا الموءودة سئلت . بأي ذنب قتلت " .

الحساب لم يبدأ بعد ، وإذا بدأ الحساب يوم تجتمع البشرية ليوم لا ريب فيه ، فهناك أمام الديان كيف سيكون حال العباد ؟ " وخشعت الأصوات للرحمن فلا تسمع إلا همسا . يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضي له قولا . يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون به علما " . الأمور لن تنتهي بالحياة الدنيا ، بل لابد من الحساب .



رابعا : هذه أمة قائدة لا مقودة ، متبوعة لا تابعة ، لها الإمامة والريادة لسائر البشرية فقط إذا استقامت علي دينها وأطاعت ربها ، فالبشرية في فترات طويلة من الزمن لم تجد طعم الأمان والهدوء والراحة والطمأنينة إلا في يد أمينة وهي يد المسلم ، الذي يحترم العهود والمواثيق ، ويقيم الموازين التي لا تحابي أحدا .

فالمسلم بهذه المقاييس عزيز ، وبغيرها تظل العزة لهذه الأمة حبيسة النصوص الشرعية وليس في واقع الحياة حتي يعرف المسلم : من هو ؟ ولماذا خُلق ؟ وما الذي يجب عليه فعله ؟ فالله جعل المسلم متوجا علي هامة البشرية ، وليس كناسا يجمع حطامها .

· من هو أول من فرض راتبا لكل مولود يولد في الإسلام ؟ أليس عمر بن الخطاب ؟

· من هو القائل لهذه العبارة التي صدروا بها قائمة حقوق الإنسان في العصر الحالي : " متي استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا ؟ " أليس هو عمر بن الخطاب ؟



* وهناك فرق بين العزة والغرور :

العزة لله ولرسوله وهذا مما لا خلاف عليه ، والعزة للمؤمنين موقوفة علي حالهم مع الله ومع دينهم ومدي ارتباطهم بكتاب ربهم وسنة نبيهم ، فمستندهم في ذلك هو الحق . أما الغرور فسنده الباطل وزينة الحياة : " حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلا أو نهارا فجعلناها حصيدا كأن لم تغن بالأمس " .

كانوا في السابق يعتزون بالأنساب والأموال والأحساب ، فغيَّر هذا الدين مفاهيم العزة وعلَّمهم : " إن أكرمكم عند الله أتقاكم " .



الخطبة الثانية


الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام علي سيد المرسلين ، سيدنا ومولانا محمد ، وعلي آله وأصحابه وأزواجه أمهات المؤمنين ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلوات الله وسلامه عليه، سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم .



روي مسلم وأحمد عن النعمان بن بشير عن النبي قال : " مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد: إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى " .

علامة الحياة في الجسد الحي أنه إذا أصيب منه عضو بالألم تداعي له سائر الجسد بالسهر والحمي ، وهذه الأمة ولله الحمد أمة حية وليست أمة ميتة ، وعند الشدائد تحيي سنة الدعاء والتضرع .

وكان النبي إذا حزبه أمر فزع إلي الصلاة كما روي أحمد وأبو داود عن حذيفة ، ونادي : أرحنا بها يا بلال " كما روي أحمد وأبو داود عن رجل ، وعلَّم أمته دعاء الكرب ، فكان يقول عند الشدائد ما رواه أحمد عن عبد الله بن جعفر أن النبي كان إذا حزبه أمر قال: " لا إله إلا الله الحليم الكريم ، سبحان الله رب العرش العظيم ، الحمد لله رب العالمين " .

فهذه الأمة ليس لها إلا الله تتعلق بدينه وتستقيم علي أمره فيحفظها الله من شرور أنفسها ومن شرور أعدائها ، يُروى عن الإمام مالك رحمه الله أنه قال : لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها . وقد أصلح الله أوائلها بالإيمان واليقين ، ويفسد آخرها بالبخل وطول الأمل .

ابدأ بنفسك فأصلحها ، وادع غيرك بالحكمة والموعظة الحسنة ، فالدال علي الخير كفاعله ، والأجور مضاعفة في آخر الزمان ، حينما تكثر الفتن ويقل الأعوان علي الخير ، ويصبح المؤمن غريبا في آخر الزمان ، فطوبي للغرباء .

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
الأب الروحي
أهمية هذا القسم Vip
الأب الروحي


ذكر
ســآعـتي :
التسجيل : 18/06/2008
المساهمات : 11243
عدد النقاط : 31079
المزاج : أهمية هذا القسم Qatary14
المهنة : أهمية هذا القسم Profes10
الهوايه : أهمية هذا القسم Writin10
الدولة : أهمية هذا القسم Male_e10
الأوسمة : أهمية هذا القسم 3h510
التميز : أهمية هذا القسم Domain10

أهمية هذا القسم Empty
مُساهمةموضوع: رد: أهمية هذا القسم   أهمية هذا القسم I_icon_minitimeالجمعة 14 يناير 2011, 7:56 pm

أهمية هذا القسم 68762
أهمية هذا القسم 338902
" الإدارة في الإسلام "




إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له واشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ } ، { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً } ، { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} .

أما بعد فإن أصدق الحديث كتاب الله وأحسن الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار .



* كل عامل سيجني ثمرة عمله يوم القيامة ، فلن يأخذ أحد سعي أحد ، فكل نفس بما كسبت رهينة " اعملوا ما شئتم إنه بما تعملون بصير" .

والإسلام جاء ليصبغ الحياة بصبغة الإيمان ، ويربط الدنيا بالآخرة ، فدنيانا ليست معزولة عن أخرانا ، فنحن نزرع هنا لنحصد هناك . والمواهب والطاقات نعم الله علي الإنسان ، ومن شكر هذه النعم تسخيرها في مرضاة الله ونفع البلاد والعباد ، " هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها " ، والإسلام علم المسلم معني المسئولية والأمانة ، وعلمه كيف يستعمل النعمة في عمارة الحياة بالأشغال والأعمال وعمارة القلوب والنفوس بالإيمان والطاعات . فالمسئولية و الإدارة في الإسلام علم وسلوك وأمانة ودين ، وجاء التنويه إليها تصريحا وتلميحا في الكتاب والسنة ، قال ربنا سبحانه : " يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة تديرونها بينكم " ، وقال : " كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته " متفق عليه من حديث أنس .

الحمد لله علي نعمة الإسلام الذي صاغ الحياة كلها علي منهج الله كما في العقيدة والعبادة أيضا في المعاملة والمعاشرة والأخلاق ، " ما فرطنا في الكتاب من شيء " .

ولعلم الإدارة والمسئولية ثوابت في ديننا :

* أولا : الناس في طاقاتهم ومواهبهم ليسوا سواءا ، وهذا الاختلاف رحمة وحكمة مقصودة ، ليدلي كل إنسان بسهمه ونصيبه ، فلا يحرم من العمل والأجر أحد ، " وهو الذي جعلكم خلائف الأرض ورفع بعضكم فوق بعض درجات " ، وروي مسلم عن أبي ذر أنه طلب الإمارة من رسول الله فقال له : " يا أبا ذر إنك ضعيف وإنها أمانة " وقال لعمه العباس حينما طلب ذات الأمر : " يا عباس يا عم النبي نفس تنجيها خير من إمارة لا تحصيها " رواه البيهقي عن جابر مرفوعا ، فمع قوة إيمان أبي ذر وصدق اتباعه للنبي رأي فيه الرسول وفي عمه أيضا أن إدارة الأمور تحتاج إلي مواصفات وشروط أخري .

وهذا التباين في الطاقات واضح جلي في نوعية الصحبة التي اختارها الله لتلتف حول نبيه وتحمل عنه أمانة الدين إلي أهل الأرض جميعا في مشارق الأرض ومغاربها :

· فهذا بلال يؤذن ومعه عبد الله بن أم مكتوم .

· وهذا حذيفة صاحب سر النبي وعلي علم بالمنافقين .

· وزيد بن ثابت والمغيرة بن شعبة وغيرهما لكتابة الوحي والرسائل .

· وخالد بن الوليد وعمرو بن العاص وغيرهما لقيادة الجيوش في سبيل الله .

· وحسان بن ثابت وكعب وعبد الله بن رواحة للرد علي هجاء المشركين وأباطيلهم .

· وابن مسعود صاحب النعلين والمطْهَرة لأنه كان فقيها شديد التعلم كان يسأل رسول الله عن الصغيرة والكبيرة ليتعلم .

· وأبو هريرة حافظة الإسلام وموسوعة السنة لشدة ملازمته للرسول .

· وسلمان يدل على فكرة الخندق لما احتاج المسلمون ونعيم بن مسعود الثقفي يعرض خدماته لما أسلم لصد جموع المشركين وأعوانهم عن المدينة المنورة .

· وأبو طلحة يأتي رسول الله بتبرع سخي بستان كبير ، يقول : يا رسول الله ضعها حيث أراك الله ، ومثله فعل أبو الدحداح .

· ووضع التجار إمكاناتهم لنصرة الدين ، فهذا عثمان يحفر بئراً على نفقته ، ويجهز جيش العسرة على نفقته، ويفك أزمة المسلمين في وقت شدة بأن تبرع بالدواب التي حملت تجارة له بما عليها للمسلمين .

· تري أبا بكر الصديق جامعا لذلك كله فقد كان أمة ، وتري عمر شديدا في الحق ، وعثمان حييا عابدا تاليا للقرآن ، وعلي فقيها بدينه عالما بكتاب ربه وسنة نبيه .



* ثانيا : منزلة الإنسان وقيمته فيما يحسنه من قدرة وكفاءة في العمل ، وأخبر النبي أن من علامات الساعة ضياع الأمانة ، ومن ضياعها أن يوسد الأمر إلي غير أهله ، كيف قام نبي الله يوسف بالتخطيط لإدارة أزمة كادت أن تهلك فيها أمم وتزهق فيها أرواح ؟ " قال اجعلني علي خزائن الأرض إني حفيظ عليم " ، استطاع بإلهام الله له في إدارته الحكيمة تصريف شؤون البلاد في حفظ ثرواتها وتخزينها وترشيدها وتوزيعها حتي يأمن الناس علي حياتهم .

كيف كانت الخطة ؟ البداية كانت رؤيا رآها الملك وقام يوسف بتأويلها ووضع لهم القواعد العامة التي يرجع إليها علم الإدارة في عصرنا اليوم والذي يعتمد علي أربع أسس هامة وهي :

· التخطيط .

· وتحديد الأولويات .

· التوجيه .

· المتابعة .

عندما ذكر السبع سنوات الشداد وسبع سنوات الرخاء كيف استغل سبع الرخاء للسبع الشداد ؟ كم مرت دول وشعوب بسنوات رخاء أضاعوا أموالهم فلما جاءت الشداد وإذا ليس لديهم شيء فازدادت ديونهم وزادت مصائبهم ، كم من الناس أورثه والده ملايين وما هي إلا سنوات معدودة فإذا هو يفرط فيها وتضيع منه ، وهل هناك أمة مهما بلغت قوتها وعلومها أن تتحمل القحط والجفاف لسنتين متتاليتين ؟ فكيف بسبع سنين متوالية وقد كانت مصر وقتها مصدرا للطعام لمن حولها ؟ كيف دلهم يوسف علي الخروج من المحنة ؟

1- أمرهم بالعمل الدؤوب مدة سبع سنوات متواصلة لزيادة مخزونهم تحسبا لأيام عصيبة وسنوات عجاف " قال تزرعون سبع سنين دأبا " .

2- أرشدهم إلي حسن التخزين والوقاية من السوس والحشرات والآفات التي تفسد طعامهم ، فأمرهم بترك الحبوب في سنابلها في وقت لم تكن فيه هناك مبردات " فما حصدتم فذروه في سنبله إلا قليلا مما تأكلون " .

3- كانت لديه الشفافية والصراحة فيما يستقبلهم من أزمات ، فليس هناك خداع ولا تدليس ، وإنما مواجهة وتحديد للمشكلة كما هي " ثم يأتي من بعد ذلك سبع شداد يأكلن ما قدمتم لهن إلا قليلا مما تحصنون " .

4- ثم بشرهم بمجيء الغيث والفرج بعد الشدة ، فبعد السبع العجاف سيأتي عام الخصب والرخاء وينزل الغيث ، ومن كثرة الحبوب يعصرونها زيتا وينتفعون به " ثم يأتي من بعد ذلك عام فيه يغاث الناس وفيه يعصرون " . قال قتادة : زاده الله علم سنة لم يسألوه عنها إظهارا لفضله ، وإعلاما لمكانه من العلم وبمعرفته ، وذكر البخاري عن ابن عباس : يعصرون الأعناب والدهن . وقيل : يعصرون السمسم دهنا ، والزيتون زيتا . وقيل : أراد حلب الألبان لكثرتها ويدل علي كثرة النبات ، إنني أشهد أن لا إله إلا الله وأن هذا القرآن هو الحق جاء من عند الحق ، كيف لأحد أن يبشر بنزول الغيث بعد 14 عاما إلا أن يكون نبيا يوحي إليه ؟ ومن علمه علم الاقتصاد وإدارة الأزمات التي تدرس في عصرنا اليوم وهي من مفاخر البشرية ، ولو قرؤوا القرآن بعيون قلوبهم لأيقنوا أن كتاب الله فيه حاجة البشرية إلي يوم القيامة ولا تنتهي عجائبه .



* ثالثا : العدل والنزاهة في تناسب الأجر مع العمل ، " ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون " ، فهذا هو الذي يزرع الثقة بالنفس والطمأنينة بالقلب ومضاعفة الجهد وتجنب الإنسان شعوره بالظلم والإحباط ، فويل لمن شرب عرق الأجير واستوفي منه عمله ثم لم يوفه حقه ، فإن الله سيكون خصمه يوم القيامة ، روي البخاري وأحمد عن أبي هريرة عن النبي قال : " قال الله تعالي : ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة : رجل أعطي بي ثم غدر ، ورجل باع حرا فأكل ثمنه ، ورجل استأجر أجيرا فاستوفي منه ولم يعطه أجره " .

كما أنه من العدل احترام الصغير للكبير ورحمة الكبير علي الصغير ، والكف عن دفن الكفاءات العالية وتشجيعها ونمائها ووضع كل إنسان فيما يناسبه ، روي البخاري ومسلم عن حذيفة : أن النبي قال لأهل نجران : " لأبعثن إليكم رجلا أمينا حق أمين " . فاستشرف لها أصحاب النبي فبعث أبا عبيدة " .

لا يحفظ ألفة القلوب إلا حفظ الحقوق ، فالدين ليس شعارا يرفع ولا دعوي تدعي ، وإنما هو سلوك وبرهان وعمل ، والمسلم الصادق لا ينظر لأخطاء غيره وإنما يبدأ بنفسه ، وإن ضاع حقه هنا فلن يضيع هناك ، " أد الأمانة لمن ائتمنك ، ولا تخن من خانك " .



* إننا نستقي علمنا وفهمنا من كتاب الله وسنة نبيه ، " ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء " ، فهذا سر العظمة لهذه الأمة التي تستغني بدينها عن التسول من شرق أو غرب ، وقالها الفاروق عمر قديما : إن الله أعزنا بالإسلام ولو ابتغينا العزة في غيره لأذلنا الله . من ظن العزة في دابة يركبها أو ثياب يلبسها أو مال يجمعه أو بيت يسكنه فهو واهم ، لا يجني إلا الذل والهوان ، العزة أن تكون لله عبدا طائعا مستقيما .



* كيف كان المسلون الأوائل يديرون حياتهم حتي أخذوا عقول الشرق والغرب انبهارا بهذا النظام والدقة في المعاملة ، صلاة لها مواقيت محددة ، صوم يبدأ وينتهي بمواعيد محددة ، زكاة حددت مواردها ومصارفها وموانعها ومقاديرها ونصابها ووقت خروجها ، حج حددت معالمه ونسكه ، زواج وطلاق وبيع وشراء وميراث وقصاص وقضاء منضبط علي أروع صورة ، دين يعلم المسلم إدارة الحياة كلها بمنهج الله ، هذا دين من ؟ وشرع من ؟ وتدبير من ؟ " إنه الحق من ربك فلا تكونن من الممترين " .

لمحة واحدة من حسن إدارة الرعية يجعلها الغرب الآن قانونا ودستورا ألا وهو فرض راتب لكل مولود حتي لا يهلك جوعا وعطشا ، عمر يعس بالليل ويسمع بكاء طفل في خيمة فيذهب جهة الصوت ويقول لأمه ألا ترضعيه ؟ ثم يمضي فيسمع الصوت فيعود معنفا للأم يقول : إنك لأم سوء ألا ترضعيه ؟ قالت : يا هذا لقد آذيتني الليلة إنني أعجله للفطام ، قال : ولم ؟ قالت : لأن عمر لا يفرض إلا لكل فطيم ، فقال لها : أرضعيه ولا تعجليه وائتني من الغد نفرض له ولكل رضيع . يقول أبو عبيد بن الجراح وكان معه تلك الليلة : فرأيته يبكي ويقول : ويل عمر كم قتل من أولاد المسلمين !! ويقول أبو عبيدة : : ما سمع الناس صوته في صلاة الفجر من كثرة بكائه في الصلاة ، ثم أمر مناديا فنادي " لا تعجلوا صبيانكم علي الفطام فإنا نفرض لكل مولود في الإسلام .

هذا عمر . وهذا ديننا . والحمد لله علي نعمة الإسلام .

الخطبة الثانية


الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام علي سيد المرسلين ، سيدنا ومولانا محمد ، وعلي آله وأصحابه وأزواجه أمهات المؤمنين ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلوات الله وسلامه عليه، سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم .



وأخرج البخاري ومسلم عن عمر أن النبي قال : " إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امريء ما نوى ، فمن كانت هجرته إلي الله ورسوله فهجرته إلي الله ورسوله ، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلي ما هاجر إليه ".

الذي يتقن عمله لله فإنه سيجني ثمرة سعيه وإتقانه بركة في رزقه وعمره وولده ، فليست الأرزاق كلها أموال ، الولد البار المطيع من الرزق ، والزوجة الصالحة التقية من الرزق ، وعافية الأبدان وصحة الأجسام من الرزق ، راحة البال وطمأنينة القلب من الرزق ، التوفيق للطاعات من أعظم أبواب الرزق ، روي الترمذي عن عبيد الله بن محصن عن النبي قال : " من أصبح منكم آمنا في سربه ، معافى في جسده ، عنده قوت يومه ، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها " .

العبادة بمعناها العام تتحقق بكل عمل يرضي الله وفيه نفع للنفس وللناس ، فخير الناس أنفعهم للناس ، فمن ولاه الله إدارة أو عملا فهو في عبادة يتقنها لأنه سيسأل عنها " قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين . لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين " .

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
أهمية هذا القسم
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 2انتقل الى الصفحة : 1, 2  الصفحة التالية
 مواضيع مماثلة
-
» ** القسم الاسلامي **
» قوانين القسم
» أهمية بيت المقدس
» الشوكولا لا يقل أهمية عن ممارسة الرياضة
» أهمية الصلاة في وقتها على جسم الانسان

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
 :: المنتـــــدي الإسـ ـــ ــــلامــــــي :: القسم العام-
انتقل الى: